
عقد مركز أتون للدراسات حلقة نقاشية حول التحديات التي تواجه المرأة في الشرق الأوسط في إطار الاحتفالات بيوم العالمي للمرأة الذي يوافق 8 مارس من كل 2024، بحضور كل من الدكتورة فرناز عطية أستاذة العلوم السياسية، والدكتورة سحر حسن أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، وأسماء الحسيني مدير تحرير الأهرام، والدكتورة ليلى موسى ممثل مجلس سوريا الديمقراطية في مصر، والسيدة زهيدة معمو عضو مؤسسة جينولوجيا (علم المرأة) بالشرق الأوسط، والإعلامية ريم أحمد.
وخلال الحلقة النقاشية، أجمع المشاركون على أن النساء يتعرضن لأشكال مختلفة من العنف بمختلف صوره النفسية والجسدية والجنسية، وسط تأكيدات على ضرورة إعادة النظر في التشريعات القائمة وتحديث الخطاب الديني، بالإضافة إلى الحث على تعزيز دور المجتمع المدني لدعم تكوين مجتمع يحترم حقوق المرأة.
قدمت الحلقة الدكتورة فرناز عطية أستاذة العلوم السياسية والتي استهلت الحديث بالإشارة إلى خلفيات الاحتفال باليوم العالمي للمرأة والتي كانت بدأت بتجمع 15 ألف متظاهرة في نيويورك احتجاجا على بعض الممارسات ضد المرأة المتعلقة بساعات العمل الطويلة وكذلك الدخل البسيط، مقابل ساعات العمل والانتهاكات التي تعرضن لهن النساء وخاصة في مجال العمل إبان الثورة الصناعية عام 1908.
ولفتت إلى أن الحزب الاشتراكي في الولايات المتحدة الأمريكية اعترف وقتها بهذا اليوم وأُطلق عليه اليوم العالمي للمرأة، لافتة إلى أن الحلقة ستتطرق إلى عدد من النقاط منها الحديث عن تجربة المرأة الكردية وعن المرأة في الوطن العربي والسودان، فضلا عن الانتهاكات التي تواجه النساء وأهم المقترحات للتغلب عليها.

المرأة روح المجتمع
الدكتورة سحر أحمد حسن أستاذة التاريخ الحديث والمعاصر تحدثت عن اليوم العالمي للمرأة بأنه يوم عيد، فالمرأة في كل المجتمعات هي روح المجتمع الناضج، وهي نبض المجتمعات، لذلك يجب أن نحتفي بالمرأة وبإنجازاتها على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، كما نؤكد على ضرورة المساواة بين الجنسين وتعزيز دور المرأة في المجتمع الذي لا يقل أهمية عن دور الرجل في بناء مستقبل أفضل.
وركزت الدكتور سحر حسن على تجربة المرأة الكردية والتي قالت إنه عند الحديث عنها يجب ذكر كتابات السيد عبدالله أوجلان الداعم لقضية المرأة، فجميع الكلمات لا تصف ما فعله مع المرأة، على حد قولها، مضيفة أن أفكار أوجلان غيرت من وضع المرأة وجعلتها مفتاح للحياة، فربط المرأة الكردستانية بمعيشة الإنسان وتفاعلها مع المجتمع سواء كان ذكر أم أنثي كأنه يصف الحياة ومسيرتها وتفاعلاتها المجتمعية من خلال المرأة التي تمثل نصف المجتمع، ولكنه في الواقع بمسؤوليتها عن النصف الأخر تمثل المجتمع بأكمله، فعلى عاتقها تقع المسؤولية.
وأشارت إلى أن المرأة الكردية ناضلت عبر تاريخها ضد العنف والعنصرية وقدمت للتاريخ أجمل صور وصفحات مشرقة من سير النساء الكرديات اللواتي ناضلن وكافحن من أجل نيل حريتهن، مجددة التأكيد على أن الفضل الأكبر لتحقيق المرأة الكردستانية لكثير من حقوقها يرجع للمفكر عبدالله أوجلان الذي وضع يده على الجرح، وتعمق في التفاصيل وبنظريته المجتمعية شرح كيفية التخلص من العوائق التي تزيد العلاقات المجتمعية تعقيدا، وعبر من خلال مؤلفاته عن مدى حاجتنا إلى نظام كبير للعلاقات، كما ربط قضية المرأة بقضية الوطن.
وقالت أستاذة التاريخ المعاصر، إن حزب العمال الكردستاني تبنى قضية المرأة كما انضم لهذا الحزب عدد كبير من السيدات ليتحول لمركز جذب قوي لهن، وتبني قضية حرية المرأة، وهكذا لم تعد المرأة مجرد أم مضحية صامتة، أو زوجة مطيعة خنوعه، فمع خوض الصراع تجاه هذه النماذج التقليدية بدأ تصور نموذج المرأة الحرة العصرية المتميزة بالانضباط والمتحلية بالوعي.
وأشارت إلى أنه في كتاباته أيضا وصف المرأة بأنها طاقة الحياة، كما أن المأكل والمشرب والتكاثر ليسوا هما الحياة للمرأة بل ما يحفظ كيانها ومنزلتها هو انكشاف الأفكار والفهم المتبادل بين الطرفين والعلاقات الإنسانية القائمة على المشاركة.
تحديات كبيرة
الأستاذة أسماء الحسيني مدير تحرير جريدة الأهرام والمتخصصة في الشئون العربية والأفريقية بدورها ترى أن المرأة تواجه تحديات كبير جدا على كل الأصعدة، فالاحتفال باليوم العالمي للمرأة يجب أن يكون مناسبة ثابتة حتى نعيد النظر في أوضاع المرأة من جوانب وأبعاد متعددة، ونؤكد فيها على أهمية دور المرأة وضرورة الاعتراف بهذا الدور، وتمثيل المرأة في كافة مؤسسات الدولة والمجتمع وتسليط الضوء على المعاناة التي تواجها نساء بلادنا على أصعدة مختلفة وكيفية مساعدة المرأة في مواجهة هذه التحديات الهائلة.
وتحدثت عن التكريم الإلهي للمرأة، إذ قالت إن الله كرم المرأة وجعلها شقيقة الرجل في كل الأديان السماوية وفي كل الشرائع، كما أن مكانتها عند الخالق تظهر من أنها هي التي تؤمّن بقاء واستمرار الجنس البشري، فدور المرأة هو دور مهم جدا ومتعدد في المجتمع، مشددة على أنه لا يمكن أن نتخيل الحياة دون دورها ودون الاعتراف به.
وأعربت الأستاذة أسماء الحسيني عن أسفها الشديد تجاه غياب المرأة في بلادنا عن التمكين الكافي الذي يليق بأدوارها المتعددة ومكانتها في العالم العربي، قائلة إنه لا تزال هناك تحديات ومشاكل كبيرة تواجهها المرأة بالرغم من التقدم الذي حدث خلال العقود الماضية، فهناك كثير من الحقوق لم تحصل عليها المرأة العربية ويتفاوت هذا الأمر من بلد لآخر.
ولفتت إلى أن النساء لا يزلن هُن من تدفعن فاتورة الحروب والنزاعات، ومن تتحملن العبء الأكبر في إعالة الأسرة وتحمل مسئوليات أسرهن وأطفالهن في أوقات السلم والحربي، وفي دول أصبحت في معظمها أو في مجملها تعيش أوضاع مأزومة على الصعيد الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وشدد على أنه في الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة يجب على النساء أن يعملن من أجل تنظيم صفوفهن ووضع برامج لحماية المرأة وتعليمها وتأهيلها وتمكينها ورفع مستوى الوعي بقضاياها في الريف والبوادي والمدن، وفي أماكن النزوح واللجوء والتشرد، من أجل استعادة حقوقها ومن أجل رد المظالم ورفعها عنها ومن أجل تشكيل وعي مجتمعي يعترف بدورها وحقوقها ولا يتعسف إيذاؤها.
وأكدت على أنه في اليوم العالمي للمرأة ضرورة إعلان المساندة الكاملة والتعاطف مع “أخواتنا الصابرات الصامدات المكافحات في غزة”، ومع المرأة الكردية والسودانية واليمنية والسورية والليبية والعراقية وفي سائر بلادنا، حيث يقبضن على الجمر ويواجهن صعوبات الحياة بكل أشكالها، فننحني إجلالا وإكبارا لكل هؤلاء النساء المكافحات المناضلات، اللواتي يضربن أروع الأمثلة في الصبر والصمود والتضحية، من أجل أسرهن وأوطانهن، كما أكدت كذلك على ضرورة وحدة العمل النسائي العربي من أجل توثيق الانتهاكات ضد المرأة في غزة والأراضي الفلسطينية، وفي جميع البلاد التي تشهد صراعات والدفع بهذا التوثيق للمنظمات الدولية لملاحقة مرتكبيها وحماية النساء والشعوب العربية.

الدور الريادي للمرأة
السيدة ليلى موسى ممثل مجلس سوريا الديمقراطية في مصر “مسد”، بدورها سلطت الضوء على عصر الأمومة أو العصر الذي اعتبرت فيه الأم آخر الإلهة، والتي قالت إنه لم يأت من فراغ إنما هو نتيجة ما قدمته المرأة في تلك العصور من إبداع وخلق لأنه بهذا الوقت كانت المرأة تعيش دورها الطبيعي داخل المجتمع، لذلك النساء بفضل فطرتهن وما تمتلكن من مقدرات ومؤهلات كن تقدن دور الريادة في الثورة الزراعية والكثير من الصناعات والأشياء الأخرى التي كان الإنسان بحاجة إليها.
وقالت “موسى” إن الانكسار الذي حدث في مسيرة المرأة عبر التاريخ نتيجة السلطات استبدادية، فهذه السلطات لم تكن لديها القدرة على الاستمرارية ما لم تحدث شرخا داخل المجتمع، وكانت نقطة الارتكاز الأساسية هي استهداف المرأة، وبشكل تدريجي تم تجريد المرأة من الدور الطبيعي الذي كانت تتمتع بها تاريخيا وحصرها في مجال معين هو داخل البيت وإنجاب الأطفال والحياة الأسرية، لذلك مع مرور الزمن هذه المجتمعات التي كانت تعيش حالات سليمة، تطورت إلى مجتمعات مليئة بالمشاكل والتناقضات والأزمات، مما أدى إلى استبعاد المرأة بشكل ممنهج.
وأوضحت أن كثيرا من المجتمعات التي تدعي أنها مجتمعات ديمقراطية، والمرأة تتبوأ فيها مناصب، إلا أن هذه المناصب لا تتحدث الحالة الشكلية، لأن النقلة المرجوة الحقيقة داخل المجتمعات إلى اليوم لم تحدث، والسبب يعود إلى الثقافة الذكورية التي أصبح عمرها عقودا من الزمن، فبالتالي دائما هناك حالة رفض ودائما هناك حالة مقاومة من الطرف الأخر، بحيث يحافظ على المكتسبات التي حققها باستعباده واستبداده للمرأة.
وأكدت على أن المرأة تحتاج في الوقت الحالي إلى التمكين أكثر من أي وقت مضى، مع عودتها إلى ذاتها وكيانها فعندما تدرك المرأة ذاتها بهويتيه الأنثوية تستطيع أن تدرك مجتمعها، مما يجعلها تصل بمجتمعها إلى بر الأمان، مشددة على أن قضايا المرأة واحدة مهما اختلفت الأزمان ومهما اختلفت المجتمعات.
8 مارس يوم النضال
وعبر خاصية الفيديو تحدثت السيدة زهيدة معمو عضو مؤسسة جينولوجيا (علم المرأة) بالشرق الأوسط، مقدمة التهانئ للمرأة حول العالم، والمرأة المكافحة والمناضلة والثورية كما هنأت جميع الثورات النسائية حول العالم وبالأخص في الشرق الأوسط والنساء العربيات والكرديات، مركزة كذلك على نساء فلسطين اللواتي يقاومن في الوقت الحالي ضد الاحتلال وممارساته، ونساء مصر كذلك.
وقالت معمو إن الثورة النسائية هي التي خلفت الصدى للمرأة حول العالم، ونحن كجينولوجيين ندعم هذه الثورات النسائية حول العالم، وبما أن الجينولوجيا هي علم دراسة وأبحاث تاريخ المرأة ومكتسباتها ونضالها عبر التاريخ، لذلك نحن اليوم في هذا العلم نضع الثورة النسائية في المقدمة، لذلك نحن نعتبر يوم 8 مارس هو يوم النضال ويوم استمرار المقاومة، وإذ رجعنا لصفحات التاريخ سنرى أن الحركات النسائية حول العالم من النساء الأوروبية والعربية والكردية كانوا من الأوائل في تسطير ملاحم بطولية في الثورات.
وأشارت إلى أنه في 8 مارس سطرن النساء مثالا واضح في شمال وشرق سوريا وهي أن الثورة النسائية في روج أفا كان لها صدى كبير وواسع حول العالم لذلك نعتبر أن اليوم العالمي للمرأة هو يوم لدعم الحركات النسائية حول العالم، فالثورة في روج أفا لم تكن ثورة نسائية كردية فقط بل كان ثورة نسائية كردية سورية لأنها ضمنت جميع النساء من كافة المكونات والأطياف والثقافات وانتشرت بشكل واسع بداخل سوريا.