المرأة

المرأة الحرة في فكر أوجلان

تحليل د. سحر حسن أحمد

تتعرض النساء للظلم والاضطهاد والعبودية على أياد الدول الرأسمالية والعقلية السلطوية والإرهابية، فيما يعملون على كبت حرية المرأة الحرة وتجريدها من حقوقها واستخدامها كأداة لتلبية احتياجتهم الشخصية. وجاء فكر القائد عبدلله أوجلان لإحياء المرأة ، وإخراجها من الظلام إلى النور، لترى نفسها قيادية فى جميع مجالات الحياة ضمن مجتمع ديمقراطى يسوده العدل والمساواة. وذلك من خلال العديد من أطروحاته التى سوف نتعرض لبعض أفكاره من خلالها من قبيل :كيف نعيش 1( المرأة الكردستانية الحرة ) ، الحياة الندية الحرة ، مانيفستو( حرية المرأة فى القرن الحادى والعشرين )، والمرأة والعائلة……ألخ.

إن من يُطالع كتاب كيف نعيش ( المرأة الكردستانية الحرة ) يتضح له منذ بداية قراءته لهذا العنوان فكر هذا المفكر ونظرته للمرأة بأنها ” مفتاح الحياة ” إذ ربط المرأة الكردستانية الحرة بمعيشة الإنسان وتفاعله مع المجتمع سواء ذكراً أو أنثى ، وكأنه يصف الحياة ومسيرتها وتفاعلاتها المجتمعية من خلال هذه المرأة التى تُمثل نصف المجتمع ولكنها فى الواقع بمسؤليتها عن النصف الآخر تُمثل المجتمع بأكمله ، وفى تناوله للموضوعات الرئيسية التى انقسمت إليها فصول الكتاب نجده يتحدث عن العائلة من خلال المرأة ، وعن العشق والارتباط والزواج وتربية الأبناء وروابط العلاقات الأسرية من خلال المرأة أيضاً، ثم ينفتح على الحياة الخارجية ويتخطى إطار الأسرة ومسؤليتها إلى إطار المجتمع ودور المرأة فى الحياة بكافة مناحيها ، فنجده يخرج من إطار العلاقات التقليدية إلى إطار الحياة بما تشمله من جهد ونضال وكفاح تحقق للمرأة فيه أشياءً خرجت عن المقاييس التقليدية للحياة العادية. وكأن المرأة قد خرجت من زى الأنوثة وروح الأمومة والاستسلام للحياة الاعتيادية إلى زى الندية للرجل واعتراك الحياة، فإن لكليهما كيانيته وحريته وذاته الخاص ومساحته من العمل والبناء. وهنا نتساءل كيف خطرت لأوجلان فكرة وجود المرأة وغياب الوطن، فهل تصح نظرية وجود الكيان الأنثوى فى وطن غير موجود.

يؤكد هذا التعبير المجازى على النظرية التى طرحها أوجلان والتى تتعلق بالبحث عن حرية المرأة الكردستانية وتحقق من خلالها فكرة وجود الوطن الحر . إن أوجلان بطرحه لتلك النظرية الثورية المطالبة بحقوق المرأة الكردستانية يسعى إلى إعادة هيكلة البناء المجتمعى بما يشمله من قيم الحب والمساواة والحرية، والتى يُجسدها فى صورة المرأة ، فهو يرى أن المجتمع بما فيه من تخلف ورجعية كان نتاجاً لسلب إرادة المرأة ، فلا يرى أن الحب فى هذا المجتمع حباً حقيقياً ناتجاً عن مشاعر بين طرفين ووصفه بغريزة رخيصة يشبعها الرجل من المرأة دونما التفات لمشاعرها وكيانها الإنسانى ، وكونها فى هذا الفكر ، وإن وصفت بالأم فيرتبط هذا بخدمتها للرجل ولبيتها فقط .

هنا يطرح أوجلان سؤلاً جد مهماً يبنى عليه منهجه فى هذا المؤلف، وهو كيف يتحقق للحب الانتصار دون تحقيق الاستقلال والحرية للمرأة ، وكيف تتحقق العدالة وكفتى الميزان؛ أى الرجل والمرأة، ضاعت بينهما المساواة فى الحقوق والواجبات.

ثمة من يقول إن المرأة هى نصف المجتمع ، ولكنى آرى أن المرأة هى كل المجتمع لأنها هى التى تربى النصف الآخر من المجمتع وتنشئه ، وعلى عاتقها تقع تلك المسئولية؛ إذاً فالمرأة هى كل المجتمع وليست نصفه، ورغم هذا، فقد عاشت المرأة الكردستانية على مدار عهود طويلة لم تنل حقوقها بالقدر الكافى، بل عانت تلك المرأة عبر العصور، من الظلم والجور والاضطهاد بسبب هيمنة المجتمع الذكورى والعقلية الذكورية التى طغت على أفكارها وجعلتها مجرد آلة. فكلما حاولت المرأة الانتفاضة فى وجه هذه العقلية والعادات والتقاليد البالية هيمنتْ السلطة الذكورية عليها.

فمنذ أن تُولد الأنثى، وهى محرومة من أبسط حقوقها الطبيعة، لا تملك مصيرها، لا تملك حريتها، لا تستطيع أن تعش حياتها كما تُريد، كما تحب، فضلاً عن أنّها غير مستقلّة ماديّاً، وكأنها لم تُولد لذاتها ولا لتعيش لنفسها، وإنما لتكون فى خدمة السلطة الذكورية المهيمنة ، كما إنّها معرضة دائمأ لكثير من الأخطاء، فهى معرضة للأمية، وللجهل وسوء التغذية وفقدان فرص العمل وصعوبة الحياة باستقلالية، ولقسوة العقلية الذكورية القمعية بكل ظواهرها دون أن تكون لها أية حماية تُذكر، لذلك تقف المرأة فى المجتمع عاجزة مستسلمة، وبالتالى، فقد تم استهداف المرأة وقمعها الممنهج ، والذى تُمارسه السلطة الذكورية المتحكمة فى هذا المجتمع على شكل عنف، بصورة علنية أو ضمنيّة، خالقة بالتالى نموذجاً عامّاً من العلاقة يحكمها التسلط والرضوخ. وبذلك تتكون الشبكة الاجتماعية للتسلط، فهناك دائماً علاقة سيطرة من طرف، ورضوخ وتبعيّة من طرف آخر، هذه السيطرة التى تُفرض أساساً وغالباً، من خلال تسلُط وقمع الدول القومية الخاضعة لهيمنة وحداثة الدول الرأسمالية.

لقد لاقت المرأة الكردستانية – مثل غيرها من نساء شعوب المنطقة – عبر وضعها الاجتماعى مأساة ومعاناة كبيرين، فكانت ضحية مجتمعها, وواجهت الكوارث والمصاعب وذاقت كثيراً من الآلام والمرارة .فقد عانت كثيرًا من الظلم والقهر، واستبداد الرجل بعقليته الذكورية، وحُرمت قرونًا عدة حقَّ التعلم وكسب المعرفة فى مراحل متعاقبة. وليس هذا فحسب ، بل اضطهدت فى المجتمع الكردى من كافة النواحى خاصة السياسية والاجتماعية، فمن الناحية السياسية، كونها كانت كردية، فقد واجهت الهموم والمآسى مع مجتمعها الكردى . ومن الناحية الاجتماعية، كونها كانت إمرأة وأدنى قيمة من الرجل ، فقد كان المجتمع ينظر إليها بمنظار المتدينين والمتشددين، ويُحرّمون عليها العلم والثقافة والعمل إلى جانب الرجل . لقد كانت تكد وتشقى ليلاً ونهاراً بوصفها عبدة أسيرة وخادمة أمية لا تُجيد القراءة والكتابة؛ فلا تُدرك العلم و لا تفهم معنى الحياة . لذلك تشكلت لديها قناعة باعتقادها ناقصة وغير قادرة على القيام بشيء مهم . وهكذا ظلت خانعة تحت سطوة الرجل ، وهى راضية مرضية بذلك وكأن الحياة كانت وستظل هكذا بالنسبة لها.

ورغم أنها برزت فى كثير من المراحل بأدوار مميّزة وقيادية، فأنها قد بقيت مُهمشة فى كثير من مجالات الحياة، بعيدة عن الثقافة والتطور، ولحق بها الغبن المجتمعى أينما وُجدت، لا سيما فى المجتمع الكردى العشائرى والزراعى الريفى . ومن المتناقضات إنها كانت برغم ذلك تقوم فى الحقيقة بدور الرجل فى الريف، تحل محله فى كافة شئون الزراعة والحصاد والرعى وتربية الماشية إلى جانب تربية الأطفال والتدبير المنزلي، فجمعت بذلك بين دورها كإمرأة ودور الرجل فى المجتمع.

بيد أن الكردستانية ناضلت عبر التاريخ ضد العنف والعنصرية ، وقدمت للتاريخ أجمل صور البطولات ، صفحات مشرقة من سيرة نساء كُرديات، فمنهن من كن من الأسر الحاكمة، وكن ينفقن على العلم والعجزة والمساكين، ويُوقفن على المدارس ، ويجلبن الأطباء والصيادلة ليصنعوا أدوية وعقاقير ويوزعنها على الضعفاء والمرضى . فدافعت وبكل جدارة عن شخصيتها الإنسانية والقومية. ونستطيع أن نذكر بعض الأمثلة من حيث نضالها ومرور مسيرتها , فسطرت فى التاريخ حروفاً من النور الساطع . ومن هذا القبيل ليلى قاسم (1952- 1974 م) عروس المشانق ، والتى كانت نموذجاً للمرأة الكردستانية التى ضحت بنفسها من أجل قضيتها الوطنية، وروشن بدرخان (1909- 1992م)، وسكينة جانسز (1958 – 2013م) الشهيرة بالأسطورة ، وكولناز قره تاش المعروفة باسم بريتان (1971- 1992م) والتى أطلق عليها عبد الله أوجلان عندما سمع كيف استشهدت ” جان دارك الكردستانية ” وآرين مريكان (1994- 0142 م) وليلى زانا البرلمانية الكردستانية التى لا تزال تُدافع عن شعبها الكردى الصامد ، وتُعد أول إمرأة كردية يتم انتخابها فى البرلمان .

فقد كان للمرأة الكردستانية دور كبير فى الأحداث التى حدثت فى سوريا والمجتمع الكردى كونها جزءًا لا يتجزأ منها، وشاركت بجانب أخواتها الثائرات ضد الظلم. ونادت بالحرية بصورة عفويّة؛ لأنها كسرت قيود العادات والتقاليد والأعراف، وكانت تُعانى الاضطهاد والتجاهل، وهدمت جدار الخوف، ولا نُنكر للثورة السورية دورها البارز فى تأسيس كثير من الجمعيات، والمنظمات، والتنسيقيات، والهيئات الكردستانية النسائية.

وجاء اختلاف المجتمع الكردى ثقافياً عن نظيره العربى ليُفسر شيئاً جوهرياً من اختلاف وضع المرأة بين المجتمعين. فامتد هذا ليشمل أيضاً زى المرأة الكردستانية، فعلى خلاف معظم شعوب الشرق الأوسط العربية والإسلامية، فإن الغالبية العظمى منهمن لاتعرف النقاب ، ولا تخفى النساء الكرد وجوههن أبداً، وتبعاً للعادات الكردستانية الاجتماعية والدينية، لا وجود للبُرْقُع والنِّقاب فى المجتمع الكُردي، وإنما يوجد الحِجاب فقط الذى يُشبه إلى حد كبير العمامة، وهذا يعود لطبيعة الجغرافيا والمناخ هناك.

رغم كل الظروف التى تُعادى الكرد عموماً والمرأة بشكل خاص، إلا أن الثراء الثقافى والفلسفى والطبيعة المختلفة للأمة الكردستانية جعل المرأة رقماً صعباً ومميزاً فى معادلة الشرق الأوسط قياساً بنظيراتهن من شعوب المنطقة، رغم كل هذا، قد يعود الفضل الأكبر فى تحقيق المرأة الكردستانية لكثير من حقوقها، للمفكر المبدع لعبد الله أوجلان، أحد أكثر الشخصيات إلهاماً لدى الكرد، ومؤسس حزب العمال الكردستانى Pkk، والذى يُعد مؤسس مفهوم الأمة الديمقراطية ، والمسجون منذ 15 فبراير 1999م فى إحدى الجزر التركية إمرالى أى منذ قرابة العقدين.

ومن خلال كتاب “كيف نعيش” وضع القائد أوجلان يده على الجرح، وتعمق فى التفاصيل، وبنظريته المجتمعية، شرح كيفية التخلص من العوائق التى تزيد العلاقات المجتمعية تعقيداً. وعبر من خلال كتابه هذا عن مدى حاجتنا إلى نظام كبير للعلاقات، وشدد على أن التكاتف الاجتماعى وتطوره من الجوانب كافة، وتحويل العلاقات إلى قواعد وقوانين، وتحويل العلاقات الفوقية إلى سياسية وعسكرية وقيادية، كل ذلك يتسبب فى تقدم المجتمع، ويكسبه القوة.


رؤية أوجلان للمرأة والعائلة
لم تكن هناك أيةُ حركة أو فكر يُناهض العنف ضد المرأة، ولكن تنوعت ضدها صور وأشكال الممارسات من العنف والاضطهاد وسُمِيتْ بالضلع القاصر. فالمرأة فى المجتمع الكردستاني، هى الإنسانة مسلوبة الإرادة، والرجل هو الشخص المستبد، حاكم المرأة، والمجتمع مزيج من الكتل الهلامية العشائرية ـ القبلية… تناقض فيه قيم العيش، فأسمى جوانب الحياة ألا وهو الحب ـ لا يتعدى كونه غريزة حيوانية رخيصة بحاجة لأن تُشبع. والمرأة إما سلعة رأسمالية فى سوق التجارة والإعلان والدعاية، وإما مجرد أم خُلقت لتخدم الرجل وتسعده لأنها أنثى!! فى حين يتعرض الشعب للإبادة اليومية، والوطن يُحرق بالقنابل والغازات ، ويُسحق تحت أقدام جيش الفاشست، بهذه العبارات سعى المفكر عبد الله أوجلان إلى تلخيص ما يعيشه فى المجتمع الكردستانى والعلاقة السائدة فيه. ص 9

كما أراد فى كتابه بناء شخصية حرة للمرأة والرجل، ومن وجهة نظره : فلو لم نقم بنضال وصراع داخلى مكثف ضد الانحرافات، التى تظهر بخصوص هذا الموضوع، لكانت المسألة قد تحولت إلى مسألة شرف أو إلى مسألة سلعة أو إلى شكل أخطر من ذلك . وهذا ما يكفى لأن يدفعنا للهاوية، ويُؤثر على نضالنا بشكل مصيرى . ص 12

ويلقى أوجلان تبعة كل ما يحدث فى المجتمع وفى الإنسان على ما أسماه بمؤسسة العائلة ويُعلل ذلك بأن مؤسسة العائلة فى كردستان هى التى أفرغت الإنسان من قوته وأحاطته بالقضايا والمشاكل إلى درجة الاختناق” . ص 12
ويتخذ أوجلان من عائلته مثالاً حياً على ما يحدث داخل العائلة الكردستانية فى الصفحة 13 من كتاب كيف نعيش 1(المرأة الكردستانية الحرة ) ، فيصف العلاقة بين الرجل والمرأة بأنهما لا يعرفان بعضهما بشكل جيد حتى يومنا هذا، فغياب المعرفة الإنسانية قد يتسبب فى التأثير على علاقتهما بشكل سلبى جداً، يشرح ذلك فيقول : ” هناك مثال عائلتي، وأعتقد أن العائلات الكردستانية كلها متشابهة، فالمشاجرات المستمرة وتبادل الشتائم التى كانت تحصل فى عائلتى (بين الأب والأم) جعلتنى أشعر بالتأثير الكبير لهذه المؤسسة فى سن مبكرة، وأفضل ما قام به والداى هو أنهما وضعا حقيقتهما أمامنا بدون مواربة، وبشكل واضح، وهذا ما فتح المجال أمامى للتعرف على الواقع بشكل جيد، ولكن هناك عائلات أخرى عاشت بشكل مقنَّع ومزيف مما أدى إلى خداع الكثيرين بالمظاهر”.ص 13

وهنا يضعنا أوجلان فى مقارنة بين الحقيقة والمواربة، فثمة أُسر اتخذت الشكل المقنع والمزيف ستاراً للحياة ، ومنهم من فتح المجال لرؤية الواقع بشكل صريح كوالد أوجلان ، والذى جعل أوجلان يستشعر بأن الانطلاق من العائلة والكشف عن الممارسات والعادات والتقاليد وتحليلها هو الطريق المؤدى إلى تنوير العقول والبناء الجديد للتفكير ، لذلك يرى أوجلان أن الـتأكيد على تعريف أدوار وتفاصيل مُسميات الأب والأم، والأولاد والصداقة وعلاقات الخلة سيصل بالمجتمع إلى نتائج مهمة لأن الأمور الظاهرية لا تُعبر بدقة عن جوهر المجتمع . ص 13

ومن الواضح أنّ قضية المرأة التى اهتم بها المفكر “عبد الله أوجلان” جاءت فى سياق التطوّرات الاجتماعية والسياسية، وأيضاً فى إطار السياق التاريخى للمنطقة عموماً وللأكراد خصوصاً. وبدا أنّ قضية تحرّر المرأة مرتبط بتحرّر الرجل . والوطن وفى إطار حلّ المشكلة الوطنية للأكراد، نظراً للارتباط العضوى بين القضيّتَين.


العائلة : المؤسسة الأساسية
ترتد سلبية العلاقات الأسرية على المجتمع الكردى بصورة واضحة، وهو أمر شائك ومُعاكس تماماً لما تُشير إليه غرائز العلاقات الإنسانية الطبيعية ، فرغم أن العائلة هى النواة والمؤسسة الأولى للمجتمع ، فقد انعكس دورها تماماً ، وأصبحت مكمن الخطورة على الإنسان الذى تحمل عبء الإغراق فى قضايا ومشكلات أدت به إلى الاختناق وأودت بالعلاقات المجتمعية ، وكأن الإنسان والمجتمع عدوين لبعضهما البعض . فإن نظرنا بعين المتبصَّر نجد أن هذا من فعل العدو الأول – المحتل – الذى خلق المصاعب مستغلاً غفلة الشعب لتغييب فكرة الروابط الأسرية ورغبة فى تفكيك المجتمع بغية انهياره والانتهاء به إلى مصير العبودية والظلم ، لذلك يرى أوجلان أن الانزلاق وراء المشاعر الغريزية الرخيصة سيؤدى إلى دمار الحركة التحررية ، وأكد على أن كل معان العشق السامية والزواج لا تصلح فى وطن محتل .
وكان أوجلان يرى أن الحب والعشق والعاطفة والزواج ماهى إلا سلاسل وقيود وأغلال ، مما يؤدى إلى انهيار ، ولكن يجب أن يكون العشق للوطن. ونادى بالعشق العظيم ، ليكون هذا أساساً للارتباط ، فالذين يعشقون هكذا يستحقون التصفيق منا ، لأن هذا هو الأسلوب الصحيح ، ويعنى الشرف والكرامة على حد قوله .


حقيقة العلاقات
أوضح مفكرنا عبد الله أوجلان، أن الحياة تبدأ بالعلاقات، ويُطلق مصطلح ” العلاقات ” على كل نشاط يؤثر على الطبيعة أو المجتمع، ومثلما نُسمى بدء العلاقات بالحياة، فإن انقطاعها وانتهاءها يعنى الموت، أو الزوال أيضاً، وانتهاء العلاقات بالكامل هو الموت الذى نعرفه، أما نهاية بعض العلاقات فيعنى الخسارة أو الموت الجزئي، والعلاقة المتبادلة . تعنى الحياة ومجمل العلاقات العامة تعنى الحياة العامة، وتنمية بعض العلاقات وزيادة تأثيرها، تعنى أن نكون أصحاب موقف، هكذا أوضح ماهية العلاقات.

ويتحدث أوجلان عن تلك العلاقات الإنسانية ويصفها بالضعف والتراجع ، وأن الإنسان الكُردى هو الأقل علاقة بين المجتمعات . ويعلل هذا بأن تفكك العلاقات قد يؤدى إلى الموت ، فموت الإنسانية يعنى موت الشعوب ، ويصف العلاقات الخالية من المفاهيم الإنسانية والفكر المجتمعى بأنها خالية من الطموح تتشبع بالزيف والمخادعة . وبذلك تتحول العواطف لتجارب الإنسان الذى أخفاها فصارت تشقيه بدلاً من أن تسعده . ويصور المفكر أوجلان تحول العلاقات بصورة بشعة ، والتى تحولت لانتزاع القوة من حياة البشر بدلاً من زيادتها وتكاتفهم ، فأصبحت الروابط تتسلط على رقاب الأفراد لتكسر شوكتهم وتنحنى بهم إلى التخريب والتقاتل فصارت لهم الغرائز الحيوانية .

وقد أكد القائد أوجلان فى كتابه ” كيف نعيش1 ” فى الصفحة 26 ، ” على أن مستوى العلاقات ونظامها ، يُعد فى أدنى المستويات على مر التاريخ الإنساني، فهى متخلفة وناقصة ومهترئة ومخادعة، خالية من المستقبل والوعي، تفتقر إلى النظام، وتشبه الجسد الميت والعلاقة الميتة، أى أنها كالميت الذى يسير على رجليه” .


الاختلاف بين العلاقات الاجتماعية والطبيعية
يرى السيد أوجلان، أن أُسس العلاقات المجتمعية تُبنى بداية على العلاقات الأساسية العائلية ، والتى تُمثل البنية التحتية للمجتمع ، والتى تتفرع بعد ذلك وتتشعب لتنقسم إلى علاقات سياسية وعسكرية وقيادية تلك التى تُمثل فى مجملها العلاقات العليا أو كما يُسميها أوجلان الفوقية . ثم علاقات اقتصادية وأدبية وفنية تُمثل طبقات المجتمع المختلفة وتُشكل فى مجملها أُسس المجتمع المتكامل . ويسعى العدو إلى خنق، وتفتيت تلك العلاقات لهدم النظام المجتمعى والسيطرة عليه داخلياً وخارجياً حتى لا يستطيع الشعب التنفس تحت وطأة الاحتلال . ويؤكد أوجلان من خلال ذلك على ضرورة ترابط العلاقات مهما كلفهم الأمر.


ماهية حزب العمال الكردستانى
أوضح أوجلان أن حزب العمال الكردستانى ( PKK ) الذى أسسه عام 1978 م جاء كرد فعل على الخلل الذى أصاب العلاقات الإنسانية الأصلية فى المجتمع الكردستانى والقائم على أنظمة الاستعمار والأمبريالية ، وتلك الأنظمة هى التى جعلت من السياسة والتجييش أساساً فى بناء العلاقات العائلية ، وتسببت فى ضعف العلاقة بين الرجل والمرأة من الناحية العاطفية والإنسانية رغم إنها ساوت بينهما فى الجهود الحربية والجهادية ، راغباً بذلك فى تحويل تلك العلاقات إلى مساراتها البشرية الأولى ، وإقامة علاقات على أُسس من الحرية والمساواة ليبدأ من جديد صياغة وتشكيل البنية الأسرية.

ويرى أوجلان من خلال نظرته أن الرجل والمرأة هما طرفى العلاقة المجتمعية التى يجب بناء كل العلاقات الأخرى على أساسها من علاقات وطنية أو حزبية أو تنظيمية . ويتمثل دور الحزب فى إعادة هيكلة تلك العلاقات ، وتتبع التشكيلات الاجتماعية السلمية التى تعتمد على العلاقات العائلية المتوازنة بين الرجل والمرأة ، والتى يجب أن ترتفع عن الغرائز الحيوانية ليصل بهما إلى شكل الحرية والمساواة على جميع المستوايات.


علاقة الرجل والمرأة
تُعبر علاقة الرجل والمرأة عن الساحة الأساسية للحياة، فقد كان يرى أوجلان أن علاقة الرجل والمرأة هى أساس العلاقات التى يجب ربطها بأسس اجتماعية ووطنية وحزبية وتنظيمية، ومن ثم تقوم المنظومة النضالية التى أسسها أوجلان بحل التناقض عن طريق تتبع التشكيلات الاجتماعية التى تعتمد على العلاقات العائلية، وقد فهو يقول عنها: “خذ من الوطنية أساساً، وخذ من التحول إلى أمة أساساً، وقم بتنمية التحول الاجتماعي، وفى سبيل تحقيق ذلك قم بتأسيس تنظيمكَ، وحزبكَ، وحقق الحياة الجماعية ضمن حزبكَ، وارفع من مستوی كادركَ إلى مستوى الحزب، ليكون كادراً جيداً، لديه علاقات شاملة وغنية ومتكاملة… أى قم بتطوير الحياة الجماعية ضمن حزبكِ”. وحقق انضمام الرجل والمرأة بشكل حر ومتساو، وأقم بينهما نظام العلاقة الذى يعتمد على الترابط الوثيق وقم بتنميتها، حتى تتخلص من التناقض، ومن الحيوانية، ومن الأوضاع الأخطر من ذلك”. وبمعنى آخر فإن القيادة تعنى كل ذلك، وهذه حقيقة تلك المنظومة، والموضوع الذى يجرى نقاشه هو: أى نوع من العلاقات؟ .. أى نوع من الحياة؟.. فإذا كان الإنسان مرتبطاً بهذا الكم من الحقائق الأساسية، فإنه يستطيع إعطاء الإجابة الصحيحة بسهولة ونستطيع مشاهدة عدم الجرأة فى العلاقات على كافة المستويات ، وكذلك على المستوى العسكرى والسياسى أيضاً، والأهم من ذلك أن نصل علاقة الرجل والمرأة التى تُعبر عن الساحة الأساسية للحياة ، ولهذا يجب تقييم العلاقة الموجودة وحقيقتها من جديد .( كيف نعيش 1 – صفحات 37 -38)

والسؤال هنا، ماهو المقياس الكادرى الذى يجب التمسك به فى علاقات الرجل والمرأة؟ فقد ذكر أوجلان أن مفهوم الحرية ومفهوم الحياة لم يكونا متطورين لدى الكثيرات. وتوصل إلى أنه يجب جذب الكثيرات إلى صفوف الثورة، ولكن كيف يتم هذا وماهى شخصيتهن؟ فشخصية الكثيرات منهن عبودية”. ثم طرح بعض الأسئلة مثل: ” قبل الحياة الثورية هل يفهمن، معنى ألف باء الحياة؟”… فهناك صراع كبير يدور حول المرأة فهى متاع ثمين يُباع ويُشترى وأنتَ ماذا ستفعل بهن ؟… كيف سيستطيع هذا التنظيم تقييمهن؟… وماذا يظن هؤلاء أنفسهن؟… لماذا أتين إلى هنا؟…
إلا أن اوجلان أوضح إنهن لم يتجاوزن فى تفكيرهن كونهن بضاعة تُباع وتُشترى. وهن لسن صاحبات لأقدارهن ولذواتهن ، وأصبحن مصيبة وهن على قيد الحياة .

ومن ثم حاول جاهداً المحافظة على شخصيتهن القابلة للتطور، وذكر أن المواقف الجامدة المتعسفة موقفهن، وأن هذه المواقف غير موجودة لديه ، وأنه يستطيع رؤية العلاقة بين السياسة والحياة الاجتماعية بوضوح. وانطلاقاً من هذا بحثنا عن سبب عدم تقبل الكثيرات منهن التطور، ووجدنا بأنهن ترفضن الحياة، وهذا هو السبب فى ابتعادهن عن التطور. وعند البحث عن سبب عدم توصل الشباب القروى إلى شخصية الكريلا الحقيقية ( رمز المقاومة لشعب كردستان) كان السبب يكمن فى كون القرويين عبيداً ، وهذا هو السبب لإنغلاقهن أمام الحياة ، هو هنا يشير لبعض الصفات وليس للإنسان القروى .


حزب العمال الكردستانى وقضية المرأة
خاض الحزب كفاحاً عنيفاً باسم الشعب الكردى وفق مبدأ ” الحياة الحرة وإما الحياة الحرة “، وصارع بلا هوادة لبناء نظريته وممارسة كيفية إحياء الواقع الكردى على أساس الإنسان الحر كضرورة مطلقة، ذلك إن خلق الحياة الحرة والإنسان الجديد فى واقع الشعب الكردى لا يكون إلا بالفهم السليم وطرح الأسئلة الصائبة، وذلك بسبب فقدان المصطلحات والقيم الأساسية لمعانيها فيه، وتفشى الخيانة والانحطاط والإنكار والفساد بحق الحياة ليُصبح واقعاً اجتماعياً عاماً فيه. هكذا قـام تنظيم أوجلان بمحاسبة واقع الحياة المفروضة والمحتومة فى كردستان، من خلال إدراك القائد لحقيقة الشعب الكردى كأحـد أقـدم الشعوب فى التاريخ، وجهـوده الحثيثة لتحليله؛ وخط خطواته الأولى على هذا الأساس.

كما أنه قام بتحقيق رؤاه من خلال الممارسة العملية للنضال ومن خلال تحديد تناقضات الحياة الأساسية، وتعيين مواقف صائبة ومحاولة حلها، وكذلك من خلال طرح الأسئلة ومحاولة الإجابة عليها. ولقوة المعانى المرتقية والمتسامية تصاعدياً فى واقع الشعب الكردي، وما نجم عنها من متغيرات ومستجدات، وعلاقة وثيقة بذلك فى غضون ظهور وتطور الحزب؛ أى أنه قام بتحديد صائب للتناقضات الأساسية المعرقلة لتطور الحياة ذات الهوية الحرة. وهنا يطرح بعض الأسئلة عن هذا الأمر . ما هو دور هذا التناقض فى جدلية التطور الاجتماعى الكردي؟ لماذا وكيف فُرض عليه العقم واللاحل؟ كيف يمكن حله وتجاوزه بأساليب الجدلية التاريخية؟ بطرح الحزب هذه الأسئلة والرد عليها ، خاض أعظـم صـراع فى تاريخ الشعب الكردى على سبيل الحرية.

بيد أن عدم تنظيم العلاقات بين الجنسين شكَّل الحلقة الأساسية للخسارة، لأنها تُعد جواباً أساسياً لسؤال “كيف نعيش؟، أى أنه لم يتحقق بناء الشخصيات كشرط حيوى لإعادة تنظيم الحياة، فالرجل الكردى والمرأة الكردستانية يفنيان بعضهما البعض ويقضيان على الحياة الحرة والشخصية الحرة، وهما فى بداية الحياة، من خلال طبيعة العلاقات الموجودة بين الجنسين. لقد أصبح تنظيم العمال انعكاساً لهذا الصراع التاريخى والنضال، إن لم يقتل المرأة والرجل، إلا أنه قتل نمط المرأة القديمة والرجل القديم من خلال تقريب المسافات الحقيقية من قضية المرأة، وقيامه بتحليل هذا الوسط الذى ارتكب الجميع بحقه الأخطاء الفادحة بل وأضاع نفسه فى سراديبه فى الواقع الاجتماعى الكردستانى على وجه الخصوص، بحيث تفقد فيه المرأة والرجل على السواء كل شيء وهما لا يزالان فى بداية حياتها.

إذاً؛ وبدون تحليـل هـذا التناقض الكبير فى کردستان يستحيل تطور الحياة أو الحزب. أى أن عدم بقاء أى أثر للعظمة والعراقة التى كانت موجودة فى كردستان، موطن كل البدايات ومنبع الحياة الأكثر حرية وجمالاً، وزوال ذلك تماماً فى يومنا الراهن؛ إنما يُشكل تناقضاً كبيراً، وبدون فك هذا التناقض يستحيل تحقيق أى تطور كان. وبالتالى عُولجت القضايا المدروسة على نحو يشمل كافة ميادين الحياة، ولم تقتصر على كونها مجرد قضية جنسية فحسب. حيث أن التحليل الصائب للحقائق المعاشة حول هذه القضية، وإيجاد الحل السليم لها؛ إنما يعنيان تشتيت العقدة الكأداء التى يخسر فيها الشعب الكردى كل ما لديه، ويفرض على المرأة والرجل فيها حياة ملؤها الحماقة؛ كما تُسلَّط الضوء على الحياة القاحلة والقابعة فى قاع الحضيض. وبدون معالجة الواقع الذهنى والأيديولوجى والتنظيمى والاستعمارى المُحاك حول المرأة، أو تعميق الحل بمقتضى ذلك؛ وبتناول الثورة – بالتالى الحرب- بشكل منفصل عن المرأة؛ من المحال أن تكون الحرب حرباً للحرية، ومن المحال أن يكون السلام اللاحق لها سلاماً حقيقياً بكل معنى الكلمة.

وقامت المرأة الكردستانية بالانضمام إلى حزب العمال الكردستانى وبدأت بالانخراط فى صفوف الحزب بالعشرات، ثم المئات، ثم بالآلاف ؛ إذ تحول الحزب إلى مركز جذب قوي، لِما تمتع به منذ بداياته من تبنى قضية حرية المرأة. وهكذا، لم تعُد المرأة مجرد أم مضحية صامتة أو زوجة مطيعة خنوعة أو مجرد موضوع جنسى تابع. فمع خوض الصراع تجاه هذه النماذج التقليدية، بدأ تَصَوُّر نموذج المرأة الحرة العصرية المتميزة بالانضباط والمتحلية بالوعي. وبدأ الحوار والنقاش الموسع حول “مَن هى المرأة الحرة؟ كيف تكون؟ وكيف نبلغها؟

وتلك الأسئلة المحورية المصيرية تقتضى اتّباع أساليب جديدة بشأن قضية المرأة، حتى يتسنى عدم الوقوع فى الثغرات التى وقعت فيها الثورات السابقة. وهنا جاء الرد على تلك الأسئلة بالتأكيد على مشاركة المرأة بصورة فعالة، بل وريادية، فى الثورة الكردستانية؛ إذ تهدف الثورة إلى تحقيق التحرر المجتمعي. المقصود من المشاركة الفعالة هنا ليس التواجد الكمّى للمرأة ضمن صفوف الثورة ، بل المقصود هو كيفية تحويل هذا الكم النسائى الكبير إلى قوة نوعية نافذة يكون لها تأثير إيجابياً فى مسار الثورة، ولا تُقلّد أو تُحاكى النماذج الموجودة، بل تؤدى دوراً ريادياً بامتياز فى إنجاز وإنجاح الثورة.

بيد أن القائد عبدالله أوجلان قد تناول قضية حرية المرأة بالتوازى والتداخل مع قضية التحرر الوطني، وهنا تتجلى لنا ظاهرة إنجاز ” ثورة داخل ثورة “. ذلك أن تحرر المرأة من غبن العبودية وتداعياتها الثقيلة المتعششة فيها منذ آلاف السنين، يُشكل بحد ذاته ثورة. وهذا تحديداً هو ما ميّز حركة الحرية الكردستانية عموماً، وحركة حرية المرأة الكردستانية خصوصاً عن غيرها من جميع الحركات السابقة على صعيد مقاربتها الاستراتيجية والمحورية من قضية حرية المرأة. لقد كانت هذه الخطوة تدبيراً وقائياً تجاه إصابة الثورة بالهشاشة أو الرعونة، مثلما كانت خطوة استراتيجية على صعيد إبراز طاقات المرأة الدفينة وصقلها وتطويرها.


حياة الشراكة النِدّيّة الحرّة،
يُطالعنا أوجلان بمصدر أدبى آخر ألا وهو الحياة الندية الحرة ، والذى يُعبر فيه عن مدى اهتمامه بالمرأة الكردستانية الحرة أو بمعنى أشمل المرأة الحرّة أينما كانت، عابرة للزمان والمكان، فهو يُلامس عمق أعماق المرأة، ويجعل الحياة الحرة مع المرأة ضرورة اضطرارية. لكى نفهم أكثر كيفية العيش المشترك بين الرجل والمرأة، بعيداً عن التقييد والتبعية، واستلزام تطور القيم البنيوية الجنسية والاجتماعية فى جميع مجالات المؤسسات، حيث توُطد فيها المساواة الاجتماعية. تُعد الحياة الندية عند أوجلان أحد المفاهيم الأساسية فى فكره وتصوره للنضال الكردي. وتعنى الحياة الندية النضال المستمر ضد الاستبداد والظلم على جميع الجبهات، سواء فى المجال السياسى أو الاجتماعى أو الثقافي.

وقد أوضح المفكر أنه لابد من إيجاد تعريف للمرأة شريطة أن يكون هذا التعريف تعريفاً صحيحاً مع ضرورة تحديد دورها؛ لأن هذا هو السبيل الوحيد لوجود حياة صحيحة، وطالب بعدم الحكم عليها من وجهة نظر كونها أنثى ، كما أوضح أنه بقدر ما تُعرف به يكون تعريف الرجل أمراً عادياً ، وأكد على أنه من الخطأ صياغة تعريف المرأة من خلال الرجل، لأننا لن نحصل على تعريف سليم لها ؛ إذ يُعد وجودها وجوداً للحياة، فهى تلعب دوراً جوهرياً فى المجتمع. وأشار إلى أن ما يُمارسه ، المجتمع الذكورى من تهميش لدور المرأة وإقصائها والحط من شأنها، وعداء الرجل لها ومحاولة الهيمنة عليها ، لم يمنع من حقيقة كون المرأة هى الحياة ، ويؤكد هذا على صحة وجهة نظر أوجلان .

وبناءً على تلك المعايير سالفة الذكر، نجد أن فكر أوجلان يتعمق ويبحث عن أساس عبودية المرأة ، ويرى أن قيام مؤسسة الزواج التى فُرضت على المرأة فى مجتمع العلاقات الهرمية المتراكبة قد جعل المرأة راضية بتبعيتها للرجل وخانعة ، عَبر هذا المسلسل الهرمى بما لم يشهده أى كائن مثلها على وجه الأرض . فمجتمع الطبقات هو الذى جعل المرأة فى المستوى الأدنى دائماً وفقد المجتمع أحدى كفتى الميزان، فاختل مشروع الديمقراطية فى دولة تنبذ المساواة. ومن هنا يُقيم أوجلان شخصية المرأة والأنظمة القمعية التى كبلتها ورافقت حياتها منذ الآف السنين وأهدرت قيمتها ، فراح أوجلان يُحلل تلك الأوضاع ويرصد قضايا المرأة فى كتابه ” المرأة والعائلة ” مؤكداً إنه ليس متردداً بشأن العلاقة بين الطرفين ، ولكنه يسعى إلى تشكيل الشخصية الحرة للمرأة وتخليصها من العقلية السلطوية التى كبلتها . كما أكد القائد على أن السعى إلى الحرية والمساواة يجب أن يكون على هيئة أسلوب البحث الرئيسى فى مجالات العلوم والأخلاق التى لا تغيب عنها حقيقة كفاح المرأة من أجل حريتها ونيل المساواة مع الرجل وكى تحيا الحياة التشاركية مع النصف الآخر من المجتمع لأن وجودها الطبيعى يتحلى بالمنزلة المحورية الأكبر فى عالمها كإمرأة وفى مسئوليتها عن عالم الرجال .

بيد أن المجتمع البشرى يختلف من حيث الشكل عن سائر مجتمع الكائنات الحية الأخرى ، فله خصائص تميزه وتجعله قابل للتطور ، وخاصة تطوير ظاهرة السيطرة والسلطة المهيمنة، يرى أوجلان أنه من الضرورى أن تتحرر المرأة من سيطرة الرجل على حياتها ، وأن تتغلب على ظاهرة السلطة المهيمنة ذات الحاكمية الذكورية. حيث أن الهيمنة الذكورية فى المجتمع لها تأثير سلبى على الحياة والعيش المشترك بين الطرفين. يتمثل هذا التأثير فى انحراف المجتمع مما يؤدى إلى تدهور الحياة بشكل تهكمي. وأن الاستمرار فى هذه الحالة يؤدى إلى نهاية الحياة.

ومن ثم فهناك ضرورة ملحة لتغيير النظام القائم وانتشار ثقافة المساواة والتضامن بين الجنسين. ويُعد التحرر من السلطة المهيمنة ذات السلطة الذكورية وتعزيز المرأة فى دورها وحقوقها جزءًا من مساعى إنقاذ الحياة وتحقيق العدالة الاجتماعية. كما أنه يجب حدوث تغيير فى العلاقات الجنسية والسلطة التقليدية بين الرجال والنساء بهدف خلق مجتمع عادلًا، وأن الحياة مع المرأة فى إطار السلطة المهيمنة الحالية يمكن أن يُؤدى إلى نهاية الحياة. وهناك عدد من الدلائل التى تؤكد هذه الحقيقة من قبيل :

• تُؤدى مشكلة الزيادة السكانية المتسارعة وتأثيرها السلبى على الحياة إلى استنزاف الموارد الطبيعية، وتدهور البيئة، ومن ثم تُصبح البيئة أقل قدرة على استيعاب احتياجات السكان، وخاصة فى ظل وضع المرأة تحت السلطة المهيمنة عليها ، وهذا يُهدد الحياة بالفناء.
• كانت طبيعة الحياةَ سبباً فى ممارسة السلطة للعنف داخل المجتمعاتِ وخارجَها. والمستوى الذى وصلت إليه السلطات العسكرية من فرض هيمنتها على كل مؤسسات الدولة أثبت صحةَ هذه الحقيقةِ بما فيه الكفاية.
• استخدام العلاقات الجنسية كأداة ضغط وإرهاب وترويع للمرأة لدرجة أن الحياة أصبحت مستحيلة ولا تُطاق ، وانحرفت عن مسارها الطبيعى ، وتم استخدام الحياة الجنسية لأغراض القمع والاستغلال، وهذا فى حد ذاته يُعد شذوذ جنسى مستمر .
• يعكس وضع المرأة المهمشة كأداة لإدامة النسل أو كسلعة جنسية أو كقوة عاملة رخصية الثمن نظرة مُقللة ومُهينة لقيمتها ودورها فى المجتمع.
• يُعد ما يحدث تجاه المرأة ودورها فى المجتمع ى إبادة ثقافية ضدها ؛ إذ تم وصفها بأنها غير ذات قيمة وأن القيمة الوحيدة التى تملكها تتمثل فى الجنس والإنجاب ، واعتبارها يد عاطلة، كما جردها المجتمع من حقها فى الدفاع عن النفس فلا تستطيع حماية نفسها على كافة المستويات .
• يتم استبعاد المرأة وتقييدها بدور محدد من قبل المجتمع ، وهذا يقلل من تنوع وغنى المجتمع. إذا كانت المرأة تعانى من نقص فى الفرص والتقدير وإنكار قدراتها ومواهبها، فإن المجتمع يُمكن أن يفقد الكثير من الإبداع والتقدم والازدهار. ويُصبح غير متكافئ.

ومما سبق يتضح أن الحاجة الملحة أصبحت ضرورة لحدوث تغيير جذرى فى الطريقة التى ننظر بها إلى الشراكة والمساواة بين الجنسين، وأن تعزيز الحقوق والمساواة للمرأة ليس فقط أمر مهم، بل يُعد ضروريًّا لتحقيق تقدم حقيقى فى المجتمعات؛ إذ أن الحياة الحرة مستحيلة مع إمرأة غير حرة ، و ما تحدث عنه أوجلان يُشير إلى الحاجة أيضاً إلى تغيير جذرى فى كيفية التفكير والاعتقادات المتعلقة بالعلاقات بين الجنسين. يجب أن يكون هناك تغيير فى الأفكار الموروثة والمفاهيم، الخاطئة التى تجعل المرأة تظل تحت القيود والتحكم. فالحياة الحرة والعلاقات الصحية والمجتمعات المزدهرة لا يُمكن أن تتحقق إلا عندما يُمنح للمرأة حقوقها الكاملة ويُسمح لها بالمشاركة بكامل إمكانياتها دون أية قيود أو احتكار. تعمل العبودية والقيود المفروضة على الحرية الشخصية على ضرب الأخلاق وتقييد الحقوق الإنسانية الأساسية.

ولتحقيق شراكة حقيقية وحياة حرة مع المرأة ويجب تغيير العقليات المهيمنة التى تُحاول قمع حريتها وتحجيم دورها فى المجتمع. ويتطلب كل هذا تعديل القيم والثقافات التى تُعد المرأة أقل قيمة أو تضعها فى مواقف أقل أهمية. المساواة واحترام حقوق الإنسان ليس فقط أمرًا أخلاقيًا بل يعد أيضًا أساسًا جوهريًا لبناء مجتمعات صحية ومستقرة. وتُعد حقوق المرأة وتحريرها ضرورة إنسانية وأخلاقية واجتماعية لضمان تقدم وازدهار المجتمعات بأكمله. وقدم أوجلان ما يجب تحقيقه بشأن المرأة، من خلال بحث مستفيض يوضح فيه الحالة النفسية والعقلية للحياة التشاركية بين الرجل والمرأة مثل شروع المرأة بمشاركة الرجل فى ممارسة الجنس، تطوُّر النمط الحراكى للمرأة قبل الشروع بالزواج، استيعاب المرأة للفكر الرأسمالى الأساسي، وهو أن تظل من العبيد فى زمن التطور والتحرر ، فما زالت تدور داخل إطار التجمد ومشاعر الدونية والعجز فى زمن أعلن الحرية الزائفة يسلبها قوتها وإرادتها وثقتها بالنفس .

هنا يتناول أوجلان المشكلة من الجانب الذكورى، فالرجل فى حد ذاته قد تربى على فكر عبودية المرأة وتشبع بتلك الفكرة ومارسها ممارسة اجتماعية منذ آلاف السنين، وكان على هذا الرجل أن يُدرك أن خضوعه لتلك الفكرة قد أدخله فى إطار العبودية هو الآخر وأن عليه أن يخوض رحلة الصراع مع النفس متحدياً الثقافة الجنسوية ، فأصبح بذلك يسعى ويُناضل من أجل الحرية بما لا يقل عن المرأة نفسها .فتأكد لدى الرجل إنه لن يستطيع الاستمرار فى معايشة المرأة إلا من خلال حياة الشراكة الندية الحرة . فى فكر أوجلان، يُعد النضال الكردى قضية حياة ، حيث يرى أن الحرية والعدالة للكُرد ليست مجرد حقوق تُمنح، بل هى حق أساسى للبقاء والتنمية. ويؤمن بأن النضال الكردى يجب أن يتجاوز جوانب الحركة السياسية ويتضمن العناصر الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.

ترى أفكار أوجلان الحياة الندية كمفهوم شامل يشمل العمل الثقافى والتعليمى والاقتصادى والعسكري. ويُعد النضال الكردى نمط حياة يتطلب تفانيًا وتضحيةً وإصرارًا لتحقيق الحرية والعدالة. ويُشجع أوجلان أتباعه على أن يكونوا جزءًا من الحياة الندية وأن يعيشوا بروح النضال والمقاومة ضد الظلم والقهر. فالحياة الندية ترفض مفهوم التملك ، وتُقيم الحرية الاجتماعية بين الجنسين ، على أساس العدالة والمساواة ، وهذا يخلق إرادة حرة ومتكافئة بينهما . وهكذا تتحقق الحياة الندية الحرة التى تليق بالإنسان.

ويجب ألا تنحصر الحياة الندية للأفراد العاملين فى حزب العمال الكردستانى فقط ، بل يعدها أوجلان نمط حياة ينبغى أن يمتثل له الكُرد جميعًا فى سبيل تحقيق أهداف الحرية والعدالة لشعبهم. لتحقيق الشراكة الحرة مع المرأة وتغيير العقليات السلبية المتعلقة بها، وذلك من خلال اتباع بعض الخطوات الرئيسية وهى كالتالى :

• الحاجة الملحة إلى ضرورة إعادة تعريف مفهوم الحياة النديّة الايكولوجية، والتى تُعد الحياة النديّة التى لا تقتصر فقط على استمرار النسل والتكاثر، بل تأخذ بعين الاعتبار أيضًا توازن الكائنات الحية مع البيئة والتأثير العالمى الذى يُمكن أن يكون لها. فالحياة الحرة مع المرأة، تُعد ضرورة حتمية؛ لأن تحقيق مجتمع عالمى متقدم ومستدام يتطلب تحقيق المساواة بين الجنسين واحترام حقوق المرأة، ويأتى التقدم الحقيقى يأتى من خلال إشراك جميع أفراد المجتمع بما فى ذلك النساء وتمكينهم من تحقيق طموحاتهم وإسهاماتهم فى بناء المجتمع. ويُعد تمكين المرأة يُعد أساسًا لبناء مجتمعات عادلة.

• إن تحقيق هذه الشراكة يتطلب التحرُّر من الهيمنة الذكورية فى الأذهان والمؤسسات؛ إذ يجب تغيير القوى المهيمنة التى تمنع المساواة بين الرجال والنساء وتحد من حقوق المرأة. وإن النجاح فى هذا الكفاح ضرورى لتحقيق الشراكة النديّة الحرة بين الجنسين وضمان حياة مستقرة وعادلة للجميع. وكذلك إن تحقيق المساواة والعدالة يتطلب تغييرًا فى النهج الثقافى والمؤسسى والسياسى لضمان حقوق المرأة وتفعيل دورها فى المجتمع بكامل إمكانياتها.
• إن العيش مع المرأة فى إطار مؤسسات اجتماعية ترى النساء على أنهن مجرد ملكية جنسية أو بضاعة يُمكن استخدامها للراحة الشخصية ليس مجرد انحطاط أخلاقي، بل هو أيضًا خطأ ونوع من أنواع التفسخ الاجتماعي، ويُعد من أقبح اشكال الحياة وأكثرها خطأ.
• حياة الشراكة الندية الحرة مع المرأة غير ممكنة إلا فى الظروف والأجواء التى ترفض فيها المرأة الملكية والاستغلال.
• حياة الشراكة الندية الحرة غير واردة إلا مع المرأة التى لم تعد أداه لاستمرار النسل، ولا عاطلة عن العمل، ولا يداً عاملة بخسة أو مجانية، بل خرجت من كونها موضوعاً شيئياً وحققت ذاتها على جميع الأصعد.
• لا يتناسب المجتمع مع حياة الشراكة الحرة إلا فى ظل هذه الظروف ليتمكن من التحول إلى مجتمع حر تسوده أجواء المساواة والحرية.
• حياة الشراكة الندية الحرة ممكنة بين النساء والرجال الذين طوروا قيمهم البنيوية والعقلية فى الأوساط الاجتماعية الإيجابية.

يبقى أن نُشير إلى موضوع مهم جداً ركز عليه القائد أوجلان : وهو عدم تُمكننا من عيشنا الحياة التى هدمتها الحداثة الرأسمالية، ولا مشاطرتها، إلا بحياة الشراكة الندّيّة الحرّة، وبشخصيتها الاشتراكية وكفاحها الاجتماعي.


المرأة وطاقة الحياة
ويأخذنا فكر أوجلان عن المرأة بعيداً عن مميزاتها الأنثوية والجسدية كى يخرج بنا من الفكرة المحدودة وتتسع لديه عدسة الرؤية، فيربط المرأة بطبيعة الحياة وتفاعلاتها فيرمز إليها بطاقة الكون المحركة لكل التفاعلات البنيوية فى الحياة الحسية الملموسة ، فيرى أن كل الأشكال المادية الملموسة والمحسوسة فى الطبيعة هى شكل من أشكال الطاقة الكامنة فى الأصل فى تكوين المرأة ومادتها والتى تختلف تماماً عن الطاقة النابعة من مادة الرجل ، فنجده يصف أن طاقة المرأة لا تتجمد بل هى حرة التشكيل والتطور بعكس الرجل التى تتحول طاقته إلى أشكال مادية متجمدة ، عندما يتفاعل مع المجتمع وأشكال السلطة المختلفة، فبينما تتحول الطاقة لدى الرجل إلى شكل ملموس يصعب تشكيله وتدفقه ، تحتفظ المرأة فى كيانها بطاقتها المتدفقة المتمثلة فى الطاقة الجمالية والشاعرية وطاقة المعانى الكامنة ، والتى تمثل فى مجملها طاقة الحياة.

ثم يتعرض أوجلان إلى الآثار السلبية التى تُؤثر على كيان المرأة، ويرى أن كل تلك الآثار تتمثل فى فلسفة الحياة المرتكزة إلى فكرة التكاثر عن طريق المرأة ، فهى التى تُحافظ على استمرارية الجنس البشرى ولكنها نتيجة لذلك تتعرض للموت المبكر وانتهاك الحريات والمسئوليات والتبعيات الاجتماعية مما يجعل التطور الطبيعى للحياة احدى وسائل انتهاك حقوق المرأة وحريتها.

ومن هنا يوضح أوجلان أن المأكل والمشرب والتكاثر ليسوا هم الحياة ، بل إن ما يحفظ للمرأة كيانها ومنزلتها هو انكشاف الأفكار والفهم المتبادل بين الطرفين والعلاقات الإنسانية القائمة على المشاركة ، ومن هنا يطرح فكرة الروح المطلقة أو روح العالم حيث تتطابق غاية الحياة مع معنى الوجود من خلال نظرية هيجل ويعرض فكرة المرأة والمجتمع ليؤكد أنها حرية واحدة لا تنقسم، فلم تتحقق حرية أحدهما دون الآخر ونجده يُطالعنا بشعار المرأة والحرية والحياة ، والذى أصبح شعارأ عالمياً فيما بعد.

وقد طرح أوجلان بعض الأسئلة لتعريف التطور الطبيعى للحياة، وعن غاية الحياة من قبيل: لماذا نعيش؟ لماذا تواصل الحياة نفسها وتغذيها وتصونها؟ ولكن الجواب كان غير كافى، إذ قال أوجلان: ” إن المأكل والمأمن والتكاثر لأجل الحياة ليس جواباً كافياً. ثم طرح سؤالاً آخر وهو: لماذا نتكاثر ونأكل ونحمى أنفسنا؟ وعند الجواب: كيف نعيش؟ ” ولأجل الجواب الصحيح شرح المفكر عبد الله أوجلان، كيفية العيش من خلال التطور الطبيعى للكون.

وقد بيَّن أوجلان أن التطور الطبيعى للكون يبلغ منزلة الإنسان، ويبسط للعيان قوة معنى متنامية ومزدهرة دون انقطاع. وكأن الواقع الخفى أو الكمونى المستتر فى الكون، يروم إلى بلوغ نتيجة أقرب ما تكون إلى الانكشاف والتجلَّى والفهم المتبادل. وأن الحاجة إلى الفهم المتبادل تُعد محرضاً ومحفزاً أساسياً على التطور الطبيعي.

ثمّ رأى وجوب طرح سؤال آخر وهو يتعلق بالفهم المتبادل ذاته، فطرح السؤال التالي: ما هو الشئ المُراد فهمه وإفهامه؟ هنا استشهد بالآية القرآنية: “ومن آياته خلق السموات والأرض”، ثم وصل إلى نتيجة وهى أنّها جوابٌ غير كافٍ لسؤالنا، ثم عرض النتيجة فى المعنى التالي، (الحاجة إلى التعريف بالذات لا تكفى تماماً لتعريف المعنى، لكن وكأنها تُفشى جزئياً بسرها فى الحياة ) .


تقييم واقع المرأة
يرى أوجلان أنه من الضرورى تقييم واقع المرأة بـأكمله ، وهى فى حد ذاتها الفكرة التى طرحها حزبPKK ؛ فلا يمكن للثورة الاستمرار فى ظل عبودية المرأة، ولا يمكن تحقيق ذلك للوصول إلى استقلالية المرأة وشعورها بالحب والانتماء والحرية إلا من خلال تحليل الشخصية الكردستانية بطرفيها الذكر والأنثى ويقول فى ذلك أوجلان إن انفتاح المرأة على الثورة وتحقيق التمرد حدث عن طريق الحزب ، فإن الشعب الذى مثل القائد لن يسمح للمرأة بأن تظل المرأة على حال العبودية وإلا صار هذا القائد مزيفاً منهزماً فى ذاته.

وقد تزامن ظهور حركات التحرر الكردستانية مع سعى أوجلان لأن تنال المرأة حريتها فمنحها الجزء الأكبر من فكره وفلسفته وعكف القائد على تدرّيب المئات من الشابات والنساء والأمهات فى مخيمات التدريب ومنحَهْنَّ القوة والإرادة لكى تتحرر المرأة المضطهدة. ولأنّ القائد افسح المجال لهنَّ كى تتحررن من العبودية، وذلك من خلال الدورات التدريبية التى كانت تتلقاها المرأة على يد القائد فى مدارسه الفكريّة.


نضال المرأة الكردستانية (تجيش المرأة)
انتهج حزب العمال الكردستانى نهج أوجلان منذ بدايته لضم المرأة إلى صفوفه بشكل تنظيمى ورسمى حتى تناضل من أجل حرية كردستان والمجتمع الكردي، وهو ما قوبل بانتقادات للحزب فى ذلك الوقت، نظراً للعادات والتقاليد التى كانت سائدة وقتها. لكن هذه الانتقادات جرى تجاوزها مع مرور الوقت، وأصبح انضمام المرأة للحزب، وحملها للسلاح فى سبيل ذلك، أمراً عادياً يتقبله المجتمع.

وأكد أوجلان على إن درجة الحرية فى ثورة ما، مرتبطة بدرجة الحرية فى العلاقات، خاصة العلاقات بين الرجل والمرأة. وتعنى الحرية النقاش الحر حول العلاقات بين الأفراد، والوصول من خلاله إلى صياغة قرارات وإعداد القوة الكافية تنفيذها. وبإمكاننا تقييم التجمعات المتكونة من هؤلاء الأفراد على أنها تجمعات حرة، وتسمية المجتمع الذى يتشكل من هذه التجمعات بالمجتمع الحر. والثورة هى عبارة عن عملية تهدف إلى إيصال المجتمع لأعلى المستويات ودرجات الحرية، حيث بات من الضرورى تحقيق الحريات العملية فى المجتمع وبشكل سريع، مما يفرض ثورة جذرية وشاملة. ومن البديهى أن تحل هذه المسألة من تحرير المجتمع بهذه الصورة وفى ظل وجود مسألة التحرر الوطني، وأن تحتل مكانها وتتجسد فى مبدأ حق تقرير المصير. وحتى فى حال وجود الصراعات الطبقية والمواقف المناهضة للديمقراطية ضمن المجتمع، فإن الثورة تحل هذه الفروقات، ونُسمى هذه العملية بالتحول الديمقراطي، وإذا تناولنا الفرد بدلاً عن المجتمع، فإن هذه الحالة سوف تُحقق الحريات والحقوق الأساسية لهؤلاء الأفراد مثل التعليم والصحة وحق العمل وامتلاك القوة، ووضع المهارات والكفاءات فى مكانها المناسب، ويدخل فى هذا الإطار حرية البحث العلمى وتوفير الإمكانيات لذلك.

أما بالنسبة لحرية المرأة، فمعناها إيصال هذا الجنس الذى ما زال يُعانى من العبودية إلى مرحلة تتمكن فيها المرأة من اتخاذ القرارات التى تمسها وتطورها بشكل واعِ، وتطبيق هذه الحرية فى الحياة العملية بعيداً عن كافة أشكال الضغط والاضطهاد، وعندما نقوم بإطلاق هذا التعريف على الثورة الكردستانية، فهذا يعنى تحرر المجتمع من جميع العلاقات والتقاليد الإقطاعية والعشائرية البالية والتى تتسبب فى عرقلة التطور، وهذا يفرض إيجاد الحلول للمسألة الشخصية التى تفرض نفسها بإلحاح.

وقد طالب أوجلان بضرورة اجتياز الأمراض الاجتماعية وإيجاد الحلول لها ، وأكد أنه بدون هذا لن يتم الوصول إلى المؤسسات الوطنية التى تُوفر الامكانيات وتُمَّهد الطرق لخطوات تحررية متقدمة . بدءً من مؤسسة الجيش ومروراً بالمؤسسات المدنية بما فيها مؤسسة العائلة والتى تُشكل عقبة كبيرة وبدون اجتياز كل ذلك لا يُمكن بناء مؤسسة العائلة الحرة ، ولا يمكن تحقيق الثورة .

ومن ثم، ظهرت لدى بعض الأفراد مفاهيم من قبيل: “لا يمكن للثورة أن تتقدم وتتطور ولن نستطيع مواصلة النضال أكثر من ذلك”، وقد بين القائد أنه أوجد الحلول لمثل تلك المفاهيم فى حينها، وازداد الإصرار بعد ذلك لحل مثل هذه المسائل داخل الحزب، حيث كانت تظهر بينهم بعض النماذج على شاكلة تلك العقد، حتى من قبل بعض الأعضاء فى اللجنة المركزية ومن أصحاب التجارب.

على هذا الأساس أتت خطوة تشكيل “جيش المرأة” كخطوة غير مسبوقة، ومع بروز إرادة المرأة فى المجال العسكرى على صعيد التكتيك والقيادة الفعلية، وازدياد انخراط النساء بصورة ملحوظة؛ بدأ التفكير فى الخطوة الثانية. حيث أن العمليات الاستشهادية التى قامت بها العديد من النساء بمبادرة ذاتية منهن كى يصبحن رمزاً للمقاومة وعدم الاستسلام ، وخاصة فى أعياد “نوروز”، قد أبرزت أمراً ثانياً، وهو أن المرأة لديها طاقات دفينة على صعيد تنظيم الذات والمحيط، فى حال تركيزها على هذا الأمر. وهذا ما شكّل الأرضية الخصبة لإطلاق الخطوة الثانية، ألا وهى تشكيل “التنظيم النسائي” الخاص ضمن حركة حرية كردستان.


المؤتمر الوطنى الأول للمرأة الكردستانية
جاء المؤتمر الوطنى للمرأة الكردستانية ليكون تجسيداً لأهم إنجازات الفكر الأوجلانى فى مسيرتهن الأولى نحو حرية المرأة الكردستانية، باعتباره تطوراً مهما فى الحرب التى يخوضها لهذه الغاية. فالتطورات الأخيرة جعلتهم يعملون بوتيرة عالية ويقمون بتقييمات وتحليلات شاملة حول هذه القضية. فالأوضاع القبلية الثقيلة التى تعيشها العائلة أضحت سبباً للقضاء على الوطنية وإنهائها.

ويجب أن نعلم الحقيقة الواضحة، وهى أن الانحدار الأهم يتمحور حول المرأة بل حول العلاقة القائمة بين الرجل والمرأة. وكذلك الرياء وعدم المساواة وكافة أنواع التفسخ. فإذا لم نستطع تشخيص كل هذه الأمور وتجاوزها والوصول إلى الحرية التامة، والعلاقة المعتمدة على المساواة، وأن نعمل على تعديل شكل الحياة القائمة، فإننا لن نستطيع أبداً تأسيس العائلة ولا إقامة كردستان ولا المجتمع الجديد. ومع تطوير التحليلات المتعلقة بموضوع المرأة، ظهر لدينا بوضوح بأن العائلة والعلاقات العائلية تشكل قيداً أساسياً وسلسلة من سلاسل العبودية المفروضة على المجتمع لتمنع تطوره، ووجدنا أيضاً بأن المرأة أمة؛ بينما من المفروض أن تكون المرأة منبعاً ومصدراً للحياة .

وقد دعى المؤتمر إلى بناء العائلة السليمة وكان الخطوة الأولى نحو بنائها، وعلى ضوء الحقائق التاريخية الأساسية والتحليلات التى يُمكن الاستفادة منها بتطبيقها فى الحياة العملية، من أجل الابتعاد عن الحياة القديمة والوصول إلى شخصية الكادر الحر، مع رفض الكثير من القديم والعلاقات التقليدية، وإحلال كل مايستحق الاحترام، مع تقييم الجهود المبذولة من الحزب فى هذا السبيل، ومساندته لهن فى الماضى وكذلك سيفعل فى المستقبل.

إن الحزب يعنى حل الحقيقة الوطنية والاجتماعية فى كردستان لأجل الحزب وإعطاء المكانة المناسبة للمرأة والعائلة التى تُعد أحد أهم العناصر الأساسية، وتأسيس روابطها مع الثورة والحياة على كافة المستويات وتحويلها إلى حقيقة يمكن القبول بها . لا شك أن قضايا أساسية أخرى كثيرة تم التأكيد عليها من خلال الثورة الكردستانية، حيث بدأت تتضح وتُصبح مفهومة فى علاقتها ببعضها وأسبابها والتناقض الموجود، ويعود هذا التناقض إلى لهيب النضال الثورى .
ولقد جاء المؤتمر ليكون هو التعبير الصادق عن الفكر المتطور والمواقف النظرية نحو هذا الموضوع، ولهذا السبب فإن سمو مستوى المناقشات وصحة التصرفات هى التى تُعطى فرصة النجاح للمؤتمر. فإذا كان بهذا المعنى وقام بما هو مطلوب منه فإنه يكون قد قام بالغاية المرجوة منه على أكمل وجه. ولم يكن المؤتمر صغيراً ومقتصراً على القضايا المكثفة للمرأة داخل الحزب وإيجاد الحلول لها، وإنما امتد للبحث عن الحلول للقضايا الاجتماعية التى تواجه العائلة الكردستانية بشكل يومي، بالإضافة إلى البعد التاريخى والمستقبلى وقضايا الحياة، والبحث عن حلول لها أيضا،ً وبفضل ما حققه هذا المؤتمر النسائي، كمؤتمر للمرأة الثورية ضمن الثورة الكردستانية التى يقودها “PKK” نستطيع القول بأن ما حدث من تأثيرات مستقبلية استطاعت أن تُغطى القضايا المستقبلية بشكل كامل.

كما أوضح القائد أوجلان معنى الحرية، وإنها ليست كما يظنها البعض – ليبرالية قديمة ومائعة – ولكن يجب السيطرة على ميول الحرية للطبقة الأكثر كدحاً وذلك بتحقيق أكبر قدر من الانضباط الطوعي، لأن الانتماء إلى التنظيم، والإلمام بالسياسة والانتماء العسكرى يجعل من الانضباط شكلاً للحياة اليومية فى الواقع الكردستانى والحقيقة الحربية، ويجعل من الفرد مرتبطاً بمبدأ الحرية والسير فى مساره واتخاذه نمطاً لمعيشته.

وانطلاقاً من ذلك: فإذا كان هناك أى كيان إنسانى رجلاً أو امرأة لم يرتبط بشكل وثيق وبدرجة عالية بالتنظيم وبالجهود السياسية والعسكرية، ولم يقم بما يقع على عاتقه فى هذا المجال، فهو يقوم بخداع نفسه. وبالتالى لا يجب الاعتماد على الفردية كثيراً، بل النظر إلى مصداقية الحزب، ومستوى تنظيمه، وإلى كثافة جهوده المبذولة فى كل المجالات وارتباطه بحقيقة الحزب، وليس اعتماداً على كلامه بل بالنظر إلى الممارسة العملية له.

تأسيس الاتحاد النسائى الخاص
جاء تأسيس “الاتحاد النسائى الوطنى الكردستانى ”YJWK” عام 1987 م فى هذا السياق. حيث تم الإعلان عنه فى ألمانيا. فكان بذلك أول تجربة للمرأة الكردستانية فى تأسيس كيانها التنظيمى الخاص بها؛ حيث لعب هذا الاتحاد دوره فى تنظيم صفوف المرأة الكردستانية فى المنفى، وتوعيتها، وحثّ الشابات على العودة إلى الوطن، أى إلى الجذور، لنسف الاغتراب عن الذات وعن الأصل والهوية القومية. تعرّضت المرأة للاستعمار والاضطهاد طوال فترات حكم الأنظمة، التى تحض من قيمة المرأة تاريخياً، لكنها وبقيام ثورة التاسع عشر من تموز- يولية ؛ استطاعت المرأة أن تتحرر من الظلم الذى قهرها، لأنها خلقت الواقع والظروف التى ساعدتها على التحرّر من الظلم والاستعباد، وقد منحت الثورة المرأة مكانة كبيرة، وجعلتها رائدة النضال والقيادة للمجتمع.


اتحاد حرية المرأة الكردستانية YAJK
لكن هذه التجربة لم تكن تفى بالغرض، ذلك لأنه كان من الضرورى تنظيم صفوف المرأة فى مجتمع كردستان بالذات وعلى جميع الأصعدة؛ حيث أن القناعة التى قد تجسدت فى الحركة، وعلى حد تعبير قائد الشعب الكردى عبد الله أوجلان، هي: “على المرأة أن تتحول إلى نهر متدفق” . لذا، وفى مارس 1995م، وبالتحديد فى شهر مارس، تجسدت خطوة التنظيم النسائى الخاص داخل الوطن بنحو ملموس، حيث اجتمعت المناضلات الكرديات من مختلف الساحات، لعقد مؤتمرهن التأسيسى الذى انتهى بالإعلان عن “اتحاد حرية المرأة الكردستانية YAJK”.

لقد تطلع هذا الاتحاد إلى الكفاح ضد أنماط الحياة الرجعية السائدة فى المجتمع الكردي، وإلى نسف المفاهيم القالبية والدعائية فيه، وإلى التمرد على العادات التى تحث المرأة على اللاتفكير. وتطلعَ مقابل ذلك إلى حث المرأة على سلوك التفكير الحر، وإلى صياغة المبادئ والمعايير التى ترتقى بها فكرياً وذهنياً ونفسياً وروحياً، وإلى إشراكها فى إنجاز ثورتها الخاصة بها. ذلك أنه حينما تتمكن المرأة من التفكير بحرية، ومن تبيان خياراتها باستقلالية وحرية، ومن تمثيل “كينونتها”، ومن البتّ ذاتياً فيما يتعلق بها، ومن الإعراب عن إرادتها بحرية؛ فحينها فقط بإمكاننا القول أنه بالفعل قد تم إنجاز “ثورة المرأة”.

هكذا كان تشكيل التنظيم النسائى الخاص بمثابة خطوة تاريخية واستراتيجية، لم يكن من السهل الاستخفاف به أو تأجيله أو المماطلة فى تكريسه حينها؛ فبذلك تحقق للمرأة الكردستانية صقل إرادتها، والبحث عن تاريخها المجهول والمدفون، ونفض الغبار عن كل جمالياتها المكبوتة أو المفقودة، وبذلك فقط استطاعت أن تفكر، بدلاً من أن يفكر لها الرجل، وتقتصر هى على التنفيذ المحفوف بالجهل، وبالتالى المشروط بالتبعية كنتيجة حتمية.


علم الجينولوجيا
هو علم الجمال الرافض لكل القوالب الدعائية والمادية الجامدة، لبناء الفكر الطبيعى للمراة والرجل والطبيعة الاجتماعية فى إطار روابط تاريخية واجتماعية وأخلاقية بأسلوب تحليلى لأن المرأة تبنى ميادين العلوم لتصل بالفرد إلى علم ومعرفة، وهو علم القرن الواحد والعشرون الذى فتح المجال لثورة المرأة وتبناها.

فـبـعد أن دخات المرأة مجال الأمن والدفاع عن الذات والوطن، وشكّلت جيشها للمشاركة بفعإلىة ريادية في ذلك، وبعد أن شكّلت تنظيمها الخاص بها وشبه المستقل، وبعد أن تمحورت تراكمات نضالها في رؤية أيديولوجية تحررية نسوية معاصرة، وتجسدت هذه الرؤية في حزب نسائي خاص وشبه مستقل، وانتقلت بكل كياناتها هذه إلى منظومة نسائية جامعة، ثم إلى نظام نسائي كونفدرإلى ديمقراطي جامع؛ وقد طرح السيد أوجلأن من معتقله الأنفرادي في سجن إمرإلى، مشروع “علم المرأة والحياة Jineoloji” ليُمثل قمة هذه المحطات الاستراتيجية المهمة.

وقد اعتمدت الرؤية الأوجلانية لهذا العلم على مبادئ المجتمع الايكولوجي – الديمقراطي وحرية المرأة والرجل. والجنولوجيا هو جوهر علم اجتماع الحرية، إذ يُعد اسلوب ورؤية جديدين في كيفية مناقشة القضايا الاجتماعية. وقد أكد أوجلان من خلال هذا العلم أن المجتمع لن يكون حراً ما لم تكن المرأة حرة، وأن حرية المرأة هي التي تحدد مستوى الحرية الاجتماعية. فأن السيد أوجلأن يؤمن تماماً بأن المرأة هي محور الحياة، بل أنها الحياة بذاتها. فمن دونها لن يكون للحياة معنى. وأنها تمثل جوهر الإرادة والإبداع والروح الأنسانية النبيلة والضمير الجمعي العادل. ولأجل ذلك نجده يوطد أطروحاته جميعاً على حرية المرأة.

يرتبط علم الجنولوجيا بفهم ودراسة النسل والجنسانية من منظور تحرري، ويسعى إلى تحقيق توازن بين الجنسين فى المجتمع، ويسعى إلى إزالة الهيمنة الذكورية وتشجيع المساواة فى جميع الميادين، وفيما يتعلق بالمرأة الكردستانية فى المجتمعات الكردية، فإن الجهود المبذولة لتعزيز دور المرأة ومشاركتها أدت إلى تحقيق تقدم، فالمرأة تلعب دوراً فى كافة المجالات بدءاً من المجال السياسى والاقتصادى إلى المجالات الاجتماعية والثقافية، كما تحظى المرأة بفرص للتعليم والمشاركة فى صنع القرار، وهو ما يعكس التزاماً بتحقيق المساواة.

كما يسعى علم الجنولوجيا إلى بناء نظام اجتماعي وأمومي وتنظيمه وإدارته. ودراسة شخصية المرأة من حيث العدل والبركة والسلام والرياضيات والحساب وإدارة الوقت والذكاء التحليلي والعاطفي، كما تكشف الأشياء التي تخص النساء والتي سُرقت منذ آلاف السنين ويجيب على سؤال، لماذا علم الجنولوجيا؟ يكسر علم الجنولوجيا ثقافة الخجل والحياء التي طالما كرستها الحضارة حول هوية المرأة، يُحول قيم المرأة إلى حقيقة، ويُعزز معرفتها ويُوثقها ويُلهم تاريخ المرأة، ويُلقى الضوء على واقع إبادة النساء. ويلغي العبودية المفروضة على المرأة ويكشف عن هويتها الحقيقية.


حصاد الفكر الأوجلانى
كان نتيجة انتشار الفكر والروئ الأوجلانية والإيمان بها من قبل المجتمع الكردى، وليس الكردى فقط بل وشعوب المنطقة ، إذ تمكنت عدة نساء من إثبات مكانتهن وتنظيم ذواتهن فى المجتمع، مؤكدات أن فكر القائد كان بمثابة منارة لحريتهن وأنهن تسعين لنشر فكره.

محاربة الأرهارب
بفضل فكر وفلسفة المفكر عبد الله أوجلان، تم تحرير منطقة شمال وشرق سوريا من رجس الإرهاب، وقد كانت المرأة سباقة ورائدة فى تحرير هذه المنطقة، حيث كانت تُقاتل فى الصفوف الأمامية، فيما قامت بتنظيم نفسها فى جميع المجالات، حيث أصبحت صاحبة القرار السياسى ورئاسة مشتركة تُشارك الرجل فى صنع القرار، بعدما كانت ضمن الحكم الديكتاتورى الذى همّش دورها فى المجتمع.

خلال فترة سيطرة التنظيمات الإرهابية على مدينة الرقة، تعرضت المرأة للظلم والتهميش، وتم كبت دورها فى المجتمع؛ حيث لم تكن قادرة على ممارسة أعمالها فى المجتمع، بهدف كسر إرادتها والنيل من عزيمتها. وقد عانت المرأة من أنواع الظلم والمعاناة الأليمة والمأساوية وخاصة فى مدينة الرقة التى كانت الخلافة المزعومة لمرتزقة داعش الإرهابي، وكانوا يقومون بسبى النساء وبيعهن فى أسواق داعش؛ حتى القاصرات من العمر التى لا يتجاوز عمرهن أحد عشر عاماً لم تنجو منهم.

بعد هزيمة هذا التنظيم بشكل نهائي، اعتُمد على استخدم النساء وجعلهن انتحاريات بعد تضييق الخناق عليهن، وقدم التنظيم نموذجاً آخر من النساء، وهو لواء الخنساء- شرطة نسائية – أسسها التنظيم بعد استيلائه على الرقة والموصل، فى تموز / يوليه 2014م، وكان الهدف من إنشائه حسبما أعلنوا، هو زيادة الوعى بالدين بين النساء، ومعاقبة النساء اللواتى لا يلتزمن بالقانون، وليس هذا فقط، فقد أعلنوا أن الجهاد ليس واجبًا على الرجال فقط، بل يجب على النساء أداء واجبهن أيضًا. وكان لديه قدرة كبيرة على بناء هذا النموذج النسائى الذى يُشرف على إهانة وتعذيب وجلد النساء، وعلى استقطاب مئات الفتيات الأوروبيات والعرب ليعزز أدوارهن سواء فى القتال أو فى إهانة ذويهن من النساء أو استرقاقهن جنسيًّا.
وقد جاء هذه الانتصار رداً على ظلم داعش، المدعومة من دول تدّعى الديمقراطية والتى كانت تمدها بجميع أنواع الأسلحة لمحاربة الشعوب التواقة للحرية، فنساء شمال وشرق سوريا تعيشن مع جميع المكونات بعدل ومساواة ضمن الإدارة الذاتية، ومشاركات فى جميع مجالات الحياة.


تطبيق قانون خاص بالمرأة الكردستانية ينسجم مع رؤية أوجلان
لم يتعلق الأمر بالإمساك بالسلاح فقط، وإنما تعداه للمكتسبات والحقوق الاجتماعية، ففى عام 2014، أصدرت الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا فى شمال سوريا قانونًا للمساواة بين الرجل والمرأة ومنع العنف والتمييز ضد المرأة، فضلًا عن منع تعدد الزوجات، وحظر زواج الأنثى قبل سن الـ 18 عامًا، ونُصَّ فى القانون على أن يتحمّل الطرفان تكاليف الزواج، كما أُقرَّ فيه أيضاً توزيع الميراث بالتساوى بين الطرفين.

وقضى القانون بـ«المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة فى كافة مجالات الحياة العامة والخاصة»، وبينها منع تعدد الزوجات، وهذا القانون يلتقى مع بعض القوانين الاوربية ، واستند فى جزء كبير منه إلى رؤية زعيم حزب العمال الكردستانى عبد الله أوجلان إزاء دور المرأة.

ومنح القانون المرأة الحق فى الترشح، وتولى جميع المناصب، وتشكيل التنظيمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وألغى القانون المَهر باعتباره قيمة مادية هدفها «امتلاك المرأة»، حيث تحل محله مشاركة الطرفين فى تأمين الحياة التشاركية، كما فُرضت عقوبة مشددة ومتساوية [على كل من الزوجين] وعلى مرتكب الخيانة الزوجية من الطرفين، ومنح قانون المرأة الحق فى حضانة أطفالها حتى إتمامهم سن الـ 15 عاماً، سواء تزوجت أم لم تتزوج ويكون بعدها حق الاختيار للأولاد. وقد تم تطبيق القانون منذ صدورة بالجريدة الرسمية منذ مطلع تشرين ثان/ نوفمبر 2014 م.
من كل ما سبق يتضح لنا الصورة الكامنة عن المرأة الكردستانية فى فكر أوجلان وكيف رسم لها صورة حية مفعمة بالمتناقضات عبر الزمن تأرجحت بين الأنثى والأم والمحاربة والثورية والحزبية راغبًا من وراء كل ذلك تحقيق فكرة الحرية والمسؤولية تجاه الوطن من خلال روح الحياة وطاقتها ألا وهى المرأة.


قائمة المصادر
(1) عبدالله أوجلان ، ترجمة ، بشرى على ، كيف نعيش (1) المرأة الكردستانية الحرة ، دار نفرتيتى للنشر ودار شيلر للنشر ، ط1 ، 2022.
(2) بشرى على ، مانيفستو ( حرية المرأة فى القرن الحادى والعشرين )، منشورات أكاديمة المرأة الحرة ، 2021م.
(3) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، أيديولوجيا حرية المرأة ، 30 أكتوبر 2021. https://shermola.net/?p=1329
(4) ألف رسالة كتبت بيد نساء مكونات شمال وشرق سوريا للقائد 12
https://kongrastar.org/ar/?p=18770&fbclid=IwAR0NgkuXYubGqtiGv0o1NkoTAH6iBJXrdbKtpYzWMAKUhXyak7ruOg8IsLA
(5)https://ronahi.net/?p=179113&fbclid=IwAR0OZ1X0gMYKYybf3OtVPHXflJ6yJW70uSrVt3QUhAsMSpjpTR4NdPha2s
(6) مجلة قلمون ، العدد الثانى ، أغسطس 2017، المرأة الكردستانية الدور والمنزلة وفقا للغيرات المختلفة، ص ص 278- 298.
(7) https://www.ammonnews.net/article/470851
(8)https://www.welateme.info/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=567
(9) روشن مسلم ، المرأة فى فكر عبد الله أوجلان ، مجلة الشرق الأوسظ الديمقراطى ، عدد 51، 25 يناير 2021
https://alawset.info/2021/01/25/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9%D9%81%D9%8A%D9%81%D9%83%D8%B1%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87%D8%A3%D9%88%D8%AC%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86-2
(10) أهم ما جاء فى أطروحات القائد أوجلان عن المرأة والعائلة
https://ronahi.net/?p=99547
(11) القائد عبد الله أوجلان: التكاتف الاجتماعى أساس تقدم المجتمع وقوته
https://ronahi.net/?p=99547
(12) أمل محى الدين الكردى، المرأة والمقاتلة الكردى
https://www.ammonnews.net/article/470851
(13) المرأة الكردستانية.. من أين وإلى أين؟..لماذا التنظيم النسائى الخاص؟
https://www.eldiwan.org/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%AF%D9%8A%D8%A9%D9%85%D9%86%D8%A3%D9%8A%D9%86%D9%88%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A3%D9%8A%D9%86%D8%9F-%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7/
(14) الهام أحمد، الحياة الندية المشتركة
https://dengekurdistan.net/2018/10/31/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D9%83%D8%A9/
(15) نذير رضا، الكُرد يباشرون تطبيق قانون خاص بالمرأة ينسجم مع رؤية أوجلان ، مجلة الشرق الأسط، 21 نوفمبر 2014.
https://aawsat.com/home/article/226766/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A8%D8%A7%D8%B4%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%AA%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D9%82%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86%D8%AE%D8%A7%D8%B5%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9%D9%8A%D9%86%D8%B3%D8%AC%D9%85%D9%85%D8%B9%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9%D8%A3%D9%88%D8%AC%D9%84%D8%A7%D9%86
(16) خود العيسى: فكر القائد عبدلله اوجلان حرّر المرأة من الظلم ووحّدها فى العالم
https://freedomocalansyria.com/?p=4504
(17) شيرين محمد، فكر القائد أوجلان منارة لحرية كافة النساء والمجتمعات ، وكالة أنباء المرأة ،8 فبراير 2023م.
https://jinhaagency1.com/ar/alhyat/fkr-alqayd-awjlan-mnart-lhryt-kaft-alnsa-walmjtmat-35805
(18) أميرة بدوى ، أصوات النساء فى مواجهة داعش… الحركة النسوية الكردستانية، أول يولية 2023م.
https://www.alfaisalmag.com/?p=29735
(19) أرين ميركان بطلة كوبانى.
https://pydrojava.org/%D8%A2%D8%B1%D9%8A%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7%D9%86%D8%A8%D8%B7%D9%84%D8%A9%D9%83%D9%88%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A/
(20) غرفة أوجلأنيزم: محور نقاش مصطلح ” جينولوجيا ” بتاريخ 4 مايو 2020. https://www.geo-strategic.com/2020/05/04052020.html
(21) روناهي نودا ، “الجنولوجيا” علم ومعرفة ووعي النساء(1)، 2 فبراير 2022. https://jinhaagency1.com/ar/mlf/aljnwlwjya-lm-wmrft-wwy-alnsa-1-28398

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى