متابعات

لا أزعور ولا فرنجية .. من هو الرئيس اللبناني المنتظر؟!

تحليل فتحى محمود .. منذ نهاية شهر أكتوبر الماضى ولبنان يعيش بلا رئيس، وفشل مجلس النواب اللبناني عبر 12 اجتماعا في انتخاب رئيس جديد، نتيجة عجز الأفرقاء عن تأمين النصاب اللازم لانجاح مرشحيهم، ومعظم تلك الاجتماعات كانت مجرد تضييع للوقت وجس النبض بما في ذلك الجلسة الأخيرة التي نال فيها مرشح القوى المسيحية الكبرى الوزير السابق جهاد أزعور 59 صوتا مقابل 51 صوتا لمرشح الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل الوزير الأسبق سليمان فرنجية ، فالكل يعلم أن المرشح الحقيقي لم يظهر بعد بشكل جدى لأنه يحتاج إلى توافق دولى واقليمى وليس مجرد توافق محلي.

قد تحدث عشر جلسات أخرى لكن النتيجة ستكون نفسها، مع صعود أو نزول لبضعة أصوات لكل من أزعور فرنجية، تماما كما حدث في الجلسات السابقة فالواقع يقول أنه لن يمرّ مرشح للقوى المسيحية بقيادة حزب القوات اللبنانية ما دام الثنائي الشيعي ممسكا بالثلث المعطل بالبرلمان، ولن يمرّ ‎فرنجية مرشح حزب الله وحركة أمل ما دام لا يحظى بتأييد سوى 3 نواب موارنة من أصل 34 نائبا مارونيا، وهى معضلة لا يمكن تجاوزها في انتخاب الموقع الماروني الأول، الذي لا يدانيه خصوصية لهذه الطائفة سوى الكرسي الأنطاكي في ‎بكركي.


وقد سبق أن اعترف رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، أنه “لا بد من التوافق مع المملكة العربية السعودية حول الخيار الرئاسي” في لبنان، والحقيقة أنه لابد من توافق قوى إقليمية مثل إيران والسعودية وقوى دولية مثل فرنسا وامريكا، خاصة مع الانقسام الداخلى الذى ظهرت نتائجه بوضوح خلال الانتخابات النيابية اللبنانية التي جرت في شهر مايو الماضي فى وقت يشهد فيه لبنان حالة غير مسبوقة من التردى الاقتصادى والسياسى والمعيشى، وفي أجواء متوترة للغاية بين من يعلنون بصراحة الولاء لدولة ولاية الفقيه فى إيران وبين من يرفعون شعار سيادة لبنان فى مواجهة محاولات الهيمنة الخارجية .. بين مجموعات من ثوار انتفاضة 17 أكتوبر تشرين 2019 التي رفعت شعار (كلن يعنى كلن) فى مواجهة الطبقة السياسية بأكملها، وبين مرشحي الأحزاب والتنظيمات التقليدية وأمراء الطوائف. وقد خسر تحالف حزب الله الأغلبية البرلمانية التى كان يتمتع بها منذ انتخابات 2018، نتيجة هزيمة رموز كبيرة من حلفائه مثل طلال ارسلان ووئام وهاب إيلي الفرزلي وفيصل كرامى، إلا أن الخسارة الكبرى لهذا التحالف كانت من نصيب التيار الوطنى الحر الذى ينتمى إليه الرئيس السابق ميشال عون، ولم يعد هذا التيار يمثل الكتلة المسيحية الكبرى وانتقلت هذه المكانة إلى حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع.

والحقيقة أن الخاسر الأكبر داخل التيار هو زعيمه جبران باسيل صهر الرئيس عون والذى كان يعده لخلافته فى رئاسة لبنان بعد انتهاء ولايته، لكن جبران الذى تراجع إلى المركز الخامس فى دائرة الشمال الثالثة بحصوله على 8922 صوتا بعد أن كان فى المركز الأول خلال انتخابات 2018 حيث حصل وقتها على 12269 صوتا، أصبح من الصعب على حليفه حزب الله أن يأتى به رئيسا للجمهورية.

وإذا كان تحالف حزب الله قد فقد أغلبيته البرلمانية إلا أن تلك الأغلبية لم تنتقل إلى الفريق المقابل خاصة من يحمل شعار سيادة لبنان، فالحقيقة أن (السياديين) ينقسمون الآن إلى أربعة تكتلات أساسية هي: القوات اللبنانية، الحزب التقدمى الاشتراكى، الكتائب وخلفاؤه من المستقلين، ونواب المجتمع المدنى الذى يمثل انتفاضة 17 تشرين، وهذه الكتل قد تتفق أو تختلف حسب المواقف والاستحقاقات المطروحة، مما قد يؤدى إلى مزيد من الأزمات فى لبنان نتيجة عدم اتفاق أغلبية البرلمان على موقف موحد تجاه القضايا المختلفة.

إلى جانب أن قوة حزب الله الحقيقية لا تكمن فى سيطرته على الأغلبية البرلمانية، وإنما فى احتكاره السلاح داخل لبنان، ومازال ما حدث فى مايو 2008 عالقا بالأذهان، عندما اعتبرت الحكومة اللبنانية أن قيام الحزب بمد شبكة اتصالات خاصة به على طول الأراضي اللبنانية بعيدا عن الشبكة الرسمية للدولة أمر غير شرعي واعتداء على سيادة الدولة، فجاء الرد سريعا باحتلال مقاتلى الحزب بيروت وتدمير مقار تيار المستقبل و الحزب التقدمى الاشتراكى أصحاب الأغلبية البرلمانية وقتئذ، وفرض الحزب ما يريد بالقوة.

كما شهدت نهاية ولاية الرئيس عون تعثر عملية إعادة تشكيل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي أيضا للخروج من دائرة حكومة تصريف الأعمال، سببه الرئيسى هو حالة (العند) التي صبغت العلاقة المتوترة بين عون وبين نبيه برى رئيس مجلس النواب وزعيم حركة أمل،والاثنان حلفاء حزب الله، والاتهامات المتبادلة بتعطيل توقيع حركة التعيينات والترقيات فى قطاعات مختلفة لأسباب طائفية، وعندما طلب عون إضافة ستة وزراء سياسيين للحكومة ليوافق على أن تكون هى الحكومة الجديدة رفض برى، وتوقفت عملية تشكيل الحكومة.

هذا الوضع يجعل كثيرا من المراقبين يتساءلون عن الموقف الحقيقي لحزب الله مما يجرى، وهل الأمر مرتبط بتطورات المباحثات حول الملف النووى الإيرانى، وما يعزز هذا الاتجاه أن عملية البحث فى أسماء المرشحين الحقيقيين للرئاسة لم تتم بشكل جدي حتى الآن بين الأفرقاء اللبنانيين، رغم ظهور أسماء كثيرة على السطح لكن الجميع يعلم أن الترشح الحقيقى لا يكون فى الإعلام لكن فى صفقات الغرف المغلقة والعواصم المؤثرة.

ويجمع المراقبون على أن العماد جوزيف عون قائد الجيش اللبناني قد يكون الأقرب لمنصب رئاسة الجمهورية خلال الفترة المقبلة، فهو يحظى بعلاقات دولية وإقليمية مهمة يمكن أن تؤمن له توافقا من الدول المعنية بلبنان، وهذا التوافق مطلوب لتأمين موافقة 86 عضوا من أعضاء مجلس النواب اللبناني على تعديل الدستور لإتاحة الفرصة أمام عون للترشح، إلى جانب أن قائد الجيش يحظى باحترام معظم القوى اللبنانية نظرا للدور الكبير الذى قام به في حفظ استقرار لبنان خلال الفترة الماضية، رغم عدم ارتياح جبران باسيل زعيم التيار الوطني الحر له لخشيته من منافسته على الشعبية في الشارع المسيحى، وهو أمر يصب في صالح قائد الجيش، فهل يكون جوزيف عون هو الرئيس المنتظر للبنان؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى