إصدارات المركزياء

قراءة في كتاب:الإعلام البديل بين المصداقة والتضليل الصادر عن مركز أتون للدراسات

بقلم *عبدالرحمن الرياني- ضمن تدشين سلسلة إصداراته صدر مؤخراً عن مركز أتون للدراسات كتاب الإعلام البديل بين المصداقية والتضليل للكاتبة الدكتورة هبة عبدالعزيز والكتاب من خلال العنوان والمضمون يعد الإصدار الأحدث ومن الكتب القلائل التي تطرقت إلى هذا العلم المستحدث بفعل الثورة التي حدثت في عالم الإتصالات وتقنية المعلومات بداية العشرية الأولى من الألفية الثالثة.

قبل الدخول في مضمون المُؤلف أود هنا الإشادة بجرأة وشجاعة الكاتبة التي اختارت عنوان البحث ( الكتاب) كعنوان الإعلام البديل بين المصداقية والتضليل الشجاعة لخروجها عن المألوف فيما صُمت به أذاننا حول الإعلام البديل باعتباره يشكّل حلقة هامة فيما يعتبره البعض آخر المطاف وآخر إبتكارات العقل البشري في ثورة الإتصالات وتطورّ تقنيات المعلومات اختيارها لعبارة بين المصداقية والتضليل هي خروج عن المألوف الذي اعتاد عليه العقل الجمعي وانساق وراءه وفق حالة من اللا وعي طوال السنوات القليلة من عُمر هذا النوع من الإعلام اختيار العبارة يجعل من متن الكتاب والمؤلف حالة مصداقية تفتح المجال لحالة من الجدل العلمي الذي يلقي بدلآلاته على المضمون وهذه شجاعة تستحق التقدير والثناء من القارئ والباحث على حداً سواء.

الشجاعة الثانية في اختيار العنوان بجزئه الأول تكمن في أن تحضير بحث أو رسالة أو الاشتغال على الإعلام البديل حديث النشأة يعد بما يمكن توصيفه نوعًا من انواع المخاطرة والمغامرة والتحدي مع الذات وهو بمثابة اختبار وترمومتر لأي كاتب يرى أنه يمتلك ثقة بالنفس ولديه ( ميكانيزم ) متحرّك بإستمرار لتجاوز العقبات التي قد تكون صعبة أحيانًا ومستحيلة أحيانً أخرى لسبب محوري وموضوعي هام مرد ذلك إلى حالة الفقر الذي تعانيه المكتبة العربية في المراجع لهذا النوع من الإعلام ، لقد كانت الكاتبة تسير في إخراج مؤلفها على ما يشبه حقل الغام قد ينفجر في أي لحظة ، لذا أرى أن انجاز المؤلف وإخراجه بهذا الشكل اللائق المستند على المراجع التي تم الرجوع إليها يعتبر حالة من حالات الحفر المعرفي بين قوسين ( الأركولوجي ) المعمّق والأركولوجيا هي مفردة خاصة بعلماء الجيولوجيا ما يعني أن البحث كان مضنيًا ومتعبًا للباحث في أي بلد عربي لا يزال في نطاق جيوسياسي يخضع لمنتجات ومخرجات قادمة من الغرب وهذه شجاعة ثانية وجب ذكرها والإشادة بها .

عند إطلاعي على الطبعة الأولى للكتاب اتضح لي من الوهلة الأولى العنوان وبعد ذلك الإهداء والمقدمة أنني أمام كاتبة عنيدة تعشق التحدي والصعاب والمخاطرة ليس من فراغ لكن من مبدأ الثقة بالنفس والإعتداد بالنفس التي قد يفهمها المتلقي بصورة خاطئة وأعني بها تلك العبارة التي وردت في الإهداء الموجه إلى الدكتور يسري عفيفي أستاذ مناهج البحث العلمي في جامعة عين شمس الأهداء الذي ذيلته بكلمة تلميذتك والذي كان يعتبر بالنسبة للكاتبة الأب العلمي والذي عوضها حضوره معها وتشجيعه لها غياب الأب الجيني حيث تقول في الإهداء نقلاً عنه :أنه رأى أن كل أسباب النجاح والتفرد مجتمعة في شخصي ، هذا النمط من التعامل الأبوي والكلام لكاتب السطور بتنا نفتقده ، الإشارة والإشادة من الكاتبة للأستاذ دليل على كاتبة مثقفة تعي جيداً قيمة العلم وقِيّمه وأخلاقياته ، هذه كانت مقدمة للنجاح في المهمة الصعبة ، فالعنوان والتحديات وافتقار المراجع وندرتها العربية كل ما سبق كان يحتاج إلى شخصية تعشق التحدي تسير دون أن تتوقف لتنظر إلى الخلف هي عقلية الجيل الجديد العربي التي ينبغي ترسيخها وتكريسها في التعاطي مع التحديات الراهنة.

في مقدمة الكتاب يمكن للقارئ والباحث أن يلمس حالة الربط بين الدوافع لتأليف مثل هذا الكتاب القيم وأهم تلك الدوافع هي سؤال كيف لنا أن نتمكن من إيجاد أدوات وآليات تجعلنا قادرين على التفريق بين المصداقية والتضليل ؟ حتى لا نقع كمجتمع شرقي وعربي وإنساني ضحية لأولئك المتلاعبون بالعقول حد وصف “هربرت شيلر” في كتابه الرائع المتلاعبون بالعقول أو حتى لا نصبح أحجاراً على رقعة الشطرنج حد وصف الكندي “وليم جاي أكار” ومن خلال المقدمة حاولت من البداية أن تتطرق لمسألة هامة وهي الإعتماد على الجانب العلمي الذي يستند على استقراء لدور المعلومات المضللة التي تم ترويجها وتسويقها باستخدام الإعلام البديل في أخطر حدثين عاشهما العالم وهما كوفيد 19 (كورونا) والحرب الروسية الأوكرانية ) ودور الإعلام البديل في تضليل العالم ، وبالوقوف العنوان الذي اشتغلت عليه الكاتبة الدكتوره هبة عبدالعزيز نجد ذلك الخطر المخيف الذي يمكن من خلاله ضرب القناعات والتلاعب بها وبمصائر شعوب وأمم يجعلنا نتذكر العبارة التي أطلقها السيد “موتازوف ” الخبير الأستراتيجي في الحرب النفسية الإعلامية الذي قال تعليقًا على الحملة العسكرية لحلف الناتو ضد نظام العقيد معمر القذافي عندما قال ( لقد تعرضت ليبيا إلى حملة مضللة تعادل قوتها قوة انفجار قنبلة نووية هيدروجينية ) نعم الإعلام البديل يعد بمثابة قنبلة هيدرجينية قد تلقى على العالم من قبل صناع الحروب والأزمات في أية لحظة وفي أي حالة زمنكانية وهنا تكمن أهمية الكتاب الذي يأتي في ظل أوضاع استثنائية تعيشها الكثير من دولنا العربية .

والكتاب الذي جاء في أربعة فصول أحاول هنا المرور عليها بعجالة لضيق المساحة مع العلم أن كل فصل يمكن أن يكون عنوانً لكتاب ومن الحجم الكبير لكن ربما يشكّل كمادة ومتن مقدمه للعديد من الباحثين الأستناد عليها لمزيد من الدراسات والأبحاث والتي سيكون الفضل الأول للكاتبه والكتاب الذي بين أيدينا ، وهنا سأوجز بالحديث عن الإعلام في جزئيته المتعلقة بالإعلام في الدول القديمة اليونان والحضارة اليونانية كنموذج وأترك ما تلاها من نماذج للقارئ ففي الفصل الأول الذي جاء تحت عنوان الإعلام عبر التاريخ كان المتن عبارة عن تسليط الضوء على الإعلام عبر التاريخ سلطت الكاتبه الضوء على الإعلام لدى الحضارات القديمة التي عرفتها البشرية بدءً من اليونان والرومان مروراً بالفراعنة وبلاد ماوراء النهرين وبلاد فارس ، ومن الألياذة والأوديسة لشلعر اليونان هوميروس إلى كتاب جمهورية أفلاطون والإسكندر الأكبر وخطب الفليسوف اليوناني أرسطو كل هؤلاء وضعوا الجذور للإعلام كصور وخطب وتوجيه لما ينبغي أن يقوله الناس ( الإعلام الموجه ) والملاحظ على الكتاب من المؤلفه خصصت حيزا من 25 صفحة التي يمكن للقارئ أن يجعل منها مدخلاً لموضوع الكتاب حتى بدأت بالدخول إلى صلب الموضوع من الصفحة ال30 عندما بدأت في تناوله من خلال العناوين التالية الإعلام الإلكتروني البديل وهوية الإعلام البديل ودور تكنلوجيا المعلومات في توسيع الجمهور ومن ثم جاء الدور إلى ما يمكن توصيفه بالدور الذي يقوم به الإعلام البديل على المتلقي وعلى العقل الجمعي وهو ما يتأتى من الشويش بكافة اشكاله وصوره والتشويش الثقافي والسياسي المعاصر والأنترنت كوسيلة بديلة لتوزيع التشويشات.

وفي الفصل الثاني بعد أن طرحت بما يشبه التساؤلاات حول الإشكالات التي تواجه الإعلام البديل الإعلام والأستراتيجيات التي يمكن لها أن تقوي الإعلام البديل ومن يستخدم هذا النوع من الإعلام وتطرقت الكاتبة إلى أهم المميزات والعيوب في استخدام الميديا وجميع ماسبق يندرج في إطار مايمكن أن نطلق عليه نشر الوعي لدي القارئ عبر توضيح العيوب والمميزات التي تنتج عن الإستخدام لهذا النوع من الإعلام العابر للحدود ولخصوصية الأفراد والجماعات الإنسانية بثقافاتها المتعددة كونه العنوان العريض للعولمة التي بات فيها العالم قرية صغيرة مفتوحة ، وفي الفصل الثالث الذي يسلط الضوءمن خلال أمثلة قامت الكاتبة برصدها حول استفادة القوى المتصارعه من الدور الذي يقوم به الإعلام البديل في الصراعات العسكرية وفي المشهد السياسي للقوى العظمى بدأ من دوره في اسقاط الرئيس دونالد ترامب في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية والدور الذي تقوم به شركة أولينا الأكروانية في الحرب الالكترونية الشرسة ضد القوات الروسية و مدى خطورة وأهمية الدور للإعلام الالكتروني البديل في الحروب الحديثة خاصة والعالم يعيش عصر الصورة بكل ادوات هذا الإعلام من الفيسبوك وتويتر وسناب شات واليوتيوب والتوك توك والتي بدأت بدخول مراحل وحقب جديدة تويتر وحقبة إيلون ماسك وفيسبوك الجديد ( METAميتا( والصراعات المستعرة في عالم يقاوم ويتصارع فيه العمالقة لمنع احتكار العلم والمعرفة .

*كاتب صحفي وباحث من اليمن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى