مقالات

لقاء موسكو والأزمة السورية

بقلم فتحى محمود- انتهى العام المنصرم بلقاء لم يحدث منذ 11 عاما، حيث انعقدت فى موسكو محادثات ثلاثية بين وزراء دفاع كل من روسيا وسوريا وتركيا، جرى خلالها بحث سبل حل الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين، والجهود المشتركة لمكافحة الجماعات المتطرفة فى سوريا، حسب البيان الصادر عن وزارة الدفاع الروسية، لكن كل طرف فيهم كانت له أغراض أخرى من هذا الاجتماع.

فالطرف الروسى الذى عارض كثيرا التدخلات التركية فى شمال سوريا، أصبح الآن بحاجة للتعاون مع تركيا فى مجالات كثيرة على ضوء تطورات الحرب الروسية الأوكرانية، وكانت تركيا وسيطا مهما فى هذه الحرب خاصة فيما يتعلق بضمان نقل الحبوب والأغذية من أوكرانيا إلى العالم، بعد أن تسببت الحرب فى أزمة غذاء عالمية، وموسكو تراهن على أن تعرقل أنقرة الموافقة على ضم السويد وفنلندا إلى حلف الناتو لأطول فترة زمنية ممكنة لتكون الحرب الروسية الأوكرانية قد انتهت بشكل أو بآخر،  كما تسعى روسيا لضمان حيادية تركيا فى الحرب الأوكرانية وعدم تنفيذها العقوبات الأوروبية والغربية خاصة بعد تحديد سقف البيع للنفط الروسى، بينما تسعى تركيا لحل أزمة اللاجئين السوريين الموجودين لديها والذين يشكلون عبئا اقتصاديا كبيرا عليها، بالإضافة إلى توسيع نطاق وجودها فى شمال سوريا الذى كانت تعارضه روسيا والمجتمع الدولي.

والأطراف الثلاثة لديهم خلاف حول بعض الملفات المهمة التى بحثت فى لقاء موسكو مثل ملف الإرهاب، فتركيا تقصد من الحديث عن الإرهاب الجماعات الكردية المناوئة لها فى شمال سوريا، بينما روسيا تقصد بالإرهاب الجماعات الإسلامية المتطرفة مثل داعش وأخواتها الموجودة فى نفس المناطق والتى نجحت قوات (قسد) الكردية فى التصدى لها وهزيمتها بدعم من التحالف الدولى مما يعد نجاحا كبيرا للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، فروسيا تخشى من تسلل إرهابى داعش إليها أو من تجنيد عناصر إرهابية تحاول النفاذ إلى وسط آسيا أو القوقاز (الشيشان وداغستان)، حيث مسلمو الاتحاد الروسى، الذى يبلغ عدد المسلمين فيه ما يقرب من 30 مليونا نحو 20% من عدد السكان مرشحون للزيادة فى ظل الأزمة الديموجرافية التى يشهدها العرق السلافى فى روسيا، ولذلك فإن البيان الختامى للقاء موسكو تحدث عن مكافحة الجماعات المتطرفة فى سوريا دون تحديد.

ورغم أن مسار أستانة للسلام فى سوريا، جمع هذه الأطراف من خلال محادثات جرت بين ممثلي   الدولة السورية وعدد من قادة فصائل المعارضة السورية برعاية روسيا وتركيا فى العاصمة الكازاخستانية) “آستانا” استانة ( فى 23 و24 يناير 2017، واستمرت بعد ذلك دون إحراز أى تقدم وفشلت، إلا أن هذا المسار لم يكن بهدف تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا، ولذلك لم تطرح عليه أى قضايا مشتركة بين الجانبين.

والحقيقة أن منطقة الشرق الأوسط كانت ومازالت لها أهمية كبيرة لروسيا، فالشرق الأوسط يفتح الطريق أمام روسيا لإفريقيا ووسط العالم وبالتالى لجنوب آسيا، وأى تهديد سواء كانت نزاعات بين جيوش فى تلك المنطقة أو خطر عمليات إرهابية أو حتى حرب أهلية فى إحدى الدول بمنطقة البحر المتوسط هو مدعاة لقلق روسيا، وقبل ما يسمى الربيع العربى استطاعت موسكو بناء جسور علاقات جيدة مع اللاعبين الرئيسيين من دول منطقة الشرق الأوسط, بما فى ذلك إسرائيل وإيران، وحتى مع الحركات السياسية التى تصنفها واشنطن وإسرائيل على أنها إرهابية  مثل حركة حماس وحزب الله، مما أتاح لموسكو فرصة، أحياناً، أو دورا سواء فى التهدئة أو إطفاء نزاعات حالية أو مستقبلية.

ولا شك فى أن تحسن العلاقات الاقتصادية ومشاريع الطاقة ــ حسبما يرى المراقبون ــ لعب دورا حيويا فى تدعيم العلاقات بين أنقرة وموسكو، على الرغم من أن مناطق مثل القوقاز وآسيا الوسطى، ظلت تمثل مساحة للتنافس بين البلدين فى حقبة ما بعد الحرب الباردة، لكن الظروف دفعت بعد ذلك بالعلاقات بين البلدين إلى مرحلة جديدة أكثر واقعية، وأصبح التركيز فيها على التعاون بدلاً من الصراع، ولذلك تم توقيع ما صار يعرف بـ  خطة العمل المشتركة للتعاون فى أوروسيا فى 10 نوفمبر 2001، وهى الوثيقة الأولى التى تحدثت عن إقامة شراكة متعددة الأبعاد بين روسيا وتركيا.

لا شك فى أن روسيا مهتمة بالدرجة الأولى،سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فى علاقاتها بالشرق الأوسط بمصالحها الأمنية بالدرجة الأولى, بالإضافة بالطبع للعلاقات الاقتصادية، ويمكن تلخيص المهام الروسية لتحقيق ذلك بأنها تسعى إلى تجنب عدم الاستقرار فى المنطقة، الذى تعتقد موسكو أنه بلا شك سيقترب من حدودها خاصة فى المناطق المسلمة من روسيا شمال القوقاز ووسط آسيا المتاخم لحدود روسيا الجنوبية، وفى سوريا أربعة لاعبين أساسيين هى تركيا وروسيا والولايات المتحدة وإيران، فالأولى ترى فى سوريا داعما رئيسيا لحزب العمال الكردستانى ودولة لها حدود مشتركة طويلة معها، وأن الحزب الكردى يشن هجماته انطلاقاً من سوريا أو العراق, ومن ثم يجب إنشاء منطقة عازلة فى شمال سوريا، وروسيا ترى أنه فى حال انتصار الإسلاميين فى سوريا سيكون ذلك خطرا داهما عليها سواء فى شمال أو جنوب القوقاز أو وسط آسيا، كما أن سوريا منحتها مقرا آمنا فى شرق المتوسط، يمكنها أن تستخدمه عند الحاجة إليها فى المنطقة، وايران تشكل مصالحها تناقضا واضحا مع باقى الأطراف، ولذلك يرى البعض أن روسيا لا تريد أى تغيير فى الوضع الحالى فى سوريا، فهذا الوضع يسمح لها بلعب دور فى أى تسوية قادمة فى الشرق الأوسط، خاصة فى الملف السورى، وأن لقاء موسكو لن يكون له أثر كبير على الأرض أو فى حل الأزمة السورية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى