بقلم: أحمد إبراهيم عامر
-يوم 3 أكتوبر عام 1912 بمدينة لوزان السويسرية وتحديدا داخل قلعة أوشى أجبرت الدولة العثمانية على التوقيع معاهدة مع إيطاليا بموجبها انسحبت وسلمت ليبيا بالكامل إلى إيطاليا وبعد مائة عام وفى نفس اليوم 3 أكتوبر 2022 يرسل اردوغان وفدا حكومي رفيع المستوى من وزراء الخارجية والدفاع والاتصالات إلى طرابلس لتوقع مع حكومة الوحدة الوطنية، والتي تعرف باسم حكومة “الدبيبة” اتفاقية موسعة .
وتشمل محاور مختلفة عسكرية واقتصادية وتعطى للجانب التركى حقوق قد تستمر عشرات السنين إذا استطاع اردوغان أن يضعها حيذ التنفيذ أهمها هيمنه تركيا على مشاريع التنقيب على النفط والغاز في كامل المنطقة الاقتصادية البحرية الليبية بجانب الاشراف والاولوية في التعاقد على كافة مشاريع صيانة شركات النفط وخطوط الانابيب والتدخل في جميع الخطط المستقبلية الخاصة بقطاع النفط والغاز هذا بجانب اتفاقيات في مجال الاتصالات ، كما أن الجزء العسكرى من الاتفاقية يتيح ويؤكد استمرار التواجد العسكرى التركى المباشر على الأراضى الليبية واستمرار سيطرة تركيا على عدد من القواعد العسكرية الهامة بالغرب الليبي منها قاعدة مصراته البحرية وقاعدة الواطية الجوية وقاعدة ميعتيق بالعاصمة الليبية طرابلس .
مدلول تاريخ ابرام الاتفاقية بعد مائه عام على خروج الاتراك من ليبيا يريد منها أردوغان ارسال رسالة للعالم وتحديدا للقارة العجوز الأوروبية وهى مشغولة في التصعيد الروسى وما قد ينتج عنه من أزمة شتاء قارص بسبب توقف الغاز الروسى يريد أن يؤكد أن الدولة التركية عادت من جديد إلى ليبيا وأنها أصبحت أحد الدول المؤثرة والكبيرة مرة أخرى.
أما الجانب الأخر هو استغلال اردوغان لهذا الاتفاق ليضع موضع قدما في خريطة غاز شرق المتوسط ، بل يريد أن يكون لاعب اساسى فى طاولة المفاوضات الخاصة بتقسيم غاز شرق المتوسط، ولذلك اكدت الاتفاقية التي وقعت مع حكومة الوحدة الوطنية مرة أخرى على ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين والتي وقعت بين تركيا وحكومة فائز السراج عام 2019 والتي رفض البرلمان الليبى التصديق عليها ورفضها المجتمع الدولى وقتها ولم تدخل حيز التنفيذ .
وإذا كانت تلك هي أطماع وحلم اردوغان في ليبيا فحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة والتي شكلت بموجب الاتفاق السياسي الليبي الذى عقد في جنيف عام 2020 وانتهت مدتها بموجب نفس الاتفاق وتعانى من فقدها الشرعية الدستورية بعد اصدار البرلمان قرار بانتهاء اعمالها وتشكيل حكومة جديدة برئاسة السيد فتحى باشاغا وتحصلها على الشرعية البرلمانية لبدء عملها ورغم ذلك يتمسك عبدالحميد الدبيبة بالاستمرار في السلطة ورفض تسليم السلطة للحكومة الجديدة مما نتج عن ذلك مواجهات عسكرية مسلحة “محدودة” خلال الأشهر الماضية بين عدد من الميليشيات داخل العاصمة الليبية طرابلس وعدم تمكن الحكومة الجديدة من دخول العاصمة الليبية، لتصبح في ليبيا مرة أخرى حكومتين تتنازعان على السلطة لذلك لجأ بطيب خاطر أو أضطر مجبرا “عبدالحميد الدبيبة” أن يختار توقيع اتفاقية مجحفة مع الجانب التركى تكون ثمنا وقربانا يقدم لاردوغان للاستمرار في دعمه واستمرار حكومته المنتهية الولاية في الحكم.
وعلى المستوى الدولى تم التنديد بهذة الاتفاقية على نطاق واسع ففور الإعلان عن توقعها خرج بيان مشترك مصري يونانى يندد ويدين هذا الاتفاق الغير قانونى حيث أوضح أنه لا يحق لحكومة منتهية الشرعية الدستورية ابرام اتفاقية دولية وتوالت البيانات الغير مرحبة والغير معترفة بتلك الاتفاقية من قبرص ودول الاتحاد الأوروبى حتى الولايات المتحدة الأمريكية لم ترحب بتلك الاتفاقية.
وبالرجوع مرة أخرى الى الداخل الليبي نجد رئيس البرلمان الليبى المستشار عقيلة صالح رغم أنه زار تركيا خلال الشهر الماضى ولبى دعوة البرلمان التركى والتقى مع أردوغان ظنا منه أنه يستطيع أن يجد دعم تركى لتمكين حكومة فتحى باشآغا من دخول طرابلس إلا أنه اصدر بيان يدين هذه الاتفاقية، كما أصدرت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الليبى بيان يعرب عن رفض البرلمان لتلك الاتفاقية، في حين التزمت القيادة العامة للجيش الليبى بعدم الدخول في الشأن السياسى الا انها صرحت أن جميع الأراضى الليبية بما فيها المنطقة الاقتصادية البحرية نحن قادرون على حمايتها وعدم المساس بها في إشارة غير مباشرة أنها لن تسمح بالتنقيب بموجب اتفاقيات مع حكومة منتيه الولاية.
في حين يشعر المواطن الليبي بمراره شديدة ويرفض تلك الاتفاقية والتي يعتبرها احتلال مباشر من تركيا ويعى تماما المخطط التركى للسيطرة الاستعمارية على موارد الدولة الليبية ولكن مع استمرار سيطرة الميليشيات المسلحة على العاصمة الليبية مع وجود عسكرى تركى مباشر مساند وداعم لهذه الميليشيات لايستطيع أن يتحرك ورغم ذلك ظهرت عدد من حركات الحراك الشعبى الرافض لكل الأجسام السياسية منها حراك شبابى تحت اسم “اغضب” الذى ظهر مؤخرا بمدينة بنغازى وانتشر لعدد من المدن الأخرى .
لتكون الاتفاقية التركية الليبية “المعيبة” حجز عسر جديد ينضم لترسيخ الانسداد السياسى الليبى وتستمر الازمة الليبية رما سنوات قادمة بدون الوصول لشكل دائم موحد متفق عليه لسلطة واحدة تسيطر على كامل ليبيا شرقا وغربا، ولكن المؤكد أن هذه الاتفاقية تبقى “حبر على ورق” يستخدمها اردوغان كورقة ضغط لاستمرار تواجده داخل الأراضى الليبية.