تطورات مرتقبة: مستقبل إستراتيجية واشنطن تجاه الشرق الأوسط حال عودة ترامب إلى الحكم
تحليل الباحث الباحث محمد صابر
مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع عقدها في نوفمبر 2024، تتسارع وتيرة المنافسة بين الجمهوريين والديمقراطيين، في ظل ظروف استثنائية تقلص من فرص الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في الفوز بفترة ولاية حكم جديدة، من أهمها التصعيد في غزة وما ترتب عنه من تزايد التوتر في الشرق الأوسط، ومواقف الإدارة الأمريكية المنتقدة في ظل هذه التطورات.
وفي ظل التصعيد ضد القوات الأمريكية بالمنطقة، والذي تنفذه أذرع إيران بالشرق الأوسط، يتبادل فريق الرئيس الأمريكي “جو بايدن” وفريق “ترامب” الاتهامات حول من يتحمل كونه سبباً في هذا السلوك العدواني الإيراني، حيث يعتبر الكثيرون أن ضعف الرئيس الأمريكي الحالي سببًا أساسيًا في هذا التصعيد، لعدم رده على الهجمات المتكررة على القواعد الأمريكية بالشرق الأوسط، على غرار ما نفذته إدارة “ترامب” في عهده في عملية استهداف وقتل الجنرال الإيراني “قاسم سليماني” قائد فيلق القدس، رداً على هجوم الميليشيات الموالية لإيران على القواعد الأمريكية آنذاك.
وتأسيسًا على ما سبق، يسعى هذا التحليل إلى دراسة بحث سياسات واشنطن تجاه الشرق الأوسط، في حال فوز الرئيس السابق “دونالد ترامب” بولاية جديدة من الحكم، خاصًة بعد التحولات الناجمة عن “طوفان الأقصى”، وما ترتب على ذلك من ضعف صورة الإدارة الأمريكية الحالية، ومواقف “ترامب” التي يغلب بها القوة الصلبة على القوة الناعمة، ومحاولة تصور ثمار هذه الإستراتيجية بالنسبة إلى “واشنطن”.
فرص الفوز:
تتزايد فرص “ترامب” للعودة إلى البيت الأبيض في سباق الانتخابات الرئاسية نوفمبر 2024، لتوافر القاعدة الجماهيرية الواسعة من مؤيديه، بالإضافة إلى إعلان المرشح الجمهوري حاكم فلوريدا “رون ديسانتيس” انسحابه من خوض الانتخابات الرئاسية القادمة، وتأييده الكامل لترامب، ويوفر ذلك دعمًا سياسيًا أكبر للأخير في حملته الانتخابية، في مواجهة “نيكي هيلي” خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، بما يمهد إلى نزال جديد بينه وبين الرئيس الحالي “جو بايدن”، وبالتالي يبدو أن سيناريو الانتخابات الأمريكية عام 2020 يتكرر مرة أخرى.
من جهة أخرى، فإن تراجع شعبية الرئيس الأمريكي الحالي “جو بايدن”، على أثر الأزمات المتتالية والإدارة الغير فعالة لها، لاسيما التصعيد في غزة وما نتج عنه من تداعيات وإراقة دماء الأطفال، من المرجح أن يقلص من فرصه في مواجهة مرشح رئاسي بحجم “دونالد ترامب” هذه المرة، فقد أظهرت الاستطلاعات الأخيرة فقدان “بايدن” شعبيته بعد موقفه من الإبادة الجماعية للفلسطينيين، ووفقاً لاستطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة “وول ستريت جورنال” تقدم الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” على الرئيس الحالي “جو بايدن”، بحصوله على نسبة بلغت 47%، مقابل حصول “بايدن” على 43% فقط، فقد أدى ارتفاع أعداد الضحايا من الجانب الفلسطيني إلى تآكل الدعم الشعبي له، وتنامي المعارضة الداخلية تجاه موقف الإدارة الأمريكية المتواطئ في الإبادة التي يرتكبها الاحتلال في غزة، بما يقوض من فرص إعادة انتخابه مرة أخرى.
بالتالي قد تشهد انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024 حالة من الاستقطاب السياسي بين الحزب الجمهوري من جهة والحزب الديمقراطي من جهة أخرى، ومحاولة كل طرف إضعاف فرص نظيره، وستكون ضمن أكثر الانتخابات المصيرية في التاريخ الأمريكي الحديث، ويبدو أنه حتى الآن إذا واجه الرئيس الحالي “جو بايدن” منافسه الجمهوري “دونالد ترامب” في السباق الإنتخابي، فإنه من المرجح فوز الأخير بالانتخابات القادمة. لكن هناك سيناريو آخر يبقى مطروحًا يتعلق بدعم فكرة “المرشح المستقل”، وتشير العديد من المؤشرات إلى وجود رغبة شعبية واسعة لتحقق هذا السيناريو، خاصًة في ظل ما يواجهه كلاً من “بايدن” أو “ترامب” من انتقادات، فضلاً عن تورطهم في مشكلات قانونية تتعلق بتهم الفساد والاحتيال.
إشعال الحرائق:
في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية، قد تسير سياسة “ترامب” الخارجية إزاء قضايا الشرق الأوسط على نهج سياسات إدارة “بايدن” خاصًة فيما يتعلق بدعم “تل أبيب”، فعلى الرغم من زعمه أنه إذا كان رئيسًا للولايات المتحدة لما كان هناك حرب في غزة وما كانت وقعت الحرب في أوكرانيا أيضًا، وما استطاعت الميليشيات الموالية لإيران تنفيذ هجماتها المستمرة على القواعد العسكرية الأمريكية، وخاصًة ما حدث في قاعدة “البرج 22” من مصرع جنود أمريكيين، فإنه لا يمكنه عزل واشنطن عن الصراعات الملتهبة، في ظل ضغط المؤسسات الأمريكية لضمان أمن الحلفاء، ومحاولة الالتزام بأن واشنطن “أفضل صديق وأسوأ عدو”.
إلا أن إستراتيجية “ترامب” تركز على إعادة بناء القوة العسكرية الأمريكية التي تضمن التصدر في إطار السباق العسكري، والحفاظ على توازن القوى لصالح الولايات المتحدة، على الرغم من ذلك فإن هذه السياسة مماثلة تمامًا لذات الإستراتيجية المتبعة خلال فترة ولايته الأولى، والتي أدت إلى ترك الساحة في الشرق الأوسط لقوى أخرى تمارس نفوذها مثل روسيا في سوريا.
وبالرغم من وعود “ترامب” المتعلقة بإنهاء التصعيد في الشرق الأوسط فإن سياساته لا تشير إلى ذلك، لاسيما قرار “ترامب” اغتيال قائد فيلق القدس السابق “قاسم سليماني” والضغط بأقصى قوة على إيران وأذرعها بالمنطقة، وفرض العقوبات والانسحاب من الاتفاق النووي ضمن ما أطلق عليه المبعوث الأمريكي السابق لإيران “براين هوك” إستراتيجية الضغط القصوى، على النقيض مما اتبعه “بايدن” من سلوك قدم به العديد من التنازلات لإيران في مقابل تحسين سلوكها، وبالتالي قد يعزز فوز “ترامب” في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024، من احتمالات دخول طهران في مواجهة عسكرية مباشرة بالمنطقة، وهو الأمر الذي تخشاه إيران وتستعد لمنعه، بالضغط على وكلائها بالمنطقة لوقف التصعيد تجاه القواعد الأمريكية بالشرق الأوسط، لتجنب اضطرار إدارة “جو بايدن” ذاتها لخيارات مشابهة لسياسات “ترامب”، ولاسيما تكرار سيناريو اغتيال قائد فيلق القدس “قاسم سليماني” في القائد الحالي “اسماعيل قاآني” رداً على استهداف الجنود الأمريكيين بالمنطقة ومقتل ثلاث منهم.
وتأسيسًا على ما سبق، يبدو أنه من المرجح عودة الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” إلى البيت الأبيض في هذه الجولة الانتخابية أمام المنافس الرئيسي “جو بايدن”، حال نجاحه في الترشح وتخطي كافة العواقب أمامه، لكن بين القوة والردع، في مقابل الدبلوماسية والاحتواء، يترقب حلفاء وأعداء “واشنطن” أيضًا بالشرق الأوسط عودة هذا السيناريو المتعلق بعودة “دونالد ترامب” بكافة الحسابات، حيث أنه لا يبدو أن سياساته تجاه المنطقة لن تختلف كثيراً، وإن كان مضطراً بشكل مؤقت في البداية للالتزام بمسار نهج إدارة “بايدن” لضمان المرونة وعدم التخبط، فإنه سيسعى إلى عودة ملائمة لتصرفاته المعروفة بالتهور وإشعال الحرائق، ولاسيما ما يتعلق بقراره إزاء “القدس” عاصمة فلسطين وعزمه لتحويلها إلى عاصمة الكيان المحتل، بنقل السفارة الأمريكية لدى الكيان إليها.