تحديات واشكاليات كبيرة تواجه مسيرة حقوق الانسان دوليا وتبرز بوضوح اليوم والعالم يحتفل بمرور 75 عاما على صدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان فى يوم 10 ديسمبر عام 1948 عن الجمعية العامة لحقوق الانسان كأهم وثيقة دولية للاعتراف وصون وحماية الحقوق الانسانية فهى تضم القيم الانسانية النبيلة المشتركة للمجتمع الدولي والحقوق المتاصلة في كل انسان ماجعلها اهم انجاز دولي في تاريخ حقوق الانسان.
وتضع التحديات الدولية التي تواجه العالم مسئوليات ضخمة علي منظمة الأمم المتحدة التي اصدرت الاعلان العالمي مع الدول الاطراف به ويبلغ عددها 193 دولة تمثل معظم دول العالم اثناء مناقشتها اليوم وغدا داخل قصر الأمم المتحدة بجنيف بسويسرا تفعيل الاعلان العالمي وإعادة الروح إليه وأحياء القيم الانسانية به للحرية والمساواة والعدالة بمناسبة مرور 75 عامًا عليه ومناقشه مبادرة المفوضية السامية لحقوق الانسان التابعة للامم المتحدة للنهوض عمليا بحقوق الانسان والشعوب والعمل على تشجيع الدول للتصديق علي باقي الاتفاقيات والبروتوكولات والمعاهدات الاساسية في مجال حقوق الانسان.
تداعيات الحروب
ويأتى احتفال الامم المتحدة هذا العام متأثرا بتداعيات الحرب الاسرائيلية على الفلسطينين بغزة والحرب الروسية الاوكرانية وانتهاء جائحة كورونا وبالتالى يمثل فرصة للتأكيد على اهمية بناء عالم أكثر احتراما وصونا لحقوق الانسان وتذكير دول العالم خاصة الدول الكبرى بمسئوليتها تجاه الانسانية وزيادة الوعي الدولي بقضايا بحقوق الانسان.
بعد أن أصبحت الانجازات التي حققها العالم خلال 75 عاما غير كافية لمواجهة التجاوزات والانتهاكات التي تشهدها عده دول فى العالم فتصاعد حده الصراعات والنزاعات المسلحة الاقليمية والداخلية بعدة مناطق بالعالم وارتفاع معدلات العنف والتمييز والكراهيه ومعاداة الاسلام والاجانب من المهاجرين واللاجئين في الدول الغربية والافلات من العقاب في الجرائم تؤثر سلبا بصورة كبيرة في مجملها على اوضاع حقوق الانسان وعلى القيم الانسانية.
وأمام هذه التحديات أصبح العالم في احتياج أكثر من اي وقت مضى للتعاون دوليا واقليميا للبحث عن حلول مشتركة ترسخ قيم حقوق الانسان على الاسس التي نص عليها الاعلان العالمي لحقوق الانسان. فالعالم فقد كثير من انسانيتة بسبب الازمات السياسية والحروب والفقر والجوع وتراجع معدلات النمو والتنمية وازدواجية تطبيق المعايير فى حقوق الانسان وزادت حدة المعاناة الانسانية فى دول العالم الثالث منذ صدور الاعلان العالمى لحقوق الانسان الذي مثل وقت صدوره طموحا عالميا للتطلع لعالم افضل بعد الحرب العالمية الثانية فالتفكير في اصداره بدا بعد تاسيس الامم المتحدة عام 1949 وتم تكوين لجنة رسميا للتجهيز له في عام 1947 لادارة حلقات نقاشية ثقافية متعددة فى كافة مناطق العالم الجغرافية بالقارات حول مفاهيم الحرية والعدالة والمساواة بسبب ما شاهده العالم في الحرب العالمية الثانية من انتهاكات وتجاوزات وعنف وتمييز وقتل 70 مليون شخص ومعاناة العالم من التقسيم والاستقطاب بين الكتلة الشرقيه والغربية وبات وقتها العالم في حاجة الي تحقيق السلام العالمي والاستقرار عن طريق احترام حقوق الانسان والاتجاه لعالم افضل.
إعلان غير إلزامي
وشكلت الأمم المتحدة لجنة تصويتية لتجهيز واعداد الاعلان العالمى برئاسة اليانور روزفلت حرم الرئيس الاميركى روزفلت والصيني الدكتور بينغ تشون تشانغ نائب لرئيس اللجنة واللبناني دكتور شارلز مالك مقررا للجنة وعضوية القانونى الفرنسي رينيه كاسان و الكندي جون بي همفري مدير قسم الأمم المتحدة لحقوق الانسان والبريطانى تشارلز دوكس والاسترالي وليام هودجسون والتشيلي هرنان سانتا كروز والكسندر بوجوموولوف عن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية وبين من شارك فى مناقشتة االحقوقى والاعلامى السفير الدكتور محمود عزمي رئيس وفد مصر بالامم المتحدة بالاضافة الى رئيس وفد المملكة العربية السعودية بالامم المتحدة وصدر في قصر شايو بباريس في 10 ديسمبر عام 1948 ووافقت عليه 48 دولة من أصل 58 دولة كانت عضوا بالامم المتحدة وغياب عضوين وامتناع 8 اعضاء عن التصويت.
وبصدوره وضع اللبنة الاولي للشرعة الدولية لحقوق الانسان وشكل اول خطوة في مسيرة حقوق الانسان العالمية رغم ان الاعلان العالم لحقوق الانسان لا يحمل صفه الزامية علي الدول وتعرض خلال السنوات التالية لصدوره لانتقادات طالته من بعض الدول بسبب عالميته وصدوره عن الغرب واعتماده في جانب منه علي الدستور الامريكي والدستور الفرنسي وعدم مراعاته للجوانب الاجتماعية والثقافية والدينية في بعض الدول فى حين اعتبرت كثير من الدول ان قوة الاعلان فى عالميتة وانه جعل حقوق الانسان غير قابلة للتصرف ولاتقبل التجزئة او الاستثناء فهي متاصلة في كل الانسانية.
و بمرور الوقت تراكمت مسيرة حقوق الانسان فلم تقتصر علي الاعلان العالمي فبعد مرور 18 عاما وبالتحديد في عام 1966 اتفقت الدول داخل الامم المتحدة علي اصدار العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وتم الموافقة علية بالجمعية العامة في 16 ديسمبر 1966 ودخل حيز التنفيذ بعد عشر سنوات في 25 مارس 1976 كما صدر العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عن الجمعية العامة للامم المتحدة في 16 ديسمبر عام 1966 ودخل حيز التنفيذ في 3 يناير 1976 والعهدين يمثلان معاهدتين دوليتين متعددة الاطراف ويمثلان مع الاعلان العالمي الشرعة الدولية لحقوق الانسان ، وضم العهد الدولي للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تفصيليا عده حقوق اساسية لازمة فى حياة البشر اهمها الحق في الحياة والمساواة والتحرر من العبودية ومنع التمييز والحق في الحرية والأمن الشخصي والخصوصية والمحاكمة العادلة وحرية الدين والمعتقد والحق التجمع السلمي وحرية التعبير والمشاركة في الشئون العامة وحرية التنقل بينما تضمن العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الحق في التعليم والعمل والصحة ومستوي معيشة لائق والزواج وتكوين أسرة.
ميثاق أفريقي
ولم يتوقف العالم عند هذة العتبة واستكمل مسيرته في اصدار بروتوكولات اضافية للعهدين الدوليين واتفاقيات نوعية لحقوق الطفل والمراة والمعاقيين واصدرت الامم المتحدة الاتفاقية الدولية لمنع التمييز ضد المراة عام 1979 واتفاقية مناهضة التعذييب 1984 واتفاقية حقوق الطفل عام 1990 واتفاق روما لانشاء المحكمة الجنائية الدولية عام 1998 والتي أعده استاذ القانون المصري الدكتور محمود بسيوني وكلها جاءت ترجمة لبعض نصوص الاعلان العالمي لحقوق الانسان وحاجة فئات من المجتمع الي اتفاقيات توضح وتحمي حقوقها.
وتفاعلت الدول العربية والافريقية مع المسار الدولي لحقوق الانسان واصدرت منظمة الوحدة الافريقية االميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب في قمة نيروبي بكينيا بحضور الرؤساء الافارقة في 17 يونيو 1981 كما صدر الميثاق العربي لحقوق الانسان عن الجامعة العربية واعتمدته القمة العربية السادسة عشر بتونس في 23 مايو 2004 وانضمت اليه حتي الان 18 دولة عربية من اصل 22 دولة تمثل الدول الاطراف به ويمثل معاهدة اقليمية متعددة الاطراف وشمل مجموعة من الالتزمات علي الدول العربية وانشات الجامعة العربية لجنة معنية بالميثاق العربي لحقوق الانسان لمتابعة التزامات الدول العربية فى تنفيذ بنوده ونصوصه كما انشات اللجنة العربية الدائمة لحقوق الانسان وانشا البرلمان العربي الذي يضم برلمانات الدول العربية لجنة لحقوق الانسان تعنى بمتابعة اوضاع وحالة حقوق الانسان في الدول العربيةوالدفاع عن حقوق الانسان العريي امام برلمانات العالم وهى دليل دامغ على وعى المنطقة العربية باهمية قضية حقوق الانسان اقليميا ودوليا فلم تكن الدول العربية يوما بعيدة عن المشاركة فى النقاشات الدولية بالامم المتحدة ووكالاتها المتخصصة المعنية بحقوق الانسان والشؤن الانسانية وتقديم الدعم المادى فوالانسانى ى حال وقوع الكوارث الانسانية والطبيعية فى اى دولة بالعالم واخرها زلزال تركيا واعصار ليبيا.
وتمثل جهود الدكتور بطرس بطرس غالي الامين العام السابق للامم المتحدة نقطه مضيئة في مسيرة حقوق الانسان الدولية من اهتمامه باضافة وثيقة لحقوق الانسان ضمن تطوير الامم المتحدة ودفعه لدور اكبر للمجتمع المدنى داخل منظومة الامم المتحدة فضلا عن تراسه مؤتمر فيينا للامم المتحدة عام 1992 الذي خصصه لحقوق الانسان وسعي الدكتور غالى لانشاء مجالس وطنية حكومية في الدول تتابع حماية واحترام حقوق الانسان والذي اعقبها صدور مبادئ باريس لانشاء المجالس الوطنية لحقوق الانسان في 20 ديسمبر 1993 عن الجمعية العامة للامم المتحدة والتي اعطت هذه المجالس صفة الاستقلالية في دورها وعملها عن الحكومات ودعت الدول للاسراع بانشائها للاضلاع بدور بارز فى الدفاع عن قضايا حقوق الانسان.
مفاهيم حقوقية في المقررات الدراسية
ومع مطلع عام 2000 زاد اهتمام الدول العربية بصورة لافته بقضية حقوق الانسان ووضعتها ضمن اولويتها الوطنية وتصاعدت الارادة السياسية للقادة والزعماء تدريجيا خلال السنوات التالية لاعلاء مفاهيم وقيم حقوق الانسان ضمن الخطاب السياسي والاعلامي وعمل الاجهزة الحكومية وتنفيذ الحكومات لخطط وبرامج لتدريب الجهات المختصه بانفاذ القانون من اجهزه الشرطة بالاضافة الي الجهات القضائية والنيابة العامة والمحامين ووسائل الاعلام من صحفيين واعلاميين علي وسائل واليات حماية حقوق الانسان وتزامن مع اهتمامها باعتماد برامج لنشر الثقافة والتربية علي حقوق الانسان وادخال مفاهيمها ضمن المناهج والمقررات الرئيسية لتلاميذ المدارس للمرحله الاعدادية والثانوية والجامعية لتصبح جزءا من التكوين الفكري والثقافي لهم في سن مبكرة وتتأصل داخل وجدانهم حتى يتمكنوا من الدفاع عنها عند كبرهم.
وسبقها اهتمام عدد من الدساتير العربية منذ وقت مبكر بتضمين نصوص حقوق الانسان ضمن مواد الدستور لكن لم تترجم فى قوانين مكملة تحدد اليات العمل بها وعزى البعض ان الدول اعتبرت ان توقيعها وانضمامها للاعلان العالمى والاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان جعلها جزءا من قوانينها الداخلية الوطنية وان وجود محاكم قضائية فى درجات متعددة للتقاضى بلجا اليها المواطنين للشكاوى ومجلس الدولة والمحاكم الادارية التى يحق للمواطنين الشكوى امامها من القرارات الحكومية ووحود النيابة العامة تعد كافية لحماية حقوق المواطنين لكنها اكتشفت بمرور الوقت الحاجة لزيادة حزمة الضمانات القانونية والتشريعية والاجرائية لصون حقوق الانسان ونشر الوعى والثقافة العامة بها بين المواطنين والجهاز الادارى للحكومة وهو ماجعل عدد كبير من الدول العربية تنشأ ادارات لحقوق الانسان بوزارات الخارجية والعمل والداخلية والشؤن الاجتمتاعية والثقافة والتعليم والتعليم العالى والتعاون الدولى والاستثمار والبيئة والزراعة والموارد المائية والادارة المحلية ووحدات باقسام الشرطة تعنى بقضية حقوق الانسان وظهرت جليا هذة الاجراءات فى مصر والمغرب وتونس والاردن ودول الخليج واصدار الدول خطط سنوية واسترانتيجيات وطنية لحقوق الانسان تشمل رؤيها لعدة سنوات منها اصدار مصر استرانتيجيات وطنية في 11 سبتمبر 2021.
التجربة المغربية
وسبقت المغرب كافة الدول العربية في تنفيذ تجربة ثرية لاعلاء حقوق الانسان بتشكيلها لجان للانصاف والتعويض والمصالحة والحقيقة لعلاج تجاوزات الماضى بحقوق الانسان بها وتصفيه اشكالياتها منذ مايزيد عن عشرون عاما بينما سبقت مصر عدد من الدول العربية حيث نص دستورها عليها في عام 1936 بفضل جهود الدكتور محمود عزمى الذى شارك فى اعداده واستمر النص عليها في دستور 1971 ثم فى دستور 2012 ع وتوسع فيها دستور 2014 فى باب الحقوق والواجبات ونص علي دور المجلس القومي لحقوق الانسان وهو ماتم بصور مختلفة للنص عليها فى دساتير عدد من الدول العربية.
وشهدت العشر سنوات الاولى بعد عام 2000 زيادة في الاهتمام بالمنطقة العربية بقضية حقوق الانسان وحرص وسائل الاعلام على نشر انشطة المجالس الوطنية لحقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدنى ومؤتمرات الاصلاح العربي التشريعي والدستوري والسياسي والاجتماعي والتعليمي والثقافي خاصة بعد احداث 11 سبتمبر 2001 وانهيار برجى التجارة العالميين بأمريكا وتعاظم الاهتمام الدولي بالإصلاح من الداخل، ومكافحة الارهاب، والتطرف، والعنف.
وفى هذة السنوات لعبت مصر بالتعاون مع عدد من الدول العربية منها قطر والبحرين والاردن والمغرب وتونس دورا مهما فى تطوير حركة حقوق الانسان العربية بعد زيادة عدد المجالس الوطنية الحكومية لحقوق الانسان بالدول العربية بالاعلان عن مبادرة انشاء الشبكة العربية لمجالس حقوق الانسان للدفاع عن قضايا حقوق الانسان العربية كما دعمت الدول العربية زيادة عدد منظمات حقوق الانسان وانشأت البرلمانات العربية لجان لحقوق الانسان تعنى بمناقشها قضاياها ومشكلاتها ومستقبلها وهو تطور مهم في جعل حركة حقوق الانسان حركة شعبية ومدنية مع الدور الحكومي.
خاصة ان ارهاصات انشاء المنظمات الأهلية بالمنطقة العربية بدء في عام 1981 بانشاء المنظمة العربية لحقوق الانسان بمبادرة من مجموعة من المثقفين والمفكرين العرب لم يستطيعوا الاجتماع فى احد الدول العربية واتجهوا لقبرص وعقدوا اجتماعهم واعلنوا تاسيس المنظمة والتى وافقت مصر بجهود من الدبلوماسي والحقوقى السيد محمد فايق على استضافة مقرها بالقاهرة حتى الان وخرجت من رحم هذة المنظمة غالبية منظمات حقوق الانسان فى المنطقة العربية ومهدت المنظمة الطريق لنشر فكره انشاء منظمات محلية للدفاع والرصد والتوثيق لحقوق الانسان وتبعها مشاركتها فى انشاء المعهد العربي لحقوق الانسان بتونس لعقد دورات تدريبية للمتخصصين والمدافعين والنشطاء بحقوق الانسان بالتعاون بين الاتحاد المحامين العرب.
خطط التنمية المستدامة
وظل انشاء المنظمات الأهلية ” غير الحكومية” بالمنطقة العربية محدودا للغاية لعدة سنوات بسبب القيود القانوية المفروضة وقتها على تاسيسها نتيجة مخاوف عدد من الدول من تبعيتها لمنظمات اجنبية وتنفيذها لاجندات خارجية تضر بالمجتمع ونشرها لمفاهيم تخالف القيم الدينية والثقافية وقيامها بلعب دور سياسي فى مجال الحقوق المدنية والسياسية و نهج بعضها فى التركيز على السلبيات وقضايا الانتهاكات والتعذيب وتجاوزات الشرطة لكن الدول العربية تدريجيا تجاوزت هذة العقبات واهتمت بجوهر القضية وهى حقوق المواطن والمواطنة لزيادة اعتزازه بهزيته فامتد الاهتمام العربي بقضية حقوق الانسان بدوره الى منظمة المؤتمر الاسلامي ومقرها المملكة العربية السعودية حتى اصدرت المنظمة وثيقة حقوق الانسان عام 1990 تبعها انشاء لجنة لحقوق الانسان وزاد الزخم بصورة ملموسة مع زياد الاهتمام الدولي بادماج حقوق الانسان ضمن خطط التنمية المستدامة مع صدور اعلان الامم المتحدة لاهدف التنمية المستدامة عام 2015 ووجود حقوق الانسان مكون بها وقيام غالبية دول العامة باضافتها ضمن عمل وزارات التخطيط و الخطط السنوية للتنمية للحكومات في كافة القطاعات.
ورغم التطور المعرفى والتشريعى والممارسة تواجه حقوق الانسان في المنطقة العربية بالوقت الراهن تحديات ومصاعب جمة نتيجة حالة عدم الاستقرار والحروب والنزاعات المسلحة في الاراضي الفليسطينية والعراق وسوريا والسودان وليبيا واليمن والصومال والتي تؤثر بصورة مباشرة على كافة الحقوق وتعطي الاولوية للامن والاستقرار علي حساب حقوق الانسان وزادت الجراح نتيجة الانتهاكات الاسرائيلية المتواصلة في قطاع غزة و الضفة الغربية وانتهاك ابسط الحقوق الانسانية للشعب الفلسطيني اخرها الحرب علي غزة واستشهاد عدة الاف من المدنيين وانتهاك اسرائيل كافة المواثيق الدولية لحقوق الانسان وارتكابها جرائم بشعة ضد الانسانية وقيام جيش الاحتلال الاسرائيلي بحملات ابادة جماعية وتطهير عرقي واستهداف للمنشاءات المدنية من منازل ومدارس ومستشفيات ودور عبادة ودفعه للفلسطينيين للتهجير القسري جنوبا تجاه رفح وعدم احترامه للحق في الحياة اقدس الحقوق الانسانية وهو ما وضع حقوق الانسان امام اختبار حقيقي علي المستوي الدولي بعد فشل العالم داخل منظومة الامم المتحدة في حماية المدنيين الفلسطينيين نتيجة سياسات الدول الغربية وامريكا ودعمها المطلق لاسرائيل وافلاتها من اى غقاب او محاسبة على جرائمها وازدواج المعايير التي تطبقها امريكا واوروبا في الحرب الاسرائيلية ضد غزة بينما وقفت في صف المدنيين في اوكرانيا امام الغزو الروسي لحمايتهم وتخلت عن هذا الدور في فلسطين.
وهذا الموقف يمثل خلل وضعف شديد في منظومة الامم المتحدة لحقوق الانسان للدفاع عن حقوق الفلسطينيين امام التعنت الاسرائيلي ويتكرر الدامى لاهدار الحق فى الحياة وضياع حقوق المدنيين في الحرب الدائرة بالسودان بين قوات الجيش والدعم السريع وحدوث تجاوزات بحقوق الانسان وتطهير عرقى في مناطق عديدة منها دارفور ويمتد نفس المشهد في سوريا وليبيا واليمن والصومال بين القوات والمياشيات المسلحة وتزيد الاوضاع تفاقما بسبب التدخلات من الدول الكبرى التى ترفع شعارحقوق الانسان المهدرة او دعم المعارضة احيانا وتعلن عن رغبتها فى تغير نظام الحكم او اقتسام السلطة.
نشر الفوضى في العراق
ومازال الشارع العربي يتذكر بحزن بالغ تدخل امريكا فى العراق واسقاطها للنظام السياسي باستخدام ورقة انتهاكات حقوق الانسان ونشر الديمقراطية لكنها قامت بنشر الفوضى وتقسيم العراق على اسسس عرقية وطائفية ودينية تعاني منها منذ التسعينات فاستخدام ورقة حقوق الانسان والكيل بمكيالين يخيف الشعوب فى العالم كله وتستخدمها امريكا والدول الاوروبية ضد روسيا والصين ودول العالم الثالث لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية وليس لاعلاء فيم حقوق الانسان بدليل الانتهاكات الامريكية بسجن ابو غريب بالعراق وسجن جوانتاموا.
وتاثرت حقوق الانسان بالمنطقة العربية بسبب الحرب الاوكرانية الروسية منذ فبراير 2022 وتداعياتها علي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة العربية لقلة سلاسل الامدادات الغذائية وارتفاع اسعارها وقلة حركة التجارة العالمية ما ادي الي زيادة الغلاء وانخفاض مستوي المعيشة والفقر في عدد من الدول العربية ذات الاقتصاديات الضعيفة كما اثرت جائحة كورونا لاكثر من عامين التي بدات في 30 يناير 2020 مع اعلان منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ عالميا على اوضاع حقوق الانسان بالمنطقة العربية و ادت الي توقف حركة العمل والانتاج والحق في حرية السفر و لتنقل وادت لزيادة ميزانية الصحة لمواجهة تداعيات كورونا الخطيرة بعد ارتفاع حالات الوفيات بالالافوذلك على حساب احتياجات وحقوق اخرى معيشية ملحة.
رؤية بطرس غالي
وتمتلك الدول العربية فى الوقت الحالى عدة مقومات لبنية اساسية مناسبة لحقوق الانسان بكل دولة تجعلها قادرة على النهوض باوضاع وحالة حقوق والحريات الاساسية والعامة خلال السنوات القادمة ان حشدتها فى اتجاه زيادتها وتفعيلها والبعد عن السيطرة عليها ومحاولة اضعافها وقد طرح الدكتور بطرس بطرس غالي الامين العام السابق للامم المتحدة ورئيس المجلس القومي لحقوق الانسان خلال حواراتي معه منذ سنوات عدة نقاط مهمة لاعلاء قضية حقوق الانسان في المنطقة العربية اعتمادا علي قاعدة ان كافة دول العالم تواجه تحديات واشكاليات في مجال حقوق الانسان وان الدول العربية مثلها مثل باقي دول العالم توجد بها مشكلات بها وله رؤية موضوعية بان اي دولة لا غني لها عن حقوق الانسان والديمقراطية والتنمية معا في وقت واحد فلا تنمية دون حقوق الانسان وديمقراطية ، كما انه لا ديمقراطية حقيقية دون تنمية وحقوق الانسان وايضا لا حقوق انسان فعليا على ارض الواقع دون تنمية وديقمراطية فجانب من تقدم الامم يقاس بحجم ما تقدمه من دعم وحماية لحقوق الانسان والديمقراطية والتنمية.
وتشمل رؤية الدكتور غالى لتحسين مسار حقوق الانسان بالدول العربية اولا ضرورة حرص الدول العربية علي نشر الثقافة والتربية علي حقوق الانسان بصورة يومية في وسائل الاعلام والمناهج الدراسية فالاهتمام بحقوق الانسان لا يظهر اثره بسرعة فالطالب يحتاج نحو 20 عاما للدراسة قبل التخرج والتربية علي حقوق الانسان تحتاج الي سنوات اكتر حتي يظهر اثرها في المجتمع وثانيا دعم الانفتاح علي المنظمات الدولية وهيئات الامم المتحدة المعنية بحقوق الانسان والاليات الدولية بها والتي تشمل اللجان التعهدية وغير التعهدية بها والمجلس الدولي لحقوق الانسان الذى انشأ عام 2007 لمراجعة ملفات الدول كل اربع سنوات والذى استعرض بالية الاستعراض الدولى الشامل ملفات كافة الدول العربية والذى اقيم بديلا عن اللجنة الدولبة لحقوق الانسان بالامم المتحدة التى استمرت فى عملها 60 عاما وتصدر عنه توصياتات طوعية للدول لتطوير ملفاتها وتحسين حالة حقوق الانسان بها وثانيا تقديم الدول العربية لتقاريرها الدورية للجانالامم المتحدة المعنية بحقوق الانسان والتعاون معى المقررين الدوليين الخواص بالامم المتحدة سواء مقررى الموضوعات ومقررى الدول التى تعانى من مشكلات ضخمة.
والنقطة الثالثة الاستمرار في تحسين أوضاع حقوق الانسان داخليا باعتبار أنها أفضل وسيلة للدفاع عن حقوق الانسان لأي دولة أمام العالم، والنقطة الرابعة العمل يوميا بصفة مستمرة في تقوية مسار حقوق الانسان على المستوي الوطني فحقوق الانسان عملية مستمرة لا تتوقف، وخامسا قيام الدول والحكومات بها. بالحقوق المدنية والسياسية جنبا الي جنب فى نفس الوقت مع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعمل في مسارين في توقيت واحد وعدم تفضيل احدهما علي اخر لكي تستطيع تحقيق انجاز ملموس في كليهما دون تفضيل لمسار علي حساب الاخر، وسادسًا التعامل مع مشاكل المواطنين وحلها بالجهاز الاداري، وسابعًا تشجيع دور المجتمع المدني كشريك اساسي للحكومات في قضايا حقوق الانسان كي يتحمل جانب من المسئولية معها وثامنا الاهتمام بدبلوماسية حقوق الانسان عن طريق مشاركة وفود حكومية رسمية ومدنية في كافة المؤتمرات والمحافل الدولية واجتماعات المجلس الدولي لحقوق الانسان حيث يحظي المجتمع المدني بالاهتمام بها.
لكن تظل هناك عدة نقاط فارقة تواجه الدول العربية في تعاملها مع قضية حقوق الانسان تحتاج منها لاعادة تقييم ومراجعة اولها النعامل الحذر مع النشطاء والمدافعين عن حقوق الانسان والمجتمع المدني وزيادة التعاون والشراكة بين الحكومات والمجتمع المجنى وعدم تشويه صورته امام المواطن ، وثانيا ضرورة تعزيز اليات التعامل والمعالجة مع الانتهاكات والتجاوزات التي تحدث، وثالثا دراسة طريقة التعامل مع المنظمات الاجنبية ، ورابعا المساهمة في خلق بيئة حاضنة لحقوق الانسان ، وخامسا انشاء قاعدة بيانات عن اداء وممارسات الاجهزة الحكومية في مجال حقوق الانسان ، وسادسا دعم الهياكل الوطنية لحقوق الانسان وتوفير الموارد والدعم اللازم لها، وتفعيل المحكمة العربية لحقوق الانسان التي انشئت بقرار من القمة العربية اسوة بالمحكمة الاوروبية والأسيوية والافريقية لحقوق الانسان. فحقوق الانسان مسار طويل وليس مجرد خطوة واحدة او خطوات قليلة محدودة.