دراسات

الذكاء الاصطناعي يقود الانتخابات الأمريكية

تحليل د. أحمد فتحي

تخطط ما لا يقل عن 64 دولة من ضمنها الولايات المتحدة ودول في الاتحاد الأوروبي لإجراء انتخابات وطنية في عام 2024، لتفتح المجال للتوسع في استخدام التقنيات الذكاء الاصطناعي التي أصبحت تحتل مكانة بارزة بشكل متزايد في السياسة. وفي بلدان مختلفة مثل تركيا والأرجنتين والهند، استخدم مديرو الحملات الانتخابية في 2023 الذكاء الاصطناعي لتعزيز مرشحهم أو لتشويه سمعة الخصم. وفي الوقت ذاته، في روسيا، حيث تعتبر الانتخابات شأنًا منسقًا للغاية، يستخدم المديرون السياسيون الذكاء الاصطناعي لتشويه سمعة الناشطين المناهضين للحرب على أوكرانيا والمهاجرين السياسيين ذوي النفوذ.

الذكاء الاصطناعي في الحملات الانتخابية

لقد تغير نموذج الحملة الانتخابية في جميع أنحاء العالم، حيث يهيمن الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي الآن على الطرق التقليدية للحملة الانتخابية. ويعتمد الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي على تحليل البيانات الضخمة لفهم السمات النفسية والسلوكية الفريدة للناخبين، ومن خلاله يقنعوا الناخبين بالتصويت لسياسي/حزب سياسي معين وخلقوا تحيزًا ضد المعارضين السياسيين خلال الانتخابات. وتعد تقنية “التزييف العميق” وروبوتات شبكات التواصل الاجتماعي الآلية “اللجان الإلكترونية” من بين التطورات الشهيرة في مجال التكنولوجيا والتي تُستخدم الآن بشكل كبير للتلاعب وتغيير آراء الناخبين خلال الحملة الانتخابية.

باستخدام تقنية التزييف العميق ، يمكن تشويه صورة المرشح أو وتوجيه الناخبين نحو مرشح معين أو بعيدًا عنه – أو حتى تجنب صناديق الاقتراع تمامًا. وربما يكون التهديد الأكبر للديمقراطية، هو زيادة حالات التزييف العميق للذكاء الاصطناعي يمكن أن تؤدي إلى تآكل ثقة الجمهور فيما يرونه ويسمعونه.

تتضمن بعض الأمثلة الحديثة للتزييف العميق باستخدام الذكاء الاصطناعي ما يلي:

– مقطع فيديو لرئيسة مولدوفا الموالية للغرب وهي تلقي دعمها لحزب سياسي صديق لروسيا.

– مقاطع صوتية لزعيم الحزب الليبرالي في سلوفاكيا يناقش تزوير الأصوات ورفع أسعار البيرة.

– مقطع فيديو لنائبة معارضة في بنغلادش – وهي دولة ذات أغلبية مسلمة محافظة – وهي ترتدي البيكيني.

إن حداثة التكنولوجيا وتطورها يجعل من الصعب تتبع من يقف وراء التزييف العميق للذكاء الاصطناعي. ويقول الخبراء إن الحكومات والشركات ليست قادرة بعد على وقف الطوفان، كما أنها لا تتحرك بالسرعة الكافية لحل المشكلة.

السياسة الانتخابية التي يقودها الذكاء الاصطناعي: ما يمكن أن نتعلمه من عام 2023

الأرجنتين: في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية في الأرجنتين في أكتوبر 2023، خلال ما يعرف الآن بأول حملة انتخابية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، استخدمت الفرق المتنافسة تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنشاء صور ومقاطع فيديو للترويج وشن هجمات على بعضها البعض.

أحد المرشحين للرئاسة، سيرجيو ماسا، طلب من فريقه إنشاء مقطع فيديو يظهر منافسه الرئيسي، خافيير مايلي، يشرح فيه الإيرادات الافتراضية التي يمكن تحقيقها من بيع الأعضاء البشرية ويقترح أنه لهذا السبب، يمكن للآباء التفكير في الحصول على الأعضاء البشرية لأطفالهم باعتباره “استثمارا طويل الأجل”. على الرغم من تصنيف الفيديو صراحةً على أنه تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي، فقد تمت مشاركته بسرعة على منصات مختلفة دون إخلاء المسؤولية.

وقد تمت مشاهدة الصور التي أنشأها الذكاء الاصطناعي للحملات الانتخابية الرئاسية في الأرجنتين أكثر من 30 مليون مرة. وعلى الرغم من حملة التشهير هذه، استطاع مايلي تحقيق الفوز والذي تبنى توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة، ودعم أوكرانيا ردًا على الغزو الروسي، وإبعاد الأرجنتين عن العلاقات الجيوسياسية مع الصين.

تركيا: مثال خطير آخر يتعلق بالانتخابات يأتي من الحملة الرئاسية في تركيا لعام 2023. فاز رجب أردوغان في الانتخابات، وخلال حملته استخدم وسائل أكثر تقليدية للقضاء على المنافسين غير المرغوب فيهم وممارسة السيطرة على وسائل الإعلام لضمان فوزه، بجانب استخدام تقنيات فيديوهات التزييف العميق ضد المعارضين لتشويه حياتهم السياسية في غضون دقائق.

الخداع عالي التقنية للانتخابات الأمريكية

حصل جو بايدن ودونالد ترامب على المندوبين اللازمين ليكونا مرشحي حزبيهما للرئاسة في انتخابات عام 2024. وباستثناء الأحداث غير المتوقعة، سيتم ترشيح الاثنين رسميًا في مؤتمرات الحزب هذا الصيف وسيتواجهان في صناديق الاقتراع في 5 نوفمبر المقبل.

ومن المؤكد أم الانتخابات الحالية ستشهد مزيجًا قويًا من الأخبار والمعلومات المضللة التي يتم تقديمها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن الجديد هذا العام هو أدوات الذكاء الاصطناعي القوية التوليدية مثل ChatGPT وSora التي تسهل إغراق الناخبين بالدعاية والمعلومات المضللة وإنتاج صور مزيفة مقنعة.

ويستغل ترامب حالة الفوضى بين الواقع والذكاء الاصطناعي ليتبرأ من بعض تصريحاته وأفعاله السابقة باعتبارها مزيفة. فقد أشار ترامب ضمنيًا على منصة Truth Social الخاصة به في 12 مارس 2024، إلى أن مقاطع الفيديو له التي عرضها أعضاء مجلس النواب الديمقراطيون تم إنتاجها أو تعديلها باستخدام الذكاء الاصطناعي.

أصبحت الإعلانات السياسية المزيفة على بعد خطوة واحدة من الحظر في ولاية أيداهو قبل وقت قصير من الانتخابات التمهيدية، فيمكن لهذه الإعلانات، التي يتم إنشاؤها من خلال الذكاء الاصطناعي، التلاعب بلقطات فيديو أو إنشاء صوت واقعي يحاكي الصوت الفعلي للشخص – في هذه الحالة، مرشح سياسي، لتقرر الولاية بشكل استثنائي التصويت على قانون يجبر المعلنين على توضيح أي شيء يستخدم الفيديو أن يتضمن نصًا واضحًا يفيد بأن اللقطات أو الصوت قد تم التلاعب به. سيُطلب أيضًا من الإعلانات الصوتية فقط أن تتضمن توضيحات متعددة في البداية والنهاية وجميع أنحاء المحتوى.

أما عن التأثيرات الخارجية للذكاء لاصطناعي على الانتخابات الأمريكية، فقد أوضح الخبير الأمني بروس شناير في تقرير عن صادر عن كلية هارفارد كينيدي أن هناك الكثير من الحملات لنشر المعلومات المضللة أكثر من توليد المحتوى في الولايات المتحدة، ولكن “الجزء الصعب هو التوزيع، ويحتاج المروج إلى سلسلة من الحسابات المزيفة للنشر عليها، وحسابات أخرى لنشرها في الاتجاه السائد حيث يمكن أن تنتشر على نطاق واسع.” ووفقا لشناير، فإن لدى “روسيا والصين تاريخا في اختبار حملات التضليل”.

ومن الصعب أيضًا التصدي لحملات التضليل التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لأنها يمكن أن تشمل الروبوتات ـ حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الآلية التي تتظاهر بأنها أشخاص حقيقيون ــ ويمكن أن تشمل تفاعلات عبر الإنترنت مصممة خصيصًا للأفراد، ربما على مدار الانتخابات وربما مع ملايين الأشخاص.

ومع احتدام السباق الرئاسي الأمريكي، حذر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي مؤخرًا من التهديد المتزايد، قائلاً إن الذكاء الاصطناعي التوليدي يجعل من السهل على “الخصوم الأجانب الانخراط في نفوذ خبيث”.

استخدامات الذكاء الاصطناعي في السياق الروسي

تمثل روسيا حالة مثيرة للاهتمام عالم الذكاء الاصطناعي السياسي. ولا يحتاج الكرملين إلى حملات يقودها الذكاء الاصطناعي لأنه يدير الانتخابات باستخدام وسائل سلطوية تقليدية في الغالب للقمع السياسي والسيطرة على وصول المرشحين المحتملين إلى صناديق الاقتراع. لكن المديرين السياسيين في روسيا يستخدمون بشكل متزايد التزييف العميق ضد المعارضين السياسيين للرئيس بوتين.

أحد الأساليب المفضلة للكرملين هو خلق سيل من الروايات البديلة والمتغيرة لتقويض الثقة. في بداية الغزو واسع النطاق ضد أوكرانيا، قام المتسللون بتحميل فيديو مزيف للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على موقع أوكراني شهير، يظهر التزييف العميق زيلينسكي وهو يحث الجيش الأوكراني على الاستسلام. وحتى إن كان مقطع الفيديو المزيف العميق تم إنتاجه بشكل سيئ إلا أن نشره في وقت كانت فيه حرب المعلومات في ذروتها قد يزيد من حالة عدم اليقين ويصب في مصلحة موسكو الذي يهدف إلى زعزعة استقرار المجتمع المدني في أوكرانيا.

مستقبل الذكاء الاصطناعي يحمل الكثير

وبينما نقف على حافة حقبة جديدة شكلها التقدم السريع في الذكاء الاصطناعي، فإن مسألة كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على ثقة الجمهور في العملية الانتخابية لم تكن أكثر أهمية من أي وقت مضى. لا يمكن للقوى الفاعلة في العملية الانتخابية إنكار قدرته على إحداث ثورة في الحملات السياسية، وتعزيز مشاركة الناخبين، وتبسيط الاستراتيجيات الانتخابية. ومع ذلك، إلى جانب هذه الفوائد، يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تقويض أسس الديمقراطية من خلال نشر المعلومات المضللة والمزيفة، والتلاعب بسلوك الناخبين، وإدخال نقاط الضعف في الأمن السيبراني.

وبينما نمضي قدما، من الضروري أن ندرك أن الحلول لهذه التحديات لن يتم إيجادها في التكنولوجيا وحدها، بل في قدرة المؤسسات الديمقراطية على الصمود والإرادة الجماعية للمجتمع الدولي، حيث يشكل دور صناع السياسات والتكنولوجيين والمجتمع المدني والناخبين أهمية قصوى في هذا المسعى. ومن خلال التعاون والابتكار والالتزام الثابت بالمبادئ الديمقراطية، يمكننا التخفيف من الآثار السلبية للذكاء الاصطناعي على العملية الانتخابية وضمان بقاء الثقة في أيدي الناخبين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى