تحليل د.فرناز عطية – أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رسميًا موعد الانتخابات التركية الرئاسية القادمة في 14 مايو المقبل وذلك بعد توقيعه قرارًا في 10 مارس الماضي، بحيث تقدمت شهر عن موعدها المقرر سلفًا، ويرجع تفسير ذلك إلى:
- 18 يونيو القادم يتزامن مع امتحانات الجامعات التركية، وبالتالي سيكون عائقًا أمام مشاركة شريحة كبيرة من فئة شباب وشابات الجامعات، مما يثير العديد من الانتقادات وعلامات الاستفهام وقد يفهم على أنه تهميش لفئة الشباب.
- يتزامن هذا التوقيت مع العطلات وبدء موسم الحج، مما يهدد بخسارة أصوات الشريحة المحافظة المتدينة وهي فئة مهمة بالنسبة للحزب الحاكم الذي يقدم نفسه على أساس أنه ذو مرجعية إسلامية.
- رمزية التوقيت ودلالاته، ففي14 /5/ 1950 جرت أول انتخابات متعددة الأحزاب في تاريخ تركيا، ووصل الحزب الديمقراطي لسدة الحكم، لتنتهي بذلك حقبة استمرت 27 سنة من حكم حزب “الشعب الجمهوري” الذي تفرد بالسلطة طوال تلك الفترة.
وجدير بالذكر أن المعارضة التركية في 7/3/2023 أعلنت ترشيحها لـ”كمال قلييجدار أوغلو” – رئيس حزب الشعب الجمهوري كمرشح عن تحالف المعارضة التركية ومنافس لأردوغان في الانتخابات القادمة، الذي توافقت خمسة أحزاب معارضة عليه من أصل 6 أحزاب مثلت تحالف المعارضة الذي عرف بـ”الطاولة السداسية” أو “تحالف الأمة” وقد تكون من زعماء: حزب (الشعب الجمهوري، وحزب الجيد، وحزب السعادة، والحزب الديمقراطي، وحزب المستقبل، وحزب الديمقراطية والتقدم).
ولكن حزب “الجيد” ثاني أكبر حزب بالتحالف أعلن انسحابه من تكتل المعارضة بعد رفض زعيمته “ميرال أكشينار” اختيار “قليجدار أوغلو” كمرشح للرئاسة، وطلبت بادئ الأمر أن يتم اختيار “منصور ياواش” رئيس بلدية أنقرة ، أو “أكرم إمام أوغلو” رئيس بلدية إسطنبول ، كبديل لـ” قليجدار أوغلو”، ولكنها انتهت إلى العودة للتحالف على أساس اقتراح تعيينهما نائبين للرئيس حال فوز” قليجدار أوغلو” بالانتخابات، وقد ذكر مسؤول في حزب “الشعب الجمهوري” أن حزبه وافق على الاقتراح. وتعمل المعارضة حال فوزها على إقرار النظام البرلماني المعزز بدلاً عن النظام الرئاسي الذي استحدثه “أردوغان”.
“قليجدار أوغلو” مرشح المعارضة في السباق الرئاسي المقبل:
كمال قليجدار أوغلو بيروقراطي وسياسي ديمقراطي يبلغ من العمر 74 عاماً ينحدر من عائلة تركية علوية زعيم المعارضة التركية عضو في البرلمان التركي عن إسطنبول منذ عام 2002، زعيم حزب “الشعب الجمهوري ” أقوى أحزاب المعارضة التركية وثاني أكبر حزب في البلاد، ينتمي إلى تيار يسار الوسط، وزعيم المعارضة في البرلمان التركي، هو من أكبر المدافعين عن القيم العلمانية لتركيا وإرث أتاتورك، يعارض الكرد وحقوقهم ومؤيد للنظام السوري وله علاقات قوية بإيران؛ يرى أن قطع العلاقات بإسرائيل يضر بمصلحة تركيا، وتربطه علاقة مع بعض الجنرالات الأتراك المُدانين بقضية محاولة الانقلاب على حزب “العدالة والتنمية” الحاكم.
أهمية هذه الانتخابات:
تعد الانتخابات التركية الأهم منذ 100 عام، حيث تؤثر نتائجها على الخريطة الجيوسياسية بمختلف أشكالها داخل وخارج تركيا، فهي تأتي بعد استقرار “أردوغان” في السلطة لعقدين من الزمان، ناهيك عن تأثير نتائج هذه الانتخابات على عدد من الملفات الداخلية: كالمسار الاقتصادي لتركيا خاصة بعد كارثة الزلزال وتداعياتها، والعلاقة بالمعارضة والقوميات المختلفة في الداخل، وكذا من الملفات الإقليمية والدولية على حد سواء : كالملف السوري، والليبي والعلاقات بدول الإقليم كالعلاقات التركية – المصرية، والعلاقات مع إيران، والأزمة الأوكرانية، والعلاقات الأرمينية – الأذرية، لاسيما مع تعهد المعارضة في حال الفوز بانتهاج منحى متباين في جل هذه الملفات، خاصة فيما يتعلق بطريقة الحكم نفسها، إذ يعتزمون تغيير النظام الرئاسي الحالي إلى النظام البرلماني.
عقبات تواجه “أردوغان” وحزب العدالة والتنمية:
تظهر عقبات تعترض طريق حزب “العدالة والتنمية” في طريقه للاحتفاظ بالرئاسة التركية، وتتمثل في:
أولا: الأوضاع والأزمات الاقتصادية التي تمر بها تركيا، حيث بدأت المشاكل الاقتصادية 2018، عندما انهار نموذج النمو الاقتصادي التركي الذي تضمن الحفاظ على مستويات عالية من الاستثمار الممول من الديون الخارجية المتزايدة، وقد أدت الظروف العالمية 2019- 2020 إلى تعطيل الإصلاحات اللازمة للاقتصاد التركي، وزيادة سعر الفائدة في البنك المركزي بشكل كبير، وقد ساهم في ازدياد الوضع سوءًا سياسة “أردوغان” النقدية المتساهلة حيث يميل لتخفيض سعر الفائدة بحجة تحفيز الاقتصاد، وكذا سيطرته على البنك المركزي، كما بلغ إجمالي الدين الخارجي لتركيا عام2020 ما يقرب من 440 مليار دولار، وتأثر الاقتصاد التركي بالارتباك العالمي في سلاسل التوريد وارتفاع سعرها، وأيضًا ارتفع معدل التضخم ورافقه انخفاض سعر الليرة التركية إلى العشر تقريبًا، هذا إلى جانب استنزاف الموارد التركية في عمليات عسكرية خارجية، إضافة للتداعيات الاقتصادية للزلزال الأخير على الاقتصاد التركي.
ثانيًا : سياسات “أردوغان” المنتقدة في الداخل حيث عمد إلى تكميم أفواه المعارضة وقمع المعارضين، والإفراط في عمليات الاعتقال، ومحاولة السيطرة على السلطة القضائية، وقطع العلاقات وتوترها مع عدد من دول إقليم الشرق الأوسط؛ مما أضر ببعض المصالح التركية، ناهيك عن التوغل التركي في سوريا واحتلال أجزاء منها، بالإضافة إلى علاقة النظام التركي ببعض التنظيمات الإرهابية مما شوه الصورة الذهنية لتركيا، كما تسبب شراء “أردوغان” لدفاعات جوية روسية في فرض عقوبات على صناعة الأسلحة التركية من قبل الولايات المتحدة، إلى جانب التشكيك في التزام تركيا تجاه حلف الناتو بسبب تقاربها مع روسيا.
من الأوفر حظًا في الانتخابات التركية القادمة؟
على الرغم من كل العقبات التي تعترض طريق “أردوغان” وحزب العدالة والتنمية للفوز بالسباق الانتخابي وما قامت به المعارضة من محاولات لتوحيد صفوفها لمواجهة “أردوغان” والفوز في الانتخابات، إلا أنها تتسم بالهشاشة حيث شهد أول اختلاف بين أحزابها تصدع هذا التحالف، وبالتالي فإن هذا التحالف قد لا يصمد لنهاية الانتخابات إذا تكررت مثل هذه الاختلافات، لاسيما مع تباين الخلفيات الدينية والأيدلوجية التي تنتمي لها هذه الأحزاب، على الجانب الآخر نجد أن “أردوغان” قدم عددًا من التعهدات والإصلاحات للشعب التركي تمثلت في: - زيادة الحد الأدنى للأجور لضمان معيشة كريمة لمعظم فئات المجتمع التركي.
- إقرار قانون “خفض سن التقاعد” الذي استفاد منه 2.25 مليون مواطنًا.
- إطلاق حملات بناء البيوت للمتضررين ولمن لا يملك بيتًا بأسعار مخفضة وبأقساط مريحة.
- محاولة استثمار أزمة الزلزال وتوظيفها لخدمة “أردوغان” وحزبه في الانتخابات القادمة في مواجهة خصومه.
وتؤشر استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرًا، ومنها استطلاع مركز “”أريدا سور في” للأبحاث إلى تفوق “أردوغان” وحزبه على منافسيه، وبالرغم من أن التحالف الحاكم بقيادة “أردوغان” يضم حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه، وحزب الحركة القومية بزعامة “دولت بهجلي”، إلا أن الأول يسعى لزيادة شعبيته وقاعدته الجماهيرية من خلال السعي لضم حزب الوطن الأم برئاسة “إبراهيم شلبي”، وحزب اليسار الديمقراطي برئاسة “أوندر أقسقال”.
ومما تقدم نجد أنه من المرجح أن تغلب الانتخابات كفة “أردوغان” ويبقى في سدة الحكم، وعندها سوف يكون انتصارًا مميزًا، لاسيما مع الظروف العصيبة التي يشهدها الداخل التركي، وعندها يصعب الحديث عن إمكانية تغيير “أردوغان” لسياسته سواءً الداخلية القمعية أو الخارجية التوسعية البراجماتية التي تخدم أهداف بعينها في الملفات المختلفة إقليميًا ودوليًا.