دراسات

تركيا والخليج..  أبعاد التقارب وتداعياته الإقليمية

تحليل كرم سعيد .. شهدت الآونة الأخيرة كثافة في التحركات المتبادلة بين أنقرة ودول الخليج، حيث قام الرئيس التركي في الفترة من 17 إلى 19 يوليو 2023 ، بزيارة لكل من السعودية والإمارات وقطر،  وخلال زيارة الدول الثلاثة أجرى أردوغان مباحثات حول عدد من الملفات، وعلى رأسها التعاون الاقتصادي، وسبل التنسيق حيال صراعات الإقليم بالإضافة إلى توظيف الدور الخليجي في دعم حقوق تركيا شرق المتوسط.

وشهدت العلاقات التركية الخليجية تطوراً متنامياً، بعد زيارة محمد بن زايد لتركيا في نوفمبر 2021 و يونيو 2023 فضلاً عن زيارة ولى العهد السعودي محمد بن سلمان لتركيا في 22 يونيو 2022، وذلك في إطار محاولة الطرفين تعزيز نفوذهما الإقليمي، وتفكيك القضايا الخلافية. ويتزامن التقارب بين أنقرة ودول الخليج مع التطورات التي تشهدها المنطقة، وتداعياتها عليهما، وأخرها الحرب الروسية الأوكرانية. كما أن التحولات الدراماتيكية التي ظهرت في الإقليم خلال العامين الماضيين، خلقت مسارا جديدا في العلاقات التركية الخليجية، بعد ما يقرب من عقد من التنافس الحاد على إعادة تشكيل الوضع الإقليمي. إذ انخرطت أنقرة في مفاوضات لإصلاح علاقاتها مع مصر وإسرائيل ودمشق لحل الملفات الشائكة. كما أن الفتور الحادث في العلاقات الخليجية الأمريكية، والذى تجلى في أزمة أوبك+، والحياد التركي حيال الأزمة الأوكرانية، وفر مناخات ايجابية لدفع العلاقات بين أنقرة ودول الخليج.

توقيت لافت
يأتي التقارب التركي الخليجي في توقيت حساس ودقيق، وفي ظل متغيرات إقليمية متلاحقة، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:
عودة التهديدات الإيرانية: على الرغم من التقارب الحادث بين الخليج وطهران، وكسر حدة التوتر بين البلدين، وعودة العلاقات الرسمية مع الرياض إلا أن ذلك لا ينفي أن سياسات إيران في منطقة الخليج لا تزال، مصدراً للتوتر، وكان أخرها في يوليو الماضي، عندما تصاعد الخلاف حول ملكية  حقل الدرة النفطي الواقع في المنطقة البحرية المتداخلة التي لم يتم ترسيمها بين الكويت وإيران. ورغم أن  أغلب مساحة الحقل تقع في المياه الكويتية والسعودية إلا أن طهران رفضت ترسيم الحدود البحرية مع الكويت، وأدعت ملكيتها للحقل النفطي المكتشف عام 1967 ، ويعوم على مخزون كبير من الغاز، يُقدر بنحو 11 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، إضافة إلى أكثر من 300 ملايين برميل نفطي.

لم تقتصر مظاهر التهديدات الإيرانية على ما سبق، فقد تبنت طهران موقفاً متشدداً ضد دول الخليج بعد إصدار روسيا ومجلس التعاون الخليجي، في 10 يوليو الماضي، بياناً مشتركاً يعلن دعم مبادرة إماراتية للتوصل إلى حل سلمي لقضية الجزر الإماراتية الثلاث، من خلال المفاوضات الثنائية أو محكمة العدل الدولية. هنا، يبدو أن السلوك الإيراني كان بمنزلة حافز في تقارب تركيا ودول الخليج في العامين الماضيين، إذ أصبح التعاون التركي الخليجي مهماً للغاية لتعزيز حضورهما الإقليمي من جهة، ومواجهة الاختراقات الإيرانية في المنطقة من جهة أخرى.

التوتر التركي الروسي: تزامنت زيارة الرئيس أردوغان لدول الخليج مع تصاعد حدة التوتر بين موسكو وأنقرة، بعد إعلان الأخيرة دعمها للحاق أوكرانيا بحلف الناتو ناهيك عن قرار إحالة ملف عضوية السويد للأطلسي إلى البرلمان التركي عشية قمة الحلف التي عُقدت فى ليتوانيا في 11 و 12 يوليو 2023. كما تصاعدت حدة التوتر بين موسكو وأنقرة بعد اتهام بوتين لتركيا بالخيانة، على خلفية تسليمها 5 عسكريين أوكرانيين للرئيس زيلينيسكي عشية زيارته لتركيا، حيث كان من المقرر بقائهم في تركيا بموجب اتفاق روسي أوكراني لتبادل الأسرى تم توقيعه في سبتمبر 2022 برعاية تركية.

ووصل التوتر الروسي التركي الذروة، بإعلان موسكو في 17 يوليو الماضي الانسحاب من اتفاقية المعروفة باسم “مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب”, وتجدر الإشارة إلى أن تركيا تعتبر الاتفاقية إنجازا دبلوماسيا بفضل علاقتها الجيدة مع كل من روسيا والغرب، لكن يبدو أن الامتناع عن تمديد الاتفاق مثل رسالة سلبية لتركيا رد على انعطافتها مع الغرب.

تراجع مؤشرات الاقتصاد التركي: جاءت زيارة الرئيس أردوغان للخليج وسط تراجع ملحوظ في مؤشرات الاقتصاد التركي، وارتفاع العجز في الموازنة العامة بالإضافة إلى حدود نتائج السياسيات الاقتصادية التي تبنتها تركيا بعد فوز أردوغان في معالجة انهيار سعرف صرف العملة المحلية التي فقدت أكثر من 80 في المئة من قيمتها منذ العام 2018. وبحسب تقديرات لمؤسسات مالية عالمية، فقد سجلت الميزانية العامة التركية في يونيو 2023 عجزا هو الأكبر في تاريخها، بواقع 8.4 مليارات دولار. وتجدر الإشارة إلى  أن تركيا رفعت منذ مطلع يوليو الجاري الضريبة على البنزين،  للمساعدة في تمويل زيادة قدرها42.2 مليار دولار لحجم ميزانيتها في العام الجاري 2023.

تأثير زلزال 6 فبراير: يعتبر الزلزال الذى ضرب تركيا في 6 فبراير 2023 أكبر كارثة تتعرض لها البلاد، حيث تشير التوقعات إلى تجاوز إجمالي التكلفة الناجمة عن أثار الزلازل، التي أودت بحياة أكثر من 50 ألف شخص، 100 مليار دولار، وهو ما يفسر سعى تركيا للحصول على دعم خارجي لإعادة إعمار المناطق المنكوبة. وفي هذا السياق تمثل دول الخليج وعاء مالي مهم في دعم سياسات تطوير مناطق الزلزال جنوب تركيا. كما تكشف الزيارة عن أن الأولوية التركية  أضحت للمصالح الاقتصادية وليس للأيدولوجيا.

 الجدل حول جدوى الوجود الأمريكي في الخليج: عاد الجدل بصورة لافتة في الأوساط الأمريكية بشأن جدوى الوجود الأمني الأمريكي في منطقة الخليج، وتصاعد هذا الجدل مع الوفرة الإنتاجية من النفط الأمريكي خلال العقد الماضي فضلاً عن تنويع مصادر التوريد، التي أدت إلى تقليل الأهمية الاستراتيجية للخليج بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. وبحسب تقديرات أمريكية،  فإن الوجود الأمريكي في المنطقة أصبح ذات كلفة مرتفعة تتجاوز أرباح الولايات المتحدة من قيمة الحصول النفط الخليجي، كما أشار بعض المراقبين الأمريكيين إلى أن الإدارة الأمريكية يمكن أن تخفض ميزانيتها الدفاعية بنسبة 15 في المئة إذا تخلّت عن وجودها العسكري في الخليج. وهنا، يمكن تكمن مساعى الدول الخليجية لتعزيز شركاتها الدفاعية مع قوى إقليمية ودولية تملك رصيداً وافر من القوة العسكرية.

تنامي الخلاف في أوبك+: انتقدت الولايات المتحدة في أبريل الماضي قرار منظمة “أوبك+”، بخفض إنتاج النفط بأكثر من مليونى ونصف مليون برميل يوميا، والذى تم إقراره منذ مطلع مايو 2023، وهو ما دفع البيت الأبيض لدعم مشروع “نوبك”، الخاص بمحاسبة السعودية، ودول أوبك، بسبب فرض أسعار للبترول بصورة لا تخضع لقواعد المنافسة العادلة من وجهة نظر أمريكية. صحيح أن هذه القانون لم يتم تمريره، إلا أنه يمثل مؤشراً على عمق التوترات الكامنة تحت السطح بين واشنطن والخليج.

اعتبارات متنوعة
ثمة العديد من الاعتبارات التي تدفع التقارب التركي الخليجي في التوقيت الحالي،وتجاوز التوترات التي ظلت عنوناً بارزا للعلاقات خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:

دعم الاقتصاد التركي: “الاقتصاد” هو الشعار الأساسي الذي حملته زيارة أردوغان إلى دول الخليج الثلاث،  نظراً لأهمية الاستثمارات الخليجية بالنسية للاقتصاد التركي الذى يعاني تراجعاً ملحوظاً، وما يمثله من تحدى رئيسي لولاية أردوغان الجديدة. وتمثل العلاقات مع السعودية والإمارات وقطر أولوية لتركيا في هذا التوقيت، كونها تمتلك امكانات هائلة يمكن أن تمثل قوة دفع للاقتصاد التركي. وتستهدف تركيا جذب استثمارات بقيمة 25 مليار دولار من دول الخليج ، خاصة بعد توجه الحكومة التركية الجديدة نحو طرح بعض أصول الدولة للخصخصة، وهنا، يمكن فهم الاتفاقيات والصفقات التي وقعها الرئيس أردوغان مع الدول الثلاثة عشية الزيارة.
كما أنه مع انسحاب  العديد من المستثمرين الغربيين من السوق التركية خلال السنوات الثلاث الأخيرة بسبب السياسات النقدية غير التقليدية التي تبنها أردوغان، وارتكزت على خفض أسعار الفائدة على حساب التضخم، برزت أهمية الدول الخليجية كمنافس لسد فجوة الاستثمار. وأبدت دول الخليج خلال الفترة الأخيرة اهتماما لافتاً بالسوق التركية، وظهر ذلك فى توقيع الإمارات في مارس 2023  اتفاقية تستهدف زيادة حجم التجارة بين البلدين إلى 40 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. كما التقي في يونيو الماضي ممثلون عن شركة “أرامكو” السعودية مع اتحاد المقاولين الأتراك، في إطار تخطيط الشركة لبناء مصفاةٍ وخطوط أنابيب، ومبانٍ إدارية، وإنشاءات بنية تحتية أخرى بقيمة استثمارات تصل إلى 50 مليار دولار.

وفي مارس 2023، وضع الصندوق السعودي للتنمية 5 مليارات دولار كوديعة لصالح البنك المركزي التركي. كما وصل حجم التبادل التجاري مع الرياض إلى 6.5 مليار دولار في العام 2022 بالإضافة إلى وجود ما يقرب من نحو ن 1100 شركة سعودية تعمل في الأسواق التركية  مقابل 390 شركة تركية تعمل في السعودية. كما تقدر الاستثمارات السعودية في تركيا بأكثر من 2 مليار دولار.

على صعيد متصل بلغ حجم التجارة غير النفطية بين تركيا والإمارات حوالي 19 مليار دولار في 2022، بينما تعد قطر أهم شريك اقتصادي لتركيا، حيث ارتفع  حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 2.2 مليار دولار في العام  2022ـ ويتوقع أن يشهد  نمواً خلال الفترة المقبلة بفضل التعاون الكبير بين البلدين.

اســتغلال التحــولات الجيوسياســية: يرتبط التقارب التركي مع دول الخليج برغبة الطرفين في توظيف التحولات الجيوسياسية في الإقليم، في ظل تراجع الحضور الأمريكي، واستمرار القضايا الخلافية بين أنقرة والغرب في العديد من الملفات الشائكة بالإضافة إلى توظيف الانشغال الروسي بالحرب الأوكرانية جنباً إلى جنب الارتدادات السلبية التي أفرزها انقلاب فاغنر على النفوذ السياسي لموسكو في المنطقة. وتسعى تركيا لاستغلال ذلك لتعزيز نفوذها في منطقة الخليج. وأشارت تقديرات إلى امكانية حدوث تنسيق تركي- خليجي سواء في تسوية صراعات الإقليم أو التصدى لتجاوزات إيران في المنطقة.

تحييد الضغوط الغربية: لا ينفصل التقارب التركي الخليجي عن رغبة الطرفين في محاصرة الضغوط الغربية على أنقرة والخليج في القضايا الشائكة أو على الأقل تحييد هذه الخلافات، حيث يمكن للتعاون بين أنقرة والخليج أن يدفع واشنطن نحو إعادة جانب واسع من حساباتها إزاء مصالح أنقرة والخليج في الإقليم خلال المرحلة المقبلة.

تعزيز التعاون الدفاعي: تحرص تركيا على فتح أسواق جديدة لمنتجاتها الدفاعية، خاصة في مجال المسيرات التي حققت نجاحات نوعية معتبرة في عدد واسع من الصراعات. ووقعت السعودية عشية زيارة أردوغان 9 اتفاقيات تشمل شراء طائرات مسيّرة من تركيا، إضافة إلى خطة للتعاون الدفاعي.  وتعد هذه الاتفاقيات بحسب خلوق بيرقدار مدير شركة “بايكار”، هي أكبر عقد تصدير دفاعي وفي مجال الطيران في تاريخ الجمهورية التركية.

بالتوازي، تعول تركيا على الإمارات لتعزيز صادراتها الدفاعية، وتجلى ذلك في توقيع البلدين في مايو 2022 على مذكرتي تفاهم لتطوير العلاقات في مجال الصناعات الدفاعية بين البلدين، كما حصلت الإمارات على عدد من المسيرات التركية في سبتمبر الماضي. كما تجدر الإشارة إلى أن الكويت وقعت في يونيو الماضي عقداً لشراء عدد من المسيرات التركية في إطار تعزيز دفاعات جيشها، في صفقة بلغت قيمتها 367 مليون دولار.

تعزيز التمركز في منطقة الخليج والبحر الأحمر: تتمتع السعودية بموقع استراتيجي على البحر الأحمر بالإضافة إلى نفوذ السعودية والإمارات وقطر في المياه الخليجية القريبة من المحيط الهندى المطل على البحر الأحمر والخليج العربي. ويبدو أن ثمة تطلعات تركية لأيجاد موطئ قدم لها هناك في ظل رغبتها في حماية مصالحها في القارة الأفريقية، وكذلك تعزيز تموضعها في طرق  التجارة الدولية، لا سيما مع اقتراح تركي في فبراير 2022 بتأسيس طريق جديد يربط بين الإمارات وتركيا، ويقلص مدة الشحن للبضائع التجارية من 21 يوم إلى 7 أيام فقط. ويربط الطريق الطريق المقترح بين مدينتي إسكندرون جنوبي تركيا، والشارقة شمال الإمارات.ويمر الطريق الجديد من معبر بازرجان – جوربولاك بين تركيا وإيران، ثم من ميناء بندر عباس بين إيران والإمارات.

تداعيات محتملة
يحمل التقارب التركي الخليجي العديد من التداعيات المحتملة على القضايا الإقليمية، وسياسات الطرفين تجاه صراعات المنطقة، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:

1-خفص التصعيد الإقليمي: اتجهت تركيا نحو الحد من خلافاتها الإقليمية فضلاً عن إنهاء قضاياها الخلافية مع السعودية والإمارات، حيث أغلقت قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وإحالته للقضاء السعودي، فضلاً عن ترطيب العلاقة مع الإمارات، وشكلت هذه التحركات حافزا  مهماً لخفض مستوى التوتر في الإقليم. كما يكشف التقارب الحادث بين انقرة والخليج أن ثمة قناعة لدى الطرفين بأن التنافس طوال السنوات العشر التي خلت لم يؤد إلى تغيير جوهري بشأن حسم ترتيبات الإقليم لصالح أي منها بقدر ما شكل استنزافا لفرص التعاون بينها لمعالجة الأزمات الإقليمية التي أثرت بشكل سلبي على مصالحهما المتشابكة في مناطق التماس.

2- ترسيخ التقارب التركي مع دول الإقليم العربية: يتوقع أن يساهم التقارب الحادث بين تركيا والخليج في تثبيت التحولات التركية الأخيرة تجاه دمشق والقاهرة، وكشف عن ذلك مناقشة أردوغان مع قادة السعودية والإمارات مسألة التطبيع التركي السوري، وتعزيز التعاون مع القاهرة. وتجدر الإشارة إلى أن أنقرة تعول على دور خليجي في دفع العلاقات المصرية التركية من جهة، وكذلك معالجة القضايا الخلافية مع سوريا، خاصة في ظل انفتاح عربي وخليجي على دمشق، بعد عودة الأخيرة إلى الجامعة العربية، وبالتالي، يمكن أن يمثل الخليج نقطة ارتكاز استراتيجية لإيجاد أرضية مشتركة لتسريع وتيرة التفاهمات بين القاهرة وأنقرة، وكذلك بين أنقرة ودمشق.

3- تطوير التفاهمات على الساحة الليبية: أن التقارب الجاري بين الخليج وتركيا سينعكس إيجابياً على الأزمة الليبية، بحدوث تفاهمات بين الطرفين حيال إدارة الملف الليبي، وتهدئة الأوضاع والمضي قدمًا في إخراج المرتزقة الأجانب.  وتجدر الإشارة إلى أنه بعدما وصل التوتر إلى الذروة بين أنقرة التي تدعم الغرب الليبي،  وبعض الدول الخليج التي ساندت محور الشرق، فثمة توافق  بينهما في التوقيت الحالي على إجراء الانتخابات الليبية فضلاً عن دعم الطرفين لأهمية تشكيل جيش موحد في ليبيا.

وبحسب مراقبين، فإن  التقارب التركي- الخليجي،  يسهم في التقدم نحو حل الأزمة الليبية، خاصة في ظل انخراط تركيا في علاقات ودية مع شرق ليبيا المدعوم خليجياً، حيث زار السفير التركي لدى ليبيا مدينة بنغازي مطلع العام 2022، برفقة وفقد من رجال الأعمال، والتقي رئيس البرلمان عقيلة صالح، كما أعادت تركيا افتتاح قنصليتها في بنغازي. وبالمقابل، بدأت حكومة الدبيبة غرب ليبيا في تعزيز انعطافتها تجاه الخليج، وكان بارزاً،هنا، قيام وزير الخارجية نجلاء المنقوش في مايو الماضي بجولة خليجية شملت البحرين وقطر وسلطنة عمان والكويت والسعودية بالإضافة إلى الأردن.  كما سبق هذه الخطوة وساطة إماراتية بين فرقاء الأزمة الليبية، وهو ما انعكس في المشاورات التي عقدها الرئيس الإماراتي مع رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايته، عبدالحميد الدبيبة،عشية زيارتهما أبو ظبي في فبراير 2023 .
بالتوازي، أعلنت تركيا ودول الخليج عن دعمهما لمبادرة المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبدالله باتيلي،التي أطلقها في 11 مارس 2023، والتي تستهدف توسيع الحوار بين الأطراف الليبية، لتجاوز حالة الركود الراهنة والدفع نجو إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية خلال العام الجاري.

4- إنتاج مواقف خليجية جديدة تجاه شرق المتوسط: كشفت التحركات الخليجية  خلال العامين الماضيين  تجاه الدول الأوروبية المشاطئة للمتوسط، عن انحيازات بعض دول الخليج لبعض أطراف الصراعات القائمة بشأن التنقيب عن مكامن الطاقة في حوض شرق المتوسط ، وعلى وجه التحديد اليونان وقبرص. فقد وثقت السعودية والإمارات علاقاتهما مع اليونان وقبرص خلال الفترة الماضية، كما دعا إلى أهمية الالتزام بالقواعد القانونية الدولية في عملية تعيين الحدود البحرية بين الدول المشائطة على المتوسط. بيد أن القتارب الحادث بين أنقرة والخليج في التوقيت الحالي، قد يدفع الخليج نحو الحياد تجاه الخلافات التركية مع قبرص واليونان في شرق المتوسط أو على الأقل تبنى مواقف متوازنة لا تميل لأى من الطرفين.

5-تحيد الضغوط الإيرانية: ترتبط تركيا بعلاقات استراتيجية وعسكرية مع الدوحة، من أهم مظاهرها القاعدة العسكرية التركية في قطر,. غير أن إصلاح العلاقات مع السعودية والإمارات، واتفاقهما مع أنقرة لدعم فرص التعاون العسكري، يمكن أن يمثل فرصة أكبر للطرفين لتوسع تحالفهما في الإقليم لتحييد الضغوط الإيرانية على دول الخليج وتركيا في مناطق التماس.

صحيح أن الصين نجحت في تحقيق اختراق واسع في العلاقات السعودية الإيرانية، وأعادت الرياض افتتاح سفارتها لدى طهران فضلاً عن الارتباطات المصلحية بين أنقرة وطهران إلا أن الخلافات التاريخية، وتباين المصالح في مناطق الاشتباك بين إيران من جهة، ودول الخليج وتركيا من جهة أخرى، لا تزال تمثل تحديات رئيسية ناهيك عن أن الممارسات الإيرانية في منطقة الخليج، ومناطق النفوذ التركي تمثل في الحقيقة عبئا استراتيجيا على المصالح التركية، وضغطاً على الخليج. لذا، فإن التقارب التركي الخليجي سيعزز من قدرتهما على مناورة طهران  دون أي حساسيات.

6- تكثيف الانخراط التركي في أزمات الخليج:  ترغب تركيا في التوقيت الحالي، وعلى ضوء التطور الايجابي الحادث في علاقاتها مع السعودية والإمارات والبحرين فضلاً عن علاقتها القوية مع الكويت وقطر وسلطنة عمان، في تصدير رسالة تركية مفادها أن أنقرة تقف بجانب الدول الخليجية في أزماتها، ولن تتخلى عنها. وهنا، يمكن تفسير دعوة أستاذ العلوم السياسية والنائب السابق بالبرلمان الكويتي، عبدالله النفيسي، في 14 يوليو 2023 دول مجلس التعاون الخليجي إلى ـ”الاستقواء” بتركيا أمام إيران فيما يتعلق بالخلاف حول حقل الدرة”.

وتحاول الدبلوماسية التركية تحسين العلاقات مع الخليج، خاصة في القضايا التي تحمل أولوية خليجية، وفي الصدارة منها القضايا الأمنية التي تمثل أحد المحاور الرئيسية في العلاقات التركية الخليجية، وظهر ذلك في توقيع السعودية والإمارات والكويت خلال الأسابيع الماضية على صفقات لشراء طائرات مسيرة من تركيا.
7- غض الطرف عن العنف التركي ضد الكرد: ربما ينعكس التقارب التركي الخليجي على ضبط المواقف الخليجية حيال العمليات العسكرية التي تشنها تركيا على مناطق قوات سوريا الديمقراطية “قسد” شمال سوريا، ومواقع حزب العمال الكردستاني شمال العراق. وكانت دول الخليج قد تبنت سياسات متشددة إزاء الانخراط العسكري التركي ضد التيارات الكردية في العراق وسوريا، وكانت هذه المواقف من بين أسباب الخلاف والتوتر التركي الخليجي.

بيد أن التطور الحادث بين أنقرة والخليج في التوقيت الحالي، ربما يعيد الحسابات الخليجية من تدخلات أنقرة العسكرية ضد الكرد، أو بعبارة أخرى، يتوقع  أن يكون ذلك التقارب أحد نتائجه غض الطرف عن أي عمل عسكري يشنه الجيش التركي سواء  داخل الأراضي السورية أو العراقية وتحديداً ضد المكون الكردي. وتجدر الإشارة إلى أن الصفقات العسكرية المليارية التي وقعتها دول الخليج مع تركيا، وإعلان الإمارات والسعودية عن رغبتهما في توطين صناعة الطائرات المسيرة بالتعاون مع تركيا، تمثل عاملاً إضافياً يدفعهما نحو تحييد المواقف أو على الأقل التخلى عن اللغة الخشنة، إزاء عمليات العنف الممنهج ضد كرد الإقليم.

ختاماً، يمكن القول أن التقارب التركي الخليجي قد لاتقتصر تداعياته على زيادة زخم التعاون الاقتصادي بين الطرفين، بقدر ما تحمله من ارتدادات مباشرة على قضايا الإقليم، وعلى مساراتها المحتملة خلال المرحلة المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى