
من آونة لأخرى لا تزال التنظيمات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط تطل علينا بواقعة إرهابية جديدة هنا وهناك، حيث أن نشاطها الإرهابي ما يزال مستمرًا بل ويزدهر في مناطق بعينها، سواءً كان تنظيم القاعدة أو تنظيم داعش الإرهابيين، وبالرغم من إعلان حرب دولية على هذه التنظيمات، إلا أن هذه الحرب خففت من سطوة هذه التنظيمات، ولكنها فشلت في قطع دابرها من منطقة الشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال: فإن تنظيم داعش الذي أعلن التحالف الدولي الحرب عليه بعد أن سيطر على مناطق شاسعة من سوريا والعراق 2014، ومني بعدها بالهزيمة 2017 في العراق، ومن ثم في سوريا 2019، لم يتمكن من إعلان سيطرته على منطقة معينة؛ لكنه لجأ إلى أسلوب (الذئاب المنفردةlonely wolfs ) لتنفيذ عمليات في أماكن متعددة حول العالم وليس الشرق الأوسط فحسب، خاطفاً الأنظار والأضواء من غريمه تنظيم “القاعدة” ، وبالتالي فإن هذه التنظيمات تخبو وتأفل، ولكنها تنتعش وتعود للنشاط من وقت لآخر.
مؤشرات إعادة انتعاش التنظيمات الإرهابية:
- استمرار تنفيذ التنظيمات الإرهابية لأعمال بشكل متلاحق ومتزايد:
ففي اليمن تشهد مناطق مودية، التي تقع جنوبي مدينة العين، اشتباكات متقطعة بين عناصر تنظيم “القاعدة” والقوات الجنوبية منذ حوالي عام ونصف؛ مما يؤكد انتعاش هذا التنظيم ومحاولته إثبات تواجده من حين لآخر في مناطق تمركزه، حيث قام التنظيم مؤخرًا بنصب كمين مسلح في منطقة وادي عمران بمحافظة أبين 25 مارس 2024، والذي أسفر عن مقتل جنديين وإصابة 3 آخرين، أما عن تنظيم داعش فمنذ بداية شهر رمضان الحالي قام بقتل نحو 80 بينهم 22 مدنياً، من بينهم 50 شخصًا في 32 عملية ضمن مناطق البادية السورية، ومنذ مطلع العام الحالي، نفذ تنظيم داعش 92 عملية في البادية السورية وقتل 258 من العسكريين والمدنيين، و 66 عملية لخلايا التنظيم ضمن مناطق الإدارة الذاتية منذ مطلع العام 2024 تخلف نحو 30 قتيلاً من عسكريين ومدنيين، وفي 29 فبراير 2024 أي في الشهر 115 على إعلان “خلافة البغدادي” واصل التنظيم تصعيده ونفذ 60 عملية في البادية ومناطق قسد وقتل نحو 80 من العسكريين والمدنيين. - الانتشار وتكثيف العمليات:
أكد تقرير “مودرن دبلوماسي” الأوروبي 2023، تحت عنوان “كيف يشكّل النمو الأخير للقاعدة في أفريقيا تهديداً للأمن العالمي”، عن تعاظم نشاط التنظيم الإرهابي في أفريقيا في الآونة الأخيرة، وسعي التنظيم لتجنيد المزيد من الأعضاء من مختلف البلدان الأفريقية، وهذا ما أكده أيضًا وزارة الخارجية الأمريكية 10 يناير 2023 حول ” مسح مشهد التهديد الإرهابي لعام 2023″.
أما عن تنظيم داعش فينتشر في سوريا في مناطق البادية السورية على نحو 4000 كلم مربعًا بداية من منطقة جبل أبو رجمين في شمال شرق تدمر، وصولاً إلى بادية دير الزور وريفها الغربي، بالإضافة لتواجده في بادية السخنة وفي شمال الحدود الإدارية لمحافظة السويداء، ناهيك عن تواجده في العراق حيث يأخذ شكل المفارز هناك، والمكونة من أعداد محدودة وشرسة في ذات الوقت. - تفوق الفروع على المراكز:
ويلاحظ مؤخرًا انتشار فروع للتنظيمات الإرهابية خارج الشرق الأوسط أكثر نشاطًا من المراكز الرئيسية للتنظيمات في سوريا والعراق، كفرع تنظيم “داعش – خراسان” الذي تخطى نشاطه حدود أفغانستان، وأعلن مسؤوليته عن عمليات منفذه في روسيا، وآسيا الصغرى وإيران وتركيا، ومنها: الحادث الإرهابي في روسيا 22 /3/2024 بمجمع العروض الترفيهية “كروكوس سيتي هول” في كراسنوغورسك بضواحي موسكو، الذي أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 139 شخصاً، وفي يناير 2024 أعلن فرع التنظيم مسئوليته عن حادث كرمان جنوبي إيران عند مقبرة “قاسم سليماني” مسؤول العلميات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني، والذي قضى على إثره 84 شخصاً وأصيب 284 آخرين، وكذلك فرع تنظيم “القاعدة” في أفريقيا الذي أصبح أكثر ناطًا في عدد من الدول الإفريقية كمالي والنيجر. - سرعة التجنيد والإحلال وملئ الشواغر:
اتسمت التنظيمات الإرهابية الموجودة في الشرق الأوسط، بقدرتها على تجنيد عدد كبير من الأعضاء تحت مظلتها، وتدريبهم، لاسيما في فروعها خارج منطقة الشرق الأوسط، خاصة في مناطق أفريقيا وآسيا الصغرى من الطاجيك والأوزبك ، كما اتسمت المراكز أيضًا بسرعة إيجاد البديل الجاهز مما يدلل على الاستعداد والجاهزية وتوافر الصف الثاني الذي يمكن الاستعانة به في أي وقت، ويظهر ذلك في تولي سعد بن عاطف العولقي زعامة تنظيم “القاعدة” خلافًا لـ “خالد باطرفي” الذي قضى في ظروف غامضة وبشكل مفاجئ في مارس 2024.
محفزات استمرار نشاط التنظيمات الإرهابية وتواجدها في المنطقة: - استمرار حالة عدم الاستقرار والاضطرابات الأمنية داخل دول المنطقة، فأساس ظهور هذه الجماعات وازدهار نشاطها في دول الشرق الأوسط صاحب فترات الضعف والتوتر الأمني الذي مرت به دول الشرق الأوسط، خاصة في مرحلة ما يسمى بـ”الربيع العربي” الذي اتبعه ظهور تنظيم “داعش” في كل من سوريا والعراق، أما مؤخرًا فقد شجعت الانقلابات السياسية التي شهدتها عدد من الدول الإفريقية على نشاط هذه التنظيمات، لاسيما مع انشغال جيوش هذه الدول بالقيادة السياسية عقب الانقلابات.
- استغلال حالة الصراع والتنافس بين الدول الكبرى كالولايات المتحدة وروسيا في منطقة الشرق الأوسط، وفرنسا وروسيا في دول الساحل الإفريقي، لاسيما مع دعم دول كبرى لمثل هذه التنظيمات ماديًا ومعلوماتيًا ولوجستيًا، إلى جانب انتشار حروب الوكالة واحتدامها في منطقة الشرق الأوسط، وتوسعها في مناطق جديدة كأفريقيا، ودعم فاعلين دوليين وإقليميين لهذه الحروب، أضف إلى ذلك الارتباط بين قضايا الشرق الأوسط وقضايا أخرى في العالم مما يسمح بتوظيف نشاط هذه التنظيمات كجزء من عمليات الضغط والمساومات بين الدول الأطراف.
- ضعف البنية الأمنية وتدهور الأوضاع الاقتصادية في عدد من الدول الشرق الأوسط، إلى جانب العلاقات القبلية، وهوما يساعد على انتشار التنظيمات الإرهابية، وازدهار نشاطها.
- قيام هذه التنظيمات بتوقفات تعبوية لإعادة توحيد صفوفها مما يتيح لها تنفيذ أكثر من عملية في أكثر من دولة.
- ازدياد أعداد اللاجئين والنازحين في منطقة الشرق الأوسط بسبب الحروب والاضطرابات السياسية، وعدم تصفية بؤر التطرف، مما يوفر مناخًا مناسبًا لانتشار العنف، حيث تصبح تجمعات اللاجئين حاضنات للمجموعات المتطرفة العنيفة، ومثال ذلك مخيم الهول في سوريا.
- تولي زعماء من ذوي الكاريزما قيادة هذه التنظيمات وفروعها، مما يؤدي إلى تجديد نشاطها وازدهاره، وعدم تجفيف منابع التمويل التي تدعم التنظيمات الإرهابية.
- انتشار المظلوميات في الشرق الأوسط “كالقضية الفلسطينية” وغيرها من القضايا المستمرة دون حل عادل يؤدي لتشجيع الحملات الدعائية لمثل هذه التنظيمات ويدعم من توسيع رقعتها، لاسيما حرب الإبادة الحالية في “غزة” التي يتم توظيفها لإعادة تنظيم صفوف هذه التنظيمات في شن هجماتها، واستقطاب مقاتلين جدد، وتجنيدهم والاستنفار باسم الجهاد.
- استغلال الطبيعة الديموغرافية التي تتسم بها بعض الدول في الشرق الأوسط ووجود طوائف وأقليات في هذه الدول ومحاولة استثمار الخلافات بين هذه الطوائف وبين بعضها البعض من ناحية، وبيها وبين الدولة من جهة أخرى.
- الانتشارُ واسع النّطاق للقوات العسكريّة الأميركية أو غيرها من القوات الغربيّة في ساحات القتال الإسلاميّة، يوفر فرص مواتية لظهور هذه التنظيمات الإرهابية وتنشيط خلاياها النائمة، ويوسع عمليات التجنيد بحجة “جهاد الكفار”، ويزداد الأمر سوءًا حال تواجد مثل هذه القوات في مناطق جهادية وبؤر تطرف وانسحابها بشكل عشولئي.
وأخيرًا لابد من التأكيد على ضرورة التصدي للعوامل المحفزة والمشجعة على استمرار هذه التنظيمات الإرهابية على قيد الحياة في منطقة الشرق الأوسط، وانتعاش نشاطها ويقظة خلاياها النائمة، فهو جزء أصيل من التخفيف من وطأة التطرف وعدم الاستقرار ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، ولكن في العالم، وكذا ينبغي أن تتوافر إرادة حقيقية لدى الفاعلين الداعمين لهذه التنظيمات سواءً على المستوى الإقليمي أو الدولي لتضافر جهودها مع الدول التي تتصدى لهذه التنظيمات وتكافحها لأن إرهاب هذه التنظيمات وعنفها سيمتد لتك لكافة الدول عاجلاً أم آجلاً ولن تنحصر في نطاق بعينه مما يجعل السيطرة على نشاط هذه التنظيمات أمر غاية في الصعوبة.