مقالاتياء

“طوفان الأقصى” وإعادة صياغة معادلة الصراع العربي الإسرائيلي

تحليل د. فرناز عطية ..

وقع ما توقعه الكثير من متابعي الشأن الإسرائيلي – الفلسطيني، حيث تفجر الموقف بعد كم الاستفزازات وسياسات العقاب الجماعي التي مارستها إسرائيل بحق الفلسطينيين، فقد استيقظت إسرائيل على وابل من صواريخ المقاومة الفلسطينية 7أكتوبر 2023 التي ضربت القدس وتل أبيب وبئرالسبع إلى جانب عسقلان في هجوم غير مسبوق بحري –جوي – بري شنته كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الفلسطينية (حماس) على إسرائيل، حيث تمت السيطرة بشكل كامل على بلدات ومستوطنات إسرائيلية في منطقة غلاف قطاع غزة كمستوطنة “بئيري”، كما تم اقتحام معبر “إيرتز” شمال غزة، مما أدى إلى مقتل أكثر من 900 إسرائيلي، وإصابة قرابة 2500 آخرين، فضلاً عن أسر نحو 100 من العسكريين الإسرائيليين منهم رتب عسكرية كبيرة، والمدنيين ونقلهم إلى غزة، وإعلان السلطات الإسرائيلية إخلاء مناطق ومستوطنات كاملة على حدود غزة واستدعاء قوات الاحتياط لتأمين منطقة غلاف غزة.

هجوم غير مسبوق
لم يسبق أن تعرضت إسرائيل إلى هجوم بهذا الشكل وبهذه الكيفية، حيث تم تنفيذ هذا الهجوم في العمق الإسرائيلي، وهو ما يتنافى مع مفهوم “الضربة المضادة الاستباقية” أحد أبرز محددات الأمن القومي الإسرائيلي، والذي كان يرتبط بانعدام العمق الاستراتيجي لإسرائيل، وينطلق من مقولة مفادها أن من الحيوي عدم السماح مطلقاً بأن تدور الحرب في أرض إسرائيل، بل يجب نقلها وبسرعة إلى أراضي العدو، فهذه المرة لم ينفذ الهجوم على أراض عربية بل في بلدات ومستوطنات إسرائيلية، كذلك الكيفية والتنظيم الذي تم به الهجوم ونجاحهم في الحصول على رهائن وتحقيق خسائر مادية ومدنية لإسرائيل لم تشهدها منذ حرب أكتوبر 1973.

دلالات عملية طوفان الأقصى

-الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي ويكمله الغرور والغطرسة الإسرائيلية، وإخفاق القدرة على الردع العسكري، الذي تكرر تاريخيًا في حرب أكتوبر تكرر في حرب أكتوبر 1973.

-التأكيد على أن عمليات تطبيع العديد من الدول العربية مع إسرائيل لن تكون بأي حال على حساب القضية الفلسطينية، وحق العودة للفلسطينيين، وأن هناك قوى وطنية تقاوم وتحمي القضية الفلسطينية وتدافع عنها وقت اللزوم.

-تطور الآليات والمهارات القتالية والقدرات على التكتيك والتنفيذ الذي باتت تمتلكه المقاومة الفلسطينية، لاسيما مع ارتفاع أعداد الضحايا والأسرى والجرحى من الإسرائيليين بالنسبة للوقت الذي استغرقه تنفيذ العملية.

-نجاح “عملية طوفان الأقصى” بالرغم من أنها لم تصدر عن جيش نظامي بل عن جماعات المقاومة المسلحة، إلا أنها تميزت بالتخطيط الدقيق والتنظيم والتنسيق بين منفذيها.

عوامل وظروف هيأت فرص النجاح:
أدى توفر وتضافر عدد من العوامل مع بعضها البعض إلى إنجاح الهجوم الذي قامت به كتائب المقاومة الفلسطينية، وكان أبرزها:

-عنصر المفاجأة الذي اتبعته المقاومة عند تنفيذ هجومها على المستوطنات الإسرائيلية، بحيث لم تعرف ساعة الصفر ولم يتوقع الجانب الإسرائيلي سواء مسؤولين أو مواطنين حدوث مثل هذا الهجوم في وقت عطلة دينية وأسبوعية، لاسيما مع سياسة التسلط والاستنزاف والقمع التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين عامة منذ وصول نتنياهو وائتلاف اليمين المتشدد لسدة الحكم.

-بدأ الهجوم في مستوطنات وأراضي تتبع الحكومة الإسرائيلية، مما يعني نقل المعركة العمق الإسرائيلي مما أحدث صدمة لدى الجيش الإسرائيلي والمواطنين، وزعزعة ثقتهم في قدراتهم الاستخباراتية والأمنية وأكد على وجود مفهوم جديد للمقاومة يتمثل في القدرة على الوصول لأهداف داخل العمق الإسرائيلي.

-تكتيك “حرب العصابات” وفرت قدرة ومرونة لدى قوات المقاومة الفلسطينية على الكر والفر مما ساهم في إحداث هجوم خاطف ذو أثر كارثي كما أكدت وسائل الإعلام الإسرائيلي.

-الخداع الاستراتيجي وأسلوب الهجوم المتكامل الذي اتبعته المقاومة الفلسطينية من خلال اشغال الإسرائيليين بوابل من القصف الصاروخي، الذي غطى على الانتشار البري والبحري والجوي لمقاتلي المقاومة وإصابتهم لأهداف بعينها.

-التنسيق خلال الهجوم بين العناصر المتباينة للمقاومة الفلسطينية يؤكد على توحيد الصف، والأهداف فيما بينهم، والقدرة على إدارة حرب شوارع بمهارة فائقة.

ردود الأفعال الدولية والإقليمية
جاءت ردود الأفعال الدولية بين مؤيد ومعارض، فقد وصف الرئيس الأمريكي “بايدن” الهجوم بالعمل الإرهابي غير المبرر، وأكد على دعم تل أبيب وأنها تملك حق الدفاع عن نفسها وشعبها، كما قامت الولايات المتحدة بتحريك مجموعة حاملة للطائرات الهجومية “جيرالد فورد” إلى شرق البحر المتوسط، كما قرر البنتاجون إرسال حاملة طائرات F16 وF35 إلى شرق المتوسط قابلة السواحل الإسرائيلية.

في المقابل، دعت وزارة الخارجية الصينية جميع الأطراف المعنيين إلى التزام الهدوء وممارسة ضبط النفس والوقف الفوري لإطلاق النار، وحماية المدنيين، ولابد من تنفيذ حل الدولتين، أما موسكو فقد حذرت من خطورة الوضع في الشرق الأوسط التي تتمثل في تصعيد الصراع، مما قد يؤدي إلى تجاوزه منطقة الصراع الحالية.

وعن أنقرة فقد حذرت من صب الزيت على النار، وأكدت أنها مستعدة لقيادة محادثات دبلوماسية لتخفيف التوتر بين الطرفين، وبالنسبة للقاهرة فقد دعت إلى ضبط النفس، وتجنب تعريض المدنيين للمزيد من المخاطر، محذرةً من تداعيات خطيرة نتيجة تصاعد حدة العنف، كما حثت على وقف الاعتداءات والأعمال الاستفزازية ضد الشعب الفلسطيني، والالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني فيما يتعلق بمسئوليات الدولة القائمة بالاحتلال، وفي السياق ذاته، دعت الرياض إلى الوقف الفوري للتصعيد بين الجانبين، وحماية المدنيين، وضبط النفس، وعن طهران، فأكدت دعهما للهجوم الذي شنته حركة حماس، كذا وصف حزب الله اللبناني هجوم حماس بـ “العملية البطولية واسعة النطاق”.  

تداعيات الهجوم
1- التداعيات السياسية والأمنية
:

-أدى الهجوم إلى اتساع رقعة التصعيد ليس فقط بين إسرائيل وحماس بل أدى إلى التوترات في المناطق الحدودية، حيث أطلقت تل أبيب عملية “السيوف الحديدية” على قطاع غزة ردًا على حماس، راح ضحيتها 370 قتيلاً وأكثر من 1700 جريحًا وفق وزارة الصحة في قطاع غزة، وتم تدمير العديد من المباني التي أعلن الجيش الإسرائيلي أنها “مراكز قيادة” لحركة حماس، كما طال التصعيد المنطقة الحدودية اللبنانية 9أكتوبر 2023، حيث قصف الطيران الحربي الإسرائيلي عدد من مناطق الجنوب اللبناني في أكثر من 4 غارات، واستهدفت المدفعية الإسرائيلية قرى عيتا الشعب وعيترون جنوب لبنان بعدة قذائف، مما أسفر عن استشهاد 3 عناصر من “حزب الله”، وفي المقابل رد “حزب الله” بإطلاق 13 قذيفة هاون نحو ثكنة برانيت المحاذية لبلدة رميش بجنوب لبنان، من ناحية أخرى تم ضرب معبر رفع من الجانب الفلسطيني لقطع الإمدادات عن قطاع غزة وعزله، مما أثار المخاوف لدى الجانب المصري بشأن محاولات الجانب الإسرائيلي إحياء مخطط “الترانسفير للفلسطينيين” بإجبارهم للنزوح لسيناء ومن ثم المطالبة بتوطينهم هناك ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية، وقد أكد الجانب المصري في هذا الصدد أن السيادة المصرية ليست مستباحة، وأن السلطة الإسرائيلية مسؤولة عن إيجاد ممرات إنسانية لنجدة شعب غزة.

-إخفاق الموساد في كشف هذا الهجوم قبل وقوعه وإعطاء إنذار مبكر بشأنه، أضحى يشكك في القدرات الاستخباراتية والاستطلاعية لإسرائيل، وهي الأجهزة التي يعتمد عليها جهاز المخابرات الأمريكية يعتمد اعتمادا كبيرًا في معلوماته؛ لذلك فإن الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي ينعكس سلبًا على تقديرات المخابرات الأمريكية.

-مراجعة بعض الدول لمواقفها تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، وكذا مواقفها تجاه عمليات التطبيع، حيث تعيد حساباتها بما يضمن عدم تأثر مصالحها بالصراع الدائر، لاسيما مع الانتقال من “طوفان الأقصى ” إلى “السيوف الحديدية”، خاصة في حال تواجد جاليات من الطرفين على أراضيها.

-حدوث بعض القلاقل الأمنية في الدول العربية المجاورة كنوع لإظهار التضامن مع المقاومة الفلسطينية.

-تدخل القوى الكبرى كالولايات المتحدة وبريطانيا ودول غربية أخرى على الساحة وإرسالها دعمًا لإسرائيل غير مقيد بحجة الدفاع عن النفس، سيؤدي لاتساع دائرة الفوضى والعنف في منطقة الشرق الأوسط، ويجعل فرص التهدئة في المنطقة بعيدة المنال.

-اجتذاب ملف الصراع العربي الإسرائيلي والأحداث الملتهبة في الشرق الأوسط انتباه الولايات المتحدة والدول الغربية بدلاً من الملف الأوكراني حتى لو كان بشكل آني مؤقت، مما يخفف الضغط على روسيا في صراعها مع أوكرانيا.

-التأكيد على أن قضية الفلسطينية قضية محورية وحيوية في منطقة الشرق الأوسط ولا يمكن القضاء عليها، أو استبدالها بقضايا أخرى كالتطبيع، وينبغي إيجاد حل عادل لها يقوم على الدولتين، وأن هناك دور أساسي لدول بعينها في المنطقة كمصر لابد من الاحتكام لها في قضايا رئيسية كقضية الصراع العربي الإسرائيلي، ولا يمكن تهميشه، حيث حذرت القاهرة حكومة نتنياهو من استمرار الأعمال الاستفزازية بحق الفلسطينيين، واقتحامات الإسرائيليين للمسجد الأقصى وسياسات العقاب الجماعي، وتجميد مفاوضات السلام، وضرورة العودة لمائدة المفاوضات من جديد.

2- التداعيات الاقتصادية
يتوقع أن تتأثر عدة قطاعات للاقتصاد الإسرائيلي إثر هذا الهجوم تأثرًا كبيرًا، كالسياحة، حيث يعزف السياح عن زيارة إسرائيل، كما يؤدي الى خسائر ضخمة للشركات الإسرائيلية نتيجة تعطيل التجارة بين إسرائيل والعالم، بالإضافة إلى تعطيل الاقتصاد المحلي، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، إلى جانب تعطيل الخدمات الأساسية، وكذلك التأثير السلبي على سوق المال الإسرائيلية، وعمليات الاستثمار لاسيما مع تخوف أصحاب رؤوس الأموال الأجنبية من احتمالية تكرار هجوم مشابه في أي وقت، وبالتالي فإن بعض الدول وخاصة الدول المطبعة حديثًا أو التي كانت تنوي التطبيع الاقتصادي مع تل أبيب ستعيد النظر في هذا الأمر، لاسيما مع تراجع الثقة في الأجهزة الاستخباراتية والدفاعية لإسرائيل، ناهيك عما ستشهده إسرائيل الفترة القادمة من ضعف الشيكل، والمخاطر على التصنيف الائتماني لإسرائيل.

وفي هذا السياق يرى “أوري غرينفيلد” كبير الاستراتيجيين في شركة (بساجوت للاستثمار) أنه من المحتمل أن تواجه الأسواق المحلية هذه المرة صعوبة في التعافي السريع، حيث أن الضرر المتوقع للنشاط الاقتصادي سيأتي من قناتين، إذ من المرجح أن تستمر الحرب في غزة لفترة طويلة، سيظل خلالها جزء كبير من “إسرائيل” تحت تهديد الصواريخ، وهذا التهديد سيؤدي إلى انخفاض الاستهلاك الخاص، ومن الجانب الآخر يرجح أن يتضاءل حجم الاستثمارات في الاقتصاد، سواءً في القطاع الخاص أو القطاع العام، وستزداد هذه التأثيرات قوة مع تزايد عدد المناطق التي تخوض فيها إسرائيل حربًا. كما أدى الهجوم إلى ارتفاع اسعار النفط الذي بلغ حوالي 4% خلال تعاملات اليوم الإثنين 9 أكتوبر 2023.

تجميد بعض المشاريع الاقتصادية التي كان من المقرر أن تنفذ في إسرائيل أو بالتعاون معها، كمشروع “الربط القاري” الذي اقترحته قمة العشرين الأخيرة.
وبشكل عام يعد “طوفان الأقصى” عملية متفردة من نوعها أعادت للمقاومة الفلسطينية هيبتها، وأصبح يحسب لها حساب سواءً من قبل إسرائيل ذاتها، أو من قبل دول المنطقة والعالم، كما أنها أحدثت تغيرًا كبيرًا في واقع الصراع العربي الإسرائيلي، فقد أعادت كشف مثالب النظام الإسرائيلي ونقاط ضعفه وأكدت على هشاشته وسهولة اختراقه، مما جعل الكثير من دول العالم والإقليم تراجع تقييماتها لأطراف الصراع العربي الإسرائيلي، وترى ضرورة اللجوء لحل الدولتين، ومن زاوية أخرى يتوقع أن تلجأ إسرائيل بعد الانتهاء من تنفيذ عمليتها الانتقامية في غزة إلى التفاوض من أجل تبادل الأسرى، محاولةً إنقاذ مواطنيها المحتجزين سواءً مدنيين أو عسكريين حفاظاً على أرواحهم، لاسيما بعد تهديدات حماس بالإجهاز على الرهائن المحتجزين لديها حال استمر قصف المدنيين في غزة.-

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى