مقالات

آيار الحاسم فى لبنان

فتحى محمود – هل يكون لبنان بعد آيار (مايو) الحالى غير لبنان قبله، سؤال ستجيب عنه نتائج انتخابات مجلس النواب التى بدأت بالفعل باقتراع المغتربين وتستمر حتى التصويت فى الداخل منتصف الشهر، فالأكثرية النيابية الحالية التى يمثلها تحالف حزب الله وحركة أمل والتيار الوطنى الحر وتيار المردة تسعى بقوة لتكرار ما حققته فى انتخابات 2018 والحفاظ على الأغلبية، فى مواجهة شارع غاضب وأزمات متلاحقة تحاول التحالفات المعارضة لهذا المحور استثمارها خاصة حزب القوات اللبنانية الذى ينافس التيار الوطنى الحر على التمثيل المسيحى ويسعى أيضا إلى احتواء التحالف القديم مع الحزب التقدمى الاشتراكى الممثل الأبرز للدروز، ودعم موقف مرشحى الطائفة السنية الذى تأثر بعزوف زعيم تيار المستقبل سعد الحريرى عن الترشح ودعوته المقربين منه للمقاطعة مما أثار لغطا كبيرا حسمه مفتى لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان بنداءاته المتكررة بصفته المرجع الدينى للسنة بضرورة المشاركة بقوة وعدم المقاطعة.


وبلغة الأرقام فإن عدد الناخبين الإجمالى المسجلين الآن فى لبنان يبلغ ثلاثة ملايين و967 ألفا و507 ناخبين، بزيادة نسبتها 5٫9% على انتخابات 2018، يسعى إلى استقطاب أصواتهم 1043 مرشحا من كل الطوائف والدوائر الانتخابية، للوصول إلى اختيار 128 نائبا لعضوية مجلس النواب الجديد، حسب التقسيم الطائفى للمقاعد تتوزع كالآتي:
الموارنة 34 ، سنة 27 ، شيعة 27 ، روم أرثوذكس 14 ، روم كاثوليك 8 ، دروز 8 ، أرمن أرثوذكس5 ، علويون 2 ، مقعد أرمن كاثوليك، مقعد للإنجيلين ، مقعد أقليات مسيحية.

لكن هذه الأرقام تتداخل فيها عوامل مناطقية وسياسية عديدة، وفى الانتخابات الحالية بالتحديد امتنعت مراكز أبحاث لبنانية كبرى مثل الدولية للمعلومات عن إجراء أى استطلاعات حول توجهات الرأى العام أو النتائج المتوقعة لصعوبة تحديد نسبة الاقتراع نتيجة عدم الثقة فى القوى السياسية المختلفة والأوضاع المعيشية الصعبة التى يمر بها اللبنانيون مما أدى إلى انخفاض حماسهم للمشاركة، والحديث المستمر فى وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى عن انتشار شراء الأصوات مما أدى إلى تبدل مواقف بعض الناخبين، والقوى الأكثر قدرة على تنظيم عملية نقل الناخبين إلى اللجان، وارتفاع إجمالى السقف القانونى للإنفاق على الدعاية الانتخابية إلى 450 مليون دولار، علما بأن الإنفاق الفعلى على الأرض يتجاوز ذلك، وهو أمر مثير للدهشة فى بلد يعانى أزمة اقتصادية ومعيشية حادة وغير مسبوقة، ويعد من أعلى معدلات الإنفاق الانتخابى على مستوى العالم.

إلى جانب التدخلات الإقليمية والدولية التقليدية فى لبنان، التى توصم بعض القوى السياسية بأنهم وكلاء محليون لها، وتفتح المجال إلى تبادل الاتهامات بين القوى المحسوبة على إيران مثل حزب الله وحلفائه فى مواجهة القوى المدافعة الآن عن علاقات لبنان الخليجية مثل حزب القوات اللبنانية وحلفائه، والحقيقة أن المواجهة بين إيران والخليج تطغى على السطح فى الانتخابات اللبنانية الحالية، وهى معركة بدأت بعد العدوان الإسرائيلى على لبنان عام 2006 عندما قام حزب الله بالتوسع السياسى والعسكرى فى آن واحد، على المستوى السياسى بدأ الحزب فى التحرك والمطالبة بالمزيد من النفوذ فى عملية صنع القرار داخل الحكومة، ليقود سلسلة من الاحتجاجات الرامية إلى ذلك، وأعلن رفضه أى حديث عن سلاح الحزب باعتباره سلاح مقاومة ضد إسرائيل.


حتى انتهت ولاية الرئيس إميل لحود، فى 23 نوفمبر 2007، دون وجود رئيس جديد، بسبب عدم التوصل إلى اتفاق بين الفرقاء و تولت الحكومة برئاسة فؤاد السنيورة مهام إدارة البلاد، وعندما اكتشفت فى مايو 2008 قيام حزب الله بمد شبكة هاتفية خاصة به على طول الأراضى اللبنانية واعتبرتها شبكة غير شرعية، فاحتلت عناصر حزب الله المسلحة العاصمة بيروت ونفذت عددا من الاعتداءات المسلحة، ضد الأهالى وأحرقت مقار تيار المستقبل، وقد عمدت قوى سياسية ونشطاء لبنانيون خلال الأيام الأخيرة إلى التذكير بهذه الأحداث فى ذكرى وقوعها (7 مايو آيار) لتأكيد أن سلاح حزب الله يستخدم فى الداخل اللبنانى وليس لمقاومة إسرائيل.
إلى جانب انخراط حزب الله فى الحرب السورية، ودعمه الحوثيين فى اليمن وأطرافا فى العراق واحتضان المعارضة الشيعية المحظورة فى البحرين، الأمر الذى شكل أزمة للبنان الذى أقر منذ البداية اختيار سياسة (النأى بالنفس) عن الأوضاع الراهنة، وتسبب فى أزمة كبيرة مع دول الخليج.

والحقيقة أن البرلمان اللبنانى الجديد يكتسب أهمية ضخمة نظرا للمهام التى تنتظره وعلى رأسها انتخاب رئيس جمهورية جديد للبلاد بعد أن أوشكت ولاية الرئيس الحالى ميشال عون على الانتهاء، ولذلك تسعى مختلف القوى السياسية لتعزيز مواقعها به، خاصة أن المعادلة التى أتت بعون رئيسا لم تعد موجودة بنفس الشكل، فالحريرى انسحب من المشهد وجعجع يقود المعارضة، ويسعى عون لأن يكون صهره جبران باسيل رئيس الجمهورية القادم، لكن ذلك أصبح فى منتهى الصعوبة، بعد ما شهدته فترة ولاية عون الرئاسية من نكسات كثيرة سياسية واقتصادية واحتجاجات جماهيرية ومأساة انفجار مرفأ بيروت.

علاوة على موقف نبيه برى (84 عاما) أقدم سياسى لبنانى حاليا وأقدم رئيس برلمان فى الوطن العربى منذ انتخابه رئيسا لمجلس النواب عام 1992 وحتى اليوم، والحليف التقليدى لحزب الله حيث يتقاسمان التمثيل السياسى للطائفة الشيعية، الذى يعارض بشدة وصول باسيل إلى سدة الرئاسة.
بينما يهم المواطن العادى الآن أن يعرف كيف سيتمكن مجلس النواب الجديد من حل الأزمات الطاحنة التى يعانيها لبنان، والقيام بالإصلاحات الاقتصادية والبدء فى حل مشكلة تأمين الكهرباء وإصلاح القطاع المصرفى وضمان حقوق وأموال المودعين، البعض يائس من إمكانية وقوع تغيير فى تركيبة البرلمان الجديد، والبعض مازال لديه أمل، والجميع ينتظر آيار الحاسم.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى