دراسات

تشابك خيوط الصراع.. محطات شائكة في الأزمة الروسية الأوكرانية

تحليل د. فرناز عطية .. منذ أن بدأت الحرب الروسية الأوكرانية 24 فبراير 2022 والأحداث تتسارع وتتشابك على مستوى العالم، مما ينذر بإطالة أمد الصراع بين البلدين، ويلقي بظلاله سلبًا على الأوضاع العالمية السياسية والاقتصادية، وهنا نجد عدد من المحطات والنقاط الهامة التي ارتبطت بالأزمة المشتعلة، وتؤكد على احتدام الصراع وتصعيده:

تزويد أوكرانيا بالذخائر والقنابل العنقودية الانشطارية
أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية رسميًا 7 يوليو 2023 عن اعتزامها تزويد أوكرانيا بالذخائر العنقودية ضمن حزمة جديدة من المساعدات العسكرية لدعم كييف في هجومها المضاد ضد روسيا، وقد تقدم هذا الإعلان على موعد عقد قمة “حلف شمال الأطلسي ” بليتوانيا 11/7/2023، هذا بالرغم من معارضة بريطانيا وكندا ونيوزيلندا وإسبانيا، ويذكر أن القنابل العنقودية محرمة دولية، وتحتوي على سلسلة من القنابل الصغيرة المتفجرة تصل إلى حوالي300 قنبلة صغيرة تحتوي على عنصر الزركون المؤدي لإشعال الحرائق ، وهي محظورة من قبل أكثر من 120 دولة، حيث يمتد الأثر الانفجارى للقنبلة العنقودية الواحدة إلى مساحة تساوى ملعب كرة قدم، أما ما يتبقى منها دون انفجار فيتحول إلى ألغام، وقد كان أول استخدام لها من قبل ألمانيا في الحرب العالمية الثانية وكانت تسمى “بالقنبلة الفراشة”، وهنا يتجاوز ” بايدن” القانون الأمريكي الذي يحظر إنتاج أو استخدام أو نقل الذخائر العنقودية التي تتسم بمعدل فشل يزيد عن 1 %، وقد برر “جيك سوليفان” مستشار الأمن القومي الأمريكي هذا القرار بأن السلطات الأوكرانية قدمت لبلاده “ضمانات مكتوبة” بشأن استخدامها بشكل آمن يحد من إلحاق الضرر بالمدنيين.

وفي هذا السياق انتقدت الأمم المتحدة وعدد من المنظمات الحقوقية الدولية هذا القرار، ودعا مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان للوقف الفوري لاستخدام مثل هذه الأسلحة، فيما أصر “بوتين” على اتهام الولايات المتحدة وحلفاءها بخوض حرب موسعة بالوكالة في أوكرانيا، وأكد على الاحتفاظ بحق بلاده في الرد، لاسيما مع توفر مخزون كاف من هذه القنابل بأنواعها لدى بلاده، مما يزيد من احتدام القتال ولايضمن التفوق الأوكراني في الحرب لاسيما في حالة توسيع روسيا لهجومها بالصواريخ البالستية، مما يؤزم الوضع المستقبلي للحرب الروسية الأوكرانية.

عودة مقاتلي آزوف
كتيبة آزوف هي وحدة يمينية متطرفة من الحرس الوطني الأوكراني تنتمي للنازيون الجدد تشكلت كميليشيا من المتطوعين في مايو 2014 بمدينة ماريوبول على ساحل بحر آزوف، قاتلت القوات الإنفصالية الموالية لروسيا خلال الحرب في دونباس، وفي 12 نوفمبر 2014، تم دمج آزوف في الحرس الوطني الأوكراني، وقد استسلمت أعدد كبيرة منهم للقوات الروسية كأسرى حرب مايو 2022 في مصنع آزوفستال للصلب، واتهمت روسيا عدد منهم بارتكاب جرائم حرب، وجدير بالذكر أنهم قاتلوا ضد القوات الروسية لتحرير ماريو بول بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وفي 8/7/2023 قامت الحكومة التركية بإطلاق سراح عدد من قادة مقاتلي كتيبة آزوف تحت ضغط من حلف الناتو والسماح لهم بالعودة لبلادهم بعد زيارة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي لأنقرة، ومحادثات بين أردوغان وزيلينسكي في قصر فخر الدين في إسطنبول استمرت لساعتين ونصف، ويذكر أن هؤلاء الجنود تم أسرهم وإرسالهم لتركيا سبتمبر 2022 في اتفاق لأسرى الحرب توسطت فيه أنقرة بين موسكو وكييف، ويفترض أن يبقى هؤلاء الجنود في تركيا حتى انتهاء الحرب، ولم تخبر أنقرة موسكو بخطوة إعادتهم لأوكرانيا، مما يشكل دعمًا صريحًا لكييف وتحديًا لموسكو لاسيما مع تصنيف الأخيرة لهذه الكتيبة على أنها “إرهابية” وتورطها في جرائم حرب ضد الروس، وإعلان أنقرة تأييدها لانضمام أوكرانيا لحلف الناتو، ما ترتب عليه توتر في العلاقات التركية الروسية.

وقف اتفاقية إمداد العالم بالحبوب
أعلنت وزارة الخارجية الروسية اعتزامها وقف اتفاقية تصدير الحبوب في البحر الأسود ما لم تُرفع العقوبات عن صادرات الحبوب والأسمدة الروسية، ويتم ربط البنك الزراعي الروسي بنظام سويفت، وقد تمت هذه الاتفاقية بوساطة الأمم المتحدة وتركيا يوليو 2022 بعد اضطراب سلاسل توريد الحبوب بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وتم تجديد الاتفاقية نوفمبر 2022، وفي مايو 2023 تم تمديدها لمدة شهرين إضافيين وشملت ثلاثة موانئ أوكرانية، ومؤخرًا قلصت روسيا من الشحنات المتجهة إلى ميناء بيفديني في مقاطعة أوديسا، لحين الاتفاق على فتح الطريق أمام السلع الروسية، وحسب بيان الأمم المتحدة فقد تم تصدير 24 مليون طنًا من الحبوب بواسطة 1600 سفينة عبر البحر الأسود، ووجهت 55 % من الصادرات الغذائية إلى البلدان النامية، لكن موسكو أعلنت أن الاتفاقية ستتوقف، ويذكر أن روسيا قامت بإطلاق الذخيرة الحية في البحر الأسود يوم 21 يوليو في إعلان صريح منها عن الموت الإكلينيكي للاتفاقية، ويبدو أن الموقف التركي الأخير من الحرب الروسية الأوكرانية كان أحد المواقف المعجلة بالانسحاب الروسي من هذه الاتفاقية.

لاسيما وأن أنقرة وسيط رئيسي في هذا الاتفاق، كذا تضغط روسيا على الأمن الغذائي العالمي لتمرير تجارتها المتوقفة ومحاولة إزاحة أكبر قدر من العقوبات عنها، ومحاولة لزيادة أرباحها وصادراتها، ووقف الاتفاقية يعني أن السفن لن تستطيع الاقتراب من الموانئ الأوكرانية تضييقًا للخناق على أوكرانيا، لاسيما بعد تحذير وزارة الدفاع الروسية لجل السفن من الاقتراب من الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود في إشارة لتوسيع استهداف السفن المدنية ومنشآت الحبوب الأوكرانية، وزرعها ألغام جديدة في البحر الأسود، مما يؤدي إلى الارتفاع الكبير في أسعار الحبوب، ويهدد بحدوث مجاعة في عدد كبير من دول العالم، الأمر الذي يضغط بدوره على الدول الغربية ويدفعها لإيجاد بدائل تساهم في حل أو تهدئة الأزمة .

إعلان التعبئة الجزئية
أقر مجلس الدوما مؤخرًا تعديلات على قانون التجنيد ليرفع سن التجنيد الإجباري إلى 30 عامًا بدلاً من 27 عامًا، ومن المقرر أن يدخل التعديل الجديد حيز النفاذ في يناير 2024 حيث سيتم استدعاء المواطنين الذين تبدأ أعمارهم من 18 عامًا لتأدية الخدمة العسكرية، ويذكر أنه بعد قرابة 200 يوم من اشتعال فتيل الحرب الروسية الأوكرانية أعلن بوتين بدء التعبئة الجزئية بالجيش وهي الأولى من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية ، وفي مارس 2023 تم توقيع مرسوم استدعي بموجبه147 شخصًا للخدمة العسكرية.

ويدلل ذلك على:

تعزيز قوام الجيش الروسي بنسبة 30% أي حوالي مليوني عنصرًا حيث يجمع بين التجنيد الإلزامي والتعاقدي لتلبية الحاجات القتالية لروسيا في مواجهة الغرب وأوكرانيا.

لتحسب لزيادة أمد الأزمة بين روسيا من جهة وأوكرانيا والغرب من جهة أخرى.

محاولة سد الفجوات التي أحدثها خروج مقاتلي فاغنر من معادلة القتال لصالح روسيا.سعي موسكو لفتح جبهة جديدة على محور ليتوانيا وبولندا، لاسيما بعد تحرك قوات فاغنر على الحدود البولندية الأوكرانية البيلاروسية تحديدًا في مقاطعة بريست.

ولكن من جانب آخر نجد أن العقبة التي تعترض طريق التوسع في عملية التعبئة الجزئية الروسية هو ارتفاع تكاليف إعداد المقاتل التي تصل إلى 80 ألف تقريبًا دولار للجندي الواحد في وقت تعاني فيه روسيا من أزمة اقتصادية نتيجة انخفاض وارداتها وترتفع فيه تكاليف المعدات العسكرية.

تسليح الحرس الوطني بالمعدات الثقيلة
عجل إعلان قوات فاغنر التمرد على روسيا، وما تبعه من اتهام الكرملين لهذه القوات بالخيانة بطرح مشروع قانون يسمح بتسليح الحرس الوطني بالأسلحة الثقيلة، وقد قامت قوات الهيئة الفيدرالية للحرس الوطني للاتحاد الروسي بأول تحرك ضد قوات فاغنر أثناء تمردها، وذلك من خلال مهاجمة معقلهم الرئيسي في سان بطرسبرج ثاني أكبر المدن الروسية، ويتبع الحرس الوطني الكرملين مباشرة وقد تأسس عام 2016، ومن أبرز مهامه المشاركة في حماية النظام العام ومكافحة الإرهاب والتطرف، وتطبيق الأحكام العرفية، وأحكام حالة الطوارىء، والمشاركة في حماية حدود الاتحاد الروسي، ويهدف تزويدها بالأسلحة الثقيلة إلى محاولة إعادة هيكلة قوات الأمن الداخلية وعمل توازن بين القوات الموالية لبوتين ضمن الدولة لتجنب أي طارئ في المستقبل لاسيما مع ثقة بوتين في هذه القوات كحدوث تمرد مستقبلي من قبل جنرالات روس، كما يعمل الحرس الوطني على توفير مزيد من الحماية للحدود الروسية الأوكرانية بطول 1400 كم ومنع تعرضها لاقتحامات أثناء الحرب المشتعلة، ويذكر أن الكرملين قد أجاز سابقًا تسليح قوات الحرس الوطني بالأسلحة الثقيلة وقت الحملة على الشيشان وبعد انتهاء هذه الحملة تم سحبها منه، وبالتالي فمنح مثل هذه الأسلحة للحرس الوطني يكون في حالات الحرب وزعزعة الأمن الداخلي، لاسيما مع تهديدات الغرب بضرب وحدة روسيا.

وباستعراض ما سبق من محطات شائكة يمر بها الصراع الروسي الأوكراني وما يصاحب ذلك من تأييد غربي للجانب الأوكراني، فإن هذه الأحداث لا تبشر بقرب انتهاء الأزمة، ولكن بدخولها منحى جديد من التحدي من قبل الأطراف الفاعلة فيها، وازدياد حدة الشد والجذب بين هذه الأطراف وتعقد الصراع، الأمر الذي سيدفع ثمنه العالم بأسره سياسيًا واقتصاديًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى