أبعاد زيارات الرئيس الصومالى لثمانى دول ومنظمات إقليمية
بقلم عاطف صقر -زيارات الرئيس الصومالى الجديد حسن شيخ محمود لكل من: الإمارات، إريتريا، تركيا، كينيا، جيبوتى، مصر، وجامعة الدول العربية، وتنزانيا(لحضور قمة دول مجموعة شرق أفريقيا لتجديد طلب انضمام الصومال للمجموعة)- تأتى وسط ظروف صومالية وشرق أفريقية مميزة، ولها أبعاده فالزيارات استهل بها الرئيس الجديد فترة رئاسته متأثراً بتحالفاته وبرنامجه الذى فاز به على منافسه وسلفه فرماجو. وترتب على ذلك انتهاج محمود سياسات مغايرة لسياسات فرماجو، على المستويين الصومالى والدولى.
فعل المستوى الصومالى، اتجه محمود إلى تحسين العلاقات مع الأقاليم الصومالية، سواء التى صوتت معه أو ضده فى الانتخابات الرئاسية؛ مما يعنى الابتعاد عن سياسات الانتقام .والتقى محمود مع رؤساء الولايات الخمس(بونتلاند، هيرشبيلى، غلمدوج، جنوب غرب الصومال، جوبا لاند)،فى العاصمة مقديشو. وبحث معهم تحسين علاقات حكومات الأقاليم مع الحكومة الفيدرالية الصومالية، وطى صفحة الماضى؛ لتسهيل التصالح بين الصوماليين. وجاء ذلك قبل أن يبدأ الرئيس الجديد زياراته الخارجية؛ لاستكمال تحقيق شعاره الانتخابى الخاص بصومال متصالح مع نفسه ومع العالم.
فعلى المستوى الدولى، فإنه استبدل تحسين العلاقات مع الإمارات بالتوتر الذى صنعه سلفه فرماجو، الذى أثر سلباً على علاقات الإمارات مع الصومال، فى ظل تنسيق فرماجو مع دولة خليجية أخرى تمارس سياسات معارضة لسياسات الإمارات بالصومال. وعكست زيارته الإمارات ،كأول دولة يزورها بعد توليه الرئاسة، أهمية الإمارات بالنسبة لسياسته الخارجية؛ وسط تقارير عن أن “دولة خليجية ثرية” كانت أكبر مساهم فى حملته للانتخابات الرئاسية، وأن هناك دولاً أخرى قريبة منها
ساهمت بقدر ضئيل. فالسياسة الإماراتية معروفة باعتدالها، ومواجهة التطرف؛ مما يتلاقى مع برنامج الرئيس الصومالى بمساندة الفكر المعتدل ومواجهة التطرف من جانب “حركة الشباب الصومالية”. كما تساهم الإمارات بمساعدات للصوماليين، وآخرها منحة بـ20 مليون درهم لمواجهة الجفاف، وإعادة افتتاح مستشفى الشيخ زايد بمقديشو للعلاج المجانى، وتسهيل دخول الصوماليين للإمارات. وبالتالى، فإن نتائج الزيارة تصب فى تحسين الوضع المعيشى للصوماليين.
وجاءت الزيارة الثانية لـ”إريتريا”؛ التى تعد من دول القرن الأفريقى مثل الصومال. وتميزت بأنها جاءت على خلفية مظاهرات ضد فرماجو ، لإرساله-سراً- نحو خمسة آلاف جندى لأريتريا، تحت زعم التدريب، لكن تسربت معلومات عن إنه تم إرسالهم للقتال إلى جوار القوات الإريترية والإثيوبية؛ التى حاربت فى إقليم التيجراى الذى كان يقاتل ضد حكومته الإثيوبية. ووعد الرئيس محمود
بطمأنة أهالى الجنود؛ لهذا كان إعلان لقائه مع جنود فى معسكراتهم. ولم يتضح مدى الارتباط بين هذا العدد- غير المعتاد- من الجنود وبين الاتفاق بين فرماجو ورئيس إريتريا أسياس أفورقى ورئيس الوزراء الأثيوبى آبى أحمد عام 2018؛ والذى أعقبته حرب حكومة أثيوبيا على التيجراى، وانضمام قوات إريترية لأثيوبيا فى الحرب؛ مما أثار الشكوك. حول مصير الجنود الذين توارت الأنباء عنهم؛ وبالتالى فإن الزيارة أراحت أهالى الجنود، وفتحت صفحة جديدة مع رئيس دولة لم يحضر حفل تنصيب الرئيس الصومالى.
وجاءت زيارة الرئيس الجديد لتركيا لتؤكد أنه يجنى مكاسب موقف حكومته-عندما كان رئيساً فى الفترة من 2012-2017- الرافض لمحاولة الانقلاب الفاشلة ضد الرئيس التركى أردوغان عام 2016.وزيادة على ذلك، فإن تركيا لها مركز بالعاصمة الصومالية لتدريب القوات الصومالية على مكافحة الإرهاب، فضلاً عن أن الرئيس الصومالى اعتبر أن تركيا قدمت خدمات تعليمية وطبية للصومالى العادى وليس للسياسيين. وارتفع التبادل التجارى بين البلدين إلى 280 مليون، من 8 ملايين دولار قبل 11عاماً.
وعاد الرئيس الصومالى إلى دول الجوار بزيارة كينيا الواقعة جنوبى الصومال، التى توترت علاقاتها مع الصومال فى فترة فرماجو. وحققت الزيارة مكاسب منها: الاتفاق على استئناف صادرات “القات”- وهو مادة منبهة يستفيد من تجارتها كثير من الصوماليين- إلى الصومال ، وفتح أسواق كينيا أمام منتجات الأسماك الصومالية، وفتح الحدود بين البلدين لتسهيل حركة الأفراد وتعزيز التبادل التجارى، والتنسيق الأمنى لمواجهة الإرهاب، والتعاون لتسهيل الإغاثة، والاستعداد لمناقشة العمليات الأمنية المشتركة وتبادل المعلومات الاستخبارية.
ولوحظ أن الرئيس الصومالى توجه مباشرة من كينيا- فى الجنوب- لزيارة جيبوتى شمال الصومال؛ ليؤكد أهمية العلاقات مع جيبوتى، التى يشكل العرق الصومالى الأغلبية فيها. وبدت التوجهات السياسية مميزة، بعد فترة فرماجو التى شهدت تخفيض العلاقات مع جيبوتى. واتفق الرئيسان على إعادة الأوضاع بحيث تكون مستقرة وصحية، ولمواجهة الأزمة فى القرن الأفريقى.
وعقب حضور قمة لمجموعة شرق أفريقيا ،بتنزانيا؛ لتجديد مساعى الصومال لاكتساب عضوية المجموعة التى تتيح فرصاً للتجار الصوماليين، جاءت زيارة الرئيس الصومالى لمصر، وجامعة الدول العربية. وتميزت زيارته لمصر بالتركيز على الاستفادة من خبراتها فى التعليم، حيث بنت مدارس وترسل بعثات تعليمية. كما تشارك مصر فى تقديم مساعدات أمنية وخدمات طبية للصوماليين، وتابع الرئيسان المصرى والصومالى تعزيز التعاون فى محاربة الإرهاب، وأهمية تعزيز الاستقرار والأمن فى هذه المنطقة الاستراتيجية، والتدريب لبناء قدرات الصوماليين فى كل المجالات، وحصل بنك مصر على رخصة لافتتاح فرع له بالصومال، وهو من أول بنكين-الثانى تركى- يتم منحهما الترخيص بالصومال منذ 30 عاماً؛ على أمل أن يعزز افتتاح الفرع التواجد التجارى والاستثمارى بما يفيد الطرفين. وقد زادت الصادرات المصرية للصومال خلال 2021،لتصبح نحو 63 مليون دولار .
كما نبهت الزيارة إلى الخطر المائى الأثيوبى المشترك على كل من مصر والصومال، بعد أن كانت قد أنشأت سداً على نهر شبيلى المتجه للصومال، مما خفض كميات المياه المتدفقة للصومال؛ فى حين تواصل أثيوبيا مشروع سد النهضة ،وسط تحذيرات من مخاطره على الموارد المائية المصرية، فى حال عدم وجود اتفاق ملزم على ملء وتشغيل سد النهضة، بناء على بيان رئاسة مجلس الأمن الدولى فى سبتمبر 2021، للحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليميين. لهذا أكد الرئيسان المصرى والصومالى على ضرورة الالتزام بمبدأ التعاون والتشاور بين الدول المتشاطئة، حول سد النهضة، لضمان عدم الضرر على أى منهم، وفقاً للقانون الدولى.
وأسفرت زيارة الرئيس الصومالى للجامعة العربية عن استمرار دعمها للصومال-عضو الجامعة- فى مجالى الصحة والتعليم، والتنسيق مع الدول العربية والمنظمات الدولية ؛لمواجهة أزمة الجفاف والأمن الغذائى بالصومال.
ويؤكد كل ذلك أن الرئيس الصومالى انتهج سياسة جديدة تستهدف إصلاح أخطاء سلفه، وتحقيق مكاسب للمواطن الصومالى.