25 عاما على المؤامرة الدولية ضد الشعب الكردى

تحليل فتحى محمود ..
يمر اليوم التاسع من أكتوبر (تشرين أول) 25 عاما على المؤامرة الدولية التي تم تدبيرها ضد الشعب الكردى ممثلا في زعيمه عبد الله أوجلان، القائد التاريخى لأكبر حركة تحرر كردستانى مؤسس حزب العمال الكردستانى، خلال السبعينيات فى جنوب شرق تركيا بهدف إقامة دولة كردية مستقلة، والذى خاض صراعا مسلحا طويلا منذ الثمانينيات وردت تركيا بتدمير آلاف القرى الكردية، وطاردت أوجلان نفسه فى كل مكان لمدة عشرين عاما، وكادت القوات التركية تكتسح سوريا عام 1998 للقبض عليه وتم إجباره على مغادرة دمشق في مثل هذا اليوم من عام 1998، متنقلا بين عدة دول حتى نجحت المخابرات التركية فى اختطافه من مطار نيروبى فى 15 فبراير 1999، بمساعدة المخابرات الاسرائيلية «الموساد» ومنذ ذلك الوقت يقبع أوجلان فى سجن إمرالي التركى فى ظروف سيئة للغاية، بعد أن حكم عليه بالإعدام وخفف الحكم إلى السجن المؤبد تحت ضغوط أوروبية.
لقد بدأت عملية الإعداد لحركة تحرر كردية جديدة منذ وجود أوجلان فى اسطنبول للدراسة الجامعية بداية السبعينيات حيث شارك فى أنشطة عديدة وأسس جمعية أنقرة الديمقراطية للتعليم العالي، التى ضمت عددا كبيرا من المهتمين بالنشاط الثورى الكردى وعرفت فيما بعد باسم مجموعة (آبوجي) وانتشر أعضاؤها وسط العمال والفلاحين فى كردستان ومارسوا أنشطة سياسية عدة حتى تحولت المجموعة إلى حزب العمال الكردستانى (PKK).
وواجه الجيش التركى حزب العمال والمناطق الكردية بعمليات قمع وإبادة، فبدأ الحزب حرب عصابات بسلسلة من الهجمات على القوات التركية، وبسبب مقاومته لتحدي الجيش التركي اكتسب شعبية في صفوف الشعب الكردي، وأقام الحزب إدارته الخاصة في المناطق الريفية في مستهل1990 ، بينما شرعت تركيا ببرنامج الاستيعاب القسري للشعب الكردي في ثمانينيات القرن الماضي، ودُمرت آلاف القرى الكردية في جنوب شرقي وشرقي تركيا، مما اضطر مئات الآلاف من الكرد للنزوح إلى أجزاء أخرى من تركيا، ومنذ الأيام الأولى لانطلاقة الكفاح الكردى المسلح لجأت الدولة التركية إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) واستغاثت به، وشارك معها فى عمليات القمع واستجاب لطلبها بتصنيف الحزب كمنظمة إرهابية.
لن الحقيقة أن المتتبع لمسيرة أوجلان قبل وخلال سجنه الطويل يكتشف أنه امام مفكر وليس مجرد قائد لجماعة نضالية، وأن حزب العمال الكردستانى تحول إلى حركة تحرر وطنى وليس حركة انفصالية، فقد سبق أن أعلن أوجلان عامى 1993و1995 وقفا لإطلاق النار من جانب واحد، لكن الحكومة التركية كانت ترفض ذلك، وفى ديسمبر 1998 أى قبل القبض عليه بشهرين أعلن اتخاذه النهج السلمى سبيلا للنضال بدلا من الكفاح المسلح، لكن تركيا استمرت فى عمليات قمع الكرد بوحشية كبيرة، بدلا من أن تكون فرصة للوصول إلى حل سلمى للمسألة الكردية.
لقد ناقش أوجلان كثيرا من القضايا المهمة فى سلسلة مجلدات حملت عنوان (مانيفستو الحضارة الديمقراطية)، وشهدت مسيرته الفكرية تطورا كبيرا من الإيمان بالكفاح المسلح سبيلا وحيدا لإقامة دولة كردية مستقلة إلى العمل من أجل الحل الديمقراطى السلمى، وقدم خريطة طريق توضح تفاصيل هذا الحل، وهو الأمر الذى رد عليه النظام التركى باستمرار حرب الإبادة ضد الكرد، وفى رؤية أوجلان المتكاملة للتحول إلى أمة ديمقراطية يوضح أن الاعتراف بحق التحول إلى أمة ديمقراطية كان الحل الأنجع والأنجح والقابل للتطبيق، دون الحاجة إلى دولة قومية كردية، بل ودون الحاجة لتحويل الدولة القومية الحاكمة إلى أشكال من الطراز الفيدرالى، وبناء على ذلك فخريطة الطريق التى قدمها على خلفية الحوار مع الدولة التركية كانت تعبر كفاية عن مبادئ الحل والسلام المأمولين، لكن جهاز الدعاية والتحريض فى الدولة والمتأثرة جدا بتقاليد التطهير العرقى عاجزة عن البت فى قرار السلم والحل الديمقراطى، فرغم محاولات وقف إطلاق النار التى اعلنها حزب العمال الكردستانى مرات عديدة من طرف واحد، فإنه لم يلق الجواب اللازم، ولكن هذا الوضع لن يستمر طويلا، فإما أنه سيتم ولوج سياق السلم والحل الديمقراطى المستدام والمشرف، والذى يتفق فيه الطرفان على ثوابته ومبادئه الأساسية، وهو سلام تاريخى ونمط حل سياسى ديمقراطى سيكون مثالا تقتدى به شعوب المنطقة والإنسانية قاطبة، أو سنعود إلى حرب جديدة حاسمة.
هكذا قدم عبد الله أوجلان حلا سلميا لواحدة من أهم المعضلات التى تواجه الشرق الأوسط، لكن النظام التركى الذى أدمن جرائم التطهير العرقى لا يرغب فى السلام.
إن أوجلان الآن يقدم نموذجا شبيها للمناضل الإفريقى الكبير نيلسون مانديلا، الذى اعتقل بعد عام واحد من توليه رئاسة الجناح العسكرى للمجلس الافريقى القومى الذى قاد النضال الشعبى ضد نظام الفصل العنصرى فى جنوب افريقيا، وظل 27 عاما فى السجن مدافعا عن حقوق شعبه، قبل أن يتم الإفراج عنه بسبب الضغوط الدولية المكثفة ليصبح أول رئيس أسود للبلاد.