مقالاتياء

توتر متصاعد: أزمة البالون وأسباب الاحتقان بين التنين الأصفر وبلاد العم سام

تحليل د. فرناز عطية – باتت أجواء التوتر والخلاف ترسم الطابع العام للعلاقات الصينية – الأمريكية في الآونة الأخيرة على الرغم من اجتماع الرئيسين “جو بايدن” و “شي جينبينغ” على هامش قمة مجموعة العشرين نوفمبر 2022، وتأكيدهما على تجنب الصراع وتخفيف حدة التوتر بين البلدين، وعلى هامش مؤتمر ميونخ للأمن الذي افتتح 17/2/2023 بألمانيا عقد لقاء بين وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” ونظيره الصيني “وانغ يي” السبت 18/2/ 2023حيث أجريا محادثات صريحة ومباشرة بعيدة عن وسائل الإعلام، وخلال اللقاء حذر “بلينكن” نظيره الصيني من “تداعيات وعواقب” ستطاول بكين إذا تبين أنها قدمت دعمًا ماديًا إلى موسكو في حربها على أوكرانيا، أو مساعدتها في الالتفاف على العقوبات الغربية.

وجدير بالذكر أن الجيش الأمريكي قد أسقط منطادًا صينيًا حلّق فوق ولاية مونتانا بالأراضي الأمريكية حيث اعتبرته الولايات المتحدة إحدى الوسائل التي ساقتها الصين للتجسس على واشنطن، وفي هذا السياق اتهم صقور الحزب الجمهوري الرئيس الديمقراطي “بايدن” بتعريض الأمن الأمريكي للخطر عبر التباطؤ في إسقاط المنطاد، فما كان من “بايدن” إلا أن ألغى زيارة كان مزمعًا أن يقوم بها وزير خارجيته إلى بكين، كذا تم اكتشاف ثلاث بالونات أخرى ”غامضة” في كندا والولايات المتحدة لم يتم التأكد من تبعيتهم للصين، ويذكر أن بكين أبلغت الولايات المتحدة أن المنطاد الصيني مدني وغير مأهول، ويستخدم في بحوث الطقس، وقد أدى تأثره بالرياح وقدرته المحدودة على التوجيه الذاتي إلى الانحراف عن مساره ودخول المجال الجوي الأمريكي، وحثت بكين واشنطن على التعامل مع الواقعة بطريقة عقلانية، وفي تبادل للاتهامات ذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية “وانغ وين” أن المجال الجوي الصيني شهد العام الماضي رحلات غير قانونية لبالونات أمريكية دون موافقة الإدارات الصينية ذات الصلة، وفي المقابل نفت واشنطن هذه الاتهامات.

ومن الناحية المنطقية يصعب أن تغامر الصين بإرسال بالون تجسس يسهل اكتشافه من قبل الأمريكان، ناهيك عن الأجواء الدولية التي يرسل في ظلها هذا البالون، والتي تجعل الولايات المتحدة في حالة ترقب وتربص مستمر بالصين، والتوقيت الذي تزامن مع الزيارة الأولى التي كانت مقررة لوزير الخارجية الأمريكي إلى الصين منذ 2018، حيث يرجح البعض بأن تكون للصين رغبة في تأجيل هذه الزيارة بشكل أو بآخر.

وفي هذا السياق نجد أن واشنطن عمدت إلى تضخيم حادثة البالون، وذلك لعدة أسباب تتمثل في:

  • أن هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها بكين لإرسال مثل هذا البالون، فهي تعمد إلى استخدام التقنيات التكنولوجية للتجسس على واشنطن، لاسيما وأن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى ذكر في أواخر 2021، أن المكتب يفتح تحقيقًا جديدًا لمكافحة التجسس الصيني كل 10 ساعات، وأن هناك نحو 2000 قضية نشطة، معظمها مرتبط بالتجسس الاقتصادي من قبل بكين، ويذكر في هذا السياق أن الشركة الصينية المالكة لتطبيق الـ”تك توك” أعلنت في ديسمبر 2022 أنها لجأت للتجسس على مراسلين وصحافيين أمريكيين، وأن المعلومات التي جمعتها وصلت إلى مقرات الشركة في الصين.
  • استثمار الولايات المتحدة الواقعة كذريعة لاستمرار سياسة فرض القيود الاقتصادية على بكين وخنقها تكنولوجيًا، حيث توصلت واشنطن لاتفاق مع كل من اليابان وهولندا يقضي بفرض قيود على الصادرات من المعدات المتقدمة لتصنيع الرقائق الإلكترونية إلى الصين، بهدف عزل بكين عن سلاسل التوريد الخاصة بالرقائق الإلكترونية والحيلولة دون وصولها إلى تكنولوجيا أشباه الموصلات الحساسة، خاصة وأن بكين سنت قوانين تسمح لها بالاستحواذ على التكنولوجيا التي تستخدمها الشركات الأجنبية، ومن ثم مصادرتها على أراضيها.
  • اعتبار بعض المسؤولين الأمريكيين حادثة البالون بمثابة تحدٍ من بكين للولايات المتحدة بعد تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في كثير من الدول الآسيوية كالفلبين وفتح قواعد عسكرية جديدة هناك، والموقف الأمريكي من ملف تايوان، إلى جانب الدعم الأمريكي العسكري المكثف لليابان في مقابل الدعم الصيني لروسيا وإيران وكوريا الشمالية.
  • وجود معلومات استخباراتية لدى واشنطن تفيد بعزم الصين تزويد روسيا بأسلحة لدعمها في حربها ضد أوكرانيا، حيث ترى الولايات المتحدة أن الحياد الصيني والمبادرة التي تقدمها لحل الأزمة الأوكرانية سلميًا، ما هي إلا مراوغة من بكين خشية أن يؤثر ذلك على سمعة بكين دوليًا وعلاقاتها التجارية مع الدول الأوروبية التي تحرص على استمرارها وتطورها.

    ويذكر أن حادث البالون الصيني قد كشف عن الاحتقان في العلاقات بين البلدين كما أنه أدى في نفس الوقت إلى مزيد من الاحتقان والتوتر، حيث تبادلت الدولتان فرض العقوبات على شركات التابعة للطرف الآخر، فقد فرضت الولايات المتحدة بعد حادث البالون عقوبات استهدفت 6 كيانات صينية أدرجت على القوائم الأمريكية السوداء، هي: نينجانج لتكنولوجيا الفضاء، مجموعة الصين التكنولوجية المتقدمة، مؤسسة الاستشعار عن بعد الصينية، مؤسسة إيجلز لعلوم الطيران، ومعهد جوانزو لتكنولوجيا الطيران، بالإضافة إلى مؤسسة شانكسي إيجلز لعلوم الطيران والملاحة الجوية و تكنولوجياتهما، بينما فرضت الصين في المقابل عقوبات على عدد من شركات الدفاع الأمريكية هما: (لوكهيد مارتن) و (ورايثيون)؛ لقيامهما بإمداد تايوان بالأسلحة على خلفية الخلاف الدائر بشأن البالون.

    ومن الوارد أن تحتدم الخلافات بين بكين وواشنطن ولكن الأمر من المستبعد أن يصل إلى حد احتواء الصين ومحاصرتها وتطويقها أو مقاطعتها كما تنادي بعض الأصوات داخل الولايات المتحدة الأمريكية، أو تقزيم دورها في الأسواق العالمية، لأن ذلك قد يلحق الضرر بالولايات المتحدة ذاتها، لاسيما من الناحية الاقتصادية، فبكين أنقذت واشنطن من الأزمة المالية العالمية في 2008 بعد إغراقها بالمنتجات الرخيصة لمواجهة التضخم، وشراء السندات الحكومية الأمريكية، حيث تمتلك بكين نحو 11.96% من هذه السندات، وبالتالي فإن واشنطن يجب أن تحدد المسارات التي تستثمر فيها علاقاتها مع حلفائها، وعلى الجانب الآخر نجد أن الصين توغلت في أفريقيا حيث ارتفع حجم التجارة الصينية الأفريقية عام 2021، إلى 35% مقارنة بالعام 2020، كذا ارتفعت الحركة التجارية ما بين صادرات وواردات بين الصين والاتحاد الأوروبي، بحيث أصبحت أكبر شريك تجاري مع التكتل، وأزاحت واشنطن عن الساحة، كما عززت الصين علاقاتها بالدول الأوروبية والآسيوية في أوج الأزمة الأوكرانية، وبالتالي فإن الولايات المتحدة تواجه منافسًا قويًا على الساحة الدولية، لذا ينبغي على الولايات المتحدة الأمريكية والصين أن تنسقا العلاقات الثنائية بينهما، لاسيما فيما يرتبط بضمان استقرار الاقتصاد الكلي والاستعداد للطوارئ العالمية في المجالات المختلفة الاقتصادية والسياسية والبيئية وغيرها، وعدم الاستجابة للخلافات الأيديولوجية والسياسية التي تضر بمصالح الثنائية للبلدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى