بقلم فراس يونس – ما يحدث هذه الأيام في باحات المسجد الاقصى ورحابه من اقتحامات واستفزازات خطيرة تقوم بها سلطات الاحتلال جريمة جديدة تضاف الى سلسلة الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، وتفتح على المنطقة أبواب جهنم باحتمالات مرجحة لحرب ضروس، لاتنسجم مع إيقاع أجواء التهدئة بين نظم المنطقة. تبرز من جديد عودة القضية الفلسطينية إلى موقع الصدارة كمَعلَم ضروري بأن كل أجواء التهدئة لن تصمد ما دامت هذه القضية لم تحل أو تجد حلولا عادلة ومنصفة.
أمام مرأى العالم وأسماعه ترتكب جرائم يومية في باحات المسجد الأقصى حيث يتم الاعتقال والتنكيل بالمعتكفين داخل المسجد الأقصى في إجراءات تنكيل وإذلال المصلين في ظل أجواء الحصار المزمن على الشعب الفلسطيني في سياق التوحش الاسرائيلي المغطى بمباركة أمريكية ودولية. هذا الغي والفجور القمعي الصهيوني يفتح الباب أمام أجواء تصعيد وخطر الانزلاق نحو حرب جديدة تشعل المنطقة وهذا ما أثبتته مجريات الساعات الأخيرة على اقتحام المسجد الأقصى بإطلاق الصواريخ التي اطلقت من جنوب لبنان باتجاه مستوطنات الشمال، وهي بلا شك مرتبطة بالتطورات التي تحصل في المسجد الأقصى، وبغض النظر عن مصدر إطلاق الصواريخ ثمة رسائل واضحة لا تخطئها العين. إن أهل القدس ليسوا وحدهم، وان السعي لاستهداف الأقصى ورمزيته سيلهب المنطقة بأسرها.
يندرج التصعيد الاسرائيلي اليوم انسجاما عما أسفرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في دولة الإحتلال الصهيونية عن فوز اليمين القومي الديني المتطرف والفاشي الذي تمكّن من تشكيل حكومة اعتمدت برنامجاً هجومياً استهدف الانقلاب على مؤسسات دولة الإحتلال من جهة، وتصعيد وتيرة التهويد والاستعمار والاستيطان في الضفة والقدس، وتشديد الحصار والعدوان على قطاع غزة، والانقضاض على المكتسبات والحقوق التي أنجزها الفلسطينيون داخل دولة الإحتلال الصهيوني، من جهة أُخرى. دللت نتائج الانتخابات على انزياح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين القومي الديني، لكنها وإن لم تعبّر بالضرورة عن حدوث تحولات محورية وعاصفة في بنية دولة الاحتلال، إلا أنها تكشف سقوط جميع الأقنعة التجميلية عن التناقضات الداخلية الحادة التي تعانيها منذ عقود طويلة. بات من الواضح أن هناك تفوّقاً كاملاً لإسرائيليي المستعمَرة في دولة يهودية استعمارية عنصرية يحظى بها اليهود فقط بالحقوق الكاملة، بينما يحظى الفلسطينيون فيها ببعض الحقوق مع التنكر الكامل لهويتهم وحقوقهم القومية، وتهميشها. أمّا الفلسطينيون في قطاع غزة، والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، فهم سكان مقيمون بلا حقوق مطلقاً، وليس لديهم أي شكل من أشكال السيادة لا على الأرض ولا على أنفسهم، ويخضعون بشكل كامل لسلطة الاستعمارالصهيوني والحصار. إسرائيل المستعمِرة تحولت من دولة وظيفية، إلى حدّ كبير في عقودها الأولى، إلى لاعب رئيسي في المنطقة، وانتقلت من الهامش إلى المركز، بل إلى قوة عظمى على الصعيد الإقليمي، ولديها طموح كبير إلى أن تتحول إلى قوة عالمية أو إلى لاعب على المستوى الدولي، يشجعها على ذلك ما حققته في العقدين الأخيرين من إنجازات اقتصادية، وانتقالها إلى اقتصاد التقنية العالية، وتبوؤها مكانة متقدمة في صناعة الأمن الوطني وأنظمة الرقابة وتكنولوجيا التجسس. قد وظّفت إسرائيل المستعمِرة هذا كله، ولا تزال، من أجل تهميش القضية الفلسطينية، وتنفيذ استراتيجيا الضم الزاحف والتهويد، وتصعيد وتيرة الاستعمار الاستيطاني وتقويض أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة.
أمّا على الصعيد الفلسطيني، فإن هذه الحكومة الفاشية لن تكتفي بما هو قائم، بل ستعمل على إضعاف ما تبقّى من السلطة الفلسطينية وتحويلها إلى جهاز بيروقراطي هامشي خدماتي. ومن المرجح أن تسعى الحكومة الحالية لتصعيد وتيرة الاستيطان والتهويد والمصادرة وتعزيز الضم الزاحف، وتكريس نظام الاستعمار والأبارتهايد الاستيطاني، وتقويض الوضع القائم في القدس والأقصى، وتضييق الخناق على الفلسطينيين في المستعمَرة. ومن المتوقع أن تقوم الحكومة الفاشية بسلسلة إجراءات، منها سنّ مجموعة من التشريعات والقوانين لتهيئة الأرضية من أجل تنفيذ واستكمال مسلسل التطهير العرقي والتهجير. ولا شك في أن هذا السيناريو ربما يكون ممكناً وإن كان ليس من السهولة الإقدام عليه، أو النجاح في إنجازه. وستحاول هذه الحكومة “حسم الصراع” مع الفلسطينيين، بما في ذلك سيناريو تقويض السلطة، والعودة إلى الإدارة العسكرية الاستعمارية المباشرة للضفة الغربية.
على شعوبنا العربية رغم كل صعوبات العيش في بلدانها والأزمات الاقتصادية التي تعصف فيها، فضلا عن الكوارث المقيمة فيها الضغط على أنظمتها بتعميق التعارض مع دولة الاحتلال الصهيوني وتعليق اجراءات التطبيع، واغلاق سفارات دولة الاحتلال في عواصم إتفاقات السلام المزعوم والتطبيع. إن نضال شعوبنا العربية المتآزر مع شعب فلسطين يعتبر اليوم أهم مؤشرات الموقف الديموقراطي الحقيقي، فضلا عن الموقف الوطني والقومي. وأن جذوة القضية الفلسطينية لن تنطفىء حتى يحقق الشعب الفلسطيني أهدافه في التحرر الكامل من الهيمنة الصهيونية. على شعوبنا العربية وقواها الحية أن تبرز بالأفعال والأقوال أنها جدار اسناد فعال لشعب فلسطين وأن شعب فلسطين المقاوم ليس وحده في مواجهة دولة العدوان والأبارتهيد الصهيوني، ولن تفلح مخططاته الإجرامية في اقتلاع الشعب الفلسطيني عن أرضه.
نعرب عن تضامننا مع كل الذين تم اعتقالهم ونطالب بالافراج الفوري عنهم فهؤلاء لم يرتكبوا اي جرم بل تواجدوا في مكان كانوا يصلون فيه.