المحاولات الإسرائيلية لتفكيك وكالة “الأونروا” .. الهدف والتداعيات والافتقار للبديل
تحليل د.فرناز عطية
يبدو أن إسرائيل تعيد فتح نيرانها على وكالة الأونروا، التي لقيت نصيبها من الهجوم الإسرائيلي عليها بعد قرار محكمة العدل الدولية، والتي ألزمت فيه تل أبيب بضمان إدخال مواد إغاثية لقطاع غزة، حيث استندت المحكمة في قرارها ضد إسرائيل بشأن الإبادة الجماعية، إلى عدد من تقارير وكالة “الأونروا”، فقد اتهمت تل أبيب 12 من موظفي الوكالة بالمشاركة في أحداث 7 أكتوبر (طوفان الأقصى)، ومما يجدر ذكره أن المخطط الإسرائيلي لـ(تفكيك الأونروا) هو مخطط قديم يعاد طرحه من حين لآخر، وقد أكد “فيليب لازاريني” المفوض العام للأونروا أن الوكالة فتحت تحقيقاً فورياً، وأنهت عقود الموظفين المتهمين، وبالرغم من قيام الوكالة بفصل 9 من موظفيها بلا أدلة ودون سند قانوني يؤكد اتهامهم ويثبت المزاعم الإسرائيلية، كما أنه لم يؤخذ في الاعتبار أن 150 شخصًا من موظفي الأونروا قد قضوا على يد القوات الإسرائيلية بسبب عدوانها على غزة، كما أنه ليس من المهام المخولة للوكالة إدارة المخيمات أو أمنها أو تطبيق القانون والنظام فيها، إلا أن إسرائيل لم تتوقف عند هذا الحد، وصعدت من حدة اتهاماتها ضد الوكالة بأنها غطاء لحركة “حماس”، وطالبت بإنهاء دورها.
ماهية وكالة الأونروا وطبيعة عملها
هي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في دول الشرق الأدنى، أسستها الأمم المتحدة بموجب قرار الجمعية العامة رقم 302 الصادر في 8 ديسمبر 1949 لتعمل كوكالة متخصصة ومؤقتة، و يتم تجديد ولايتها كل ثلاث سنوات حتى يتم إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، ومقرها الرئيسي في فيينا وعمان، ويذكر أن الوكالة خدمت في بداية نشأتها حوالي 750 ألف لاجئًا فلسطينيًا، وتستهدف كل من كانت فلسطين مكان إقامته الفعلية في الفترة الواقعة بين يونيو 1946 ومايو 1948، وفقد كل ممتلكاته وأمواله ومنزله بسبب الصراع العربي الإسرائيلي عام 1948، وقد بدأت فعليًا عملها في مايو 1950، وكان في بداية الأمر يقتصر عملها على تنمية الموارد البشرية للاجئي فلسطين بعد الاحتلال الإسرائيلي للبلاد وإعلان الدولة الإسرائيلية 1948، أما الآن تعمل على تقديم الدعم والحماية وكسب التأييد لحوالي 5.6 مليون لاجئًا فلسطينيًا مسجلين لديها حاليًا هم وأولادهم وأحفادهم في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة، إلى أن يتم إيجاد حل لأزمتهم، ومن ثم توسع عملها ليشمل تقديم الخدمات الصحية، والتعليمية والإغاثية، والبنية التحتية، وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي، وتقديم القروض الصغيرة، والاستجابة لحالات الطوارئ في أوقات النزاع المسلح.
أسباب نشأة الأونروا
نشأت نتيجة الصراع العربي الإسرائيلي عام 1948، وما ترتب عليه من تشريد للفلسطينيين وسلب أراضيهم وممتلكاتهم، ووجدت الوكالة بهدف مد يد العون للاجئين الفلسطينيين وإيجاد فرص العمل لهم سواءً داخل فلسطين، أو في الدول المجاورة التي لجئوا لها، وبشكل غير معلن أوجدت هذه الوكالة لضمان انخراط عدد كبير من الفلسطينيين في الشئون المجتمعية بدلاً من صب اهتمامهم عل الشأن السياسي وأعمال المقاومة، ومن زاوية أخرى كان إنشاء مثل هذه الوكالة بمثابة محاولة من قبل المجتمع الدولي للتكفير عن فشلهم في حل القضية الفلسطينية بشكل منصف وعادل.
مصادر تمويل الأونروا
تحصل الوكالة على الدعم المادي عبر التبرعات الطوعية من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وبعض الحكومات الإقليمية، ويشكل ذلك حوالي 92 % من وارداتها المالية، كذا تقيم الوكالة شراكات مع عدة مؤسسات وشركات، وتعمل بشكل وثيق مع منظمات المجتمع المدني ومؤسسات القطاع الخاص للاستفادة من جميع الخبرات والموارد بشكل فعال، وقدرت ميزانيتها عام 2022 بنحو مليار و200 مليون دولارًا، وتقدم الولايات المتحدة بنحو 30%، تليها ألمانيا والاتحاد الأوروبي، من أصل 20 دولة مانحة ومنظمة الأمم المتحدة، وقد انخفضت المنحة التي تعطيها الولايات المتحدة للوكالة عام 2013 بعد أن كانت أكبر الدول المانحة، فقد حجبت 65 مليون دولارًا من مشاركتها، وذلك إثر رفض الفلسطينيين وبعض الدول الإقليمية والأوروبية قرار “ترامب” بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل.
وبالتالي فإن تجميد أو وقف عدد كبير من الدول للدعم المالي الموجه للوكالة قد يؤدي إلى عجزها عن القيام بدورها الحيوي اتجاه اللاجئين، ومن ثم تفاقم الكوارث الإنسانية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها، ومع الوقت قد يؤدي إلى تفكيك الوكالة وإنهاء وجودها على أرض الواقع.
موقف الدول من الاتهامات الإسرائيلية للوكالة
وبناءً على المزاعم الإسرائيلية التي لم تثبت صحتها حتى الآن، انقسمت الدول المانحة للأونروا إلى ثلاث مجموعات:
– المجموعة الأولى: قامت 12 دولة بتجميد التمويل الممنوح للوكالة، وهي: الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، كندا، استراليا، ألمانيا، إيطاليا، فنلندا، هولندا، نيوزلندا، النمسا، رومانيا، واليابان، ومن الملاحظ أن هذه الدول نفسها رفضت أن تطالب إسرائيل بوقف إطلاق النار في غزة، وبذلك تخسر الوكالة بنحو 56% من ميزانيتها الكلية.
– المجموعة الثانية: وهي الدول التي تقف موقف المتربص، حيث ينتظرون نتائج البت في الاتهامات الموجهة للوكالة، وهي: فرنسا وسويسرا والمفوضية الأوروبية.
– المجموعة الثالثة: دول رأت في قطع التمويل عقابًا جماعيًا مرفوضًا، وقررت مواصلة التمويل، وهي: إسبانيا والنرويج.
الهدف من تفكيك الأونروا
تسعى إسرائيل كلما سنحت لها الفرصة إلى المطالبة بإنهاء عمل الوكالة وتفكيكها، سعيًا إلى إنهاء قضية اللاجئين وحق العودة، لاسيما مع تفاقم عدد اللاجئين الذي يشكل تهديدًا جغرافيًا على الكيان الإسرائيلي، وفي هذا السياق قدمت دراسة عام 2020 نشرها معهد الأمن القومي الإسرائيلي بعنوان ” 70 عامًا للأونروا: حان الوقت للإصلاحات الهيكلية والوظيفية”، تنادي بإنهاء دور الوكالة، ومن ثم نقل مهامها وصلاحياتها إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، على أن يتم نقل اللاجئين إلى دولة ثالثة بما يضمن إقامتهم الدائمة فيها، ومن ثم يتم تجنيسهم فيها، مما يسقط عنهم صفة لاجئ ويصفر قضية اللاجئين الفلسطينيين، ومن يتبقى منهم داخل الأراضي المحتلة يضطر للهجرة قسرًا لصعوبة توفر المقومات الأساسية للحياة.
وتسوق إسرائيل عدد من الذرائع لإنهاء تواجد وكالة الأونروا، ومنها:
– تدريس الوكالة المناهج التعليمية المحلية التي تؤكد على حق العودة وتندد بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين في مدارسها، وهو ما تعتبره إسرائيل تهديدًا للسلام ودعمًا للإرهاب.
– العاملون في الوكالة فلسطينيون باستثناء 1% أجانب، وهو ما يساهم في الحفاظ على الهوية الفلسطينية بواسطة الموظفين الفلسطينيين.
– اتهام موظفي الوكالة بالانتماء لجماعات المقاومة الفلسطينية، واستخدام منشآت الوكالة في عمليات المقاومة، وهو اتهام يوجه للوكالة مع كل تصعيد يحدث.
– تقديم الوكالة للخدمات الاجتماعية والاقتصادية لصالح 1.2 مليون لاجئ مسجل في غزة، مما يتيح لحركة حماس توجيه مواردها المالية للأنشطة العسكرية.
التداعيات المحتملة لوقف عمل الوكالة
– أكدت الوكالة أنها قد تضطر لإيقاف عملياتها بحلول نهاية فبراير 2024 إذا ظل التمويل معلقًا، ويتوقع الكثير من الخبراء حدوث فوضى عارمة قد تدفع النازحين جنوبًا لعبور الحدود مع مصر؛ كونها المنظمة الوحيدة التي تعطي مساعدات منتظمة، خاصة إذا لم يتوفر بديل لها، فسيكون ذلك ضربة قاضية للفلسطينيين، وسيزداد خطر المجاعة وستتوقف المستشفيات عن العمل، لاسيما وأن الوكالة هي المسئول الرئيس عن توزيع المساعدات القادمة من معبر رفح، ويرى المتابعون أن التضييق على الوكالة بمثابة ضغط في إطار الخطة الإسرائيلية للتهجير القسري لسكان قطاع غزة أخذًا في الاعتبار تواجد أكثر من مليون فلسطينيًا في منطقة (رفح الفلسطينية)، لاسيما وأن مصر والأردن أكدتا على رفضهما القاطع للتهجير سواءً لسكان غزة أو الضفة الغربية، واعتبرتا هذا الإجراء بمثابة إعلان للحرب، ومن ناحية أخرى فإن وقف عمل الوكالة سيؤدي إلى تداعيات خطيرة اقتصادية وسياسية على دول الجوار كلبنان والأردن وسوريا.
بديل الوكالة
تدرس إسرائيل مع حليفتها الولايات المتحدة وضع بديل لوكالة الأونروا وتوجيه الدعم المادي للقيام بوظائفها، وقد كان جزء من الخيارات المثيرة للسخرية هو ما ذكره ” سموتريتش” وزير المالية الإسرائيلي بأن “بنيامين نتنياهو” رئيس الوزراء، أصدر تعليمات للجيش الإسرائيلي بدراسة خطة لتوزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، ويذكر أن الجيش الإسرائيلي قد قام بالاستيلاء على شحنات من المساعدات التي أرسلتها بعض الدول، كما تم اقتراح إحلال منظمات بديلة محلّها، وعلى رأسها “برنامج الأغذية العالمي”، أو برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة أو منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أو غيرها من منظمات الإغاثة.
ومما سبق فإن ما تطمح له إسرائيل وتخطط له بإنهاء وكالة “الأونروا” للقضاء على قضية اللاجئين الفلسطينيين، ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية، لاسيما مع عدم وجود بديل واضح يستطيع الاضطلاع بمهام الوكالة، هو جزء لا يتجزأ بأي شكل من الأشكال من مخططات أخرى توسعية لإسرائيل كمخطط التهجير القسري للفلسطينيين “الترانسفير” أو مخطط “الوطن البديل”…وغيره، وفي هذا الإطار لابد من وجود ممانعة دولية تقف في وجه هذه المخططات بشكل حاسم، لأن تبعات هذه الخطط لن تؤثر على الشأن الفلسطيني فحسب، ولكن تأثيرها سيمتد للوطن العربي كله، بل ومنطقة الشرق الأوسط، وإن لم يكن للعالم ككل على المستوى البعيد نسبيًا، حيث تزداد معدلات الفقر والمجاعة والأمراض والهجرة والضغط على البيئة والموارد؛ مما يشكل عوامل مشجعة لنشأة واحتدام أزمات لابد أن يتم التصدي لها قبل فوات الأوان.