مشروع قانون “مهسا (جينا) أميني” للعقوبات على النظام الإيراني .. هل يأتي بجديد؟
تحليل د. فرناز عطية .. قدم النائبين “جيم بانكس” الجمهوري ، و”أريك سوالويل” الديمقراطي مشروع “قانون مهسا (جينا) أميني للمحاسبة الأمنية وحقوق الإنسان” في أواخر شهر يوليو 2023 إلى مجلس الشيوخ الأمريكي ويحظى مشروع القانون باهتمام واسع من الحزبين “الديمقراطي” و”الجمهوري” في مجلس الشيوخ، وقد انضم إلى المبادرة لمعاقبة المسؤولين الإيرانيين (68) من الجمهوريين، و(60) من الديمقراطيين، وقد لاقى هذا المشروع تأييدًا من قبل كلا من: “الاتحاد الوطني للديمقراطية في إيران”، ومنظمة “متحدون ضد إيران النووية”، ولجنة الشؤون العامة الأمريكية – الإسرائيلية (أيباك).
توقيت اقتراح مشروع “أميني”:
جاءت المبادرة التي تحمل مشروع “أميني” بعد نحو (4) أشهر من الاحتجاجات التي اندلعت في سبتمبر 2022 بمدينة سقز مسقط رأس مهسا “جينا”، وامتدت لمدن أخرى على رأسها سنندج، ديواندره بانه وبيجار الواقِعة كلّها في محافظة كردستان، قبلَ أن تتوسَّع لتشملَ أغلب المدن الإيرانيّة بما في ذلك العاصِمة طهران ومدينة مشهد وأصفهان وكرمان وشيراز وتبريز ورشت وساري وكرج وأراك فضلًا عن مدينةِ عيلام والعديد من المدن الإيرانية الأخرى، في أعقاب مقتل مهسا “جيناأميني”، على أيدي “شرطة الأخلاق” في إيران، ما أدى إلى موجة تمرد ضد النظام الإيراني منذ إنشائه عام 1979.
جاء توقيت اقتراح مشروع العقوبات الأمريكية الجديد بعد فرض عقوبات 17/10/2022 من قبل الاتحاد الأوروبي على 11 شخصية إيرانية و4 كيانات إيرانية تمثلت في تجميد الأصول وحظر السفر، ومنع شركات ومواطني الاتحاد الأوروبي من التعامل المالي مع أي من الأفراد أو الكيانات المدرجة بقوائم العقوبات، منها: شرطة الأخلاق الإيرانية ورئيسها “محمد رستمي” ورئيس فرع طهران “أحمد ميرزائي”، و”عيسى زارع بور” وزير الاتصالات لقطعه الإنترنيت وقت الاحتجاجات، كما فرضت وزارة الخارجية البريطانية على “غلام رضا سليماني” رئيس قوات الباسيج في الحرس الثوري، و”حسين أشتري” القائد العام للشرطة، “حسن ثوري” قائد القوات الخاصة بالشرطة، ويذكر أن الولايات المتحدة قد طبقت عقوبات مماثلة.
فحوى مشروع القانون:
ويقضي مشروع القانون المقترح بأن يقدم الرئيس الأمريكي تقريرًا دوريًا كل 90 يومًا بصورة علنية إلى الكونجرس الأمريكي، عن الانتهاكات المرتكبة من قبل السلطات الإيرانية فيما يخص حقوق الإنسان، على أن تشمل هذه الانتهاكات المرتكبة من قبل كل من: المرشد “علي خامنئي” الذي يتمتع بالسلطة النهائية الكاملة على الجهاز القضائي والأمن الإيراني، بما في ذلك وزارة المخابرات والأمن، وقوات إنفاذ القانون، التابعة لوزارة الداخلية، وفيلق “الحرس الثوري”، و”الباسيج” وهي: مجموعة شبه عسكرية متطوعة تابعة للحرس الثوري، وكذا الرئيس “إبراهيم رئيسي”، ودائرتهما المقرَّبة، على أن ينشر هذا التقرير على الموقع الإلكتروني للحكومة الفيدرالية الأمريكية، كما أكد مشروع القانون على أن العقوبات الحالية المتعلقة بالإرهاب وجرائم حقوق الإنسان والبرنامج النووي الإيراني ستطبق على كل من المتورطين من الأفراد والمؤسسات في إيران، ووفقًا لهذا المشروع سيتم تجميد أصول جميع المسئوليين ممن يثبت تورطهم أو إسهامهم بأي دور في جرائم حقوق الإنسان .
مبررات إصدار هذا المشروع:
مقتل أكثر من 200 شخص في الاحتجاج التي اندلعت في طهران، واعتقال مايقرب من 1200 شخص على الأقل.
تفشي ظاهرة تسميم الطالبات في المدارس الإيرانية خاصة مع وقوف السلطات الإيرانية موقف المتفرج وعدم إقدامها على أي ردة فعل حازمة لوقف تسميم الفتيات، أو إجراء تحقيقات جادة وغير متراخية لهذا الأمر، بهدف منع الطالبات من الخروج في المظاهرات والاحتجاجات اعتراضًا على السياسات القهرية التي تتبعها السلطات الإيرانية ضد النساء متذرعةً بفرض الحجاب، لاسيما بعد أن قضت السيدة الكردية مهسا “جيناأميني” على يد السلطات الإيرانية إثر تعرضها للضرب والتعدي عليها واحتجازها واعتقالها من قِبل “شرطة الأخلاق” التابعة للحكومة الإيرانيّة بحجة عدم ارتدائها للحجاب.
تعتبر إيران في صدارة قائمة الدول التي تنفذ حكم الإعدام ضد المعارضين عامة والنساء خاصة، لاسيما مع ارتفاع أعداد الضحايا من النساء مؤخرًا.
رغبة الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص والغرب عمومًا في تطبيق حزمة جديدة من العقوبات غير المسبوقة على النظام الإيراني، ومن هم على رأس السلطة في طهران ودائرتهم المقربة، مع تجنب وجود آثار جانبية لهذه العقوبات على الشعب الإيراني، كأحد محاولات عزل النظام الإيراني، لاسيما مع التقارب بينه وبين روسيا.
محاولة الولايات المتحدة والدول الغربية استثمار الوضع المتدهور للحريات وحقوق الإنسان داخل إيران كأداة للضغط عليها فيما يتعلق بملفها النووي، والتدخل في الشأن الداخلي الإيراني والتواصل مع المحتجين، لاسيما بعد أن فاوضت إدارة “بايدن” في أكتوبر 2022 “إيلون ماسك” الرئيس التنفيذي لشركة (سبيس إكس) حول إمكانية إنشاء خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية “ستارلينك” Starlink التابعة لشركته لتوفيرها للمتظاهرين الإيرانيين.
مدى فاعلية مشروع العقوبات الجديد:
طهران تعيش في ظل العقوبات والضغوط الدولية المفروضة منذ ما يربو عن الـ 40 عامًا، إثر عملية احتجاز الرهائن في السفارة الأميركية بطهران عام 1979، وبالرغم من ذلك لاتزال إيران تحت ظل نظام الملالي متمسكة بنهجها في التدخل السافر في الشؤون الداخلية لدول منطقة الشرق الأوسط والدول العربية خاصة، والاستمرار في حروب الوكالة ، واستئناف التقدم في ملفها النووي، إلى جانب سياستها في تكميم الأفواه وكبح الحريات وإنهاء حياة المعارضين، وبالتالي استطاع النظام الإيراني بالرغم من كم وكيف العقوبات المفروضة عليه أن يتحايل على هذه العقوبات جميعها ويخترقها ويقلل من فاعليتها، وبالتالي فإن غياب القناعة لدى الولايات المتحدة والغرب بأن سياسة فرض العقوبات لم تعد ناجعة ولا تؤتي ثمارها أضحى أمر غير منطقي، وهذا لايقتصر فقط على النظام الإيراني بل يمكن أن يستخلص من تجربة العقوبات المفروضة على روسيا وسوريا وغيرها من الدول، وبالتالي فإن المزيد من العقوبات لن يثني النظام الإيراني عن جرائمه وانتهاكاته لحقوق الإنسان، ودليل ذلك:
رد طهران على الدول الأوروبية بعد فرض العقوبات عليها بفرض عقوبات على مسئولين بريطانيين وألمان، ناهيك عن عودة دوريات “شرطة الأخلاق” بعد مرور 10 أشهر على اندلاع الاحتجاجات في الداخل الإيراني واقتراب الذكرى السنوية لمقتل “أميني”، ويذكر أن النظام الإيراني منع دوريات هذه الشرطة أن تنزل إلى شوارع البلاد إبان اشتعال الاحتجاجات، وقد أكد “ذبيح الله خداييان” رئيس هيئة التفتيش العامة أن منفذي القانون في إشارة لـ”شرطة الأخلاق” لا يحتاجون إلى أوامر من السلطة القضائية ويمكنهم التصرف مباشرة في حال عدم التزام النساء بالحجاب، مما يعني مزيدًا من الاضطهاد للنساء والتضييق عليهن والتوسع في حوادث العنف ضدهن، وهنا يعود النظام الإيراني إلى سيرته الأولى دون أن يهتم لأي عقوبات مفروضه أو تفرض عليه مستقبلاً، وبالتالي فإن هذا المشروع يتساوى في النهاية مع غيره من قوانين العقوبات التي سبقته والتي أخفقت في تعديل سلوك النظم الاستبدادية، وما هو إلا استعراض ولفت انتباه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية إلى أنها مازالت القوى العظمى الأحادية المؤثرة في الساحة الدولية.