مقالات

تحولات المسار: جولة “أستانا” الأخيرة والمصالحة التركية – السورية

تحليل محمد سالم .. انتهت الجولة 20 من “أستانا” المسار الذي استمر لأكثر من 6 سنوات متتالية للتأكيد على الحل السياسي كآلية حل الأزمة السورية، وبالرغم من اقتراح نائب وزير خارجية كازاخستان “كانات توميش” أن تكون هذه الجولة بمثابة الختام لذلك الطريق، اتفقت روسيا وإيران وتركيا على عقد جولة جديدة من أستانا في النصف الثاني من العام الجاري 2023، لكن لم يتم تحديد المكان لانعقاد الجولة القادمة، وهو ما أثار العديد من الشكوك والتساؤلات عن النوايا الحقيقية لانتهاء هذا المسار، وعما إذا كانت ستعقد في كازاخستان مجددًا أم في مكان آخر.

ولا يبدو أن هناك ارتياحًا من قبل المعارضة السورية تجاه مواقف الدول الراعية لمسار أستانا وبالأخص روسيا وإيران، حيث ارتفعت الشكوك في نية هذه الدول لاستبعاد وجود المعارضة، لتحقيق رغبة الحكومة السورية في تقييد نفوذ المعارضة، ومحاولة العمل على إخراج الأخيرة من المفاوضات، مع التأكيد على هدف أساسي وهو التطبيع بين تركيا وسوريا بما يعني انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية بالشمال.

مخرجات الجولة والتطبيع الثنائي:
بخلاف الجولة السابقة لها كانت أستانا هذه المرة غير اعتيادية، ففي هذه المرة باتت الحكومة السورية أقوى في موقفها بعد عودة سوريا إلى الجامعة العربية واستعادة علاقاتها بمعظم الدول العربية، بالإضافة إلى بدء مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة الذي أضعف موقف المعارضة وزاد من قلقها، وقد كان التقارب السوري التركي أهم بند حاضر على الطاولة خلال هذه الجولة، كما أنه على هامش المباحثات تم عقد اجتماع رباعي بين نواب وزراء خارجية سوريا وتركيا وإيران وروسيا، للتباحث من أجل خارطة طريق للتطبيع الثنائي بين دمشق وأنقرة.

ويبدو أن روسيا وإيران تشيران من ذلك إلى ضرورة تحقيق هذه المصالحة، والحكومة السورية لازالت تلوح باستعدادها للتقارب مع تركيا، شريطة إنهاء الوجود التركي بالشمال السوري، ولكن لم يتم بحث الشروط التركية أيضًا والمتعلقة بأهداف مسار أستانا ذاته، لاسيما تحقيق الحل السياسي عبر تنفيذ القرار 2254.
ويطرح تصريح وزارة خارجية كازاخستان الذي صدر عنها في صفحتها على “تلغرام” بعد انتهاء الجولة العشرين والذي تضمن استعدادهم للنظر في إمكانية استئناف المفاوضات في أستانا إذا أعرب المشاركون عن طلب جماعي لمواصلة المفاوضات، ويبدو من خلال هذا التصريح أن اقتراح نائب وزير خارجية كازاخستان خلال هذه الجولة بأن تكون هي الأخيرة نابع عن طلب أحد أو بعض الأطراف ذلك، أو عن ضغوط دولية من أطراف دولية كبرى، الأمر الذي أثار شكوك المعارضة أيضًا في أن الطرف الذي يرغب في ذلك هو الحكومة السورية وقد يكون حليفاها (روسيا وإيران) مؤيدين لذلك، بهدف الضغط على تركيا في العمل على تطبيع العلاقات الثنائية مع دمشق.

انتهاء أستانا:
بعد استضافة كازاخستان للجولات المتواصلة على مدار أكثر من 6 سنوات، لم يكن من المتوقع أن تعلن ضرورة إنهاء ذلك المسار، خاصًة وأن موسكو أكدت على شعور الأطراف بالمفاجأة تجاه هذا القرار، كما أن كازاخستان لم تبرر بالأسباب التي دفعتها إلى ذلك، وفي الحقيقة لا يبدو أن موقف الدولة المضيفة للمحادثات كان مفاجئًا بالفعل، لأن التحولات التي طرأت والمتمثلة في اللقاءات الرباعية على مستوى نواب الخارجية ومن ثم على مستوى وزراء الخارجية لسوريا وتركيا وروسيا وإيران، جعلت هناك حالة منافية بشكل ما للوضع الذي تطلب وساطة كازاخستان، وهو ما أكدت عليه الأخيرة بأن مسار أستانا قد حقق مسعاه، وقد أصبحت الترتيبات الآن تدور حول وضع خارطة الطريق لعملية الحوار بين أنقرة ودمشق.

كما أن الإعلان عن انعقاد جولة جديدة بنفس صيغة أستانا يبدو أنه قد تم بناءً على رغبة تركيا، ولكن من المحتمل أيضًا ألا يحدث ذلك في ظل عدم تحديد المكان الذي يمكن أن تجري به المحادثات، كما أن مواقف روسيا وإيران وسوريا تشير إلى رغبتها في الاتجاه إلى الاجتماعات الرباعية كصيغة أهم لتحقيق التقدم في المسائل المتعلقة برسم خارطة الطريق للتطبيع السوري – التركي، وقد كان هذا الهدف هو أبرز ما ورد في البيان الختامي للجولة الأخيرة، وهو ما يشير إلى أولوية هذا المسار على أستانا، في محاولة لاستبعاد المعارضة السورية من المشهد.

من هذا المنطلق قد تجد روسيا فرصة كبيرة لتقريب وجهات النظر بين دمشق وأنقرة، إلا أن تصريحات المسئولين السوريين تؤكد عدم توافق وجهات النظر حتى الآن بشكل تام لإصرار دمشق على أن لا تطبيع دون انسحاب القوات التركية من الشمال السوري.

تحولات المسار وموقف المعارضة:
لا يبدو أن تغيير مكان انعقاد اللقاءات من أستانا لغيرها سيكون مؤثرًا في جوهر المسار، وقد عقدت مؤخرًا العديد من اللقاءات الرباعية التي مثلت امتدادًا لمسار أستانا وجمعت بين ممثلي الحكومة السورية وتركيا وإيران وروسيا، الأمر الوحيد الذي يمكن أن يختلف هو استبعاد المعارضة السورية في اللقاءات المقبلة، والسعي لمسار مختلف اهتمامه الرئيسي متعلق بتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة وحل المسائل المتعلقة بالحدود والتواجد الأجنبي على الأراضي السورية، وبالرغم من رسم الأمم المتحدة خارطة الطريق والتسوية السياسية للأزمة عبر القرار 2254 في ديسمبر 2015، لم تنضج مقومات هذه التسوية، ولازالت هناك العديد من المصالح المتعارضة بين القوى الإقليمية والدولية ذات النفوذ الحاضر في سوريا.

بالتالي فإن جميع المساعي الدبلوماسية تجاه الحل السوري مازالت حتى الآن بمثابة خطط ونصوص دون خارطة طريق ذات جدول زمني محدد قابلة للتطبيق، لكن لازالت تركيا تؤكد على شرط أساسي بالتوصل إلى حل سياسي ذى مصداقية قبل أي تطبيع، ويبدو أن روسيا استفادت كثيرًا من تراجع نفوذ القوى الغربية، وتحاول الآن رسم مسار جديد للتسوية السياسية، وبشكل عام لا يمكن التعجيل بالقول إن مسار أستانا انتهى، وقد أكدت موسكو أنه سيتم تحديد مكان جديد لانعقاد الجولة القادمة، وهناك العديد من الدول المستعدة لذلك لاسيما روسيا وإيران وتركيا وسوريا أنفسهم، أو إحدى الدول العربية التي استعادت علاقاتها بالحكومة السورية، خاصًة وأن ذلك قد يحقق مشاركة أكبر وتقدمًا في الدور العربي للتوصل إلى الحل السياسي للأزمة.

إجمالًا، يمكن القول إن الملف الرئيسي الذي تسعى موسكو لتحقيق التقدم الملموس فيه هو تقريب وجهات النظر السورية – التركية، وفي النهاية، تبقى مسألة التطبيع التركي – السوري عالقة، وتتطلب المزيد من المباحثات والتفاوض وتقديم التنازلات المتبادلة، خاصة في ظل رفض أوروبي – أمريكي للتطبيع مع الحكومة السورية، إلى جانب الخلافات الأساسية بين شروط دمشق وأنقرة لإتمام المصالحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى