دراسات

تصعيدات خطرة: تداعيات “طوفان الأقصى” على الأزمة السورية

تحليل الباحث محمد صابر

مع اقتراب مرور 12 عامًا على الثورة السورية، مازال التوتر سمة رئيسية للتعاملات في الملف السوري، بين الأطراف المتداخلة بالصراع، حيث إن التفاهمات ما بين هذه القوى باتت أكثر تعقدًا في سوريا، وما بين الحرب الروسية – الأوكرانية، وتداعيات “طوفان الأقصى” وتصاعد العداء الإيراني الإسرائيلي، والهجمات المتبادلة التي طالت القواعد الأمريكية بسوريا والعراق، باتت “دمشق” ساحة للتوتر الذي نشب بين روسيا والناتو من جهة، والتصعيد المتزايد بين “طهران” و”تل أبيب” وحليفتها الولايات المتحدة من جهة أخرى.

وقد تزايد القصف الإسرائيلي للأراضي السورية بعد انطلاق صواريخ من الجولان تجاه “تل أبيب”، في ظل اضطراب الأوضاع في سوريا بدرجة شديدة الخطورة، على آثر ما لحق بالأزمة السورية من نكبات مؤخرًا مثل هجوم الكلية الحربية بحمص، والتصعيد الحاد بين كافة أطراف الصراع قبل تنفيذ عملية “طوفان الأقصى” وما نتج عنها من انعكاسات أهمها ارتفاع عدد الهجمات الإسرائيلية تجاه “دمشق”.

تأسيسًا على ما سبق، يسعى هذا التحليل إلى تفسير الأوضاع الجارية في ظل موقف الحكومة السورية من حرب “غزة”، وتوضيح آثار التصعيد بفلسطين وتداعياته على الملف السوري، وانعكاساته على العلاقات بين أطراف الصراع بسوريا.

الموقف السوري

ترتبط وتتداخل معظم الأزمات الإقليمية والدولية، ومهما تباينت أو تباعدت مناطقها يظل لكل منها آثار متعددة ومتبادلة فيما بينها، وقد كان موقف الحكومة السورية من “طوفان الأقصى” على الرغم من المصالحة مع “حماس” مختلفًا عن موقفها من الأزمة الأوكرانية في القوة، سواء بتدعيمها لـ “موسكو” في تصويت الجمعية العامة لدى الأمم المتحدة، أو اعتراف دمشق باستقلال جمهوريتي لوهانسك ودونيتسك، بالإضافة إلى دعم إقليم “دونباس” ماديًا وعسكريًا، حيث قامت سوريا بتقديم ما يعادل 110 طن من السلع في إطار مساعداتها لهم، بينما لم تتدخل الحكومة السورية بالحرب الحالية بغزة لحسابات تتعلق في معظمها بالمصالح الخاصة، إضافًة لمصالح القوى الحليفة “موسكو” و “طهران”، فعلى الرغم من موقف الأخيرة الواضح ودعمها لحماس، فإنها لم تنخرط بالصراع بصورة مباشرة، كما أن روسيا أيضًا حريصة على عدم تصعيد التوتر مع “تل أبيب” خاصًة في ظل استمرار الأزمة الأوكرانية لتجنب رفع إسرائيل لمستوى الدعم العسكري لكييف.

كما تحرص الحكومة السورية على تجنب التصعيد في ظل مرور سوريا بفترة مليئة بالصراعات بين كافة الأطراف المنخرطة في سوريا، على آثر تزايد التوتر بين “أنقرة” و “قسد”، وتنفيذ الهجوم الإرهابي على الكلية الحربية بحمص في ذات التوقيت، وما نتج عنه من تصاعد الهجمات التي شنتها الحكومة السورية والميليشيات الموالية لطهران على الشمال السوري، واشتعال “إدلب” من جديد، لكن على الرغم من موقف الحكومة السورية لم تنجو “دمشق” من الهجمات الإسرائيلية على مواقع تابعة للجيش السوري والميليشيات الإيرانية.

وبناءً على ذلك، يبدو أن القيادة السورية قد عزفت عن التدخل بقوة في الحرب القائمة بغزة بين “حماس” وإسرائيل، وقد اعتمد “الأسد” على إرضاء القوى الكبرى وتأمين مكتسباته خلال السنوات الماضية في استرجاع علاقاته بالعالم الخارجي، وتعتمد “دمشق” على استرضاء “موسكو” لكونها الحليف الأقوى للحكومة السورية، سواء في تحقيق التقدم العسكري الذي نجحت به القوات السورية بمساعدة القوات الروسية والميليشيات الإيرانية مؤخرًا، لاستعادة الأراضي التي كانت تقع تحت أيدي عناصر “داعش” أو بعض القوى المعارضة، أو الحصول على الدعم السياسي من جهة أخرى، كما تحرص على الإبقاء على استعادة فتح كافة القنوات الدبلوماسية للتواصل مع المجتمع الدولي، بعدما تمكنت من العودة إلى مقعدها بجامعة الدول العربية، فيبدو أن “الأسد” يسعى إلى تبني موقف شبه محايد تجاه الحرب في “غزة” للحفاظ على استكمال تحقيق ذلك الهدف، وهو استكمال التطبيع مع الخارج وخاصًة القوى الغربية لاسيما “واشنطن” وحلفاءها.

انعكاسات متعددة

 يبدو أن آثار الخلافات القائمة بين الأطراف المنخرطة بالصراع السوري على خلفية الصراع بين “حماس” و “تل أبيب”، قد اتضحت بشكل كبير على الأراضي السورية، لاسيما خلال الانتشار الواسع للميليشيات الموالية لإيران على حدود سوريا وبالجولان، ومع توالي الهجمات على القواعد العسكرية الأمريكية بالمنطقة، وتزايد القصف الإسرائيلي للمواقع التابعة للجيش العربي السوري والميليشيات الإيرانية، وتتعدد تداعيات “طوفان الأقصى” على الجمهورية العربية السورية، ومن أهمها:

(*) توتر العلاقات بين أطراف الملف السوري: في ظل اندلاع الأزمة الأوكرانية تجنبت “تل أبيب” غضب “موسكو” وسعت باستمرار لأن تكون وسيطًا لحل الأزمة، كما امتنعت عن إمداد “كييف” بنظام “القبة الحديدية”، نظرًا لحاجة إسرائيل وروسيا إلى التنسيق الأمني بشكل مستمر خاصًة عند تنفيذ الأولى لهجماتها العسكرية في سوريا، والتي تدعى أنها تُنفذ ضد الميليشيات الإيرانية، وقد تزايدت هذه الهجمات مؤخرًا بدرجة خطيرة، مما يهدد استمرارية التفاههمات القائمة بين الأطراف المنخرطة بالصراع السوري.

(*) الإضرار بوضع الأزمة السورية : تقوم سياسة التقارب بين القوتين العظمتين “واشنطن” و “موسكو” المسماة “خطوة بخطوة” على أساس التوافق بين الولايات المتحدة وروسيا للتوصل لحل الملف السوري، وتشير العديد من التقارير إلى تعقد درجة التفاهم بين البلدين منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، لذلك فإن “موسكو” حذرة من التدخل المباشر منها أو من حلفائها “إيران وسوريا” في حرب إسرائيل وحماس، بما يهدد بتفاقم الأوضاع في سوريا أكثر، وبالأخص في ظل التصعيد القائم بين كافة أطراف الملف السوري قبل منذ مطلع أكتوبر الجاري، وقبل اندلاع المعركة “طوفان الأقصى”.

(*) تزايد الخطر الإيراني والميليشيات التابعة لطهران: يتضح الخطر الإيراني أكثر في إعادة التموضع نحو الحدود السورية، كالانتشار بدرجة كبيرة بالجنوب السوري وبالقرب من الجولان، بالإضافة إلى ما أشارت إليه العديد من التقارير حول زيارات “إسماعيل قاآني” قائد فيلق القدس والمسؤول عن تنسيق ميليشيات الحرس الثوري الإيراني إلى سوريا للتنسيق مع وكلاء “طهران” هناك، قبل انطلاق “طوفان الأقصى” بأيام.

(*) تصاعد الهجمات على القواعد العسكرية الأمريكية: أدت عملية “طوفان الأقصى” والهجمات الوحشية التي تنفذها “تل أبيب” تحت ذريعة الرد على هجمات المقاومة الفلسطينية، إلى استهداف الميليشيات التابعة لإيران للقواعد الأمريكية في سوريا والعراق، نتيجة الدعم الذي تقدمه “واشنطن” للاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ هجماتها وقتلها الأبرياء بغزة.

(*) تمهيد للعودة “الأخطر” لتنظيم “داعش”: تزايدت مخاطر التنظيم الإرهابي “داعش” في بادية سوريا، فقد أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بمصرع 34 عنصرًا من قوات الجيش السوري في 8 نوفمبر الجاري (2023)، في هجوم يعد الأكثر عنفًا خلال هذا العام، بالتالي فقد أدت حرب “غزة” إلى انشغال الأطراف الفاعلة بسوريا بالتطورات الجارية، في ظل تزايد القصف المتبادل بين كافة الأطراف، والهجمات الإسرائيلية على القوات السورية والميليشيات الإيرانية، وغيرها من التصعيدات التي سبقت اندلاع “طوفان الأقصى”، واتساع المجال للتنظيمات الإرهابية لتنامي أنشطتها، ففي ظل انشغال كافة الأطراف بالصراع، مازال “داعش” يحاول إيصال رسائله منذ وصول زعيمه “أبو حفص الهاشمي القرشي”، التي تفيد بأن التنظيم مازال في وسط الساحة ولم ينتهي ويتقهقر كما يروج المجتمع الدولي لذلك.   

تأسيسًا على ما سبق، فمن المتوقع أن يستمر موقف الحكومة السورية على ما هو عليه بشكل أكبر الفترة القادمة، في ظل انشغال موسكو بالأزمة الأوكرانية وتداعياتها، ومع عدم رغبة “موسكو” أو حتى “طهران” بالانخراط بشكل مباشر في حرب “غزة”، وبعد التطورات الأخيرة من تقارب سوري – عربي، فإن “دمشق” سوف تسعى للحفاظ على التقارب العربي مع سوريا والتطبيع مع الولايات المتحدة أيضًا، فقد كان إغلاق الأبواب العربية أمام “الأسد” من أهم أسباب اعتماده على “طهران” منذ اندلاع الأزمة السورية.

وفي النهاية، يبدو أن الحكومة السورية لا تسعى للانخراط في حرب شاملة مع إسرائيل، وبالأخص في ظل عدم سيطرتها على كامل أراضي البلاد، لكن كلما زاد عدد الجهات الفاعلة يتزايد احتمال اختبار الخطوط الحمراء لبعضها البعض، وترتفع احتمالات انتشار رقعة الحرب، وتظل السياسيات الدولية متغيرة ومتلونة، إلا أن المواطن السوري وأراضي البلاد هم الأكثر تضررًا في جميع الأحوال، في حال استمرار التوتر بين أطراف الصراع السوري، وفي ظل استمرار حالة التدهور الاقتصادي التي يمر بها المجتمع السوري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى