متابعات

أزمات اقتصادية: تأثير التوتر في البحر الأحمر على الاقتصاد العالمي

تحليل .. الباحث محمد صابر

في ظل استمرار هجمات ميليشيا الحوثي على سفن دولية في البحر الأحمر، وعمليات اختطاف والهجمات الصاروخية على السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل، فضلًا عن مهاجمة السفن الحربية الأمريكية، تعبيرًا عن دعم حركة حماس، لاستمرار “تل أبيب” في ممارسة العنف وأعمال الإبادة الجماعية للفلسطينيين، تزايد تهديد الاقتصاد العالمي في العديد من الأصعدة المرتبطة به.

فقد تم تكثيف الهجمات في الآونة الأخيرة، لاستخدام ميليشيا الحوثي طائرات بدون طيار وصواريخ مضادة للسفن في تنفيذ هجماتها على السفن في البحر الأحمر، الأمر الذي أسهم في تطور وزيادة العمليات التي تهدد أمن البحر الأحمر وسلامة المنطقة، مما نتج عنه تداعيات خطيرة لحركة التجارة العالمية، ومخاطر متعلقة بأثر ذلك على تدفق السلع الاستهلاكية ومنها الحبوب الغذائية والنفط وغيرهم.

وتأسيسًا على ما سبق، يسعى هذا التحليل إلى دراسة وبحث الأزمة وتصاعدها وسبل إدارتها، بعد تزايد التصعيد في غزة، وتداعيات ذلك على الاقتصاد العالمي وحركة التجارة العالمية.     

تداعيات سلبية:

أدت الأزمة إلى آثار بعيدة المدى لها عواقبها الخطيرة على التجارة العالمية والاقتصاد، وسلاسل الإمداد، في ظل توتر أمن البحر الأحمر، وما نتج عن ذلك من صعوبة مرور السفن، لصعوبة تجنب التورط في التوترات الجيوسياسية التي نجمت عن الإبادة الجماعية في غزة،  ومن أهم هذه الآثار:

(*) تضرر قناة السويس وحركة مرور السفن عبرها: من المتوقع أن يؤدي التوتر الأمني بالبحر الأحمر إلى آثار سلبية خطيرة على قناة السويس، بعد لجوء شركات النقل البحري الكبرى إلى طرق بديلة، نتيجة مخاوفها المتعلقة بالأمن والسلامة، فقد أعلنت العديد من شركات الشحن منذ نهاية عام 2023 عن وقف الشحن بالبحر الأحمر، بعدما باتت سفنها تشكل أهدافًا للحوثيين، وبالتالي تحويل مسارات بعض السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح في إفريقيا، مما يهدد بالتأثير على إيرادات قناة السويس المصرية بشكل ملحوظ، وقد انخفض مؤخرًا عدد عمليات عبور السفن والحاويات عبر قناة السويس بنسبة تتخطى 50%، كما توقف نقل الغاز المثال عبر قناة السويس، بعدما كان يمر بشكل يومي ما لا يقل عن ناقلتين للغاز.

(*) تهديد سلاسل الإمداد وحركة التجارة العالمية: حيث يؤدي تحويل مسار السفن إلى زيادة التكاليف الإجمالية للشحن، نظرًا لارتفاع تكاليف التأمين من جهة وإطالة المدة الزمنية لوصول السفن إلى وجهتها مما يؤدي إلى ارتفاع نسب الوقود المستهلك، بالإضافة إلى مخاطر التأخير، فعلى سبيل المثال فإن تغيير مسار السفن إلى العبور من طريق رأس الرجاء الصالح يؤدي إلى إطالة مدة رحلة السفن بما يعادل إضافة 7 أيام أخرى على أقل تقدير نظرًا إلى إضافة حوالي 6000 كيلو متر إلى الرحلات، ويهدد ذلك بخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي وزيادة التضخم العالمي في عام 2024.

(*) ارتفاع أسعار النفط: شهدت أسعار النفط في نهاية عام 2023 تزايدًا ملحوظًا بعد ارتفاع العقود الآجلة لخام برنت وخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي، نتيجة توقف شركات النفط الكبرى عن العبور مؤقتًا عبر البحر الأحمر، بالتالي تأثر سوق النفط العالمي بالفعل على آثر تنامي الاضطرابات في منطقة البحر الأحمر، وهناك تخوف شديد من خطر نشوب صراع أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط على أسواق النفط والغاز. 

(*) تضرر المستهلك والمنتج العالمي: قد ينجم عن ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين ارتفاع تكلفة السلع والمنتجات، كما يمكن أن يؤدي ذلك أيضًا إلى حالة من الركود في توريد المنتجات، لارتفاع تكاليف التوريد، بما يؤثر سلبًا على المستهلكين والمنتجين من جهة وأخرى لزيادة الأسعار.       

إدارة الأزمة:

يشكل التوتر الأمني في البحر الأحمر مخاطر جيوسياسية شديدة، وقد يؤثر التخوف من تداعياتها في القرارات المستقبلية للدول المتضررة، والتي قد تلجأ إلى إيجاد طرق إمداد بديلة، بما يضمن الأمان والدعم الأمني، لكن هذه المحاولات هي الأكثر كلفة للشحن وأطول في مدته الزمنية، وتشير التحركات الدولية في الشرق الأوسط إلى مدى أهمية الممرات الملاحية في البحر الأحمر، وفي ظل خطورة الموقف لاستمرار دعم إيران العسكري لجماعة الحوثي في اليمن وحركة حماس في غزة، بما يسهم في إطالة أمد الصراع، تدل استجابة المجتمع الدولي على مدى خطورة الموقف، وضرورة التوصل إلى آليات إدارة الأزمة وإنهاء التصعيد أو على الأقل عدم اتساع رقعة الحرب، لكن لا تمتلك الولايات المتحدة الكثير من الحلول في مواجهة التطورات الأخيرة.

وبعدما أعادت “واشنطن” تصنيف الحوثيين كمجموعة إرهابية في 17 يناير المنقضي، فإن الخيارات المطروحة أمام الولايات المتحدة بعد عدم توافر الدعم الدولي المطلوب لعملية “حارس الازدهار” باتت أقل فيما يخص الإستراتيجية الأمريكية الراسخة على مدى السنوات الماضية، فقد أثبتت الأزمات الأخيرة صعوبة إدارة “واشنطن” لها عبر سياسات الردع واستخدام القوة العسكرية، بل إن أمن البحر الأحمر على سبيل المثال يتوقف على مدى معالجة الدول المشاطئة التي تملك مصالح إستراتيجية به للانشغالات الأمنية والسياسية الداخلية. 

وفي حال استمرار فشل عملية “حارس الازدهار” في وضع حدًا للتصعيد في البحر الأحمر، فقد يتصاعد التوتر العسكري بين كلًا من الولايات المتحدة وحلفائها من جهة وجماعة الحوثي من جهة أخرى إلى حد في غاية الخطورة، بما لا ينصب في صالح استقرار التجارة العالمية وقناة السويس، التي قد يتوقف العبور منها لفترة من الزمن، للتحول إلى النقل عبر طرق بديلة.    

وبناءً على ما سبق، يمكن القول أن انخراط الولايات المتحدة في صراع الشرق الأوسط يشير إلى ضعف موقفها في مساعدة أوكرانيا اليوم وفيما يتعلق بمسألة تايوان، هذا الانشغال والتشتت تدركه وتقدره إيران جيدًا، لذلك تسعى من جانبها إلى استمرارها في الضغط لتقليص الخيارات أمام “واشنطن”، وفرض إنهاء التصعيد في غزة لعدم تحولها إلى حرب إقليمية ذات تداعيات عالمية سلبية، مما يتطلب حلحلة التوترات بالمنطقة، وخاصًة ما يواجهه الفلسطينيون من عمليات إبادة جماعية سافرة من المحتل، لمحاولته تحويل المقاومة الفلسطينية بل والشعب الفلسطيني بشكل عام إلى مجموعة إرهابية تستحق محاربتها بل وتفريغ ميول “بنيامين نتنياهو” السادية عليها، باعتبار أن هذه التطورات تشكل سببًا رئيسيًا في تزايد هجمات الحوثيين على السفن، خاصًة وأن تحركات الولايات المتحدة وبريطانيا تزيد من حدة التوتر وتؤثر سلبيًا أكثر على الاقتصاد العالمي، ويجب التأكيد على أن أمن وسلامة البحر الأحمر لا يمكن أن يتحقق إلا بتحقيق الأمن والاستقرار في الدول المطلة عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى