دراسة: المخيمات السورية .. فرصة “داعش” للعودة من جديد (الهول نموذجاً)
إعداد الباحث السياسي
محمد صابر
ملخص الدراسة: تتعدد التساؤلات حول مخيم “الهول” السوري، الذي يقع شرقي محافظة الحسكة بسوريا، وتحوله منذ 2019 إلى ملاذ لعوائل “داعش” الفارين وبالأخص النساء والأطفال، حيث يبرز المخيم سلوكيات متطرفة تؤكد استمرار نساء التنظيم بالتمسك بأفكاره وتوجهاته الإرهابية، وإيمانهن بهدف عودة ما يسمونه بـ “دولة الإسلام” مرة أخرى، واتضح ذلك التطرف في كثير من المقابلات التليفزيونية التي تم إجراءها مع بعضهن، والتي أكدت على اعتقادهن بيقين تام أن التنظيم الإرهابي سيعود من جديد.
وقد ناقشت الدراسة مصادر التهديد الأمني داخل شمال وشرق سوريا، والتي باتت تنذر بمخاطر عديدة قد تعود بآثارها على المجتمع الدولي بأثره، في ظل إلقاء جزء كبير من هذا الحمل على قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، دون توافر الدعم اللازم لمواجهة الإرهاب من جذوره، وحل إشكالية المخيمات والسجون التي تضم آلاف مقاتلي “داعش” وأسرهم، ما يدعو إلى محاولة البحث حول مصادر التهديد الحقيقية بمخيم “الهول”، والسيناريوهات التي يمكن أن يئول إليها الوضع في ظل التقاعس الدولي في التعامل مع هذه الأزمة، ومواجهة جذور الفكر المتطرف الباقية إلى اليوم والرامية للانتشار.
مقدمة: ترتفع نسب القلق المستمر من مخاطر المخيمات السورية وبالأخص مخيم “الهول”، الذي يضم الآلاف من عوائل مقاتلي تنظيم “داعش” الإرهابي، فمازالت أسس الفكر المتطرف وعقيدة المنتسبين له مستمرة ومتناقلة بين أجيال جديدة، وجدت نفسها مجبرة منذ ولادتها على هذا النسق، ويعود هذا الأمر إلى القصور في معالجة إشكالية المخيمات التي تجمع بينهم في ظروف ملائمة لنشأة أجيال حاقدة على النظام الدولي، وتم تأسيسهم على مبادئ العنف والتطرف الإسلامي، المنافي تماماً للقيم والموروثات الحقيقية للديانة الإسلامية.
وعلى النقيض تماماً مما يجب أن يكون الوضع عليه، أو حتى ضرورة السعي لمقاومة انتشار الفكر المتطرف، لم يتخذ المجتمع الدولي الخطوة المنتظرة منه لتفكيك المخيم، وتستمر حالة تقاعس الدول عن مراعاة مسئولياتهم تجاه النساء والأطفال بالمخيم من الأجانب غير السوريين والعراقيين، بالتالي بدأت الأعباء تتزايد على كاهل الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية، التي تتحمل مسئولية إدارة “مخيم الهول”، ومن هذا المنطلق باتت المخيمات السورية وبالأخص الأخير تنذر بعودة المخاطر “الداعشية”، لانتشار الفكر المتطرف به، واستمرار الإيمان بالعقيدة المتطرفة وتناقلها عبر الأجيال.
وبناءً على ما سبق، تسعى هذه الدراسة لإلقاء الضوء على المخيمات السورية وبالأخص مخيم “الهول”، كأحد أهم مصادر التهديد بعودة التنظيم الإرهابي “داعش” في سوريا والعراق، وبيان التهديدات التي يمثلها دور النساء المتشددات بالمخيم في إعدادهن جيلاً جديدًا من المتطرفين، أشد عنفًا وإيمانًا بعقيدة التنظيم الإرهابية، وأعلى رغبة في الانتقام، وإعادة الأوضاع لما كانت عليه قبل الهزيمة في “الباغوز” بسوريا عام 2019، على أيدي قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والتحالف الدولي.
بؤرة للفكر المتطرف:
تحولت المخيمات السورية بعد عام 2019، من ملاذ لكل من اللاجئين والنازحين من ضحايا الحروب والصراعات بسوريا والعراق إلى بقعة تنتشر بها الأفكار المتطرفة، والتصرفات الإرهابية الرامية إلى الحفاظ على أسس فكر “داعش”، ويعتبر مخيم الهول أخطر هذه المخيمات، حيث يمثل حجم الاكتظاظ السكاني بالمخيم إنذار حقيقي على جميع النواحي الإنسانية والصحية، والاجتماعية، والسياسية وغيرها، ويهدد ذلك الوضع الأمني داخل المخيم باستمرار، خاصًة في ظل توافر تهديدات تتعلق بتمسك الجهاديات المحتجزات في “الهول” بأيديولوجية التنظيم الإرهابية، مما يشكل عامل تهديد حقيقي لمدى قدرة “قوات سوريا الديمقراطية” على فرض السيطرة داخل المخيم، في ظل استمرار تهديدات خارجية تتمثل في العمليات التركية التي تستهدف “وحدات حماية الشعب ” وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” – وقد يتم استغلال هذه الهجمات في تهريب عناصر التنظيم الإرهابي من المخيم أو السجون الكردية.
وقد حذرت قوات سوريا الديمقراطية بشكل مستمر من أي تدخل تركي في المستقبل، يهدد أمنها القومي، مما قد يرغمها على إعادة توجيه الموارد لمواجهة التهديدات الخارجية والحفاظ على الأمن القومي، مما قد يؤثر سلبًا على محاربة تنظيم “داعش”، الذي يستخدم العنف في شمال وشرق سوريا والعراق، ويهدد أمن معسكرات الاعتقال والسجون، لاعتبار أن معتقليه أساسيين في نجاح مخططاته المستقبلية.[1]
لذلك، هناك حاجة ملحة إلى حل الإشكالية المتعلقة بالمخيمات السورية التي تضم نساء وأطفال من أسر “داعش”، في ظل تهديدات متصاعدة بعودة التنظيم من جديد، بالإضافة إلى بيئة خصبة متوافرة لدى نساء التنظيم المتطرفات، لإعداد أبنائهن على نهج ما يصفونه بـ “أشبال الخلافة”، والدعوات المستمرة لإنهاء خطر هذه القضية التي لم يتم حلها من جذورها على مدار 4 سنوات بعد هزيمة التنظيم الإرهابي في “الباغوز” 2019، بل مازالت تتزايد التهديدات التي يشكلها مخيم الهول وغيره من المخيمات السورية، بسبب النساء والأطفال منتهجي عقيدة “داعش” المتطرفة، والسجون التي تضم معتقلين خطرين من أتباع التنظيم وقياداته.
حالة الاضطراب داخل “الهول”:
تشير العديد من التقارير إلى صعوبة الظروف المعيشية داخل مخيم “الهول”، وضعف الخدمات الصحية والاجتماعية، نتيجة لعدة أسباب لعل أهمها تزايد عدد سكان المخيم بشكل كبير منذ 2019، ولجوء نساء التنظيم الإرهابي “داعش” إليه، إلى جانب وقوع مسئولية المخيم على كاهل الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا “قسد”، دون توفير الدعم الدولي الكافي على الأقل لتوفير مستويات طبيعية للحياة داخل “الهول”، هذا إلى جانب التهديدات الأمنية الداخلية التي تتمثل في تصرفات النساء المتشددات بالمخيم، والتي تتعاملن وكأنهن ضمن كتيبة “الخنساء”، فتعملن للحفاظ على استمرارية مبادئ التنظيم المتطرفة، ومنع غيرهن من التخلي عن الفكر الغير معتدل، واستمرار رسم حلم عودة التنظيم بمخيلة الأطفال، ويمكن توضيح هذه العوامل على النحو التالي:
(1) استمرار بعض نساء “داعش” في ممارسة العنف: حيث يضم مخيم الهول آلاف النساء من الأجانب اللواتي تعتبرن من دعاة التنظيم العنيفات، واستمر أدائهن وأنشطتهن داخل المخيم، بالعمل على نشر أيديولوجيتهن الإرهابية، والحفاظ أيضًا على تعاليم “داعش” باستخدام الوسائل العنيفة، لاسيما حادثة مقتل فتاة على أيدي والدتها بسبب رفضها لارتداء الحجاب، كما عملت “الداعشيات” على عقد العديد من المحاكمات السرية للنساء اللاتي تنتقدن التنظيم أو تقمن بخلع الحجاب، حيث قامت المتطرفات بإنشاء مجموعات، مطلقات على أنفسهن “الحسبة”، بهدف فرض النقاب بالقوة على النساء والفتيات، كما تبين لاحقًا امتلاكهن لأسلحة نارية، خلال الاشتباكات التي قامت مع قوات تأمين المخيم “الأسابش” في 2019، وتمثل النساء القادمات من “الباغوز” بالأخص، خطرًا كبيرًا داخل المخيم، فيبدو أن التنظيم يتخذ منهن اليوم حجر الزاوية لإعادة الهيكلة والعودة من جديد، بإصرارهن على فكرة إنشاء دولة إسلامية، وإرباكهن الوضع الأمني داخل المخيم، بالإضافة لعملهن على نشر عقيدتهن المتطرفة، وتحريض الأطفال على الإضراب وإلقاء الحجارة على الحراس ورفض الآخر. [2]
(2) ظهور أجيال أكثر تطرفاً: يتضح جلياً آثر تنشئة آلاف الأطفال في هذه البيئة على نجاح إستراتيجية نساء “داعش” لبناء جيل أكثر تمسكاً بأفكارهن الإرهابية، لاسيما في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها كل طفل بالمخيم، ويرى أمامه أفكار النساء المنتمية إلى التنظيم ومنهن والدته، بما قد يرسخ في ذهنه كراهية شديدة بكل ما تحمله الكلمة تجاه المجتمع الدولي، إلى جانب أن يكون هذا الطفل من أبناء قتلى “داعش” أو الأسرى بالسجون، وتلقنه والدته بأن العالم عدوه وأنهم قد قتلوا أو أسروا والده، بالتالي هذا الجيل يحتاج إلى إعادة تأهيل وخطوات جادة من قبل الدولة التي ينتمي إليها والديه.
وقد أشار الجنرال “بول كالفيرت” قائد المهمة الأمريكية لمكافحة “داعش” في العراق وسوريا، إلى مدى خطورة زوجات مقاتلي التنظيم، بتنفيذهن مخططات وبرامج تلقين يومية للأطفال، وادعى أنه بتم نقل “الأشبال” بطرق سرية من المخيم إلى صحراء البادية للخضوع للتدريبات واستخدامهم كمقاتلي “داعش”[3]، كما اتضحت بوادر الكراهية في كثير من المقاطع التي نجح بعض الإعلاميين في نقلها من داخل مخيم “الهول”، مثل الإشارة بالتهديد بالذبح، وغيرها من السلوكيات أيضاً، لاسيما ما احتواه أحد المقاطع الذي نقل عبر قناة “الحدث”، وتضمن أطفال من عوائل مقاتلي التنظيم “داعش” يلصقون الاتهامات للمذيعة بأنها “كافرة”، ويهددها أحد الأطفال بالقتل في المستقبل على يده، ومن ثم ألقوا الحجارة عليها فيما بعد.
(3) تزويج القاصرين بهدف زيادة أعداد المنتمين للتنظيم بالمخيم: يعيش اليوم بالمخيم حوالي 30 ألف طفل، إذ تقوم نساء “داعش” بتزويج المراهقين بين عمر (13-16) بهدف إنجاب المزيد من ما يوصف بـ “الأشبال”، وزيادة أعداد الموالين للتنظيم [4]، مما يهدد بارتفاع أعداد خلايا التنظيم النائمة بالمستقبل، في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، بعد أن أصبح المخيم بمثابة مدرسة لتعليم أيديولوجية وعقيدة “داعش”، لذلك تعمل الإدارة الذاتية على إخراج هؤلاء الأطفال من تلك البؤرة عند بلوغهم سن 13 عاماً، ونقلهم لمراكز إعادة التأهيل في شمال وشرق سوريا، وفقًا لما نقله المرصد السوري لحقوق الإنسان.[5]
(4) قدرة النساء بالمخيم على جمع الأموال للتنظيم: فقد استطاعت النساء المواليات للتنظيم توفير التمويل، من خلال جمع التبرعات تحت شعارات تثير العاطفة، لاسيما “أخوات في الأسر” و “طيور محبوسة” عبر وسائل التواصل الاجتماعي الدينية، فقد شاركن في حملات ترويجية لجمع الأموال والتبرعات، وغيرها من طرق التحويل المالي من الجماعات الموالية للتنظيم الإرهابي وغيرها، عبر نظم تحويل الأموال الغير رسمية، باستخدام هواتف سرية مخبأة داخل المخيم، بالتالي تعمل النساء على إدارة مخططات لجمع الأموال لدعم أيديولوجية “داعش” المتطرفة.[6]
(5) محاولات الفرار والتمرد: تتكرر حوادث الهروب من المخيم، وقد كشف مسئولون كرد أن هذه العمليات تستهدف الوصول أولاً إلى تركيا ومن ثم إلى بلدان “الداعشيات” الأصلية، وفقًا إلى ما حوته التحقيقات، إلا أن شبكات التهريب هذه يكون غالبًا مصير الهاربات عبرها مجهول، وقد تنضم بعضهن إلى فروع أخرى للتنظيم، أو جماعات متطرفة أخرى مشابهة، بنفس السياق والسيناريو الذي انضممن به سابقًا إلى “داعش”، وقد تم ضبط شبكة أنفاق داخل المخيم وأسلحة نارية أيضًا، الأمر الذي يشير إلى مدى سعيهن للتجنيد والتسلح وإثارة القلق، ويزيد من تعقيد الأمور أمام إدارة المخيم، التي يتحمل مسئوليتها قوات سوريا الديمقراطية.[7]
ظروف معقدة وتحذيرات دولية:
تندد الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بمخاطر التحديات الأمنية التي تمثلها المخيمات السورية، وبالتحديد مخيم “الهول”، وتطالب بإعادة الجهاديات مع أطفالهن إلى الدول التي تنحدرن منها، كما تنادي “قوات سوريا الديمقراطية” أيضًا بضرورة اتخاذ اللازم لمحاكمة أسرى داعش بالسجون السورية، لإنهاء الخطر “الداعشي” ، الذي بدأت هذه الملفات تثيره مرة أخرى وتهدد باحتمالية عودة التنظيم الإرهابي، ولكن على الرغم من خطورة الموقف وتهديده للأمن الإقليمي والدولي بشكل عام، لم تتسلم الدول سوى عدد ضئيل من رعاياها بالمخيم من النساء والأطفال، مع تأكيد أغلب دول العالم عدم الرغبة في استعادة مواطنيها، باعتبار أنهم يشكلون تهديدًا جديًا للأمن بمجتمعاتهم، كما لم تستجب أطراف المجتمع الدولي أيضًا إلى النداءات الكردية من أجل الحاجة إلى إنشاء محاكم لمقاضاة أسرى “داعش”[8]، مما دعا “قسد” إلى إعلانها في يونيو الماضي عن عزمها محاكمة أولئك “الدواعش” من الرجال الأجانب دون النساء بنفسها، إلا أن هذه الخطوة لم تحظى بالقبول والتوافق الدولي حتى الآن.[9]
ويؤكد موقف “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” على حالة الإحباط من التقاعس الدولي في التعاطي مع هذه القضية، فهذا الموقف الذي تلتزم به دول العالم بات يهدد استقرار المنطقة بأكملها وبالتالي الأمن الدولي، فلم يعد الأمر متعلقًا فقط بعرقلة جهود الإعمار واستنزاف الموارد المتاحة فقط، بل أنه أصبح يشكل عقبة تشتت الانتباه أمام محاربة الإرهاب من جذوره، في ظل استمرار عمل خلايا “داعش” بسوريا، ففي حال تمكن التنظيم من السيطرة على أراض جديدة بسوريا، سوف تشكل المخيمات السورية قاعدة خاصة للتجنيد، مما يزيد أعداد الأتباع المنضمين بالإضافة إلى العمل على تهريب نساء و”أشبال الخلافة”، وأسرى السجون من مقاتلي التنظيم، الذين سوف يعملون بدرجة عالية من الغضب على نشر الإرهاب في كل بقعة قد يسيطرون عليها، وهو تمامًا ما دعا إليه “أبو بكر البغدادي” قبل مقتله.[10]
بالتالي بات من الضروري أن يتم التعامل بحذر شديد مع مخاطر سيناريو بقاء الأمر على ما هو عليه، واتخاذ المجتمع الدولي خطوات مسئولة وأكثر جدية تجاه مسألة تفكيك المخيمات السورية، والعمل بفاعلية أكبر في القضاء على الفكر المتطرف من منابعه، والقضاء على جذور الإرهاب وأسسه، وليس فقط محاربة الإرهاب كمفهوم متعلق بمواجهة العمليات التي تقوم بتنفيذها الخلايا النائمة للتنظيم بسوريا والعراق، وغيرها من أفرع التنظيم المنتشرة بمناطق مختلفة في العالم، وقد باتت تهدد الأمن والسلم الدوليين.
ويجب أن تدرك كافة الأطراف المعنية تمامًا أن أي هجوم عسكري مشابه لما تهدد به “أنقرة” باستمرار، لن يؤدي سوى إلى زعزعة أمن واستقرار الأراضي السورية بشكل خاص، والأمن والسلم الدوليين بشكل عام، ويمكن هنا الاستشهاد بوقائع الهروب من المخيمات السورية التى تمت بالتزامن مع عمليتي ماتم تسميتهم “غصن الزيتون 2018” و “نبع السلام 2019″، وفي نهاية عام 2022 بالتزامن أيضًا مع هجوم تركي أخر على مواقع الأكراد، وغارات جوية على مخيم الهول ذاته، ساهم ذلك – وإن كان بشكل غير مباشر- في نجاح عدد كبير من عوائل “داعش” بالهرب من مخيم “الهول” [11]، وفي ظل هذه الضربات التي كانت توجهها “أنقرة” إلى “قسد”، أعلنت الأخيرة آنذاك توقف عمليات القضاء على “داعش” للتركيز على صد الهجمات التركية، التي تنتهك القوانين والأعراف الدولية.
سيناريوهات التعامل مع أزمة مخيم “الهول”:
رغم اتخاذ “قسد” العديد من الخطوات بهدف إعادة تأهيل “الداعشيات”، لم ينجح ذلك مع جميع الحالات من النساء بالمخيم، فمن جهة أخرى عملت العناصر المتشددة منهن على الترويج لأيديولوجية التنظيم الإرهابي، ومحاولة استقطاب عناصر جديدة له [12]، كما أنه في ظل كافة التهديدات الداخلية والخارجية لأمن مخيم الهول التي تم ذكرها سالفاً، ومع التقاعس الدولي في التعاطي مع قضية نساء وأطفال المخيم، يمكن تصور مستقبل المخيم المتوقع، من خلال السيناريوهات الآتية:
أولًا:- سيناريو بقاء الوضع على ما هو عليه: يتضمن هذا السيناريو استمرار الأوضاع القائمة، ويُعد هو السيناريو الأقرب حاليًا، نظرًا لتقاعس الكثير من الدول عن تنفيذ مسئولياتها تجاه رعاياها بالمخيمات والسجون السورية، مما دعا المنظمات الدولية إلى الدعوة لاستعادة الأطفال دون أمهاتهم[13]، مما يهدد بنتائج قد تكون الأسوأ في حال فقد الأكراد السيطرة على المخيم، وهروب آلاف المحتجزين من الجهاديات والأطفال، خاصًة مع استمرار التهديدات التركية التي تؤثر سلبًا على الأكراد ودورهم فى الحفاظ على أمن المخيم والسجون الكردية التي تضم معتقلين من التنظيم.
ثانيًا:- سيناريو استعادة الدول رعاياها من المخيمات والسجون السورية: يتضمن هذا السيناريو نجاح تفكيك المخيم من الجهاديات الأجانب الأشد تطرفًا وأبنائهن، عبر التوصل لاتفاقات دولية تضمن استعادة الدول رعاياها من المنتمين إلى التنظيم الإرهابي على الأقل بالمخيمات السورية، لإعادة تأهيل النساء والأطفال وإدماجهم بمجتمعاتهم التي ينتمون إليها، ولكن لا يبدو من السهل أن تنجح مبادرات الدمج وإعادة التأهيل بتحقيق أهدافها المرجوة، خاصًة في ظل اعتبار النساء المنتميات للتنظيم في بلدانهن إرهابيات محتملات في حال عودتهن، إلى جانب ما ينتظرهن من مصير مجهول، ورفض مجتمعي لهن كعائلات التنظيم الإرهابي “داعش”، لذلك تُفرض على تحقق هذا السيناريو مجموعة من القيود، لعل أهمها تخوف دول ومجتمعات هؤلاء النساء والأطفال من أفكارهم المتطرفة ورفضهم للآخر، خاصًة بعد ترك هذه الدول للأطفال بالمخيم السنوات السابقة في هذه الظروف المعقدة، حتى نشأ أغلبهم على الأسس العدوانية مؤمنين بأيديولوجية التنظيم الإرهابي، وبحلم عودة ما يصفونه بـ “دولة الإسلام” .
وبالتالي، يبدو أن البيئة المكتظة سكانيًا بالمخيم، والظروف المعيشية السيئة، إلى جانب التهديدات الأمنية المتعلقة بالهجمات التركية، واستمرار عمل خلايا “داعش” النائمة بسوريا والعراق، بات اليوم مخيم “الهول” يشكل بيئة خصبة ملائمة لازدهار التنظيم الإرهابي، لذلك يجب على المجتمع الدولي الاستجابة بفعالية وبصورة شديدة الإيجابية لهذه المعضلة، وتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة، واقتراح رؤى وحلول قابلة للتنفيذ لتفكيك مخيم الهول ودعم “الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا”، والتنسيق مع الحكومة السورية لحل كافة القضايا المتعلقة بتهديدات “داعش” وكارثة عودته من جديد.
وختامًا، يمكن القول أن بقاء المخيمات السورية وبالأخص مخيم “الهول”، بات يشكل مخاوف إنسانية وأمنية تهدد المنطقة والعالم ككل، وفي حال استمرار التقاعس الدولي في التعامل مع مسألة تفكيك المخيم، واستعادة الدول لرعاياها من المنتسبين إلى التنظيم الإرهابي “داعش”، لمحاكمتهم أو إعادة تأهيلهم ودمجهم بمجتمعاتهم الأصلية، قد تؤدي التطورات إلى تداعيات سلبية على المجتمع الدولي، نتيجة تحويل هذه النطاقات إلى بؤر لإعادة هيكلة التنظيم الإرهابي والتهديد باستعادة نفوذه، وهو ما يشكل فرصة “عودة داعش” باستغلاله المخيمات السورية والاضطرابات الأمنية، في حال قيام أي من التطورات التي قد تحدث على آثر التهديدات التركية لأمن المناطق التي تسيطر عليها “قسد”.
=================================================================
الهوامش
1- Devorah margolin, The Future Of Repatriation From Northeast Syrian, the Washington institute for near east policy, jun26, 2023, available at: https://shorturl.at/myRZ5
2- مخاطر “الدعشنة”: لماذا يتصاعد العنف داخل مخيم الهول؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 13 أكتوبر 2019،
متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/auJQ6
3- اكرام زيادة، داعش يُعيد تنظيمه من جديد داخل مخيمات شمال سوريا، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات،
متاح على الرابط التالي : https://shorturl.at/oyAW2 .
4- فاطمة حسين، أماكن التطرف والإرهاب في المخيمات السورية (مخيم الهول نموذجاً)، مجلة العلوم السياسية (بغداد: جامعة بغداد، كلية العلوم السياسية، العدد: 64)، يونيو 2023، ص:206.
5- اجبار أطفال مخيم الهول على الزواج بسن لا بتجاوز 14 عامًا.. الخطة الجديدة لتنظيم “الدولة الإسلامية” لزيادة أعداد أنصاره وإعادة بناء دولته، المرصد السوري لحقوق الإنسان (SOHR)، 18 يوليو 2023، متوفر على الرابط التالي: https://shorturl.at/tEGMU .
6- John saleh, The Women of ISIS and the Al-Hol camp, fikra forum, 2 August 2021,
available at: https://shorturl.at/xEGM4 .
7- كمال شيخو، أكثر من 700 محاولة هروب من مخيم الهول السوري، الشرق الأوسط، 25 ديسمبر 2021،
متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/imLY1 .
8- John saleh, The Women of ISIS and the Al-Hol camp, fikra forum, 2 August 2021, Op.cit.
9- انتقادات قانونية تطال قرار “الإدارة الذاتية” محاكمة أسرى “داعش” بسوريا، شبكة شام، 12 يونيو 2023،
متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/bcjNR .
10- وليد عبد الرحمن، تسجيلات البغدادي… أحاديث متكررة عن العودة، الشرق الأوسط، 13 أكتوبر 2019،
متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/apy16 .
11- أحمد العيسوي، غارات جوية على مخيم الهول في سوريا.. وأنباء عن فرار داعشيات، القاهرة 24، 23 نوفمبر 2022.
متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/kruwV .
12- مخاطر “الدعشنة”: لماذا يتصاعد العنف داخل مخيم الهول؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 13 أكتوبر 2019، مرجع سابق.
13- خبراء أمميون يحثون على إعادة الأطفال المحتجزين في شمال شرق سوريا إلى أوطانهم بشكل عاجل، أخبار الأمم المتحدة، 31 مارس 2023،
متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/qxGRS .