دراسات

سيناريو معقد: ما هو مسار المفاوضات للمصالحة بين مصر وإيران ؟

تحليل محمد سالم .. تعددت تصريحات المسئولين الإيرانيين التي يطلقونها في الآونة الأخيرة وتدور حول التطبيع الكامل مع مصر، رغم استمرار النفي من جانب الحكومة المصرية لذلك ، في ظل علاقات شبه متوقفة بين البلدين منذ عام 1979، وقد وصفت هذه العلاقة بـ”السلام البارد”، لكن هناك تحول يجري في الشرق الأوسط مع اعتماد الدول العربية مؤخراً بدرجة أعلى أسلوب “الدبلوماسية” بدلًا من معاداة طهران، كسبيل أفضل لحلحلة المشاكل المعقدة، التي أثرت باستمرار على استقرار المنطقة برمتها، كما تسعى إيران وترغب في التطبيع مع مصر مع فرصة إمكان استغلالها للتقارب مؤخراً مع المملكة العربية السعودية في استكمال مسار التطبيع مع جميع الدول العربية، ومن أهم المحطات في ذلك المسار أن تعود العلاقات الدبلوماسية بين “طهران” و “القاهرة”، خاصًة لأهمية الثقل التاريخي والجغرافي والعسكري والسياسي لمصر.

وفي الحقيقة إن التقارب بين مصر وإيران – إذا حدث – أمر مؤثر بلا شك وتحول مهم في الشرق الأوسط بل والعالم ككل، ومثير لقلق بعض الأطراف وأخطرها الجانب الإسرائيلي الذي يستمر في مراقبة هذا الأمر بحذر لأنه قد يهدد بشدة الكثير من مصالحه، وصاحب التصريحات الإيرانية باستمرار المفاوضات مع مصر قلق كبير من مجرد التصريح بذلك وتحذيرات من حقيقة ذلك من قبل وسائل الإعلام والصحف الإسرائيلية.

لكن لا يمكن توقع عودة العلاقات بين القاهرة وطهران من عدمه بصورة مؤكدة، فعلى الرغم من إمكان بدء التفاوض وحلحلة الأزمات وإيجاد المصالح المشتركة ونقاط الاتفاق خاصًة بعد المصالحة الإيرانية السعودية، وبروز الدور الصيني في المنطقة في ظل تراجع الدور الأمريكي والضغوط التي كانت تمارسها “واشنطن” بشدة لتضييق الخناق على إيران، التي وصلت إلى تكوين ناتو عربي في مواجهة مع “طهران”، فإن العلاقات العربية الإيرانية وبالأخص علاقات مصر وإيران تتسم بدرجة كبيرة بالتعقيد، بالتالي هناك العديد من الفرص التي تواجهها الكثير من التحديات أمام عودة العلاقات والتطبيع بين البلدين، الأمر ما يطرح العديد من التساؤلات حول مدى إمكان تحقيق هذا التطبيع.

جهود عديدة:
تسعى إيران لتحقيق تقدم ملموس بعلاقاتها مع دول المنطقة، كما أنها ترى التقارب مع مصر من أهم الأولويات في ذلك الشأن، ويتضح ذلك في التصريحات الإيرانية الرسمية التي تنادي بالمصالحة مع مصر، وأهمها تأكيد المرشد الأعلى الإيراني “علي خامنئي” رغبة بلاده في استعادة العلاقات التاريخية بينها وبين “القاهرة”، كما يبدو أن “طهران” تقوم بتوظيف كل ما هو ممكن لذلك الهدف، لاسيما استغلال المصالحة مع السعودية والسعي إلى تهدئة التوتر مع دول الخليج، الذي كان يمثل خطًا أحمر لمصر وعاملًا أساسيًا من العوامل المؤثرة على طبيعة العلاقات مع إيران.

من اتجاه آخر فإن ترحيب طهران بوساطة عمانية بينها وبين الحكومة المصرية يعد اختيارًا مناسباً، فإن هذه الوساطة ذات ثقل كبير لما تتمتع به سلطنة عمان من علاقات وثيقة مع الجانبين، خاصًة أن السلطان العماني “هيثم بن طارق” يؤدي دور الوساطة بنفسه، وهو ما قد يحقق التقدم المرغوب، كما يمكن للعراق أيضًا تأدية دور كبير في نجاح المفاوضات بين مصر وإيران حيث أشار وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان” في مايو الماضي إلى ترحيبه بالوساطة التي أبداها رئيس الوزراء العراقي “محمد شياع السوداني” لتطبيع العلاقات بين القاهرة وطهران، وتشير إيران إلى أن هناك عمليات من التفاوض جارية في “بغداد” إلا أن هذه المشاورات لا تبدو بشكل أكبر أنها تدور حول تطبيع العلاقات بقدر كون هدفها الرئيسي تخفيف حدة التوتر بين البلدين في الملفات الإقليمية.

يمكن القول إن مجمل الضغوط الداخلية بطهران تعد من أهم العوامل التي تشجع الحكومة الإيرانية على الانفتاح مع الدول العربية وتصفية المشكلات والتطبيع معها بالأخص في المنطقة، كما أن عودة العلاقات مع دول المنطقة تتيح ورقة ضغط قوية لطهران في المفاوضات مع الغرب، بكسر حالة العزلة التي عانى منها بالأخص حالة الاقتصاد والشعب الإيراني.

مخاوف إسرائيلية:
يترقب الجانب الإسرائيلي بحذر في ظل التصريحات المتتالية، وقد كان العداء مع طهران هو حجر الزاوية الذي بنت عليه “تل أبيب” خطط التقارب مؤخراً بينها وبين الدول العربية وعلى رأسها دول الخليج، وساهم إطلاق لفظ “العدو” على طهران في تكوين التحالفات مع دول الخليج بالأخص، ولم تمر المصالحة السعودية الإيرانية دون قلق إسرائيلي وتنديد بضرورة عدم التطبيع مع “طهران”، ويمثل التقارب الإيراني مع القاهرة هاجسًا أكبر لدى “تل أبيب”.

وفي المجمل تخلق المتغيرات الحالية في الشرق الأوسط، لاسيما بروز الدور الصيني وتراجع الدور الأمريكي وانفراج عمليات التسامح الإقليمية وفقًا لحسابات تتعلق بتحقيق مكاسب اقتصادية أكثر من أي جانب آخر، فرصًا أكبر لإيران كما تفرض العديد من التحديات والعقبات أمام القيادة الإسرائيلية، التي إذا لم تتمكن من التعامل بحذر والترشيد لمواجهة النوايا الإيرانية لكسب ورقة ضغط وقوة في مواجهة الغرب بالانفتاح على جيرانها من الدول العربية والإسلامية، ستجد نفسها أمام رسم خريطة جديدة بالمنطقة تسمح لإيران بفرص أكبر وتحد من قدرات إسرائيل في الضغط عليها، خاصًة مع اقتراب لحظة تحقيق الحلم النووي الإيراني.

إلا أن القيادة المصرية تعلم المخاوف الإسرائيلية كما تقدر المساعي الإيرانية أيضًا، فمصر تتسم بعدم التسرع في اتخاذ أي قرارات، ولا يمكن توقع نجاح المصالحة الإيرانية المصرية في ظل استمرار سلوك طهران العدائي مع “تل أبيب”، فهذا الأمر قد يهدد بإحداث توتر كبير بالعلاقات المصرية – الإسرائيلية، وإن كانت المصالحة مع إيران قد تحقق لمصر بعض المرونة في لعب دور الوساطة بغزة.

سيناريو معقد:
لا يمكن الجزم بإمكان تحقيق المصالحة بين القاهرة وطهران على المدى القريب أو المتوسط، خاصة في ظل استمرار العوامل المهددة لنجاح المفاوضات بين الطرفين، وتتعدد السيناريوهات المطروحة لمسار التفاوض، ويمكن تحديد أهمها كالتالي:
السيناريو الأول (نجاح المفاوضات دون تطبيع): في هذا المسار يتصور أن يكون هناك بعض الحلحلة والانفتاح بين الطرفين لإنهاء الكثير من التعقيدات في العلاقات بينهما، خاصًة فيما يتعلق بملفات إقليمية لاسيما الوضع في سوريا وغزة وتجنب وقوع أية تهديدات لمصالح الطرفين من قبل بعضهم البعض، بما يسمح بمزيد من الانفراج في العلاقات المصرية الإيرانية على المستوى الاقتصادي والتجاري في ظل التشجيع المصري على زيادة الاستثمار والسياحة في ظل ضغوط اقتصادية تعاني منها المنطقة بأكملها، ولكن تستمر المفاوضات لفترة أطول لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين للمسار الطبيعي، وتحقيق تقدم ملموس في الملفات السياسية المرتبطة، وهذا السيناريو هو الأكثر ترجيحًا لكونه يحقق المكاسب المتوقعة للجانب المصري دون الانخراط في صراع طهران وتل أبيب النووي، ويجنب الكثير من السلبيات وإن لم يكن مرضيًا بشكل تام لجميع الأطراف الدولية الأخرى لكنه سيناريو لا يهدد أمن المنطقة، أو مصالح الدول المجاورة بدرجة كبيرة، كما أن الخطوة التي اتخذتها مصر في هذا الصدد المتعلقة بمجموعة التيسيرات المقررة للسياح الإيرانيين تعد بمثابة إشارة جيدة، لتشجيع الجانب الإيراني على استكمال ما يجب أن يقوم به من تحسين سلوك دولي خاصة فيما يتعلق بتهديد مصالح الدول العربية.

السيناريو الثاني (التطبيع الكامل): ويشمل هذا السيناريو إعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين وهو ما يحقق لإيران مرونة أكثر للعب دور محوري أكثر ويوفر لها ورقة ضغط في المنطقة ويخلق خارطة تحالفات جديدة، هذا السيناريو ليس خياليًا وخاصًة بعد نجاح الصين في تحقيق المصالحة بين إيران والسعودية، ومع تراجع النفوذ الأمريكي بالمنطقة وموقف مصر الداعم للموقف السعودي، إلا أنه من غير المتوقع أن تنجرف السياسة الخارجية المصرية بسهولة مع خطوات قد تهدد العلاقات المصرية الإسرائيلية بالأخص في الوقت الحالي وبعد تحقيق مصر تقدم ملموس في ذلك، ورغبة مصر في الحفاظ على دورها كوسيط ناجح ومؤثر في غزة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، إلا أن مصر وإن حدث ذلك التطبيع لا يمكن توقع أن تكون مصدر تهديد لأي دولة جارة لها، كما أنه قد يكون لها دور أكبر في تعديل السلوك الإيراني الدولي، كما أن التقارب بين مصر وإيران قد يساعد على الحفاظ على الاستقرار في غزة وإحداث تفاهمات أكثر.

السيناريو الثالث (فشل المفاوضات): أن تفشل المفاوضات بين الطرفين هو أمر محكوم بمدى استيعابهما لأهمية الاتفاق فيما بينهما، لذلك من غير المتوقع فشل المفاوضات بشكل جذري في ظل المتغيرات الإقليمية الجديدة التي لابد وأن تؤثر ولو بدرجة ما في جميع الملفات الإقليمية وترتيبات السياسة الخارجية لدول المنطقة بأكملها، والمفاوضات بين مصر وإيران تحكمها المصلحة الاقتصادية تحديدًا التي يمكن أن تعود بنفع على الدولتين اللتين تتمتعان بثقل تاريخي وسياسي هائل، كما أن الوساطة العمانية المذكورة سابقًا يمكنها تحقيق تقدم ملموس في العلاقات بين القاهرة وطهران.

في الختام، يمكن القول إن هناك حالة من التفاؤل الحذر تجاه المفاوضات الجارية بين القاهرة وطهران، فرغم المناخ السياسي الدولي الذي يوفر فرصة جيدة لإحداث تطور جيد في العلاقات بين البلدين، لاتزال هناك الكثير من التحديات أمام التطبيع التام، خاصًة وان طبيعة علاقة مصر وإيران تاريخيًا بالأساس غير مبشرة، والعقوبات المفروضة على طهران تمثل عامل تهديد في مسار التطبيع مع الدول المجاورة الذي سلكته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى