متابعات

سيناريو العنف: كيف يبدو مستقبل “غزة” بعد انتهاء الهدنة؟

تحليل محمد صابر

 
بعد نجاح الوساطة المصرية والقطرية في التوصل للاتفاق مع الولايات المتحدة على تطبيق اتفاقية تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، لم يعد التساؤل الأخطر حول تبادل الأسرى والكيفية التي سيتم بها فقط، إنما ينطلق الأمر إلى ما بعد انتهاء ذلك، ومستقبل القضية الفلسطينية وما سينتهي به “طوفان الأقصى” من نتائج نهائية، فمازالت التهديدات الإسرائيلية مستمرة، وهناك متطلبات عديدة للتأكيد على إنهاء الخطر وتأمين غزة بعد انتهاء الهدنة المؤقتة.

وتستمر جهود الوساطة المصرية والقطرية مع “واشنطن” و “تل أبيب”، من أجل التوصل لوقف إطلاق النار، وقد أشارت العديد من التقارير إلى وصول الوزير “عباس كامل” رئيس المخابرات المصرية إلى الدوحة، بالتزامن مع زيارة رئيس الموساد الإسرائيلي ورئيس المخابرات الأمريكية “CIA” إلى قطر، للقاء مسئولين قطريين ونظيرهم المصري، في محاولة للتوصل إلى مفاوضات أكثر تقدمًا في تطورات الأزمة الفلسطينية، ولاحق هذه الترتيبات وبعد يوم واحد منها الإعلان عن تمديد الهدنة برعاية مصرية، قطرية، أمريكية، مقابل تنفيذ صفقة لتبادل الأسرى والمحتجزين من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

تأسيسًا على ما سبق، يسعى هذا التحليل إلى البحث في المجريات الأخيرة للتوصل لاتفاق، في ظل استمرار التفاوض وتبادل الأسرى من الجانبين، ودراسة رد الفعل الإسرائيلي فيما بعد انتهاء الهدنة المؤقتة، ومحاولة بحث مستقبل “غزة” ورسم التصورات والرؤى لما بعد الانتهاء من إجراءات تبادل الأسرى.
 
مساعي إيجابية:
إن الوساطة المصرية والقطرية وسط التطورات الأخيرة كانت لها آثراً قويًا في التهدئة، إلا أنه لا توجد ضمانة مؤكدة تؤكد على التزام “تل أبيب” بالسلام، وتنازل الحكومة الإسرائيلية عن هدفها بإنهاء قدرات “حماس” العسكرية، واستمرار القتال بعد الانتهاء من تبادل الأسرى، فقد اعتمدت السياسة المصرية على بناء حالة من الهدوء ووقف أعمال القتل التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية تجاه المدنيين في “غزة”، والعمل على إرساء الحل  التاريخي للقضية  الفلسطينية “حل الدولتين”، بالإضافة إلى وضع مصر مسألة النزوح الفلسطيني من غزة إلى مصر أو غيرها من الدول خطًا أحمر لا يمكن التنازل عنه.

كما اتخذت مصر العديد من الخطوات الإيجابية في التفاوض مع “واشنطن” ومع “تل أبيب”، فقد قامت باتخاذ كافة المسارات الدبلوماسية والسياسية عبر جهود ملموسة، من أجل وقف إطلاق النار بالإضافة إلى حلحلة الأزمة الفلسطينية لضمان عدم تكرار هذه النكبة، وقد كانت مصر خير مثال للدولة الرشيدة في التعامل مع التصعيدات التي تمت مع انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، عندما طالت آثار الحرب معبر رفح بالإضافة إلى ما حدث في “طابا” و”نويبع”، مما ساهم في عدم وقوع مصر بالخطأ، وهو أمرًا حكيمًا يحتسب للدولة المصرية وقيادتها السياسية، التي لم تنساق مع التيار الذي انخرط في الصراع وإن كان بالتهديد فقط، بل سعت للوساطة لإنهاء العنف الذي أدى إلى سفك دماء آلاف الأطفال والنساء، والعمل على إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

ومع ازدياد التوقعات إزاء عودة الهجمات الوحشية على قطاع غزة بعد انتهاء اليوم الأخير من الهدنة المؤقتة، كان للدبلوماسية المصرية دورًا محوريًا في تمديد الهدنة ليومين في السابع والعشرون من نوفمبر الجاري، بالإضافة إلى التمديد لمرة أخرى مجددًا بعد الوساطة المصرية القطرية التي عقدت في “الدوحة”.
 
ما بعد الهدنة:
ومن جهة أخرى، لقد واجهت الحكومة الإسرائيلية اعتراضات شديدة من الأحزاب الدينية المتطرفة، لرضوخها للضغوط الدولية، كما أن موافقة “تل أبيب” على الهدنة لم تضعها أمام موافقة على منع استئناف القتال وإن كان أكثر شراسة مما سبق، كما تستعد “حماس” أيضًا للجولة المقبلة بشكل أكبر، وبالتالي يمكن القول أن الطرفين يعتبران الهدنة المؤقتة بمثابة فرصة للاستعداد من أجل استئناف القتال، في هذا المسار يمكن تصور مستقبل الحرب عبر السيناريوهات التالية:

() سيناريو استئناف الحرب: يتضمن تصور استكمال القتال مرة أخرى، وبشراسة أكثر مما سبق، حيث تكون إسرائيل قد استعادت الأسرى، إذا تخلت “حماس” عن كافة الأوراق الضاغطة من أسرى عسكريين وأمنيين وليس المدنيين فقط، فالحكومة الإسرائيلية وإن كانت وافقت على الهدنة نتيجة ضغوط داخلية وخارجية، لكنها تعرضت لانتقادات شديدة من المتطرفين الداعمين الأساسيين لهم، ولن ترغب “تل أبيب” في استمرار حالة الهدوء التي ترى فيها خضوعًا لمن تصنفهم تنظيم إرهابي، ويعتبر هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحًا وفق التهديدات الإسرائيلية والهدف المعلن بقتال “حماس”، كما أن التدابير الجزئية المتمثلة في “هدن مؤقتة” دون التوصل إلى تقييد إسرائيل بشأن استمرار الحرب، لن تكون كافية لحل الأزمة من جذورها، ويجب أن تكون المبادرة المقترحة كافية لتحقيق تحول استراتيجي في الديناميكيات السياسية لدى طرفي الصراع، وإذا لزم الأمر يتم نبذ الزعماء المتصلبين، فمازال يسعى كلا الجانبين إلى تحقيق نصرًا كاملًا على حساب الآخر، فإذا تم استئناف القتال مرة أخرى سيكون من الصعب إن لم يكن مستحيل أن تعود الفرصة لتوفير الرعاية الإقليمية للمبادرة في حل الأزمة.

() سيناريو حل الدولتين: يقوم هذا السيناريو على تطبيق حدود عام 1967، مع تعديلات متفق عليها بين الجانبين لضمان استمرارية التوافق، يعد هذا الحل بمثابة الفرصة الحقيقية لقيام السلام بالمنطقة وإنهاء القتال، لكن الأمر يتطلب المزيد من الجهود الدبلوماسية في مواجهة الصعوبات القائمة أمام ذلك الخيار، وحل الأسباب الجذرية للصراع، لتجنب العنف القادم في حال استئناف المعركة، لكن قد تشعر الولايات المتحدة رغم إبدائها جزئيًا الموافقة على هذا المقترح ببعض القلق، إزاء مشاركة الصين في رعاية مبادرة السلام بالشرق الأوسط وتهديد التفوق الأمريكي بالمنطقة، حيث أكد المبعوث الصيني الخاص للشرق الأوسط “تشاي جون” دعم بلاده لعملية السلام وحل الدولتين، ويمثل هذا السيناريو فرصة تحقيق السلام الكامل عبر شعور الجانب الفلسطيني بأن هذه الأرواح التي أسفر القتال عن استشهادها لم تذهب سدي، وقد تحققت تطلعات الهوية الفلسطينية، كما أنه يمنح الحكومة الإسرائيلية فرصة أن تزعم ضمان أمنها بالكامل، رغم الخسائر البشرية التي نتجت عن القتال، لكن يجب مراعاة تقديم حلولًا دقيقة لوضع “القدس” وحق الفلسطينيين في العودة أو التعويض تحديدًا، بالإضافة إلى ضمان توفير آليات محددة وبروتوكولات مقبولة من الجانبين لتأمين وحماية الطرفين من أي هجمات جديدة.

في النهاية، مازال الطرفان يستعدان خلال الهدنة لاستئناف المعركة، ونجاح مبادرة تتعلق بقرار “حل الدولتين”، وإرساء السلام الكامل ليس مضمونًا بالأخص في منطقة الشرق الأوسط، المنطقة المعروفة بشدة التقلب وعدم استقرار العلاقات أو توافر التوافق الدولي في الأهداف تجاهها، لكن أصبح اليوم القيام بمحاولات عديدة في مسار حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أمرًا ضروريًا لحقن الدماء، واليوم يجب أن تؤخذ المبادرة الخاصة بالسلام بصورة شاملة أو أن تترك كاملة، يجب التعمق في أسس القضية الفلسطينية بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق قرار حل الدولتين.

ففي هذا السياق، يمكن ضمان حل القضية الفلسطينية عن طريق تحقيق الاستقلال، وفي ذات الوقت إرساء السلام مع “تل أبيب”، عبر تحقق السلام الحقيقي الذي تمت الإشارة إليه في مبادرة السلام العربية التي تبنتها الجامعة العربية عام 2002 في بيروت، وتضمنت أن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية هو ما يمهد الطريق أمام علاقات عربية – إسرائيلية طبيعية، بما يحقق سلامًا حقيقيًا يمكن أن يستوعب إسرائيل في الشرق الأوسط، وينهي التطرف والعنصرية التي تقوم عليها “الصهيونية”، بما يسمح ببناء التعاون الإقليمي أيضًا ويحقق التنمية والرخاء، على الرغم أن سيناريو استئناف القتال هو الأقرب ولكنه ينتظر فقط تحديد موعده بالانتهاء من الهدن المؤقتة، التي تهدف فقط لتبادل الأسرى والمحتجزين بين طرفي الصراع.  
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى