ندوات

حلقة نقاشية جديدة حول واقع الأزمة السورية .. هل من حل؟

في إطار اهتمام مركز أتون للدراسات بمتابعة كل ما يجري في المنطقة من أزمات ومحاولاته تقديم أطروحات تفسر الواقع ويتم البناء عليها لما هو قادم، نظم حلقة نقاشية حول الأزمة السورية وآفاق الحل السياسي لها لا سيما وأنها تدخل عامها الثالث عشر دون أي تغيير يذكر على صعيد الأزمة.

وقد أدار الحلقة النقاشية الكاتب الصحفي فتحي محمود مدير مركز آتون للدراسات، أما على صعيد المتحدثين فضمت الحلقة كل من الكاتب السوري عبدالرحمن ربوع والباحث السياسي المصري الدكتور طه علي والباحث في الشؤون العربية أحمد أبوبكر والكاتب الصحفي السوري أحمد شيخو، والذين قدموا عرضاً واسعاً وشاملاً حول كافة جوانب الأزمة السورية، والتي يمكن من خلالها تحديد الواقع الذي آلت إليه سوريا وما يمكن أن تذهب إليه الأزمة خلال الفترة المقبلة.
وقد استهل الكاتب الصحفي فتحي محمود مدير مركز آتون للدراسات التقديم للحلقة النقاشية بالتأكيد على أن الوضع في سوريا مؤسف للغاية منذ سنوات طويلة، وقد تحولت إلى حلبة صراع بين قوى إقليمية ودولية مختلفة، كما أنها لم تقتصر على صراعات فقط بين قوى سورية، فلدينا احتلال تركي لمناطق عدة وعدوان على مناطق أخرى، وتواجد إيراني في مناطق أخرى، وقد رافق ذلك مواجهات بين إسرائيل وأمريكا.

وأعرب “محمود” عن رؤيته بأن تلك الأوضاع في سوريا تنذر بأن الأزمة تتجه للأسوأ وليس العكس، ناهيك عن عشرات الجماعات الجهادية المسلحة الموجودة تحت رعاية قوى دولية وإقليمية تحاول السيطرة على بعض المناطق ويستخدمها البعض في الصراعات في الداخل السوري الذي لا يبدو أنه لا يوجد به أفق للحل.

إشكالية غياب الحوار في سوريا وتجربة الإدارة الذاتية
وبدأت الحلقة النقاشية بكلمة مسجلة للسيدة جاندا محمد نائبة الرئاسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية “مسد”، والتي أكدت أن الأوضاع في سوريا وصلت إلى مرحلة بالغة التعقيد بعد مرور 13 عاما على “الثورة السورية”، حيث أدى استخدام العنف من قبل النظام السوري والعنف المضاد له إلى تعميق تلك التعقيدات أكثر، على نحو خلق حالة من الانقسام المناطقي الملوث بالطائفية والمذهبية، وتسبب في وضع كارثي على كافة الأصعدة.

وتحدث السيدة جاندا محمد عن أنه في ظل هذا الوضع المعقد لا توجد أية حلول على المدى المنظور في ظل هذا الوضع الخطير الذي تمر به البلاد، لكن في ظل هذا الظلام هناك نموذج الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، كنموذج ديمقراطي يمثل إرادة جميع المكونات في تلك المناطق للعيش معاً في أمان واستقرار وإدارة شؤونهم بأنفسهم، لافتة إلى أنها تعتبر أرضية للحل في سوريا لكنها تواجه تحديات على كافة المستويات خصوصاً ملف الدواعش والتهديدات التركية. وأشارت إلى أنها لعبت دوراً كبيراً في محاربة الإرهاب بالتعاون مع التحالف الدولي، حيث قدمت أكثر من 13 ألف شهيد وأكثر من 24 ألف جريح.

وحذرت السياسية الكردية السورية من خطر خلايا “داعش” التي تنشط بين الحين والآخر، وأسر ذلك التنظيم في المخيمات على نحو يهدد ليس سوريا فقط بل الشرق الأوسط ككل، مشددة كذلك على خطورة التهديدات التركية على مناطق شمال وشرق سوريا والقصف المتواصل بمختلف الأسلحة دون أن يستثني أحد، حيث يتم استهداف البنى التحتية ومراكز الطاقة وحتى المستشفيات والمدارس، معتبرة أن القصف التركي يمثل التهديد الأكبر لأنه يهدف إلى القضاء على هذا المشروع وتهديد الأمن والاستقرار في تلك المناطق ودفع الناس للهجرة، وتسببت في انقطاع المياه والكهرباء عن عديد من المناطق كما خرجت عدة مستشفيات عن الخدمة.

وتحدثت كذلك المسؤولة الكردية عن بعض التحديات تتعلق بغلق المعابر الحدودية بين مناطق شمال وشرق سوريا والدول المجاورة، رغم أن هذه المناطق أصبحت مع الوقت ملاذاً آمناً لكثير من السوريين وهي الأكثر أماناً مقارنة بغيرها من المناطق السورية، كما أن هناك بعض الأطراف تمنع أن يتم التعامل مع الإدارة الذاتية على الصعيد السياسي ويتم إقصائها عن كل المحافل الدولية التي تتناول حل الأزمة السورية، رغم أنها تمتلك رؤية للحل في سوريا ودائماً تؤكد على ضرورة الحفاظ على الأراضي السورية، كما أن النظام السوري يرفض الحوار مع الإدارة الذانية وكذلك بقية الأطراف التي ترفض الحوار على نحو أطال أمد الأزمة السورية وحولها إلى ساحة للصراعات.

إشكاليات عميقة في الأزمة السورية
الكاتب السوري عبدالرحمن ربوع تحدث باستضافة عن واقع الأزمة السورية، لافتاً إلى نقطة في غاية الأهمية وهي أن الدولة السورية تحولت إلى كردونات سياسية تتوزع سيطرتها على الجغرافيا السورية، فهناك مناطق للنظام وأخرى للمعارضة ومناطق للإدارة الذاتية (الكردية) وأخرى في السويداء، مشيراً إلى أن الأخيرة أصبحت تدير نفسها بنفسها في ظل أن حكومة دمشق لم تعد تلبي احتياجات الأهالي هناك، مشيراً إلى أن هذا الوضع أخذ طابعاً جغرافياً، فكل منطقة لها من يديرها بشكل خاص بما في ذلك “إدلب” التي تم تجميع عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي فيها.

ويتوقف الكاتب السوري في هذا السياق عند تجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، إذ قال إنها المؤسسة السياسية الوحيدة المنفتحة على جميع الفرقاء والتي تعمل بشكل وطني واحترافي عكس بقية الفرقاء الذين لا يمد طرف فيهم يده للطرف الآخر إلا في الحد الأدنى، ولفت في هذا السياق إلا أن النظام التركي وحلفائه يواصلون قصف المناطق الكردية، بل إن هناك مخططاً للتعاون بين هذا النظام والنظام السوري للتقارب فيما بينهما من أجل دحر الإدارة الذاتية، مقابل عودة حكومة دمشق إلى مناطق المعارضة المعروفة بخضوعها للهيمنة التركية.

أزمة المطلومية في سوريا
ومن بين ما تحدث عنه “ربوع” خلال الحلقة النقاشية أزمة المظلومية في كثير من المناطق السورية التي تفسر الآن سبب تمترس كل طرف بمواقفه، مثل منطقة الجزيرة التي تواجه التهميش على مدار 100 سنة ومنذ الحكم العثماني وهي تواجه الإهمال وحتى قيام الدولة العربية في سوريا، مشيراً إلى أنه لو كان الكرد في سوريا هم من كانوا تحالفوا مع بعض القوى ضد الدولة العثمانية بدلاً من العرب، لكان الوضع مختلفاً الآن وكان العرب هم من يبحثون عن حقوقهم في سوريا.

ولفت الكاتب السوري إلى إشكالية أخرى وهي أن الأراضي السورية بات ينظر إليها على أنها أرض مشاع، فهناك حروب بالوكالة وحروب مباشرة، وهناك لعب واضح يحدث في سوريا باعتبارها أرض مشاع كما ذكر، مشيراً في ذلك إلى أن روسيا على سبيل المثال لأول مرة يكون لها قواعد عسكرية في البحر الأبيض المتوسط وذلك من خلال الأراضي السورية، كما أن إيران لديها القواعد فوق وتحت الأرض سواء في الساحل السورية والوسط ودمشق والشرق، حيث جلبت “طهران” عشرات الآلاف من تنظيمات باكستانية وأفغانية شيعية لإنشاء جيوش داعمة للنظام، ولما فشل هؤلاء تم استحضار الروس.

وشدد “ربوع” على أن هذا التواجد الإيراني الروسي في سوريا يشكل خطراً كبيراً على الأمن القومي العربي، والعرب عموماً يخشون هذا الأمر لا سيما الخليج، كما أن مصر على مر التاريخ تدرك خطر إيران بما لديها من حس استعماري وما فعله الإيرانيون بالعرب على مر التاريخ، معرباً عن أسفه في المقابل لعدم وجود مشروع عربي يواجه المشروع الإيراني أو حتى مقاومته.

تعقيدات الأزمة السورية
الباحث السياسي الدكتور طه علي بدوره كان لديه عدداً من الملاحظات ذات الأهيمة على ضوء ما يجري في سوريا، معتبراً أن الأزمة السورية نموذج مثالي تتوافر فيه كافة المستويات التي تعرفها أدبيات الصراع الدولي بشكل عام، حيث أنها تجسد كل مستويات الأزمات والأطر فيما يتعلق بالصراعات، فهي إقليمية تتعارض فيها مصالح قوى عديدة، وهي أزمة تتضارب فيها مصالح القوى الدولية، ويتجلى فيها البعد المذهبي، كما أنها ذات بعد متعلق بالموارد، وبالتالي هي أزمة مركبة معقدة.

كما اعتبر الدكتور طه علي أن الأزمة السورية هي نتاج فشل نموذج الدولة القومية التي تم تأسيسها بموجب عمليات التسوية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، إذ أن النظام السياسي الذي أرسي في هذه المنطقة – وليس في سوريا وحدها – كانت أخطاؤه هي السبب الرئيسي فيما حدث في المنطقة العربية عام، لافتاً إلى أن عدم شعور المواطن السوري على سبيل المثال بالعدالة الاجتماعية خلق حاضنة سهلت مهمة الانفجار، نتيجة عدم الإدارة الرشيدة للثروة على نحو يحقق اللحمة الوطنية وهي أدنى وظائف النظام، وذلك بصرف النظر عما إذا كانت هناك تدخلات خارجية أم لا.
وأكد “علي” على أن الأزمة السورية كشفت بشكل واضح عن هشاشة النظام الإقليمي العربي، فقد كان هناك تضارب في الموقف العربي مما يجري في سوريا والحل السياسي كذلك، ما بين دول كانت ترى أن التدخل العسكري لإسقاط النظام ليس حلاً ومن هؤلاء مصر، ودول أخرى كانت ترى العكس، ومن ثم فشل العرب في احتواء الأزمة وأحالوها إلى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، والأخيرة بدورها فشلت في ترجمة أدوات دولية حقيقية لحل الأزمة مثل جنيف وأستانا والتي لم تقدم شيء في وقت استمر غياب الدور العربي، مشيراً إلى أنه رغم الانتعاشة العربية التي حدثت الفترة الماضية بشأن التعاطي مع الأزمة السورية، لكن لم تكن هناك جدية من النظام السوري في التعامل مع تلك التحركات.

وتحدث الدكتور طه علي كذلك عن إشكالية النفوذ على الأرض والتي تعبر عن نفوذ كل طرف وحدود ما يملك عند التفاوض، لافتاً إلى أن هذا النفوذ العسكري المشتت يعبر عن مدى تعقد وتأزم الحالة السورية كسيطرة النظام على نحو 60 % من الأراضي ونحو 20% للكرد وغيرها، مشيراً كذلك في هذا السياق إلى العمليات العسكرية التركية ضد الكرد إذ أن تركيا ترى أن نجاح هذا النموذج في شمال وشرق سوريا إذا نجح يشكل تهديداً لها، وبالتالي أصبح مواجهة هذا النموذج أولوية لتركيا في منطقة الشرق الأوسط. وفي نهاية حديثه، قال الدكتور طه علي إن تجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا على مدار العشر سنوات الماضية كشفت عن أنها نموذج يقوم على رؤية أيديولوجية تنبثق من فكرة الأمة الديمقراطية للمناضل الكردي عبدالله أوجلان.

ولفت كذلك إلى أن الإدارة الذاتية طرحت مبادرة للحل السياسي في سوريا، والتي أكدت على وحدة الأراضي السورية، وبالتالي هي لا تمثل نموذجاً انفصالياً بخلاف المخاوف التي تبثها الآلة الإعلامية التركية وكذلك القومية، كما ركزت مبادرتها على فكرة الحل الديمقراطي التشاركي، وكذلك فكرة تسوية ملف اللاجين، والحوار المباشر مع النظام، والتوحد في مواجهة التهديدات التركية المتكررة. وانتقد في هذا السياق غض الأنظمة القومية الطرف عن مشروعات التتريك والتغيير الديمغرافي على سبيل المثال في مناطق شمال وشرق سوريا على نحو يتبناه النظام التركي، مؤكداً أنهم يقومون بذلك ضد إسرائيل على سبيل المثال -–وهذا أمر حق -–ولكن يتغاضون عن المشروعات الأخرى، مشيراً إلى أن سياسة النظم القومية خلفت أزمة مجتمعية تجلت فيما عرف بـ”ثورات الربيع العربي”.

مخطط تقسيم سوريا
بدوره، أعرب الباحث في الشؤون العربية أحمد أبوبكر عن أسفه لما يجري في سوريا و”دمشق” العزيزة على كل عربي، معرباً عن أنه يشعر بأن ما يجري في سوريا هي عملية استنساخ للأحداث وليس مجرد تكرار من قبيل المصادفات، مشيراً إلى أنه من المؤمنين بفكرة أن هناك مجلس إدارة يدير هذا العالم، وفي هذا السياق يلفت إلى أن مخطط تقسيم سوريا عمره 104 سنة، مشيراً إلى أنها كانت ذات يوم تضم دولة سوريا الحالية والأردن وفلسطين ولبنان، والآن هي تواجه ما يشبه التقسيم إلى 4 أو 5 دويلات.

وتحدث “أبوبكر” عن أن الموقف الراهن كانت تبدو فيه أفق للحل، لافتاً إلى أن بشار الأسد كان لديه عرضاً أمريكياً قبل الهجوم على قاعدة التنف، وتضمن هذا العرض إقصاء بعض العناصر الإيرانية وحل مشكلة اللاجئين ووقف تهريب المخدرات، مؤكداً أن الأسد كان على استعداد للمساومة، إلا أنه أضعف من أن يأخذ قراراً بعيداً عن طهران، لكن حدث هجوم قاعدة التنف، فتم تجديد قانون العقوبات الأمريكي، ومن ثم اعترض من واشنطن بشكل رسمي من التطبيع مع دمشق، وغيرها من الإجراءات التي يمكن اعتبارها بأنها إعلان حرب.

وقال إن سوريا لم تعد ساحة لحرب إقليمية وإنما ساحة تجارب لحرب بين القوى الدولية التي اتفقت على عدم المواجهة المباشرة أو الحرب العالمية، وإنما البديل حرب بهذا الشكل، فالغرب كله موجود في سوريا وكذلك روسيا والصين وتركيا وإسرائيل، وبالتالي نقطة السر في الأزمة تكمن في المستفيد من الأزمة السورية، مؤكداً أن إسرائيل هنا هي الطرف الخفي المستفيد من الأزمة والذي يجني ثمارها.

الحوار الداخلي مدخل رئيسي لحل الأزمة
واختتمت الحلقة النقاشية بإبداء الكاتب الصحفي أحمد شيخو مدير تحرير وكالة فرات للأنباء بالقاهرة مجموعة من الملاحظات العامة على الوضع في سوريا، وفي هذا السياق أشار إلى أن بريطانيا وفرنسا حين كانتا تقسمان سوريا والعراق فيما بينهما، فإن باريس هي التي منحت لواء الإسكندرون إلى تركيا، مشدداً على أن السوريين يعتبرونه جزء من الأراضي السورية، منتقداً التدخلالت الخارجية في شؤون بلاده.

وقال “شيخو” من جهة أخرى أن أي حل أو طرح سياسي يجب أن يأخذ في اعتباره كل المكونات المجتمعية، وبالتالي أي حل سياسي يجب أن يراعي الخارطة أو التركيبة السكانية لهذه الدول، كما تحدث كذلك عن عدة نقاط مشتركة بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية على الحدود مع تركيا على سبيل المثال فيما يتعلق بصد أي احتلال تركي للأراضي السورية، وبالتالي هناك اتفاقات في الحد الأدنى تصل كذلك إلى بعض فصائل المعارضة الوطنية التي تتمسك بوحدة سوريا وسيادتها وحل الأزمة السورية، مؤكداً أن مناطق النفوذ في سوريا واقع موجود وقائم.

وأشار إلى معضلة تحقيق الوحدة في ظل مناطق النفوذ القائمة، موضحاً أنها مهما كانت الخلافات فإن الحوار الداخلي يبقى هو المدخل الأساسي لأي حل، مشيراً إلى أن هناك تدخلات خارجية تلعب دوراً سلبياً أمام حل الأزمة السورية، مشدداً على أن الحاضنة العربية هي الحاضنة الأصح والتي يهمها أن يكون هناك حل للأزمة السورية في ظل وجود عناصر إرهابية في الأراضي السورية لها علاقات بالجماعات الإرهابية في الدول الأخرى، وهذه أمور تشكل خطورة على الدول العربية، معرباً عن اعتقاده بأن كل الدول العربية عندها اهتمامات ولو محدودة بسوريا، في ظل ما تشكله الأوضاع هناك من خطوة على الأمن القومي العربي.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى