المعايير الدولية للمحاكمة العادلة في القانون الدولي لحقوق الإنسان (عبدالله أوجلان نموذجًا)
إعداد أ.د. هشام محمد بشير .. أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي وكيل كلية السياسة والاقتصاد - جامعة بني سويف
مقدمة الدراسة
يُعد الحق في محاكمة عادلة أحد حقوق الإنسان الأساسية، وهو دعامة ضرورية لدولة القانون. ولقد برز الاهتمام بهذا الحق من جانب المجتمع الدولي تزامنًا مع الاهتمام بحقوق الإنسان بصفة عامة، مما جعله يحتل مكانة خاصة، حتى أنّه تطور مع التطور الذي طال القضاء الجنائي الدولي. ولقد ساهمت المحكمة الجنائية الدولية كثيرا في تطوير معايير هذا الحق ساعية في ذلك إلى التوفيق بين الحدّ من ظاهرة الافلات من العقاب وضمان محاكمة عادلة للمتهمين([1]).
من جانبه، نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على مجموعة من الحقوق الخاصة والتي منها المدنية والسياسية، كالحق في المساواة، وعدم التمييز، والحق في الحياة والحرية، وحق الإنسان في أن يُعترف له بالشخصية القانونية، إلى غيرها من الحقوق. وأكد الإعلان على أنه لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة ([2]) ، نظرا منصفا وعلنيا للفصل في حقوقه والتزاماته وفى أية تهمة جنائية توجه إليه. وقد نص على العديد من الضمانات القضائية منها عدم جواز القبض على إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفيا، وكذلك الحق في محاكمة عادلة، ومبدأ افتراض البراءة الأصلية في الشخص الذي وجهت إليه تهمة جنائية، حيث يشكل الإعلان العالمي دليلا تاريخيا على الإجماع البشري حول نظام موحد للقيم، وقد اكتسبت من خلاله الضمانات القضائية لحقوق الإنسان أهمية عالمية، رغم ما قيل عن قيمته الإلزامية القانونية.
ومن حق الإنسان أيضًا أن يتمتع بضمانات محددة سواء في مرحلة ما قبل المحاكمة أو أثناء المحاكمة أو بعد المحاكمة، ويتعين على المشرع الوطني ضبط هذه الضمانات رجوعًا للمعايير المعتمدة دوليًا، وقد أصبح من الممكن فعلاً الحديث عن مقاييس دولية للمحاكمة العادلة سواء من خلال الاتفاقيات أو الإعلانات الدولية أو الأحكام العرفية والمبادئ العامة الدولية، وقد جاءت لتحديد جميع المراحل الإجرائية التي يمر بها المتهم من الاستدعاء لغاية تنفيذ الحكم، وارتقت بذلك إلى مستوى الحقوق الأساسية للإنسان في ضبط معنى العدالة الجزائية بوجه عام، والأثر في ذلك أن أي نظام لا يحترم هذه الضمانات لا يمكن اعتباره عادلاً بل هو دليل على انحيازه عن الصواب وبالتالي شهادة في خرق مقتضيات حقوق الإنسان.
والجدير بالذكر في هذا الصدد، أن اعتقال القائد الكردي، عبدالله اوجلان، منذ عام 1999 انتهاكاً لمواثيق ومعايير حقوق الإنسان الدولية، حيث أن أوجلان وحتي الآن يعاني حبس حريته ووضعه رهن الاعتقال في سجن فئة “F” ذو الحراسة الأمنية المشددة في إمرالي، كما يخضع مع كل من رفاقه؛ عمر خيري كونار، وويسي أكتاش، وهاميلي يلدرم الى نظام عزلة مشددة، ومنعوا من الاتصال مع محامييهم وعوائلهم. وحسب معلومات المسؤولين والحركة الكردية، فقد تحول نظام العزلة في إمرالي المقلق، بعد انهيار مرحلة محادثات السلام بين حزب العمال الكردستاني pkkوالحكومة التركية في عام 2015، الى “مثال” لكل السجون في تركيا، حيث يكرر نفسه على الصعيدين الداخلي (لعدم وجود محاكمات مستقلة)، وعلى الصعيد الدولي لعدم امكانية توفر صورة واضحة لآليات حقوقية داخلية مؤثرة. فعلى سبيل المثال؛ كما ظهر في التقرير الأخير لمكتب القرن الحقوقي، فإن كافة قرارات محكمة حقوق الإنسان الأوروبية DMME ومقترحات لجنة الوزراء في المجلس الأوروبي، تم تجاهلها في اطار هذه القرارات”.
أولاً، المشكلة البحثية:
تشهد المحاكمات الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان على مستوى العالم، جدلا واسعا بشأن حدود تحقق معايير المحاكمة العادلة والتقاضي المؤسس على احترام حق الدفاع ومراعاة الأبعاد الإنسانية أثناء مراحل التقاضي المختلفة وفقا لأحكام ومباديء القانون الدولي.
وتدق المشكلة البحثية عندما تنكُل المحاكمات في إداء رسالتها المتمثلة في إقرار العدل ورفع راية حقوق الإنسان تخليا منها عن رسالتها وتملصا من دورها الحقيقي في إعمال مباديء العدالة والانصاف بمعايير المحاكمات العادلة. ومن ثم ينبثق من هذه المشكلة البحثية تساؤلا رئيسيا مفاده: ما أهمية الالتزام بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة في القانون الدولي لحقوق الإنسان في ضوء الانتهاكات واسعة النطاق التي تشهدها حقوق الإنسان عبر العالم؟
ويتفرع عن هذا التساؤل، عددا من التساؤلات الفرعية، وذلك علي النحو التالي:
· ماهية القانون الدولي لحقوق الإنسان؟
· ما هي المعايير الدولية للمحاكمة العادلة في القانون الدولي لحقوق الإنسان؟
· هل اتسمت محاكمة عبدالله اوجلان بالمعايير الدولية في القانون الدولي لحقوق الإنسان؟
ثانيًا، منهج الدراسة:
· المنهج الوصفي التحليلي: تعتمد الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي، الذي تم من خلاله تحديد أبعاد وخصائص الظاهرة المدروسة، ووصفها وصفاً موضوعيًا، عبر جمع البيانات، والحقائق، باستخدام أدوات وتقنيات البحث العلمي. ومن ثم تم توظيف هذا المنهج في وصف وتحليل مصادر المعرفة المتعلقة بمشكلة الدراسة لوصف وتحليل أبعادها بصورة علمية موضوعية في ضوء الأهداف التي تسعى الدراسة لتحقيقها. وذلك بهدف الوقوف على المعايير الدولية للمحاكمة العادلة في القانون الدولي لحقوق الإنسان.
· المنهج القانوني، وسيفاد الباحث من خلال هذا المنهج في استعراض وبحث وتحليل نصوص التشريعات ذات الصلة بمواثيق حقوق الإنسان، ومبادىء ومعايير المحاكمات العدالة في إطار القانون الدولي، كما يفيد المنهج في تحليل وتفسير احكام الاتفاقيات التي تتحدث عن معايير المحاكمات العادلة واستخلاص القواعد القانونية التي تفيد البحث، وصولا إلى الحد من الانتهاكات التي يتعرض لها الإنسان عبر العالم.
ثالثًا، تقسيم الدراسة:
تقسم الدراسة إلى مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة، وذلك على النحو التالي:
· المبحث الأول: ماهية القانون الدولي لحقوق الإنسان.
· المبحث الثاني: المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
· المبحث الثالث: قضية أوجلان: مدى تطبيق معايير المحاكمة العادلة.
المبحث الأول: ماهية القانون الدولي لحقوق الإنسان
إن مبدأ أن لكل إنسان حقوق لهو مبدأ قديم قدم مختلف حضارات وديانات العالم. وقد ناقش الناس من مختلف الثقافات والأديان في جميع أنحاء العالم هذه الحقوق على وجه التحديد على مدى قرون. ولكن لم تصبح حماية حقوق الإنسان قضية عالمية إلا في منتصف القرن العشرين. في ذلك الوقت، كانت هناك حرب كبيرة تدور بين بلدان من جميع أنحاء العالم. واستمرت الحرب من عام 1939 إلى عام 1945 وتعرف باسم الحرب العالمية الثانية. وتجدر الإشارة إلى أن الحرب العالمية الثانية هي واحدة من أكثر الحروب دموية في التاريخ.
أولاً: تعريف الحق لغةً واصطلاحًا:
الحق لغة من حق الأمر أي ثبت وصح وصدق، وحق الخبر أي تيقّن منه وصدّقه، وحق القانون أثبته وأوجبه، وهو مصدر حق الشئ يحق، إذا ثبت ووجب، وهو نقيض الباطل، وجمعه حقوق وحقائق، وحق الأمر يحقه حقًا وأحقه: كان منه علي يقين، نقول: حققت الأمر وأحققته إذا كنت علي يقين منه، والحق من أسماء الله عز وجل، وقيل من صفاته، وأصل الحق المطابقة والموافقة، يقال: حققت الرجل وأحققته إذا غلبته علي الحق وأثبته عليه، وهو الثابت الذي لا يسوغ إنكاره([3]).
أما تعريف الحق في الاصطلاح، فقد أورد عدد من الفقهاء تعاريف كثيرة للحق، وحاولوا توضيح ماهيته، والكشف عن حقيقنه، وقد اتجهوا في ذلك اتجاهات مختلفة، فعرفه بعضهم بالمصلحة (أي علي أساس الغاية من الحق)، وبعضهم بالشئ الثابت، والبعض الأخر عرفه بالاختصاص (أي الانفراد والاستئثار)، ولعل أبرز التعاريف عن الحق كالآتي:
فيعرف علي أنه: “عبارة عن الموجود من كل وجه وجودًا لا شك فيه، ومنه هذا الدين حق، أي موجود بذاته صورة ومعني، ولفلان حق في ذمة فلان أي شئ موجود من كل وجه”([4]).
كما يعرف الحق أيضًا بأنه “هو اختصاص يقرر به الشارع سلطة أو تكليفًا”([5]). في حين عرفه الدكتور فتحي الدريني، بأنه “اختصاص يقر به الشارع سلطة علي شئ، أو اقتضاء أداء من آخر تحقيقًا لمصلحة معينة”([6]). وبالتالي تعريف الدكتور الدريني يفرق عن التعريف السابق بإضافة قيد “تحقيقًا لمصلحة معينة”، وذلك ليظهر الغاية من الحق.
في حين يعرف أيضًا بأنه “تعبير مضاد أو ذو علاقة متبادلة مع تعبير الواجب أي ما يعتبر حقًا لشخص يشكل واجبًا علي شخص آخر”([7]).
اختلف فقهاء القانون في وضع تعريف للحق، فلم يصدروا عن مذهب واحد، كما لم ينتهوا إلي مفهوم موحد، وإنما تفرقت بهم وجهات النظر، حتى إنّ البعض منهم قد أنكر فكرة الحقّ بذاتها، باعتبار أنّ الحقّ هو ميزةٌ أو سلطةٌ للشخص يعترف بها القانون، بينما اتجه البعض الآخر إلى إثبات فكرة الحق، وباستقراء هذه التعاريف يتبين إنها ترتد إلي أربعة مذاهب([8]):
§ المذهب الأول: وهو المذهب الموضوعي، ويسمي أيضًا بنظرية المصلحة، وينسب أساسًا في الفقه الأوروبي إلي الفقيه الألماني (إهرنج)، ويذهب أنصاره إلي تعريف الحق بأنه: “مصلحة يحميها القانون”. وبالتالي فالعنصر الجوهريّ في هذه النظرية هو المصلحة دون النظر إلى الإرادة، ووفقاً لهذا الرأي فإن الحقّ يتكون من عنصرين: العنصر الموضوعي، وهي المصلحة؛ والعنصر الشكليّ، والذي يتمثل بحماية القانون للمصلحة من خلال الدعوى القضائية.
§ المذهب الثاني: المذهب الشخصي أو الإرادة، وينسب هذا المذهب عادةً إلي الفقهاء الألمان، ويذهب أنصاره إلي تعريف الحق بأنه: “قدرة أو سلطة إرادية يخولها القانون لشخصًا معينًا، ويرسم حدودها”. لكن قد تمّ انتقاد هذه المذهب، لأنه ربط بين الحقّ والإرادة بطريقة خاطئة، فعلي سبيل المثال، إذا أُصيب أحد الأشخاص بالجنون وكان يملك أرضًا، فستظل الأرض من حقّه دون أن تكون له إرادة، لأنّ الحقّ لا يزول بالجنون، لكن بالمقابل لا يتمكن من بيعها في هذه الحالة وذلك لأنه ليست لديه إرادة قانونية تخوله التصرف بحقه([9]).
§ المذهب الثالث: وهو المذهب المختلط، ويذهب أنصاره إلي تعريف الحق بأنه “سلطة إرادية ومصلحة محمية”، أي إنه إرادة ومصلحة في آن واحد. ومع ذلك، إلا أنّهم اختلفوا في تعريفهم للحق، فمنهم من قدّم الإرادة على المصلحة، ومنهم من قدم المصلحة على الإرادة.
§ المذهب الرابع (الحديث): وهو يسمي بنظرية الاستئثار، وينسب إلي الفقيه “جان دابات”، والذي حاول أن يتجنب تعريف الحق بالمصلحة أو الإرادة أو أن يجمع بينهم، لذا جاء بتعرف مستحدث آخر للحق بأنه: “استئثار بقيمة معينة يمنحه القانون لشخص ويحميه”. وبالتالي، فإن التعريف تناول ثلاث أسس رئيسية وهي([10]):
· الاستئثار بإحدى القيم، (مالية أو غير مالية).
· معترف له، من قبل القانون، الاستئثار بها.
· حماية القانون لتلك القيمة المستأثر بها، أي شرط أن تكون جديرة بالحماية.
من خلال ما سبق، يتضح أن المذهب الأول ينظر إلي موضوع الحق لا إلى صاحبه، فالعبرة عندهم ليست بالإرادة التي تنشط أو تسود، وإنما العبرة بغاية الإرادة وهي المصلحة، لكن المذهب الثاني، علي النقيض من ذلك، فإنه ينظر إلي الحق من ناحية صاحبه أو شخصه، في حين جمع المذهب الثالث بين المذهبين الأول والثاني، أما المذهب الرابع، فجاء مستحدثًا عنهم، وذلك لأنه ربط الحق بالاستئثار، أي الاختصاص والانفراد بموضوع الحق عن الآخرين، أي التملك بالمعني الواسع وليس مجرد الاستفادة أو الانتفاع.
ثانيًا، تعريف الإنسان:
الإنسان في اللغة هو الكائن الحي الممتلك للقدرات الفكرية والاستنتاجية، أما اصطلاحاً فيشير لفظ الإنسان إلى ذاك الكائن الاجتماعي الذي يحظى بمجموعة من الحقوق المقيدة، ويؤدي ما عليه من واجبات، التي تحمّلها له شخصيته القانونية المتميزة بالمواطنة، والجنسية، والقدرات الجسدية والذهنية، هذا بالإضافة إلى الوضع الاجتماعي وغيرها العديد من المزايا، ومن الضرورة بمكان الإشارة إلى أن الجنين والمولود ليسا سواء عند الحديث عن مفهوم الإنسان، فتعريف الإنسان هنا يقتضي أنه شخص حي قد خرج إلى العالم([11]).
وقد عرّف الإنسان علميًا على أنه الكائن الحي الوحيد الباقي من الإنسان العاقل، وهو العاقل الوحيد المالك لدماغ عالي التطور، لديه القدرة على التفكير المجرد والنطق واستخدام اللغة والتفكير الذاتي الداخلي، وإيجاد حلولٍ للصعاب التي تعترضه، على خلاف باقي الحيوانات على سطح الكرة الأرضيّة. كما تنوعت النظرة الفلسفيّة للإنسان وتغيرت تبعاً لتطوّر الفكر الإنساني بشكلٍ عام، فقد كان مفهوم الإنسان وفقاً للفلسفة اليونانيّة ووفقاً لتعريف أرسطو على أنه مواطن الدولة أو المدينة. أما وفق فلسفة أفلاطون فقد كان يقام بين الإنسان والأشياء الخارجيّة حد للتمكن من تجريده عن مواقفه الملموسة([12]).
ثالثًا، تعريف حقوق الإنسان:
ليس هناك اتفاق على مصطلح واحد لحقوق الإنسان، بل هناك مصطلحات عدة تستخدم للدلالة عليها، منها: حقوق الإنسان”، “الحقوق الإنسانية”، “حقوق الشخصية الإنسانية”، ولكن أكثر المصطلحات شيوعاً منذ القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، هو مصطلح “حقوق الإنسان”، كما اختلف الباحثون في تعريفاتهم لحق الإنسان فنجد تعريف السيد فودة لحقوق الإنسان بأنها: ” تلك الحقوق التي يتمتع بها الإنسان، لمجرد كونه إنسان، وهذه الحقوق يُعترف بها للإنسان بصرف النظر عن جنسيته أو ديانته أو أصله العرقي أو القومي أو وضعه الاجتماعي أو الاقتصادي، وهي حقوق طبيعية يملكها الإنسان حتى قبل أن يكون عضواً في مجتمع معين فهي تسبق الدولة وتسمو عليها” ([13]).
وعرفتها ليا ليفين Leah Levin بأنها “مطالب أخلاقية أصيلة وغير قابلة للتصرف مكفولة لجميع بني البشر بفضل إنسانيتهم وحدها، فُصِّلَتْ وصيغت هذه الحقوق فيما يعرف اليوم بحقوق الإنسان، وجرت ترجمتها بصيغة الحقوق القانونية وتأسست وفقاً لقواعد صناعة القوانين في المجتمعات الوطنية والدولية، وتعتمد هذه الحقوق على موافقة المحكومين بما يعني موافقة المستهدفين بهذه الحقوق” ([14]).
كما عرفها جابر الروي بأنها: ”الحقوق التي تهدف إلى ضمان وحماية معنى الإنسانية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية” ([15]).
رابعًا، خصائص حقوق الإنسان:
يمكن إدراج أهم خصائص حقوق الإنسان في ما يلي([16]):
· حقوق الإنسان لا تشترى ولا تكتسب ولا تورث فهي ببساطة ملك الناس لأنهم بشر فحقوق الإنسان متأصلة في كل فرد.
· حقوق الإنسان واحدة لجميع البشر بغض النظر عن العنصر أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو الرأي الأخر أو الأصل الوطني أو الاجتماعي فقد ولدنا جميعا أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق فحقوق الإنسان عالمية وعالمية حقوق الإنسان لا تتعارض مع فكرة التنوع الثقافي والخصوصية الثقافية.
· حقوق الإنسان لا يمكن انتزاعها فليس من حق احد أن يحرم شخصا أخر من حقوق الإنسان وان لم تعترف بها قوانين بلده أو عندما تنتهكها تلك القوانين فحقوق الإنسان ثابتة وغير قابلة للتصرف.
· حقوق الإنسان غير قابلة للتجزؤ.
ويعدُّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (The Universal Declaration of Human Rights) أول ميثاقٍ دوليّ اتفقت عليه بلدان العالم لتأسيس الحريات والحقوق، والاتفاق على حمايتها في جميع أنحاء العالم ولجميع الأفراد، ولقد اشتمل الإعلان على ثلاثين بنداً يُفصِّل تلك الحقوق والحريات، كالآتي:
· حرية التعبير.
· حق اللجوء.
· الحقوق المدنية والسياسية.
· الحقوق الاجتماعية، كحقِّ العيش في مسكنٍ مناسب.
· الحقوق الثقافية.
· الحقوق الاقتصادية؛ كحقِّ الحصول على الضمان الاجتماعي، وغيرها من الحقوق المختلفة.
من خلال ما سبق، يمكن القول بأن حقوق الإنسان هي الحقوق المكتسبة لكلِّ إنسانٍ على وجه الأرض بلا تحيُّزٍ أو تمييز، وبغض النظر عن عرقه، أو جنسيته، أو جنسه، أو لغته، أو دينه، وبذلك يحِقُّ لكلِّ فردٍ في العالم بأن يتمتَّع بالحقوق الخاصة به دون أي مساسٍ بها بما يضمن له العيش بكرامةٍ ومساواة. أي المعايير الأساسية التي لا يمكن للإنسان، من دونها أن يعيش بكرامة كبشر، و أنها أساس الحرية والعدالة والسلام.
خامسًا، القانون الدولي لحقوق الإنسان:
عرف القانون الدولي لحقوق الإنسان بأنه “يتمثل في مجموعة القواعد والمبادئ المنصوص عليها في الإعلانات والمعاهدات الدولية والتي تؤمن حقوق وحريات الأفراد والشعوب في مواجهة الدولة أساسا وهي حقوق لصيقة بالإنسان وغير قابل للتنازل عنها ، وتلتزم الدولة بحمايتها من الاعتداء أو الانتهاك “([17]).
ومن منظور أخر عرف بأنه “مجموعة القواعد القانونية المتصفة بالعمومية والتجريد التي ارتضتها الجماعة الدولية أصدرتها في صورة معاهدات وبروتوكولات دولية ملزمة بقصد حماية حقوق الإنسان المحكوم بوصفه إنسانا وعضوا في المجتمع من عدوان سلطاته الحاكمة أو تقصيرها وتمثل الحد الأدنى من الحماية التي لا يجوز للدول الأعضاء فيها النزول عنه مطلقا أو التحلل من بعضها في غير الاستثناءات المقررة فيها”([18]).
وفي هذين التعريفين التركيز جاري على الهدف وعلى القواعد التي ينبع هذا القانون وتحديدها بأنها القواعد الواردة في الاتفاقيات والصكوك الدولية بينما في تعاريف أخرى جرى بيان الفترة التي يسري خلالها فعرف بأنه “يتضمن مبادئ وقواعد تسري في زمن السلم والحرب على السواء”([19])، ولكن من دون أن يحدد الهدف من هذا القانون.
وفي تعريف أخر بأنه “مجموعة القواعد التي تستهدف حماية حقوق الإنسان في زمن السلم”([20]). إلا إن هذا التعريف اغفل ذكر سريان قانون حقوق الإنسان في فترة الحرب أو كما تسمى الآن النزاعات المسلحة.
كما وجدت تعاريف تركز على الإعلانات والاتفاقيات التي يتكون منها حيث عرف بأنه “يضم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 والعهدين الدوليين والبروتوكولات الملحقة بهما بالإضافة إلى الاتفاقيات التفصيلية الأخرى التي وضعت بسبب أهميتها وهي الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب واتفاقية حقوق الطفل واتفاقية حضر التمييز ضد المرأة واتفاقية منع التمييز العنصري”([21]). وميزة هذا التعريف أنه كان قاصرًا عن الإحاطة بكافة القواعد التي تكون قانون الدولي لحقوق الإنسان العالمية منها والإقليمية العامة منها والخاصة كما انه ركز على الجانب الشكلي للقانون دون الموضوع أو الأطر الزمانية التي يسري خلالها.
فقانون حقوق الإنسان كما وصفه البعض واجب التطبيق من حيث المبدأ في جميع الأوقات أي في وقت السلم واثناء النزاعات المسلحة على السواء، ويرسي قواعد ملزمة للحكومات في علاقتها بالأفراد، وتوجد قواعده في عدد من الصكوك العالمية والإقليمية التي تغطي نطاق واسع من القضايا مثل الحقوق المدنية والسياسية أو تركز على حقوق بعينها على سبيل المثال التعذيب أو تركز على فئات معينة من المستفيدين كالأطفال والنساء، كما توجد إلى جانب هذه المعاهدات مجموعة مهمة من القواعد العرفية يقوم عليها هــذا القانون([22]).
المبحث الثاني: المعايير الدولية للمحاكمة العادلة
تكفل المحاكمات العادلة احترام الاجراءات أثناء تطبيق القوانين، حيث يتم إحاطتها بعدد من الضمانات التي من شأنها أن تجعل المحاكمة عادلة، مثل علنية المحاكمة والمساواة بين الخصوم في الدعوى وغيرها من الضمانات. وتكمن أهمية المحاكمة العادلة بكونها متعلقة بأحد أهم الموضوعات في القرن الحالي على الصعيدين الدولي والوطني معاً، كونها متعلقة بالسلطة القضائية وتبين مدى نزاهتها وحيادها، كما أن الحق في المحاكمة العادلة هو من أهم حقوق الإنسان، وحماية حقوق الإنسان تشكل القاعدة الأساسية التي ترتكز عليها الحرية والعدالة والسلام، والدولة التي تهتم بحقوق الإنسان هي دولة تسعى الى التقدم والديمقراطية([23]) وفي ظل تعرّض الشخص المتهم بارتكاب جريمة إلى خطر الحرمان من الحرية أو إلى عقوبة أخرى، يعد الضمان الاساسي الذي يقي الافراد من التعرض إلى عقوبات “ظالمة” أو دون وجه حق كما يقال، هو المحاكمة العادلة، تلك التي تعتبر ضرورة لابدّ منها لحماية حقوق الإنسان، مثل الحق في عدم التعرض إلى التعذيب والحق في الحياة والحق في حرية التعبير وغيرها من الحقوق السياسية. والحق في المحاكمة العادلة مكرس في العديد من المواثيق الدولية والاقليمية. والحق في المحاكمة العلنية يستهدف المساعدة في ضمان محاكمة عادلة للمتهمين وحمايتهم من أية محاولة لاساءة استغلال اجراءات التقاضي الجنائي([24]).
وقد تمت صياغة مواثيق حقوق الإنسان بصورة عامة كي تضع في الحسبان التنوع الواسع والمتعدد للانظمة القانونية المختلفة، وكذلك للاجراءات القانونية التي تضع الحد الادنى من الضمانات التي لابدّ من توفرها، كما تتضمن اتفاقيات جنيف الاربعة لعام 1949 وملحقيها بروتوكول جنيف لعام 1977 حول “حماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة” و “حماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية” المعايير الدنيا للسلوك “الشرعي” خلال النزاعات المسلحة (الدولية وغير الدولية) كضمانات للمحاكمة العادلة.
ولضمان تحقيق العدالة، فهذا يرتب على جميع الحكومات واجب تقديم المسؤولين عن ارتكاب جرائم إلى العدالة، لكن تقديم المتهمين إلى محاكمات جائرة أو غير عادلة، يضر بالعدالة ذاتها ، سواءاً عندما يتعرضون للتعذيب أو الايذاء النفسي والبدني على أيدي موظفين أو يُساء معاملتهم في مرحلة إنفاذ القانون، أو عندما يُدان أبرياء بشكل مبالغ فيه، وهنا يفقد النظام القضائي مصداقيته وجوهر وظيفته. ويبدأ الانتهاك من اللحظة الأولى حين يتم إلقاء القبض وخلال فترة الاعتقال التي تسبق المحاكمة وخلال المحاكمة وأثناء اجراءات الاستئناف وصولاً إلى توقيع العقوبة.
وخلال مراحل انفاذ العدالة المختلفة بدءا من إلقاء القبض على المتهم وصولا إلى توقيع العقوبة، أو حتى الطعن على الأحكام وصدور أحكام نهائية وباتة، فهناك جملة من الحقوق الإنسانية التي يجب أن يتمتع بها المتهم، هي:
1. الحقوق التي تسبق المحاكمة:
لا تكون المحاكمة الجنائية عادلة إلاّ اذا تم احترام حقوق المتهم طوال اجراءات المحاكمة وهذه الحقوق التي يستحقها كل شخص قبل بدء المحاكمة، الأساس في ذلك هو الحق في الحرية:
فوفقًا لنص المادة الثالثة من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، “لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الامان على شخصه”. كما ذهبت المادة التاسعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية إلى القول “لكل فرد حق في الحرية وفي الامان على شخصه. ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفاً . ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقاً للاجراء المقرر فيه”([25]).
وبالتالي فالحرية ترتبط بالحماية ارتباطاً جوهرياً . وهنا لا بد من ضمان حقوق الاشخاص المحتجزين في الحصول على المعلومات، ويجب فوراً إخطار أي شخص يتم القبض عليه أو اعتقاله بأسباب توقيفه او اعتقاله وبحقوقه، بما فيها حقه في توكيل محام وبالتهم المنسوبة اليه، وحقه في الاتصال بالعالم الخارجي. أما حقوق الاستجواب، فتفترض البراءة و حظر التعذيب أو الاكراه أو المعاملة السيئة أو الاعتراف على نفسه او غيره.
2. الحقوق أثناء المحاكمة:
الحقوق التي يستوجب توفرها أثناء المحاكمة ، هي حقوق يستحقها كل شخص ويمكن بيان هذه الحقوق على النحو التالي([26]):
· الحق في المساواة أمام القانون والمحاكم ، ويتضمن هذا الحق المساواة في سياق عملية المحاكمة وحظر القوانين القائمة على التمييز والحق في اللجوء المتكافئ إلى المحاكم والحق في المعاملة المتساوية أمام المحاكم.
· الحق في المحاكمة أمام محكمة مختصة ومستقلة ونزيهة (حيادية) مشكّلة وفق أحكام القانون.
· الحق في النظر المنصف للقضايا، مثل حق المرء في البراءة والحق في الدفاع عن النفس والحق في استدعاء الشهود واستجوابهم.
· الحق في جلسة محاكمة علنية. والعلنية توفر نزاهة العملية القضائية واستقلاليتها وتساعد على تعزيز ثقة الجمهور بالنظام القضائي، وباستثناء ظروف محدودة فإن النظر العلني للقضايا امر أساسي.
· افتراض البراءة ، اي ان المتهم برئ حتى تثبت ادانته وفقاً للقانون بعد محاكمة عادلة.
· الحق في عدم إكراه المتهم واجباره على الادلاء بأقوال تدينه أو الاعتراف على نفسه او غيره.
· استبعاد الادلة التي تُنتزع تحت التعذيب او الاكراه (بما فيها الاعترافات).
· حظر القوانين ذات الاثر الرجعي والمحاكمة أكثر من مّرة على الجرم ذاته.
· الحق في المحاكمة دون تأخير غير مبرر.
· حق الدفاع عن النفس (وهو حق مقدس) شخصياً او بواسطة محام يختاره بنفسه او بتعيين محام له لمساعدته.
· حق المحاكمة الحضوري، اي لكل شخص متهم بارتكاب جرم ان يُحاكم حضورياً لسماع حجج الادعاء وتقديم الدفاع.
· الحق في استدعاء الشهود ومناقشتهم (للمتهمين نيابة عنهم) او استجواب شهود الادعاء او طلب استجوابهم.
· الحق في الاستعانة بمترجم شفوي وترجمة تحريرية (اذا كان لايفهم لغة المقاضاة).
· الحق في حكم علني مسبّب خلال مهلة معقولة والاساس في الحكم هو العلنية، اما الاستثناء المحدود فهو السّرية. ويحق لكل من يُحاكم أمام محكمة قضائية ان يُعطى أسباب الحكم والاّ يُحكم عليه الاّ صانعوا القرار الذين حضروا المرافعات.
· حق المتهم في عدم التعرض للعقوبات غير القانونية. اي بعد محاكمة عادلة وان تكون العقوبات متناسبة مع خطورة الجرم ولا يجوز انتهاك المعايير الدولية بذلك.
· يحق للمتهم “المحكوم” – الاستئناف اذا ادين بارتكاب جرم جنائي، اي اعادة النظر في ادانته وعقوبته أمام محكمة أعلى.
ويجدر بالذكر، أنه لا يمكن وقف أو أبطال بعض قواعد حقوق الإنسان مهما كانت الظروف والاوضاع فهي “حقوق مطلقة”. لكن بعض المعاهدات تجيز تعليق بعض الحقوق الخاصة بالمحاكمات العادلة وقت الطوارئ. والنزاع الدولي يعطي للاسرى والمدنيين حماية خاصة بموجب اتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة المبرمة في 12 أغسطس لعام 1949، وكذلك البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، وفي الحروب الأهلية بموجب البروتوكول الإضافي الثاني الخاصة بالمنازعات المسلحة غير الدولية.
إجمالاً، إن تقييم مدى التزام الحكومات بالمحاكمة العادلة، تبدأ من لحظة القبض على المتهم وحرمانه من حُريته، مرورًا بمرحلة احتجازه والتحقيق معه واستجوابه، ثم تقديمه إلى المحاكمة، ثم إصدار الحكم أو العقوبة وانتهاءً بمرحلة الطعن في الأحكام أو تنفيذها. وكل مرحلة، بل وكل خطوة من خطوات وإجراءات المحاكمة، قبلها وأثناءها وحتى بعد صدور الحُكم فيها، محكومة بضوابط ومعايير دقيقة، سواءً فيما يتعلق بمضمون الإجراءات المتخذة في حق المتهمين، أو بسلطات وصلاحيات الجهات والأشخاص القائمين بها، أو بتوقيتها وضبط مواعيدها. والجزاء المترتب على مخالفة تلك الضوابط القانونية أو عدم احترام حقوق وضمانات المتهمين، هو بطلان المُحاكمة أو بطلان الإجراءات، وبالتالي حق كل من يتضرر من ذلك بالتعويض وجبر الضرر ([27]).
المبحث الثالث: قضية أوجلان: مدى تطبيق معايير المحاكمة العادلة
المعلوم إن عبد لله أوجلان هو قائد حزب العمال الكردستاني pkk الذي نشأ عام 1978، وهو الحزب الوحيد الذي طالب بشكل علني بدولة كردية مستقلة في الأجزاء الشرقية والجنوبية من تركيا، وقد لجأ الحزب كحركة تحرر وطني وفقا لمؤسسيه إلى الكفاح المسلح ، وطالب أوجلان بحل ديمقراطى للقضية الكردية وأكد على هذا فى طرح مفهوم الأمة الديمقراطية نظرياً والإدارة الذاتية جسداً. ولم يستطع عبدلله أوجلان أن يستمر بالنضال داخل تركيا فخرج منها عام 1980، حيث أنشاء قوة مسلحة لشن هجمات ضد الجيش التركي. وحاول خلال ذلك طرح مبادرات للتوصل لحل سلمي عن طريق التفاوض مع تركيا، لكن تركيا رفضت الاعتراف بأي حق للاكرد([28]).
وقد عمل من المنفى وبالتحديد من دمشق وسهل البقاع اللبناني الذي كان يخضع للسيطرة السورية. وأقام معسكرات تدريب لأعضاء حزبه في سهل البقاع، لكن سرعان ما تم إغلاقها على إثر ضغوط تركية. وترك أوجلان سوريا ولكن خروجه منها كان أكثر لفتاً للأنظار _ على حد قوله_ إذ يُوضح أوجلان سبب خروجه من سوريا بقوله ” ……… أنّ إسرائيل هي القوةُ الأساسية التي أَخرَجَتني من سوريا. ولا ريب أنّ التهديداتِ السياسيةَ الأمريكيةَ والضغوطَ العسكريةَ التركيةَ أيضاً لَعبَت دورها في ذلك. علينا ألاّ ننسى أنّ إسرائيل كانت ضمن معاهداتٍ سريةٍ مع تركيا منذ أعوام الخمسينيات. وللمرة الثانية، كان التحالفُ المناهِض لـPKK يكتملُ بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والجمهوريةِ التركية، من خلالِ التوقيعِ على معاهدةٍ مُلحَقةٍ تحت مسمّى “مكافحة الإرهاب” عام 1996 “. ثمة عوامل أخرى أدت إلى هذا الخروج ولعل على رأسها الاتفاق التركى مع المجلس الكردى الفيدرالى ومع إدارته لمناهضة حزب العمال الكردستانى pkk وهكذا تحقق خروج أوجلان من سوريا.
وقد بدأ حزب pkk بالقيام بعمليات عسكرية عام 1984 في تركيا والعراق سعيًا لاستعادة وطنهم القومي. وتعتبر دول عديدة حزب العمال الكردستاني pkkتنظيماً “إرهابياً”، من بينها أمريكا والاتحاد الأوروبي وتركيا وأستراليا ([29]).
ومن ثمَ قامت السلطات التركية بتعقبه فى كل مكان بصفته مؤسس الــ pkk ورمز الحركة الكردية الحديثة، والمُحرض علي المطالبة بحق تقرير المصير، ومن ثمَّ لجأ إلي إيطاليا؛ وجود بعض القوى الإيطالية التى أبدت مواقفاً إيجابية تجاه القضية الكردية، وإزاء تعرَّض الحكومة الإيطالية للعديد من الضغوط نتيجة لذلك، فاضطر أوجلان للخروج منها. وفي 15 فبراير 1999، نجحت المخابرات التركية في اعتقاله – فى عملية مشتركة لحلف الناتو وتعقب مخابراتى وتعاون يونانى – إذ أعلنت الحكومة التركية، أنها نجحت في اعتقال عبد لله أوجلان حينما قامت القوات الخاصة التركية (بمساعدة دول أخري) بخطف أوجلان من مقر السفارة اليونانية من العاصمة الكينية نيروبي، بعد خروجه من مقر السفارة حينما حاول الحصول على اللجوء السياسي في اليونان، لكن موظفي السفارة اليونانية قاموا بتسليمه للسلطات الكينية وتم نقله فى سيارة تابعة للحكومة الكينية لمغادرته مقر السفارة اليونانية ثم بطائرة خاصة إلى تركيا.([30]).
وقد وُضع أوجلان في سجن جزيرة إمرالي غير المأهولة، وفي 13 مايو 1999 ؛ إذ تمت محاكمته من قبل محكمة أمن الدولة التركية بتهمة قيادة تمرد انفصالي ضد الدولة التركية، تسبب في مصرع ثلاثين ألف شخص بالإضافة إلي خسائر مادية تُقدر بمليارات الدولارات طوال أربعة عشر عامًا مضت منذ تأسيس حزب العمال الكردستاني PKK. وقد وجهت المحكمة التركية تهمة الخيانة العظمي له وحُكم عليه بالإعدام، وذلك لتصفية القضية الكردية فى تركيا . ويُلاحظ هنا أن أحكام الإعدام بحق الكُرد من قبل المحاكم التركية ليست بجديدة، لكن اختلف الوضع فى هذه القضية، حيث أصبحت قضية أوجلان من قضايا الرأي العام العالمي، وهذا الحكم أثار المخاوف من احتمال أن تستأنف تركيا تنفيذ عمليات الإعدام بعد أن أوقفتها عام 1984([31]). ومن الجدير بالذكر أن حكم الإعدام الذي صدر بحق أوجلان قد خُفف إلى السجن المؤبد في نهاية 2002 بعدما ألغت تركيا عقوبة الإعدام من قانونها كشرط للانضمام إلى الاتحاد الاوروبي بهدف تنقية سجلها في مجال حقوق الإنسان لنيل شرف الانضمام إلى تجربة الوحدة الأوروبية، ومع هذا لم يتم محاكمة القائد محاكمة عادلة ، فهناك معايير لتطبيق المحاكمة العادلة ومنها :
1. المساواة لكل إنسان أمام القانون والحق في محاكمة علنية في محاكم مستقلة ومحايدة.
2. افتراض البراءة في الإنسان،ما لم يثبت عكس ذلك.
3. أهمية إبلاغ المتهم بالتهم الموجهة إليه مباشرة بعد القبض عليه وبلغة يفهمها.
4. توفير المحامي الذي يقوم المتهم باختياره وإعطائه كل المستندات التي تساعده في الدفاع عن نفسه.
5. بما أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فمن الضروري إجراء التحقيق والمحاكمة بأسرع وقت ممكن على ألا يتم الإخلال بحقوق المتهم.
6. الحق في الاستئناف، حيث يحق لكل من أدين بجريمة أن يطلب مراجعة الأدلة من قبل محكمة أو هيئة قضائية عليا.
7. لا يعاقب المرء على فعل مرتين ولا يحاكم مرتين.
8. ضرورة التأكد من عدم الضغط على المتهم أو تعذيبه أو إكراهه على الشهادة ([5])
ومن ثم ، قامت لجنة الدفاع عن أوجلان بعرض قضيته على المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان فى 16 شباط / فبراير 1999، بناءً على الإعلان العالمى لحقوق الإنسان.([6]) إذ تجدُّر الإشارة إلى أن تركيا من الدول التى وقعت على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وكانت أنقرة عضو مؤسس في مجلس أوروبا؛ إذ تُعد من أوائل الدول الموقعة على الاتفاقية الأوروبية فى 18 مايو 1954([7]). وأشار الطلب إلى انتهاك الحكومة التركية لمجموعة من مواد الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وهم: المادة (2) الحق في الحياة؛ المادة (3) تحريم إخضاع أي إنسان لمعاملة مهينة؛ المادة (5) حق كل إنسان في الحرية والأمن؛ المادة (6) الحق في محاكمة عادلة؛ المادة (7) لا يجوز إدانة أي شخص بسبب ارتكابه فعلا أو الامتناع عن فعل لم يكن يعتبر وقت وقع الفعل أو الامتناع جريمة في القانون الوطني أو الدولي؛ المادة (8) الحق في احترام حياة الإنسان الخاصة والعائلية؛ المادة (9) لكل إنسان الحق في حرية التفكير والضمير والعقيدة؛ المادة(10) لكل إنسان الحق في حرية التعبير؛ المادة (13) الحق في وسيلة انتصاف فعالة أما سلطة وطنية لكل إنسان انتهكت حقوقه؛ المادة (14) هذه الاتفاقية تتكفل للناس التمتع بالحقوق المقررة فيها دون التمييز علي أساس الجنس وغيره؛ المادة (18) لا يجوز تطبيق القيود المسموح بها في هذه المعاهدة على الحقوق والحريات سالفة الذكر لهدف آخر غير ما وضعت له؛ المادة (34) حق تقديم الالتماس الفردي([8]).
فقد تم احتجازه بمعزل عن العالم الخارجي حيث لايوجد دليل واحد على الحياة فى سجن إمرالى المكون من زنزانة واحدة فقط ( وهو سجن فى جزيرة وسط بحر مرمرة ، جرت العادة أن يُزج فيه المعتقلون الشهيرون . الذين حُكم عليهم بالأحكام المشدَّدة ، متروكين فيه فريسة للموت) ؛ إذ يقبع أوجلان محتجزاً فى زنزانة انفرادية منذ اعتقاله. وكان يُحكم هذا السجن إمرالى بنظام استثنائى فى ظل ظروف استثنائية . ففيه يتم تعليق الحقوق والحريات الأساسية باستمرار فى ظل انعدام الإشراف القانونى على الاطلاق . كما لم يعد ثمة أى ضمان أو أمن قانونى أو إمكانية التنبؤ . حيث يتم قطع كافة اتصالات السجناء بالعالم ، وتتصرف الهيئات القضائية دون حياد أو استقلالية كما يتم التستر على الإفلات من العقاب الإجراءات والقرارات والتصرفات الجنائية ، وتُمنع زيارات المحامين والعائلة بشكل غير مسبوق فى جميع أنحاء العالم ، وكذا الحال بالنسبة للإجراءات ذات الصلة بهذا المنع ، حيث تتم هذه الإجراءات بشكل سرى ، ويُمنع المحامون من ممارسة وظيفتهم ؛ إذ لم يتمكنو من التواصل مع موكليهم منذ سنوات .
وقد عانى أوجلان من تلك الممارسات السابقة الذكر، فقد ظل هذا السجن طيلة العشر سنوات الأوئل من حبس أوجلان هكذا إلى أن تم إنشاء زنزانتين في 17 نوفمبر 2009. ورغم إيداع ستة سجناء آخرين لهذا السجن، إلا أن السيد أوجلان ظل رهن الحبس الانفرادى لمدة 23 ساعة يومياً على مدار الأسبوع و24 ساعة في عطلات نهاية الأسبوع. ً وخلال الاثنتي عشرة سنة الأولى، كان حقه في رؤية محام يقتصر على ساعة واحدة أسبوعياً، وذلك بشكل غير قانوني، ودائما ما كانت السلطات تُقدم ذرائع مثل سوء الأحوال الجوية أو وجود عطل فني للسفينة الساحلية، وذلك حتى يتم منعه من ممارسة هذا الحق المحدود. ومنذ 27 يوليو 2011 وحتى اليوم، لم يتمكن السيد أوجلان من مقابلة محاميه إلا في خمس مناسبات، وقد جرت كافة هذه اللقاءات في الفترة ما بين مايو وأغسطس 2019 .وكان آخر هذه اللقاءات الخمس في 7 أغسطس 2019 . ومنذ عام 2014 ، لم يُسمح له إلا بخمس زياارت لأفراد أسرته، وكان آخر لقاء مباشر مع شقيقه فى 3 أذار / مارس 2020. ومنذ اليوم الأول، لم يُسمح له بالتواصل مع أقاربه عبر الهاتف إلا مرتين، كانتا في 27 أبريل 2020 و25 مارس 2021 . وقد انقطعت آخر مكالمة عن هاتفية بعد وقت قصير من بدايتها في 25 مارس 2021 ، وتعذر إعادة الاتصال، ولم يُسمع عن السيد أوجلان شيئاً منذ ذلك اليوم.
ومن ثمَّ تم تقديم طلبات وشكاوى بانتظام كل أسبوع من قبل أفرد عائلته والمحامين لمكتب المدعى العام ، وإلى مديرية إمرالى العقابية ، للسماح لهم بزيارة أوجلان ، ولكن السلطات لم تسمح بأى حق الزيارة للعائلة أو للمحامين. كما استمر منع التواصل عبر الهاتف .
وبناءً عليه، وجدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الآتي([9]):
1. هناك انتهاك في المادة ( 5 بند 4)، حيث أن أوجلان في أول عشرة أيام من اعتقاله لم يستطيع الاتصال ومقابلة محاميه ولم يحصل على التدريب الكافي والمواد المكتوبة التي تمكنه من الدفاع عن نفسه. وعليه، أجابت تركيا بأنه لم يقدم أحد من محامي أوجلان أو أقاربه طلب (مادة مكتوبة) لمحكمة أمن ولاية أنقرا يعترض فيها على اعتقاله لدي الشرطة وذلك حسب المادة 144 من القانون الجنائي التركي.
2. لا يوجد انتهاك للمادة (5 بند 1)، ومع ذلك أعتبر محامو أوجلان أن طريقة اعتقاله غير قانونية.
3. هناك انتهاك في المادة ( 5 بند 3)، حيث تم تقديم المتهم للمحاكمة بعد أسبوع من سجنه. وعليه، ذكرت تركيا أن القانون الجنائي التركي يسمح إذا كان المعتقل متهم بالإرهاب أن يظل برعاية الشرطة لعدة أيام من أجل التحقيق،كما أنه ونتيجة لوجود عاصفة في جزيرة ايمرالي، أدت إلى تأخير وصول القاضي للجزيرة وتأجيل الجلسة.
4. هناك انتهاك في المادة ( 6 بند 1)، حيث رأت المحكمة الأوروبية أن تبديل القاضي العسكري بآخر مدني قبل أسبوع من الحكم، لن يعطي القاضي الجديد الوقت الكافي للنظر في القضية. وعليه، ذكرت تركيا أنها عملت على تعديل القانون التركي 143( الذي يسمح بوجود قضاة عسكريين) واستبدلت القاضي العسكري بآخر مدني. كما أن أفراد المحكمة الذين أدانوا أوجلان كانوا قضاة مدنيين.
5. هناك انتهاك للمادة (6)، حيث أن المحاكمة لم تكن عادلة، وذلك للأسباب التالية:
· كان هناك صعوبة في الاتصال في محاميه، حيث لم يتلقى الزيارة إلا بعد 10 أيام من اعتقاله، كما أن لقاءاته بهم كانت تفتقر للخصوصية مع وجود رجال الأمن. ومع ذلك، رأت تركيا أنه حسب المادة125 من القانون الجنائي، فإن أوجلان إرهابي ويهدد الأمن التركي،كما رأت تركيا أنها أعطت أوجلان كل التسهيلات والوقت الكافي للدفاع عن نفسه. وأشارت أيضًا أن المادة144 من القانون التركي، تظهر أن أفراد الأمن الوطني مخولين للتواجد باللقاءات بين المتهمين ومحاميهم قبل بدء الدعوة القضائية،خاصة أن محاميين أوجلان لم يقدموا طلب للمحكمة من أجل لقاءه منفردًا.
· لم تسمح السلطات التركية لمحاميين أوجلان الحصول على نسخ من مواد القضية، مما اضطر المحاميين لنسخها بأيديهم. كما أعطي وقت قصير للإطلاع على ملف القضية المكونة من سبعة عشر ألف صفحة، ونتيجة لما سبق لم يستطيع أوجلان ومحامييه التجهيز الكافي لدفاعهم. ولكن ذكرت تركيا بأنها سمحت لمحاميين أوجلان تصوير مواد القضية،كما أن مواد القضية موجودة منذ سنين، قبل اعتقال أوجلان و المواد التي أضيفت ضئيلة جدا.وتركيا سمحت لأوجلان بالإطلاع على ملف القضية،بالرغم من أنه في القانون القضائي التركي لا يوجد بند بإعطاء المتهم مباشرة مواد القضية وإنما يكتفي بما يحصل عليه من محامييه.
6. هناك انتهاك للمادة (2)، حيث رأت أن حكم المحكمة بإعدام أوجلان بناءً على محاكمة غير عادلة في انتهاك لنص المادة (2) والتي تنص على الحق في الحياة. وعليه، ذكرت تركيا أنه غير معزول عن العالم حيث لديه كتب،أوراق، راديو، يستطيع كتابة الرسائل، يرى الدكتور يوميًا وعائلته كل أسبوع ومحاميه- خلال فترة المحاكمة- مرتين في الأسبوع. وقد تم حل مشاكل النقل التي كانت تحدث بسبب سوء الأحوال الجوية في نهاية 2004، حيث زودت الجزيرة بطائرة مناسبة. أما عزله في الجزيرة لوحده، فقد رأت تركيا أن ذلك للحفاظ على سلامته([10]).
7. لا يوجد انتهاك للمادة (3)، حيث رأت المحكمة أن تقييد اليدين كان أسلوب تتبعه تركيا كوسيلة أمنية لمنع شخص متهم بالإرهاب من إيذاء نفسه أو الآخرين.أما عصب العينين،فهي إجراءات أمنية لحماية رجال الأمن من التعرف عليهم،وأيضا لمنع المتهم من محاولة الهرب أو إيذاء نفسه والآخرين،كما أن رجال الأمن لم يحققوا مع أوجلان وهو معصوب العينين. وبالنسبة للتخدير، لم يكن هناك أي دليل يثبت حدوثه. بالإضافة إلى أن أوجلان في جلسة الاستماع في 31 / 3/ 1999 في المحكمة،ذكر أنه خلال القبض عليه لم يتعرض لأي إهانة أو معاملة غير إنسانية،وهذا قد شكك في ادعاء أوجلان في انتهاك م/ 3. وأقرت المحكمة نتيجة لما سبق انه لم يكن هناك انتهاك بالنسبة لظروف اعتقاله.
8. لا يوجد انتهاك للمادة (34)، حيث رأت المحكمة بأنه برغم من تأخير تقديم الالتماس إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلا انه وصل للمحكمة في النهاية.
9. بالنسبة للانتهاكات في المواد 7، 8 ،9، 10 ،13 ،14 ،18 للاتفاقية،رأت المحكمة أنه لا أهمية للإطلاع على هذه المواد،بعد البحث في المواد السابقة.
وبناءً على ما سبق، اعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، في ستراسبورغ بفرنسا، أن الحكم الصادر بحق زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان،”غير عادل”، وطالبت السلطات التركية بتنظيم محاكمة جديدة له. وصدر حكم المحكمة الأوروبية بموافقة أحد عشر قاضيًا من الأعضاء السبعة عشر من قضاة المحكمة، وذلك بناء على الدعوة المرفوعة من محامي أوجلان للمطالبة بإعادة محاكمته. وبهذا الحكم رفضت المحكمة الأوروبية الاستئناف التركي المُطالب بتغيير الحكم الصادر عنها بتاريخ 12 مارس 2003 والذي يؤكد أن اعتقاله تم بطريقة غير قانونية ، وعلى يد تنظيم غير شرعى لا يتماشى مع القانون الدولى ولا مع قانون الاتحاد الأوربى . كما يؤكد أيضاً أن هناك انتهاكاً بحق أوجلان في تلقي محاكمة عادلة لأنه لم يُحاكم من قبل محكمة مستقلة ونزيهة وهنا يوجد انتهاك في المادة (6) من المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان(بوجد قاضي عسكري في صفوف المحكمة).
وأخيراً عدم تنفيذ حكم المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان بشأن أوجلان ، فإن نظام السجن المؤبد الذى تم فرضه خصيصاً للسيد أوجلان ، تنظمه الماداتان 25 و107 من القانون رقم 5275 ، وبناءً عليه تستمر عقوبة السجن طوال الحياة للمحكوم عليه ولا تنقطع بأى حال من الأحوال ، وفى حكمها رقم 2 الذى أصدرته بشأن أوجلان بتاريخ 18 مارس 2014 ، قضت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان بأن اللوائح القانونية تنتهك حظر التعذيب ، كما نبهت لضرورة تعديل التشريع حتى يكون متوافقاً مع المبادئ القانونية . ثم تم تقديم طلبات تنفيذ هذا الحكم مع طلب التقدم إلى المحكمة الدستورية لإلغاء المادة 107/16 من القانون رقم 5275 والمادة 17/4 من القانون رقم 3713 ، مما يمنع الإفراج المشروط بسبب عدم دستوريتهم. وفي النهاية، وكما قررت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في حكمها، فقد تم احتجاز السيد أوجلان في ظروف تتعارض مع حظر التعذيب لمدة 25 سنة . ولذلك، تم طلب إعادة النظر في الحكم الصادر بحقه من الناحية الاجتماعية والسياسية والقانونية دون مزيد من التأخير، وإتاحة فرصة حقيقية للإفراج عنه. ومع ذلك، تجاهل قاضي التنفيذ النتائج والتقييمات التي توصلت إليها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بشأن انتهاك الاتفاقية ورفض الطلب ، كما تم رفض الاستئناف على هذا القرار . وبعد ذلك تقديم طلب بشأن الطلبات إلى المحكمة الدستورية نفسها والتى لايزال قيد النظر.
كما قدمت اللجنة الأوربية لمنع التعذيب تقرير فى 5 أغسطس 2020 ، واعتبرت أن احتجاز السيد أوجلان وباقى المحتجزين معه فى نفس السجن وهم بمعزل عن العالم الخارجى ، وضع غير مقبول ويتعارض مع وضع القانون والمعايير الدولية ، ونصحت السلطات التركية بوضع حد لهذه الظروف . كما وجدت اللجنة أن العقوبات التأديبية المفروضة لتقييد حق السجناء فى تلقى زيارات من أفراد العائلة كانت مبنية على أسباب غير مقنعة ومضللة إلى حد ما ، وقد رأت اللجنة من قبل أن منع زيارة المحامين منذ 2011 باستثناء خمس زيارات كان قرار سياسي وتدبير مخالف للقانون الدولى والمحلى . وفى 6 سبتمبر 2022 طلبت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة باتخاذ تدابير مؤقته ، وفى 19 يناير 2023 ذكَّرت اللجنة الحكومة التركية بهذا ، وأوضحت أن الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجى فى سجن إمرالى يُعد شكل من أشكال التعذيب ، أن هذا غير مقبول ويجب إنهاء هذا بأسرع وقت. بيد أن الحكومة قد اختارت تعطيل الوسائل القانونية والسياسية والاعتماد على القوة والعنف والسياسات الأمنية بدلاً من ذلك. وهو ما يُعد سياسة خاصة بكل من يُعارض الديمقراطية والحل الديمقراطي والحوار والتفاوض من أجل السلام، ويستغل الجمود السياسي والصراع والاستقطاب. وقد أدت النتائج السلبية لهذه السياسات إلى جر البلاد والمنطقة إلى أزمات متعددة يُمكن السيطرة عليها، بما أدى إلى استغلال كافة موارد الشعب والمنطقة من قبل الجماعات الحاكمة.([11]).
ختامًا، يُمكن القول إن قوام القانون الدولي لحقوق الإنسان وأساسه يتمثل في جميع ما ورد بالاتفاقيات الدولية والأعراف والمبادئ العامة الدولية في مجال حماية حقوق الإنسان كافة فضلاً عن حرياته الأساسية، فإن المحاكمة العادلة في مفهومها الدولي هي المحاكمة التي تستند إلى محتوى ونصوص تلك المصادر الدولية، على أن تتولى جهة قضائية مستقلة ومحايدة معترفًا بها قانونًا تنفيذ تلك المقتضيات كالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أو المحكمة الجنائية الدولية، ولذلك نُلاحظ الآتي:
1. قواعد المحاكمة العادلة لها سند ومصدر خارجي تضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفصله العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية([12]).
2. . حتى أضحت هذه القواعد علامة بارزة يصعب غض الطرف عنها، وكان أهمها: استقلال القضاء، وتقرير مبدأ المساواة أمام القضاء، وكفالة حق الدفاع، ووجاهية المحاكمة، وعلانيتها، وسرعة الفصل في الدعوى، وعدم جواز معاقبة المتهم عن الواقعة مرتين، وتقرير حق المتهم في الطعن في الحكم الصادر ضده.
3. يعتبر الحق في المحاكمة العادلة من أهم الحقوق القضائية التي يتمتع بها الإنسان، وهي تشمل مجموعة من الضوابط الموضوعية والإجرائية التي يتعين الالتزام بها قبل أو أثناء المحاكمات سواء كانت مدنية أو جزائية، وتكمن أهمية الحق في المحاكمة العادلة في كونه ضمانة أساسية للحقوق والحريات العامة، ووسيلة لمنع الإساءة في استعمال السلطة خارج الأهداف المشروعة المقررة لها.
4. تزداد أهمية الحق في المحاكمة العادلة في كافة المواثيق والاتفاقيات العالمية لضمان تنفيذ مبادئ الحريات المدنية والسياسية في الإعلان العالمي.
5. لم تتوقف المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عند محتوي ومضمون قرار محاكمة أوجلان بقدر ما توقفت عند الشكليات المتعلقة بطريقة المحاكمة ومسألة التأخير في تقديمه إلى المحكمة أو وجود حاكم عسكري ضمن هيئة المحاكمة في المرحلة الأولى من جلساتها.
وتأسيسًا على ما سبق، يُمكن من خلال تبني هذه التوصيات تحسين فعالية المعايير الدولية للمحاكمة العادلة وتعزيز حقوق الإنسان في النظام القضائي الدولي، وذلك على النحو الآتي:
1. تعزيز الوعي والتثقيف: يجب تعزيز الوعي بحقوق الإنسان وضمان الحق في محاكمة عادلة لدى المحامين والقضاة وأعضاء النيابة العامة والجمهور. يُمكن تحقيق ذلك من خلال تدريب وتثقيف المهنيين في مجال العدالة وتوفير الموارد اللازمة من أجل تعزيز الوعي .
2. التأكد من استقلالية القضاء: يجب ضمان استقلالية القضاء وحماية القضاة من أي تدخل أو ضغط خارجي. ينبغي تعزيز نظم التعيين والترقية للقضاة بناءً على المؤهلات والكفاءة، وتوفير ضمانات لحماية القضاة من التهديدات والتسلط السياسي أو المالي.
3. ضمان حق الوصول إلى محامٍ: يجب أن يكون لدى جميع الأشخاص حق الوصول إلى محامٍ مؤهل مستقل ، ومتخصص في القانون الجنائي. وينبغي أن يتم توفير المساعدة القانونية للأشخاص ذوي الدخل المحدود أو الذين يواجهون ظروفًا خاصة تعيق قُدرتهم على الدفاع عن أنفسهم.
4. ضمان الحق في التحقيق الفعال: يجب ضمان حق الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم في إجراء التحقيقات الفعالة والمستقلة. ينبغي أن تكون هناك ضمانات لحماية الشهود والضحايا والمدافعين عن حقوق الإنسان من التهديدات والتعرض للعنف.
5. تعزيز مبدأ البراءة حتى إثبات الإدانة: يجب أن يتم احترام مبدأ البراءة حتى يتم إثبات إدانة الشخص المتهم. ينبغي أن يتم توفير حقوق الدفاع الكاملة للمتهمين، بما في ذلك حقوق الاستماع إلى الشهود وتقديم الأدلة وتقديم الحجج القانونية.
6. تعزيز الشفافية والحسابية: يجب تعزيز الشفافية والحسابية في النظام القضائي. ينبغي نشر المعلومات القانونية وتوفير إمكانية الوصول إلى السجلات والقرارات القضائية بشكل عام. مما يُسهم في بناء الثقة في النظام القضائي وتقوية فعالية المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
7. تعزيز التعاون الدولي: يتم هذا من خلال تعزيز فعالية المعايير الدولية للمحاكمة العادلة؛ إذ يُمكن القيام بذلك من خلال تبادل المعلومات والخبرات والتجارب الناجحة بين الدول، والتعاون في تدريب وتطوير القضاة والمحامين والمسؤولين القضائيين.
8. مراجعة وتحديث التشريعات: يجب مراجعة وتحديث التشريعات الوطنية لضمان توافقها مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة. وينبغي أن تضمن التشريعات حقوق المتهمين والمحامين والقضاة، وتوفر ضمانات لحماية حقوقهم وضمان تطبيق المعايير الدولية.
9. تعزيز المراقبة والمساءلة: يجب تعزيز المراقبة المستقلة لنظام العدالة الجنائية والتأكد من وجود آليات فعالة للمساءلة في حالة انتهاك المعايير الدولية للمحاكمة العادلة. يُمكن تعزيز المراقبة من خلال تعزيز دور المنظمات غير الحكومية والهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
10. التوعية بحقوق الضحايا: ينبغي تعزيز التوعية بحقوق الضحايا وتوفير الدعم والمساعدة لهم خلال عملية المحاكمة. يجب ضمان حقوق الضحايا في الوصول إلى العدالة والمشاركة الفعالة في إجراءات المحاكمة وتلقي الدعم اللازم لتجاوز التحديات النفسية والاجتماعية التي تنجم عن الجرائم.
قائمة المراجع: أولا: المراجع باللغة العربية
1. ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ج10،
2. محمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح، تحقيق محمود خاطر، مكتبة ناشرون، بيروت، 1995.
3. بشير محمد النجاب، مفهوم الإنسان بين الفكريين الغربي والعربي، المركز الديمقراطي العربي، تاريخ النشر (31 مايو 2018)، على الرابط التالي: https://democraticac.de/?p=54402
4. تعريف و معنى الإنسان في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي، على الرابط التالي: https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar//
5. جابر الراوي، حقوق الإنسان وحرياته الاساسية في القانون الدولي والشريعة الاسلامية، دار وائل للطباعة والنشر والتوزيع، 1999.
6. جعفر عبد السلام ، تعريفه الوارد في بحثه “القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان” المقدم إلى مؤتمر حقوق الإنسان في السلم والحرب المنعقد في المملكة العربية السعودية في 14/تشرين الأول/2003.
7. جمال الذيب، حقوق الإنسان زمن الحرب في الشريعة الإسلامية “دراسة مقارنة”، دار الكتاب الثقافي، عمان، 2007.
8. خيري احمد الكباش، الحماية الجنائية لحقوق الإنسان دراسة مقارنة في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية والمبادئ الدستورية والمواثيق الدولية، دار الجامعيين، القاهرة ، 2002.
9. ديفيد فيسبورت، دليل المحاكمات العادلة، منظمة العفو الدولية، 1998.
10. ديما احمد صالح، الحق في محاكمة عادلة كبند من بنود حقوق الإنسان التي ضمنها القانون الأوروبي-محاكمة الزعيم الكردي عبدالله اوجلان- دراسة حالة، الحوار المتمدن، تاريخ النشر (23 أغسطس 2008)، على الرابط التالي: https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=144831
11.
12. رجائي فايد، اوجلان الزعيم والقضية، ميريت للطباعة والنشر، 2006.
13. صباح بالة، مفهوم حقوق الإنسان، الموسوعة السياسية، على الرابط التالي: https://political-encyclopedia.org/dictionary/
14. صلاح خرسان، التيارات السياسية في كردستان العراق: قراءة في ملفات الحركات والأحزاب الكردية في العراق، 1946-2001، مؤسسة البلاغ، 2001
15. عبد اللطيف بن سعيد الغامدي، تعريفه الوارد في بحثه “القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان من منظور إسلامي” المقدم إلى مؤتمر حقوق الإنسان في السلم والحرب المنعقد في المملكة العربية السعودية في 14/تشرين الأول/2003.
16. عبدالله بن أحمد الدريني، شرح المنار وحواشيه من عالم الأصول، دار سعادت، مطبعة عثمانية، 1315هـ.
17. علي الزعبي، حق الخصوصية في القانون الجنائي، ج1، المؤسسة الحديثة للكتاب، بيروت، 2006.
18. فتحي الدريني، الحق ومدي سلطان الدولة في تقييده، مؤسسة الرسالة، ط3، 1984.
19. محكمة أوروبية تنتقد سوء معاملة تركيا لأوجلان، الجزيرة، تاريخ النشر (12 مارس 2003)، على الرابط التالي: https://www.aljazeera.net/news/2003/3/12/
20. محمد نور فرحات، دراسات في القانون الدولي الإنساني، دار المستقبل العربي، القاهرة، 2000.
21. مصطفي الزرقا، المدخل الفقهي العام “الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد”، ج3، دار الفكر، دمشق، 1968.
22. منظمة العفو الدولية، دليل المحاكمة العادلة، الطبعة الثانية، 2021.
23. ناهد عبد الوهاب محمد، وآخرون، حقوق الطفل في الإسلام من المنظور النفسي الاجتماعي، المكتبة الأكاديمية، 2018.
24. نجم عبود مهدي السامرائي، مبادئ حقوق الإنسان، دار الكتب العلمية، 2018.
25. نغم اسحق زيا، دراسة في القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، رسالة دكتوراه، كلية القانون، جامعة الموصل، العراق، 2005.
26. هاني الجمل، عبدالله أوجلان.. فكرة لن تموت، وكالة الفرات للانباء، تاريخ النشر (٧ أكتوبر ٢٠٢٣)، على الرابط التالي: https://anfarabic.com/%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA/th-96669
ثانيا: المراجع باللغة الإنجليزية
1. Amal Clooney, Philippa Webb, The Right to a Fair Trial in International Law, Oxford University Press, April 2021.
2. Amal Clooney, Philippa Webb, The Right to a Fair Trial under Article 14 of the ICCPR, January 2022.
3. Attila Badó, Fair Trial and Judicial Independence : Hungarian Perspectives, Springer International Publishing A&G, 2013.
4. Collins Mbuayang, The Right to a Fair Trial in International Criminal Proceedings, Eleven International Publishing, 2018.
5. Elmar Widder , A Fair Trial at the International Criminal Court? Human Rights Standards and Legitimacy, Peter Lang Group AG, 2016.
6. Jurkka Jamsa, Fair Trial Rules of Evidence: The Case Law of the European Court of Human Rights, Taylor & Francis Ltd, 2022.