دراسات

مشروع الأمة الديمقراطية وتحقيق التعايش السلمي: القضية الكردية نموذجاً

تحليل د. علي ثابت

إن الأصل الطبيعي في وجود الجماعات البشرية يرتكز على التعايش والتعارف، فقد قال الله تعالي في كتابه العزيز :﴿ يا أيها الناس إنا خلقانكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل، لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير﴾ [1]، فالتعارف بين الشعوب والقبائل التى خلقها الله من ذكر وأنثي، حيث خٌلق الناس في مجموعات متعددة، مختلفة، متنوعة، تترابط بالتعارف والتألف والتكاتف، وتتعاون في بناء مجتمع بشري.

لذا، ومع تداخل القوى المهيمنة في إعادة رسم الحدود، مرتكزةً على تنفيذ نموذج الدولة القومية وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، مما تمخض عنه دخول شعوب المنطقة التاريخية في جملة من المشاكل المعقدة ، حيث تفتت بين حدود الدول القومية، بل أكثر من هذا، سعي الدول القومية لدمجها قسراً ضمن منظومتها، رامية بالأصول التاريخية والجغرافية والثقافية والحضارية لتلك الشعوب عرض الحائط، ولعل الشعب الكردي نموذج حي لشعوب المنطقة التاريخية التى عانت وتُعاني إثر هذه الممارسات التى تبتغيها القوي المهيمنة لتحقيق مصالحها ومخططاتها أولاً.

عند هذا الحد، تأججت مشاكل شعوب المنطقة التاريخية إثر انهيار الدولة العثمانية وصناعة الجمهورية التركية الحديثة، كذلك نتج عن هذا الانهيار رغبة مجموعات إثنية قومية تعايشت معاً على مدي قرون فى تشكيل دولها الخاصة بها، مما أدي إلي تعرضها للتهجير أو ما هو أسوأ من ذلك بالنسبة إلى مجموعات إثنية أخري تعيش في المنطقة نفسها. مما نجم عنه معاناة كبيرة شكلت عنصراً حاسماً في الذاكرة الجمعية لكلٍ من هذه الأمم.[2] لأن النازية التركية استهدف تلك الشعوب بقصد محو هويتها ودمجها قسراً ضمن المنظومة التركية الحديثة.

ويبغى هذا البحث الوصول لكيفية إحياء آمال شعوب المنطقة عموماً والشعب الكردي خصوصاً في تعزيز التعايش السلمي، والاحتفاظ بالجذور والتاريخ والخصوصية وفق مشروع الأمة الديمقراطية في إطار المنظومة القومية.


معاناة الشعب الكردي

عاني الشعب الكردي أشد معاناة حيث خضع إلى خطة صهر وتذويب في المنظومة التركية الحديثة بكافة توجهاتها. ووضحت الخطة المرسومة فعلياً في عام 1925م (عام الحزن)، بإعلان خطة إصلاح الشرق التى ارتكزت على عنصرين مهمين:

الأول: محو هوية الشعب الكردي(تاريخياً وثقافياً).

الثاني: تفتيت القوة المجتمعية للشعب الكردي، والعمل على إضعافها حتى يسهل دمجها ضمن الجماعة التركية الحديثة[3].

لذا، فالواقع التركى المعاصر قد قام على الواقع الكردي، وخصوصاً بعدما حدث في عام 1925، أو بالأحرى قامت الجمهورية التركية الحديثة على أساس قتل الواقع الكردي أولاً، وأسهمت في ذلك بريطانيا – قوة عالمية مهيمنة آنذاك- فقد قامت الجمهورية بدعم بريطاني في الأساس ووفقا لمصالحها، فإن قيام تركيا كدولة حاجزة بين الشرق والغرب، لوقف الطموحات السوفيتية، كذلك شددت بريطانيا قبضتها على تركيا بإسرائيل البدئية، أضف أيضاً أن تركيا كانت مرغمة على التخلي عن الموصل وكركوك لصالح بريطانيا، كي تتمكنَ من إحياءِ ذاتِها. والتخلي عن الموصل وكركوك يساوي بدورِه ضرب الكرد في الصميم. بمعنى آخر، لقد بحثَت إسرائيل البدئية والجمهورية التركية والهيمنة البريطانية عن الضحية فداءً لمصالحِها المقدسة. فكان الكردُ ضحية. الأهم هو أن هذه المأساة الكردية المعاصرة، التي يمكن الابتداء بها من عام 1925م، لا تزال قائمة حتى يومنا، مستفحلة ومتثاقلة باضطراد ودون انقطاع.[4]

تسببت نظرية بناء الدول القومية فى تهميش الهوية الكردية، ففى أعقاب انهيار الدولة العثمانية وتفتيتها وفق مصالح القوي المهيمنة، ارتكازاً على معاهدة سايكس بيكو 1916- والتى تم فيها اقتسام الأراضى الكردية وتوزيع الثروات النفطية بين فرنسا وبريطانيا-، ثم بعد ذلك تأسيس الجمهورية التركية، وفرض الانتداب البريطانى الفرنسي على سوريا والعراق، ورسم الحدود كالآتي: اعتُبرت سكة الحديد حدوداً فاصلةً بين الجمهوريةِ التركيةِ والدولةِ السورية حديثتَي العهد، بينما خُطَّت الحدود العراقية التركية بموجب معاهدة الموصل. وعند هذا الحد، ضرب الأتراك عرض الحائط بالميثاق الملي الذى أقره مجلس المبعوثان (البرلمان) في 28 يناير 1920، وكان هذا تمهيد قوى لسحق الشعب الكردي ومحاولة شطبه من التاريخ وفرض التتريك عليه، ثم توالت الأحداث بعقدة معاهدة أنقرة في يناير 1921، والتى ضمنت المصالح الفرنسية وأغفلت الكرد وأرضهم وتاريخهم وثقافتهم ، وقد تمادي الأتراك حيث أطلقوا على الكرد اسم ( أتراك الجبال) وأصدروا القوانين ذات الطابع الدستوري حيث نصت المادة (88) من الدستور التركي صراحة على أن ” جميع سكان تركيا بغض النظر عن ديانتهم وقومياتهم- أتراك”، وفسرت الصحافة التركية هذه المادة فقالت بصريح العبارة ” أنه يجب على غير الأتراك إما أن يندمجوا في المجتمع التركى أو يرحلوا”.[5]

ومن هنا، اعتمد الأتراك سياسة الترحيل القسري والنفي والإبعاد لكل ما هو ضد التركية الحديثة (نموذج تجريبي للنازية)، وهذا يفسر أيضاً برود دم الأتراك وهم يُبيدون الشعوب. أضف أيضاً، أنه عند اعلان الجمهورية العربية السورية لم يؤخذ في الاعتبار وجود الكرد ولا التركمان. مما انعكس سلباً على واقع الكرد في سوريا، فمنذ اعلان الجمهورية وهى تفتقر لنظام دستوري يرتكز على الوفاق الاجتماعي، أضف أيضاً أن ما تبقى من الكرد في سوريا قد افتقروا لكل الحقوق القانونية والثقافية والاقتصادية والإدارية، وفرض عليهم فرض عمليات الانكار والإبادة والتطهير الثقافي.


من رحم المعاناة تظهر المعجزات

في ظل هذه الضبابية التى اعترت المشهد الكردي، وفرضت عليه واقعاً مغاير لطبيعته، مع استمرار عمليات الدمج القسري ومحو الهوية المتعمد، لاح في الأفق بصيص أمل عندما رفض الطالب عبدالله أوجلان[6] وهو في المرحلة الابتدائية سياسة التتريك[7] المفروضة على المدراس والتعليم عموماً فيما يخص كل ما هو غير تركي، وطمس الهوية الكردية. وعند هذه النقطة بدأ أوجلان في تكوين نظرته تجاه ما يحدث ضد أبناء جلدته، وما هي سبل الخلاص، لذا قسم ثورته الفكرية على ثلاثة مراحل، والتى تُعد ضربة البداية الحقيقة فى يقظة الشعب الكردي لتاريخه وثقافته ودوره في الحضارة الإنسانية، والتى يستحق عليها أن يعيش حياة ديمقراطية كريمة.

فكانت المرحلة الأولى(1972- 1984) من حياة المفكر عبدالله أوجلان تُمثل صرخة الكرامة والشرف، ويقظة الشعب الكردي المحروم من حقوقه، وحملة الانقطاع عن معايير وأحكام العبودية المتجذرة منذ آلاف السنين، أو بالأحرى هى إعادة اكتساب البرادايمغا[8]، أما المرحلة الثانية: العودة إلى الأراضى المقدسة ( 15 أغسطس 1984- 15 فبراير 1999)، مثلت مرحلة مخاض فكري، فكان لها سلبيات وإيجابيات، إلا أنها مهدت إلى أهم مرحلة في حياة عبدالله أوجلان( الحياة اسماً ومضموناً)، حيث بدأ في الانقطاع عن الحياة المتمحورة حول الدولة عموماً، وعن الحياة الرأسمالية المعاصرة خصوصاً[9].

وعند هذا الحد، بدأ أوجلان في صياغة مشروعه الفكري الإصلاحي من أجل الوصول إلي حل قضية شعبه، حيث أنه رغم غوصه في محور الدولة والقومية والرأسمالية المعاصرة، إلا أنه لم يجد فيها خيراً للشعب الكردي، فكان ميلاد مشروع الأمة الديمقراطية الذى يهدف إقرار التعايش السلمي بين شعوب المنطقة. ولذا، دشن مشروعه الفكري عبر حزب العمال الكردستاني [10] PKK صاحب الفضل فى تأسيسه.


المخاض الثوري وظهور مشروع الأمة الديمقراطية

تُمثل تركيا دولة قومية ودولة أمة في آن واحد. دولة عنصرية ودولة منفتحة في وقت واحد. أمة ذات ماضٍ غني عمرانياً، وحاضر مذعور من بقاء القومية الكردية على قيد الحياة حتى الآن بعدما أبادت القومية الأرمنية بشكل نهائي. الدولة القومية هي دولة لها لغة واحدة هي التركية، واللغات الأخرى ليست مهملة لا إنما معلقة على مشنقة طالت 60 عاماً، فحتى منتصف التسعينيات كان ممنوعاً على الكردي فيها التحدث في الشارع مع زوجته وأطفاله بلغته الأم، وإلى اليوم لا توجد روضة أطفال في كل تركيا تقبل التعامل مع الأطفال باللغة الكردية. لقد صادرت الدولة التركية اللغة الكردية من الحياة اليومية، طيلة 60 عاماً بشكل كلي، وما زالت تُصادرها بشكل جزئي لكن قاتل، وفرضت الرقابة على المتحدثين في الأسواق والمدارس والمقاهي، وجردتهم من وظائفهم، وضيّقت عليهم أسباب العيش، وكان لهذه السياسات أثر تحطيمي مديد في المجتمع، وفصل ثقافي بين ثلاثية الطبيعة البشرية الأرض والسكان والذاكرة. بهذا المظهر القومي الأحادي، العنصري، الدولة التركية هي دولة قومية تستند إلى الأصل العرقي المتخيل الخرافي، واتبعت أسلوبين للتخلص من التعددية، الأول الإبادة المباشرة الجسدية، كما الأسلوب الأرمني، ولاحقاً مجموعات كاملة من الكرد، في مناطق ما زالت تعيش فراغاً سكانياً نسبياً إلى اليوم. والثاني عبر الإبادة الثقافية مستخدمة لتحقيق هذا الهدف كل قوة الدولة وعنفها وقوانينها المصاغة لاستدامة عدم المساواة والتمييز السلبي. النموذج التركي هنا هو نفسه نموذج الدولة القومية العربية في سوريا والعراق والسودان، لكن بابتكار أقل لدى هذه الدول وغيرها، مع جرعة علنية زائدة من العنف الأعمى، وفوضوية في العنصرية.[11]


لماذا مشروع الأمة الديمقراطية

إن الشعب الكردي هو ضحية حروب الآخرين وأطماعهم، فهم موزعون اليوم على رقعة واسعة من الأرض في الشرق الأوسط وصولاً إلى آسيا؛ بفعل عوامل الاختيار الطوعي والسكني والإقامة، بحثاً عن الكلأ والمراعي لحيواناتهم، قبل أن تختط الحدود القائمة بين الدول والكيانات الموجودة الآن، أو بفعل عوامل التهجير القسري من مناطقهم إلى مناطق أخري نائية، بهدف التقليل من خطرهم، أو إذابتهم على مر السنين والعقود في بيئاتهم الجديدة، إلا أن اتفاقية سايكس بيكو[12] المشئومة 1916 قد قسمت بلاد الكرد – التقسيم الأقسى والأشد مأساوية للواقع الكردي ومستقبله- وتقطعت أوصال الشعب الكردي بشكل مأساوي، فقد جزأ القسم الكردي الخاضع للدولة العثمانية منذ عام 1514م إلى ثلاثة أجزاء؛ قسم أُلحِق بتركيا الأتاتوركية الحديثة، وهو القسم الأكبر من كردستان التاريخية، وقسم أُلحِق بالعراق، وقسم أُلحق بسوريا، فضلاً عن القسم الخاضع لإيران منذ معركة “جالديران[13]” 1514م.[14]

هذه القسمة تحولت إلى خطوط وحدود دولية معلنة، ضمن اتفاقية سايكس بيكو التى فصلت أمر توزيع ممتلكات الدولة العثمانية، الحرب العالمية الأولي، وخلف الرجل العثماني المريض، جسماً كردياً ممزقاً، وموزعة أشلاؤه على خمس دول.

وظل هم الدول الخمس هو صهر الأكراد في بوتقة الدولة القومية الجديدة، وظل التحدي الكبير الذى يواجه الكرد هو كيفية صد تلك المحاولات، والحفاظ علي هوية ذلك الشعب العريق، وبين محاولات الصهر وردود الصد درات رحي العذابات التى تتابعت على الكرد طوال المائة عام الماضية، والتى راح ضحيتها مئات الألوف من أبناء ذلك الشعب المسلم الشجاع والعنيد.[15]

وهناك بعض العوامل التى ساعدت على ضرورة ابتكار حلول جديدة بعيداً عن مفهوم الدولة القومية وهى :

  1. إن محاولة بعض القوميات عن طريق الدولة القومية السيطرة على القوميات الأخرى وإنكار وجودها هو أحد أسباب الصراعات الدولية.
  2. إن سعي الدولة القومية والرأسمالية لزيادة أرباحها عبر السيطرة على مكامن السلطة والاقتصاد هو أيضاً أحد أسباب الصراع الدولي المستمر.
  3. محاولة الدول الرأسمالية لتسويق أسلحتها سبب آخر من أسباب الصراع الدولي.
  4. تصدير الأزمات الداخلية لاسيما الاقتصادية منها، وتأزم الحالة الاقتصادية الرأسمالية تدفعها إلى خلق الصراعات الدولية.
  5. محاولة فرض منهج ثقافي واحد، وتعليب المجتمع الدولي عبر العولمة الثقافية أيضاً جانب من جوانب الصراعِ الدولي.
  6. استغلال الإيديولوجيات الدينية كرداءٍ يُخفي الصراعات القومية، ومحاولاتُ صهرِ القوميات والثقافات الأخرى يؤجج الصراع الدولي ويغيب الحلول المرجوة.[16]

تشكل مفهوم الأمة الديمقراطية عند عبدالله أوجلان

اتسمت حركات التحرر الثورية للشعوب التى قهرتها المنظومة الدولية الحاكمة سواء في الربع الأخير من القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين الذى انتهي انهيار الدولة العثمانية بالسعي نحو الاستقلال وتأسيس دول قومية، إلا أن المنظومة الدولية قد وضعت عراقيل شتي أمام قيام أي أمة تُهدد مؤامرة سايكس بيكو، جاء الشعب الكردي على مقدمة ضحايا هذه الترتيبة الشيطانية. ومع تصدر أوجلان المشهد الكردي بأفكاره الإصلاحية الرامية للحفاظ على حقوق الشعب الكردي والاعتراف بها، زادت عمليات استهداف الكرد .

تشكلت رؤى وأفكار عبد الله أوجلان من خلال رؤية فاحصة ذهبت به إلى ضرورة التخلي عن حُلْمِ “الدولةِ القومية الكردية” التي لطالما طالب بها بعض الكرد في الشرق الأوسط إلى طرح نموذج الأمة الديمقراطية. فقد فشلت كافة محاولات التحول إلى الدولة القومية التي تقوم على أساسِ “الأصل الكردي”، فعلى مدار القرن العشرين تجذر واقع دولي وإقليمي أظهر جلياً أن حُلْمِ تأسيس الدولة القومية الكردية، إنما هو حلم بعيد المنال. إضافة أن نمزذج الدولة القومية لايحقق الحرية والعدالة، فمعاهدة سيفر Treaty of Sèvres (20 أغسطس 1920)، وهي أشدُّ المعاهدات تعاطفاً مع الحقِّ الكردي، لم تكن لِتَضمن للكرد أكثر من إقامة منطقة للحُكمِ الذاتي المحلي بقسم من المناطق التي تسكنها أغلبية كردية شرقي نهر الفرات وجنوب الحدود الأرمنية، وشمال الحدود بين تركيا وسوريا والعراق (المادة 62 من معاهدة سيفر). وهو ما يعني وضعَ الدولة القومية الكردية المنشودة في حيزٍ جغرافيٍ محصورٍ بين قوى قومية تناصب الكرد العداء سواء من جانب إيران أو تركيا أو الدول العربية في سوريا والعراق[17]. واستطرد أوجلان: “الدويلات القومية ذات الطابع الدنيوي والقومي ليست قدراً محتوماً علينا وأن الدولة القومية هي الأنسب والأخطر في الوقت ذاته للدولة الإله”.

جاءت نظرة أوجلان إلى سيناريوهات حل القضية الكردية بواقعية شديدة ورؤية واضحة للموقف الدولي، أو بالأحرى فهم ألاعيب الحداثة الرأسمالية، لذا، فكل مقومات الدولة القومية ليست هي الأساس في وجود الأمم، وبالتالي يُمكن التوصل إلى أفكار تحافظ على خصوصية الأمم بشكل تبادلي فعليك أن تحترم خصوصيتي حتى أستطيع أن أحترم خصوصيتك. وُلد مصطلح الأمة الديمقراطية بعد مخاض شديد وصعب، فقد سقطت أعداد كبيرة من الشعب الكردي في سبيل حلم الدولة القومية، بل أكثر من هذا، اتسعت دوائر المواجهة بعدما فرضت الحداثة الرأسمالية واقعاً صعباً على الشعب الكردي، من هنا حاول أوجلان العودة للجذور بعيداً عن النظريات والمذاهب السياسية التى وضعت بالأساس لخدمة أهداف المنظومة الدولية الحاكمة.

وفى هذا الشأن، يري أن ” تنظيم الحداثة الرأسمالية لنفسها كدولة قومية، يؤدي دوراً قمعياً واستغلالياً أكبر من تنظيمها لذاتها كاحتكارٍ اقتصادي. من هنا، فالنقصان الفادح والتحريف الأولي للماركسية خصوصاً وللسيسيولوجيا عموماً، يتجسدان في القصور عن رؤية أواصر الدولة القومية مع القمعِ والاستغلال، أو في تقديمِ الدولة القومية كمؤسسة اعتيادية جداً في البنية الفوقية. “[18]

وهذا ما جعل أوجلان يرتكز في تعريفه لمصطلح الأمةَ على أنها ” ظاهرة أو مجموع علاقات ملتفة حول الوعي القبلي والوعي الديني، ممتزجتين مع كل من السلطة السياسية المشتركة والسوق. فالأمة هي مفهوم افتراضي نشأ بتدرجٍ مع تكون عالم ذهنيٍ وثقافي مشترك بين الطبقات والأجناس والألوان و الإثنيات المختلفة.

ويتقارب هذا المفهوم مع الطرحِ الذي قدمه الفرنسي أرنست رينان Ernest Renan (1823 – 1892)، الذي يُعد أول من طرح مفهوم الأمة من خلال محاضرة بجامعة السوربون عام 1882 بعنوان “ما الأمة؟ “Qu’est-ce qu’une nation?. وقد تناول رينان في محاضرته الشروط الواجب توفرها في الجماعةِ البشريةِ كي تستحق اسم ” أمة “، حيث تمثل أول هذه الشروط الرغبةِ في الانتماء والعيش المشترك، باعتبار أن وجود الأمة إنما هو اختيار دائم، أي أنه حق الأفراد الحر في تقرير مصيرهم السياسي بكل حرية.

وعليه، استبعد أوجلان كلا من “الوطن” و “السوق المشتركة” كشرطين ماديين لقيامِ الأمة. فعلى سبيل المثال اليهود الذين رغم شتاتهم بِلا وطن لحقبة طويلة من الزمن، إلا أنهم عرفوا كيف يصبحون الأمة الوحيدة الأقوى في أسواق العالم جمعاء. لكن رُغمَ ما يكتنف هذا المثال الذي اعتمد عليه من تَحفظ مرده تفرد حالة اليهود، إذ يصعب اعتبارها قاعدة للقياس، إلا أن أوجلان قد توسع في وصفه للأُمة باعتبارها تكتفي بالشراكة الذهنية والثقافية فحسب، بل وتوجد كافة مقوماتها في ظل المؤسسات شبه المستقلة التي تديرها بطريقة ديمقراطية.[19]

ونظراً لخصوصية القضية الكردية ضحية مصالح المنظومة الدولية الحاكمة ، فقد توسع أوجلان في صياغة مفهوم الأمة الديمقراطية وشروط إقراره، حيث أن اللغة والثقافة ركيزتين أساسيتين لكينونةِ الأمة، لكن في مفهوم الأمة الديمقراطية التبعية إلى لغات مختلفة ليست عائقاً أمام الانتماء إلى الأمة نفسها. وأضاف أوجلان: ” وكيفما لا معنى لوجود دولة واحدة لكل أمة، فكذا لا معنى للاقتصار على لغة أو لهجة واحدة من أجل كل أمة. من هنا، وإلى جانب ضرورة اللغة القومية، لكنها ليست شرطاً حتمياً. بل وبالمستطاعِ النظر إلى تعددِ اللغاتِ واللهجاتِ بعين الغِنى بالنسبة إلى الأمةِ الديمقراطية. لكن الدولةَ القومية تعمل أساساً بإرغامِ اللغة الواحدة بمنوال صارم، ولا تتيح الفرصةَ يسيراً للتعدد اللغوي، وخاصة لتعدد اللغاتِ الرسمية. بل تسعى بجانبها هذا إلى الاستفادة من امتيازات كينونة الأمة الحاكمة.” [20]

كذلك يحتل القانون موقعاً محورياً في مشروع الأمة الديمقراطية ( أمة القانون) ، حيث عجز المشروع القوموي عن حل قضية الشعب الكردي، فإن أوجلان أقر المواطنة القانونية المحصنة بضمانٍ دستوري كأساس لقيام الأمة الديمقراطية ، لا تتخذ من التمييز العرقي أو الإثنى أو القوموي أساساً. وضرب مثالاً في هذا الشأن الأمم الأوروبيةَ التي انتقلت تدريجياً من الأممِ الملية صوبَ أممِ القانون. الأساسُ في الأممِ الديمقراطية هو الإدارة شبه المستقلة، وفي أمة القانون هو الحقوق.

كما أن مشروع الأمة الديمقراطية لا يُقدس إدارته، لأن الإدارة فيه ظاهرة شفافة مُسخرة لخدمة الحياة اليومية. والجميعُ فيه مُؤهل لأن يكون موظفاً إدارياً، في حالِ تلبيتِه المتطلباتِ والمقتضيات. أي أن الإدارةَ فيه قَيمة، لكنها ليست مقدسة. ومفهومُ الهوية الوطنية فيه منفتحُ الأطراف، وليس كعضوية أو عقيدة دينية منغلقة. والانتماءُ فيه إلى أمة ما، ليس امتيازاً ولا عَيباً. بل ويُمكن الانتماء فيه إلى عدةِ أمم. أو بالأصح، قد تُعاش فيه قوميات مختلفة متداخلة. إذ بمقدورِ الأمة الديمقراطية وأمة القانون أن تعيشا سوية، وبكل يُسر، في حال تمكين الوفاق بينهما.

كما يري أوجلان أن نموذجُ الأمةِ الديمقراطيةِ نموذجاً حَلاّلاً، يُنعِشُ ثانيةً دمقرطةَ العلاقات الاجتماعية التي مزقتها النزعة الدولتية القوميةُ إرباً إرباً، ويُفعِمُ الهويات المتباينةَ بروحِ الوفاق والسلامِ والسماحة. لذا، فانعطافُ أمة الدولة صوب الأمة الديمقراطية، سيجلبُ معه مكاسب عظمى. فنموذج الأمة الديمقراطية يتسلح بوعيٍ مجتمعي سديد للقيامِ أولاً بتطويعِ الإدراكات المجتمعية المشحونة بالعنف، ثم لتصييرها إنسانية (الإنسان العاقل والمفعم بالمشاعر، الذي يشعر بالآخرِ ويتقمصُه).[21]

في حين تنوعت الركائز التي اعتمد عليها غالبية من تحدث في شأن هوية الأمة، ما بين اللغة والدين والجغرافيا والتاريخ والثقافة، اقتصر أوجلان على شرطين لِتَشَكُّلِ الأمة هما:

  • وجود الأمة المُتشاركة ذهنياً أو المشتقة من أُمَّة الثقافة أو اللغة.
  • وجود طراز الإدارة الديمقراطية شبه المستقلة، وهو الركن الأساس فيها.

أما عن الأبعاد الأساسية للتحول إلى الأمة الديمقراطية استناداً إلى البرادايمغا الجديدة، فهي على النحو الآتي:

1.الفرد / المواطن الحر وحياة الكومونة[22] الديمقراطية فى الأمة الديمقراطية

أن يكون للكل حق اتخاذ القرار والتنفيذ قولاً وعملاً، ويسود المجتمع حياة كومينالية ( تشاركية) على أساس الطواعية إلى جانب ضمان انضمام جميع الوحدات انضماماً طوعياً ضمن نطاق شكل المجتمع الاخلاقي والسياسي عبر تحرير المجتمع من جميع براثن البنى الهرمية النابعة من السلطة. أضف أيضاً أن الشرط الأول لاستمرارية الأمة الديمقراطية هو ان يكون الفرد حراً، وأن يمارس حريته على أرضية السياسة الديمقراطية ضمن كومونته أو جماعته التى ينتسب إليها.

وبنية منظومة المجتمع الكردستاني أو اتحاد مجموعات الديمقراطية في كردستان ( KCK ) منفتحة على حياة الفرد المواطن الحر في الأمة الديمقراطية ، ولذا تعرف عضوية KCK على أنها الفرد المواطن الحر فى الأمة الديمقراطية ، وهى على النقيض تماماً من عضوية الدولة القومية ، فحسب أوجلان إن عضوية الفرد في الدولة القومية هى التى تحدد مستوى العبودية العصرية للرأسمالية . أي أن الفردية الرأسمالية تعنى الخنوع والعبودية المطلقة ، في حين تُعبر مواطنة الأمة الديمقراطية عن حالة الفرد الحر بمعنى الكلمة…. كما أن كل عضو في KCKيجب أن يتجاوز فردانيته التى طعمتها الرأسمالية بالفردية . وفى حال قبول الدول القومية بحقوقنا وواجباتنا الأولية تلك، فبإمكان الكرد أيضاً قبول حقوقهم وواجباتهم الأساسية ضمن إطار مواطنة تلك الدول القومية.

  1. الحياة السياسية وشبه الاستقلال الديمقراطي في الأمة الديمقراطية ( الإدارة الذاتية)

أن الأمم عموماً والأمة الديمقراطية خصوصاً هى كيانات مجتمعية لها إداراتها الذاتية، ولئن حُرم مجتمع ما من إدارته الذاتية فهو يخرج لحظتئذ من كونه أمة. وهنا تساؤل يطرح نفسه كيف يتحول المجتمع السياسي في العصر الراهن إلى التحول الديمقراطي؟

السبيل الأول : الطريق الرأسمالي التقليدي هو الطريق المؤدي إلى الدولة القومية ؛ فإذا كان المجتمع في ظل الحداثة الرأسمالية من دون دولة ، أو دولته مدمرة ، أو على وشك الانهيار ، فإن السياسات القوموية والدينوية تؤول بذلك المجتمع إلى بناء دولة جديدة ( الدولة القومية) .

السبيل الثاني: طريق الوطنية الديمقراطية من خلال دعم سياسات KCK التى تعزز قدرة الأمة الديمقراطية من خلال مؤتمر الشعب KONGRA GEL وهو يعنى مجلس الشعب بصفته التشريعية فى KCK ويستمد قوته من جعله الشعب صاحب قرار ذاتي ، كما أن هناك ضرورة قصوي فى تمكن KCK من ممارسة دور جهاز السياسة الديمقراطية لمواصلة درب التحول الوطنى الديمقراطي. إلا أن KCK يعاني من مشكلة الفاعلية العلنية والرسمية على صعيد الدول القومية ، لذا لابد تفعيل إدارة KCK جنباً إلى جنب مع حكم الدولة فى نفس الأراضي ونفس المجتمعات . إلا الدول المعنية ستكون غير راضية عن النموذج مما يفتح المجال إلى توترات ومشاحنات قد تصل إلى الاستهداف المباشر، وعليه يكون التجسيد العلني لــ KCK بشكل أحادي الجانب ضمن كافة أبعاد الأمة الديمقراطية .

  1. الأمة الديمقراطية والحياة الاجتماعية

تأتى الحياة الاجتماعية ضمن مفهوم الأمة الديمقراطية لتُعيد للإنسان ذاته سواء كان رجل أو إمرة ، حيث أن سلطة الدولة القومية ، قد عززت التمايز الطبقي ، مما أصاب الحياة الاجتماعية بمرض السرطان الاجتماعي ، ومن ثم تحولت الحياة الاجتماعية لفخ يُحيط بالمرأة ، التى تأثرت بشدة من ممارسات الحداثة الرأسمالية تجاهها ، حيث تُعد المرأة فى هذا النظام ( ملكة السلع) ، ولم يقتصر الأمر عليها كــ “ربة منزل ” فحسب ، بل أكثر من هذا، هى أرخص عاملة – من حيث الأجور- وأداة رئيسة تضخ الأجيال للنظام القائم . وهى درة تاج صناعة الدعاية، ووسيلة تطبيق السلطة الجنسوية[23].

إن فى الأساس حياة الإنسان ذات طابع اجتماعي ، والمجتمع موجود قبل ظهور الدولة والرأسمالية ، وبالمجتمع غدا الإنسان إنساناً ، لذا فالتراجع عن المجتمع يُعنى التجرد من كينونة المجتمع و التخلي عن الإنسانية وعن كينونة الإنسان . لذلك فإن مشروع الأمة الديمقراطية يُصر على البقاء على المجتمع أولاً، وتتصدي للحداثة الرأسمالية بشعار ” المجتمع أو لا شيء”، وكذلك يُصر على ثبات وسيرورة المجتمع المتفكك بين عجلات الحداثة، وعلى احيائه كواقع تاريخي واجتماعي . والفرق شاسع بين حياة الإنسان المجتمعية ، وحياة الإنسان فى ظل الحداثة ( المال – السلطة – الجنس – كرة القدم وما شابه) ففى المجتمع يكون الفرد أما فى الحداثة يستهلك الفرد.[24]

  1. الحياة الندية فى الأمة الديمقراطية

المرأة هي الخلاقة والمبتكرة والمبدعة الأولى التي ظهرت في تاريخ الإنسانية، إلا أنه ومع الأسف بعد مرور فترة وظهور النظام الذكوري السلطوي الذي يتم تنظيمه وتطويره بلون وثقافة الرجل، تم صبغ المجتمع بأكمله بلون الرجل. ُيذكر بأنه عاشت نظام المرأة الطبيعي منذ أكثر من عشرة آلاف عام وحتى أنها تمتد إلى خمسة عشر ألف عام. إلا أن تاريخ الحضارة وتاريخ السلطة الذكورية وتاريخ الدولة وتاريخ المركزية وتاريخ ذهنية ثقافة الرجل تطورت على أساس نضال وكدح المرأة خلال الخمسة ألاف عام الأخيرة، والتي تطورت على أساس إنكار المرأة. أي أن نظام الرجل السلطوي لم يستطع أن يقوم بتنظيم نفسه إلا بعد القضاء وإنكار نظام المرأة. لهذا السبب فإن مقولة بأن التاريخ بدأ منذ خمسة آلاف عام، يفتقد إلى المصداقية.

فهذا التاريخ يُمكننا تسميته بتاريخ المرأة المخفي, لأنه لم يقم أحد بالبحث والتحقيق عن التاريخ الذي لم يتم تدوينه. حتى أن بعض الباحثين الذين يقومون بالبحث والتحقيق عنها عن طريق بعض القطع الأثرية التاريخية، يصلون إلى نتيجة ألا وهي بأنه هناك تاريخ قبل التاريخ، ووجود الأم والإلهة الخالقة في الفترة التي سبقت التاريخ ضمن هذا التاريخ. ولكن منذ خمسة ألف عام وإلى يومنا الراهن يمكننا القول بأن الرجل استطاع أن ينظم نفسه ويجمع المجتمع المحيط وفق عقليته.

فبعد ولادة النظام السلطوي الذكوري وولادة مؤسسة العائلة الصغيرة استطاع أن يطور نظاماً أحادية إرادة ألا وهي إرادة الرجل. حتى أنه في الكثير من الأحيان يتم تعريف المرأة بتعريف الرجل، أي وكأن الرجل هو الأساس ويتم تعريف المرأة به. حيث يتم التطرق إليها بهذا الشكل في بعض الميثولوجيات، والقصص والملاحم التاريخية والدينية أيضاً. فإن قصة نشوء المرأة من ضلع الرجل في قصة آدم وحواء تعبيراً واضحاً عن ذلك، أي أنها تُفيد بأن المرأة جزء من الرجل، وعلى هذا الاساس تطورت هذه الفلسفة. إن كل الأديان التي ظهرت تقول ضمن إطار فلسفتها وأيديولوجيتها بأن المرأة ناقصة وتعتبرها جزء من الرجل, أو المرأة تكمل الرجل. فالمرأة لا تساوي شيئا. من دون الرجل لا يمكن للمرأة أن تخلق شيئاً لوحدها, لا تستطيع المرأة العيش لوحدها. فوجود المرأة مرهون بوجود الرجل، وعلى هذا الأساس قاموا بتطوير نظرياتهم.

النظريات التي ظهرت منذ آلاف السنين إلى يومنا الراهن جسدت ذهنية وخلقت نظاماً ضمن المجتمع، وقامت بخلق ثقافة. إذ أن ثقافة الإبادة وثقافة الاغتصاب تستمد قوتها من هذا التقرب. إن إنكار ثقافة المرأة و إنكار تاريخ المرأة، وإنشاء نظام جديد وثقافة جديدة وبناء سلطة تستند إلى إنكار المرأة, وأنشئت ثقافة الاغتصاب. أي أنه يتم اغتصاب كل ما له علاقة بوجود المرأة، تبدأ من الجانب الفكري وصولا إلى الجانب البدني، فإنكار المرأة من الناحية الاقتصادية و السياسية والفكرية والاجتماعية خلقت معها ثقافة الاغتصاب وبهذا تم تهميش دور المرأة وبروز الرجل وتحولت المرأة تدريجاً إلى ملك للرجل. هكذا نشأت مؤسسة الدولة. كما تم إنشاء مؤسسة العائلة في الفترة التي فقدت المرأة لدورها. أي أن فترة استعباد المرأة وإنكار المرأة ضمن المجتمع وإنكار دور المرأة الخالقة أو المنتجة ولدت نظام لا يمكن لأحد إعاقته. وكل الحروب التي تتم في يومنا الراهن والدماء التي تنزف والقتل والنهب والدمار في كافة النواحي بدءاً من الاقتصاد وصولاً إلى السياسة. كلها تستمد قوتها من ذهنية الرجل السلطوية. للإنسان نوعان من الذكاء؛ ذكاء عاطفي وذكاء تحليلي. وعند انفصال هذين النوعين من الذكاء عن بعضهما البعض يفتح المجال أمام ولادة كوارث فجيعةً. يقال بأن المرأة تمثل الذكاء العاطفي والتي تستند إلى العواطف بشكل اساسي. فإذا كان فقط هذا النوع من الذكاء حاكماً لدى شخص ما يؤدي إلى ظهور نوع من الاستسلام و اللاإرادية. وبالنسبة إلى الذكاء التحليلي حيث يعتبر الرجل أكثر تقدماً فيه وبنتيجة انفصال الذكاء التحليلي على حساب الذكاء العاطفي سبب في تطور الذكاء التحليلي إلى أبعد الحدود لدى الرجل.[25]

ولعل ما ذكره السيد أوجلان فيما يخص تعزيز الحياة الندية هو أفضل السبل لتحقيق التشاركية المجتمعية في ظل مشروع الأمة الديمقراطية ” يتميزُ تحررُ المرأةِ بعظيمِ الأهمية خلال التحول إلى أمة ديمقراطية. فالمرأة المتحررة تعني مجتمعاً متحرراً. والمجتمع المتحرر هو أمة ديمقراطية. كنا قد تحدثنا عن الأهميةِ الثوريةِ لقلب دور الرجل إلى نقيضه. وهذا ما مفادُه: تأمينُ ديمومة التحول الوطني الديمقراطي بقوته الذاتية، تكوينُ القوة الأيديولوجية والتنظيمية اللازمة لذلك، وبسط اقتداره السياسي عوضاً عن الاستمرار بالنسل اعتماداً على المرأة أو التحكم بها. بمعنى آخر، فإنّ هذا يعني خلقَ الذات أيديولوجياً وسياسياً، وتأمينَ المتانة الذهنية والروحية بدلاً من التكاثر الفيزيائيّ. هذه الحقائقُ هي التي تُمكن طبيعة العشقِ المجتمعي …… ويلزم بناء العلاقات على خلفية بناء المجتمع والأمة الديمقراطية، حتى لدى العيش مع المرأة في ظل حياة الشراكة الندية. أي، علينا تجاوز النظرةِ التي تنيط المرأةَ بأدوار من قبيل الزوجة أو الأم أو الأخت أو الحبيبة، مثلما الحالُ دوماً في الحداثة وفي الحدود التقليدية المرسومة. وعلينا أولاً توطيدُ العلاقات الإنسانية المنيعة المستندة إلى وحدة المعنى وإنشاء المجتمع. بمعنى آخر، على أيِّ رجل أو امرأة التخلي عن الزوجِ والولد والأم والأب والحبيب إن دعت الحاجة، دون أنْ يتخلى بتاتاً عن دوره في المجتمع الأخلاقي والسياسي. إن الرجل القوي لا يتوسل قطعياً إلى المرأة، ولا ينساقُ وراءها، ولا يضربها أو يشتمها، ولا يحسدها. وحتى لو كانت حبيبته أو زوجته، فعندما تطلب منه الفراق أو الطلاق، فلا يؤنبها حتى ولو برفع الإصبع. بل يساعدها على العيشِ كما تشاء، بعد توجيه انتقاداته لها إنْ وُجدت. ولَئنْ كان يتطلعُ إلى العيش مع المرأة بعلاقة ذات دعائم أيديولوجية واجتماعية وطيدة، فعليه تركُ موضوعِ الاختيارِ والبحثِ للمرأة. فبقدرِ ما ترتقي المرأةُ بمستوى حريتِها واختيارها الحر وبقابلية الحراك اعتماداً على قوتها الذاتية، فسيكون العيش معها أجمل وأثمن بالمثل.”[26]

لذا، تُعد قضية المرأة هي منبع كافة القضايا، وأن حل قضية المرأة هو الأساس الركن لفك عقدة جميع القضايا الاجتماعية الشائكة العالقة. وأن أية أيديولوجية تتمحور حول حرية المرأة، وتتناولها بنحو استراتيجيّ، وتبني عليها أفكارها وهيكليتها الثورية أو المجتمعية، وتجعل منها فلسفة الحياة الحرة والكريمة؛ هي الأيديولوجيا الصحيحة والسليمة المخوَّلة لدحض دعائم مجتمع المدنية الذكوري هذا، واسترداد المرأة لمنزلتها وشأنها الذي أضاعته عبر آلاف السنين، ورد الاعتبار إلى كينونتها وذاتيتها. وهي المنطلق القويم لنفض غبار آلاف السنين الذكورية عنها، وإنعاش روحها الأنثوية الشفافة، والتطلع إلى شمس الحرية، وإرواء شجرة عطشها بالعلم النسائي السليم (علم المرأة( المتلون بطابعها النسائي الخاص بها، والمبني على منظورها الخاص بها إلى كل ما يتعلق بها وبالحياة الاجتماعية.[27]

فالحياة الندية ترفض مفهوم التملك ، وتُقيم الحرية الاجتماعية بين الجنسين ، على اساس العدالة والمساواة وهذا يخلق إرادة حرة ومتكافئة بينهما . وهكذا تتحقق الحياة الندية الحرة التي تليق بالإنسان. فالحياة الندية ترفض مفهوم التملك، وتُقيم الحرية الاجتماعية بين الجنسين ، على اساس العدالة والمساواة ، وهذا يخلق إرادة حرة ومتكافئة بينهما . وهكذا تتحقق الحياة الندية الحرة التي تليق بالإنسان.[28]

5.الحياة الطبيعية (الإيكولوجية) في الأمة الديمقراطية

إن النظام الرأسمالي يسعى جاهداً للسيطرةِ على الموادِ الخامِ الأولية ليتخلص من الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها، وعلى هذا الأساس وُضِعتْ الخططُ للسطو على الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط كالنفط و الماء و مصادر الطاقة الأخرى، وتكونُ هذه السيطرة عن طريق اتفاقيّات أو تحالفات مع القوى المتواجدة في المنطقة أو حتى في خلق حروب بين قواها, هدفُها الأساسي كسب المواردِ الطبيعية.

علما أن أزمات النظامِ الرأسمالي ليست اقتصادية بل تنظيميةً لأنها تتبع نظام المركزية. بالإضافة إلى وجودِ أزمات طبيعية إيكولوجية, إنْ لم تتمّ معالجتها, فسوف تتوسع وتتضخم وتؤثّر على البنية التحتيّة لتصل إلى مرحلةِ عدم التوازن البيئيِ.

وبهذا لن تكون هناك حياةٌ أيكولوجية، فما نعيشه الآن من تقلباتٍ طبيعيةٍ غيرُ متوازنةٍ بين الفصول منها: ازديادُ درجات الحرارة والفيضانات، بالإضافة إلى ذوبان الجليد في القطب الشمالي واقتراب الشمس من الأرض، فهذه القضايا ستجلب معها الكوارثَ الطبيعيةَ والبشريةَ، بالإضافة إلى ذلك (قضيةُ المرأةِ) والتي تُعتبَر القضيةَ الأهمَّ للمجتمع, فإنْ لم يتمَّ حلّها ومعالجتُها فستكون هناك أزمةٌ من الناحية الأخلاقية, وأزمةٌ من جهة التزايد السكاني وهذا سيؤثّر على العالم أجمع.

إن الحداثة الرأسمالية وعبر الدولةِ القوميةِ التي تتخذها أداةً لتحقيقِ حاكميتها على الاقتصاد المرتكز على الربح الأعم وتكديس رأس المال.[29]

  1. شبه الاستقلال الاقتصادي

حيثُ يُختزل فيه الربح ومراكمة رأس المال إلى حدوده الدنيا، إلى جانبِ عدمِ رفضهِ السوق والتجارة وتنوع الانتاج والرقابة والعطاء. وهنا فإن شبه الاستقلال الاقتصادي في الأمة الديمقراطية والقائم على الاقتصاد الكومونالي لا يشبه التأميم في الاشتراكية المشيدة، وتختلف تماماً عن رأسمالية الدولة واقتصادها، فهو الوحدات الاقتصادية الأنسب لطبيعة الإنسان والبيئة.

لا مكان في الكومونة للأعمال الشاقة ولا للكدحِ أو العمل الذي لا يحقق الحرية. وهنا فإن الاقتصاد الكومونالي أو اقتصاد التشارك على أساس المشاريع الصغيرة المشتركة والبعيدة عن الإضرار بالبيئة المحيطة بكافة أركانها البشرية والحيوانية والنباتية غير المؤذية لأركان ومقومات الحياة، والوسط المحيط موجودٌ في كل مكانٍ يتواجدُ فيه العطاء والبركة والحماس والبهجة.[30]

وأكد أوجلان على أنّ KCKيشكلُ العمودَ الفقريَّ للأمةِ الديمقراطية، فإنه يَعتَبِرُ شبهَ الاستقلالِ الاقتصاديّ والاقتصادَ التشاركيَّ ضرورةً لازمةً بقدرِ الدفاعِ الذاتيِّ للمجتمعِ بأقلِّ تقدير؛ ويتخذُهما أساساً له. فمثلما لا يستطيعُ المجتمعُ تأمينَ ديمومتَه من دونِ دفاعٍ ذاتيّ، فمن دونِ شبهِ الاستقلالِ الاقتصاديِّ أيضاً، ومن دونِ الاعتمادِ على صونِ الأرضِ وتشجيرِ التربةِ وعلى الإيكولوجيا والكومونة؛ فإنه محالٌ على المجتمعِ توفيرُ مأكلِه، وبالتالي تأمينُ سيرورةِ وجودِه.

كما تتسم الإدارة الاقتصاديةُ في KCK ببالغِ الأهمية. حيث لا قابلية للحياةِ في مجتمعٍ مفلسٍ اقتصادياً. أما الاستقلال الاقتصادي التام، فهو يوتوبيا اقتصاديةٌ لا يمكن تحقيقها في أي وقت من الأوقات. إننا في عصرٍ يَقبَلُ بالاقتصادِ الذي يرتكزُ إلى المنفعةِ المتبادلة، والذي يتسمُ بحيزٍ فسيحٍ من شبهِ الاستقلالِ الداخلي. لقد اتضحَ بجلاء مدى أنّ الحداثةَ الرأسماليةَ نظام لا طائل منه ولا يطاق الاستمرار به في عصرِ رأسِ المال العالمي، نظراً لأنه يهدد البشرية. ومقابل ذلك، يتعينُ فهمُ العصرانيةِ الديمقراطيةِ المستندة إلى الوحداتِ الوطنيةِ الديمقراطيةِ على أنها النظامُ البديلُ المتطلعُ إلى التخلصِ من الأزماتِ الاقتصاديةِ والبطالةِ والجوع.[31]

7.البنية القانونية للأمة الديمقراطية

القانون الديمقراطي يعتمد على التنوع دون اللجوء إلى الترتيبات القانونية ويتميز ببنية بسيطة. في حين أن الدولة القومية الحاكمة هي أكثر أشكال الدولة التي تصوغ الإجراءات القانونية على مر التاريخ. حيث تتدخل في كل شاردةٍ وواردة للقضاءِ على المجتمع الاخلاقي والسياسي. فالرأسمالية تسند مشروعيتها على القوانين التي تشرعن كافة أشكال الظلم والتعسف تحت مسميات حقوق وواجبات الفرد والمجتمع، ولكنها في الواقع تلجأ إلى سيادة القانون لتحصين نفسها.

أما الأمة الديمقراطية فإنها يقظة حيال القانون وخاصةً الدستوري منه، لأنها أمةٌ أخلاقيةٌ أكثر منها قانونية. ولهذا تعتمد الأمة الديمقراطية على القانون الاجتماعي الأخلاقي بالدرجة الأولى.[32]

  1. ثقافة الأمة الديمقراطية

الثقافة بمعناها الضيق هي الذهنية التقليدية والحقيقة العاطفية للمجتمعات، ويشكلُ الدينُ والفلسفة والميثولوجيا والعلم ومختلف الحقول الفنية ثقافةَ مجتمعٍ ما. الحداثة الرأسمالية وعبر تشكيل الدولة القومية تحطم العالم الثقافي وتحرفه، فهي لا تقبل بالتقاليد مهما تمتلك من حقائق، ولكنها تنتقي منها ما يناسبها وتطرأ عليها التحول بناءاً على مصالحها. أما الأمة الديمقراطية فـ لأنها تسعى إلى تكوين نفسها بإعادة المعنى الحقيقي للتاريخ والثقافة، فالتاريخ والثقافة في الأمة الديمقراطية يشهدان نهضةً وإحياءً، والمثال هذا ينطبق على أوروبا في عصر النهضة التي عادت إلى انتعاشٍ أو انبعاثِ التاريخ والثقافة الاغريقيتين والرومانيتين.

إن الأمة الديمقراطية هي الأمّةُ التي تعيشُ وتتمتّعُ بالاستقرار أكثر من غيرها، وكلما اقتربتْ من تطبيقِ مشروعِ الأمةِ الديمقراطية فإنّها ستعيشُ مستقرّةً أكثر, فلا حدودَ بين إسبانيا وفرنسا مثلاً.[33]

9.الدفاع الذاتي

الدفاع الذاتي في الأمة الديمقراطية هو دفاعٌ مشروعٌ وحقٌ طبيعيٌّ للمجتمع, مثلما هو حقٌّ طبيعي لجميع الكائنات. فقد جرّدت الأنظمةُ الدولتية الشعوبَ والمجتمعاتَ من حقِّها الطبيعي المشروع في الدفاع عن نفسها، لتشكّلَ جيوشاً جرّارةً بهدفِ الغزوِ والاحتلالِ حفاظاً على سُلطتها. ولقد سخّرت الدولة القومية قوّتها العسكرية كوسيلةٍ لنهبِ خيراتِ الشعوبِ ولقمةِ عيشها، ففي دولةِ البعث ومنذ العام 1948م خُصِّصتْ كأقلِّ تقدير60% إلى 80% من ميزانية سوريا لوزارة الدفاع لشراءِ الأسلحة والتدريب العسكري، لكنّ هذا الناتج لم يدخل في خدمة الشعب بحجّة أنّها دولةُ المواجهة, والمواجهةُ تتطلبُ الميزانية، فهل حقّقتْ بهذا الشيء الانتصارَ على إسرائيل..؟

ويُشَكِّلُ موضوعُ كيفيةِ ضبطِ الدفاعِ الذاتي بمنهاجٍ دائمي البند المهم الآخر، الذي لا استغناء عنه ضمن مشروع بناء الأمةِ الديمقراطيةِ في KCK. فسياساتُ الإنكارِ والإبادةِ والصهرِ الجديدة، التي لن تتقاعسَ الدولُ القوميةُ عن تنظيمِها كلما سنحَت الفرصةُ بوصفِها احتكارَ القوةِ المسلحةِ الوحيد، قد فرضَت طابعَ الاستدامةِ على نظامِ الدفاعِ الذاتيِّ في KCK.

بالتالي، فالشرطُ الأدنى منزلةً للعيشِ المشتركِ مع الدولِ القومية، هو تضمينُ الهويةِ الكرديةِ الذاتيةِ وحياتِها الحرةِ بدستور. ولن يكفيَ الضمانُ الدستوريُّ لوحدِه. بل وسيجري البحثُ فضلاً عن ذلك في الظروفِ العينيةِ لذاك الضمانِ من خلالِ ضوابط تحدِّدُها القوانين. وفيما عدا الأمنِ القوميِّ المشتركِ تجاه الخارج، يتعينُ أنْ يَقومَ المجتمعُ الكرديُّ بذاتِ نفسِه على تدبيرِ شؤونِه الأمنية. حيث إنّ تمكينَ الأمنِ الداخليِّ وتلبيةَ متطلباتِه بأنسبِ الأشكالِ غيرُ ممكن، إلا في حالِ قيامِ المجتمعِ به بذاتِ نفسِه. من هنا، فمن الضرورةِ بمكان أنْ تقومَ الدولُ القوميةُ المعنية (الدول القوميةُ المركزيةُ التركيةُ والإيرانيةُ والعراقيةُ والسورية) بالإصلاحاتِ المهمةِ في سياساتِها الأمنيةِ الداخلية. وفي حالِ استتبابِ السلمِ وإرساءِ دعائمِ الحلِّ الديمقراطيّ، يتعينُ على KCK أيضاً إعادةُ ترتيبِ قواتِ الدفاعِ الذاتي لديه، أي “قواتِ الدفاعِ الشعبيِّ HPG”. وما لا جدال فيه هو أنّ إعادةَ الفرزِ تقتضي قوانين جديدة. كما لا شكَّ في أننا لا نتحدثُ هنا عن نظامٍ شبيه بالألويةِ الحميديةِ القديمةِ أو بـ” حُماة القرى” الجديدة. ولكن، بالوسعِ القيامُ بإجراءاتٍ وبعملياتِ فرزٍ جديدةٍ للقوى فيما يخص الأمنَ الداخلي القانوني والرسمي، والذي يعتمد على الوفاق مع الدولِ القومية.

وفي حالِ عدمِ الوفاقِ مع الدولِ القوميةِ المعنية، فإنّ KCK سيجهدُ لترتيبِ وضعِ قواتِ الدفاعِ الذاتيِّ لديه كَمّاً ونوعاً، بما يغطي الاحتياجاتِ الجديدةِ تأسيساً على الدفاعِ عن بناءِ الأمةِ الديمقراطيةِ بكلِّ أبعادِها وبمنوالٍ أحاديِّ الجانب. وهكذا، ستُكَلَّفُ قواتُ HPG المُعادُ هيكلتُها بحمايةِ التحولِ الوطنيِّ الديمقراطيِّ في جميعِ الساحاتِ والمجالاتِ وبكافةِ الأبعاد، لتؤسِّسَ أرضيةَ السيادةِ الوطنيةِ الديمقراطيةِ بجدارة. كما ستَكُونُ مسؤولةً عن أمنِ وأملاكِ المواطنِ الفردِ في الأمةِ الديمقراطية. وستظلُّ في حالةِ صراعٍ دؤوبٍ ضد جميعِ ممارساتِ الدولةِ القومية (تجاه حروبِها العسكريةِ والسياسيةِ والثقافيةِ والاجتماعيةِ والنفسية)، والتي تبلغُ حدَّ الإبادةِ الثقافية. من هنا، فإنّ وجودَ وحريةَ كردستان والكرد مستحيلان من دونِ دفاعٍ ذاتيّ.[34]

وبذلك، يفترض أوجلان أن الأمة الديمقراطية تستوعب الهويات المتباينة، وبالتالي فهي تجمع قوميات وإثنيات وأديان ومذاهب عديدة في إطار إدارة مجتمعية ذاتية، على أن يَتَجَسَّد هذا التجَمُّع في إطارٍ أشبه بالكونفدرالية Confederation بداخل الحدودِ السياسيةِ القائمة. وبالتالي، انصرف أوجلان عن “دولة كردستان” المُوحَّدة لصالح الإدارات الذاتية شِبه المُستَقِلة، والتي يمكن أن يجمعها إطار كونفدرالي عابر للحدود، الأمر الذي يبدو أقرب إلى تجربة الاتحاد الأوروبي.[35]

قود ذلك أوجلان إلى مفهوم “الأمة الديمقراطية”؛ ذلك المفهوم الذي يقدمه كبديلٍ عصرانيٍ يَتَشَكَّل في إطاره المجتمع الذي يختفي فيه التهميش والاستهلاك الاجتماعي. ففي إطار هذا المجتمع لا تُعَدُّ الجغرافيا ولا اللغة بين مُحَدِّدات الأُمَّة؛ ذلك أنها أمةٌ تقومُ على التنوعِ وإدارته بطريقةٍ ديمقراطية. وكسبيلٍ لجعل هذا المفهوم، أو ذلك الطرح، إنسانياً، ليس حكراً على جماعةٍ أو فئةٍ بعينها، يسعى أوجلان لِدَمْجِ المكونِ الكُردي في مُحيطةِ البشري (الإنساني) في إطارٍ تكاملي. فالعنصر الكردي، كما يرى أوجلان، يمكنه العيش المُشتَرك مع التعدديات والأقوام المختلفة استناداً لمفهوم “الأمة الديمقراطية”، مع تمكين كافة مكونات المجتمع من العيشِ في ظِّلِ حرية ممارسة الثقافة واللغة.


الركائز التي تقوم عليها فلسفة الأمة الديمقراطية

تقوم الأمة الديمقراطية على ثلاث ركائز وهي “الكومنات والمجالس، الاقتصاد الكومونالي، الأكاديميات ” ويؤكد السيد عبد الله اوجلان أن الأمة الديمقراطية تستمد قوتها للنهوض بمشروعها من مصدرين أثنين لا غنى عنهما وهما “الشبيبة والمرأة”.

وختامًا يتضح أن مشروع الأمة الديمقراطية هو الحل بالنسبة لشعوب المنطقة التاريخية ، بل أكثر من هذا، كل القضايا العالقة أو المشابهة في أنحاء العالم . حيث ارتكز الحل حول ذهنية الأمة الديمقراطية، وعندما طرح المفكر والفيلسوف عبد الله أوجلان نموذج الأمة الديمقراطية كان لأجل حل جميع القضايا والمشاكل في كافة أنحاء العالم، وليس لمجتمع واحد بحد ذاته، ومن خلال ذهنية الأمة الديمقراطية يتم دمقرطة العلاقات الاجتماعية، وضم الهويات المتباينة بروح الوفاق والسلام والسماحة، كما تُسلح المجتمع بوعي شديد، وإعادة المنطقة إلى عهدها حيث التعايش السلمي والبناء الحضاري . إذا فإن مشروع الأمة الديمقراطية هو حجر الأساس في إقرار التعايش السلمي بين شعوب الشرق الأوسط ، بل يتعدى تأثيره إلى كل المجتمعات التى تُعاني من ظلم وقهر نموذج الدولة القومية .


قائمة المصادر والمراجع

المصادر

  1. القرآن الكريم

المراجع

  1. أحمد محمد شنيبر الرشيدي ، أثر البارادايم على الهوية الثقافية، رسالة ماجستير ، كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية، جامعة القصيم ، المملكة العربية السعودية، 2019.
  2. تنار أكجام: الفعل المشين، ترجمة كيفورك خاتون وانيس، دار الفارابي، لبنان، 2017 .
  3. عبدالله أوجالان : مانيفستو الحضارة الديمقراطية ” القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطية”، ترجمة زاخو شيار ، المجلد الخامس، مركز القاهرة للدراسات الكردية، القاهرة ، 2016.
  4. عبدالله أوجلان: الدفاع عن الشعب ( المرافعة المقدمة إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية) ، ترجمة زاخو رزكاري، 2005.
  5. جلال الطالباني : كردستان والحركة القومية الكردية، دار الطليعة ، بيروت، 1971.
  6. تهاني شوقي عبدالرحمن : نشأة دولة تركيا الحديثة ( 1918- 1938)، دار العالم العربى ، القاهرة ،2011.
  7. نورة زريق ، أميرة خنوش : الحركة الطورانية في الدولة العثمانية ” المظاهر – التداعيات” ، رسالة ماجستير ، جامعة يحي فارس بالمدية ، قسم العلوم الإنسانية ، الجزائر ، 2020.
  8. جوهرة إبراهيم الرويس ، اتفاقية سايكس بيكو وموقف الهاشمين منها وأثرها على العالم ، مجلة كلية الدراسات الإنسانية، عدد يونية 2017.
  9. رشيد خشانة وأخرون : الطريق إلى سايكس بيكو الحرب العالمية الأولي بعيون عربية ، مركز الجزيرة للدراسات، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2016.
  10. جوزيف حجار : سورية بلاد الشام : تجزئة وطن حول اتفاقية سايكس بيكو ملف وثائقي، دار طلاس ، دمشق ، 1999.
  11. حسن كريم الجاف ، موسوعة تاريخ إيران السياسي من بداية الدولة الصفوية إلى نهاية الدولة القاجارية، الجزء الثالث، الدار العربية للموسوعات، بيروت، 2008.
  12. محمد علي الصويركي : تاريخ الأكراد فى بلاد الشام ومصر، مطبعة السفير ، عمان، 2010.

مقالات

  1. فهمي هويدي : المسألة الكردية، مقال منشور فى مجلة المجلة، لندن، العدد 524، 27/2/1990
  2. على ثابت صبري: حقيقة الشعوب فى مواجهة الحداثة الرأسمالية، مقال منشور فى مركز آتون للدراسات ، يناير 2024 .
  3. طه على أحمد : عبد الله أوجلان وَحَلُّ الأمة الديمقراطية: قراءة أولية ، https://anfarabic.com/l-lm/y-89710
  4. حسين جمو : الدولة الأمة والدولة الاحتيالية، 11/12/2020 ، https://npasyria.com
  5. حسام الأحمد: الأمة الديمقراطية هي الحل ، https://civakademokratik.com
  6. إدريس نعسان و عواس علي : فلسفة الأمة الديمقراطية، https://pydrojava.org
  7. زينب قنبر: الحياة الندية التشاركية الحرة المجتمع ، مجلة “الفكر الحر” العدد الأول 15 نيسان 2020.
  8. زاخو شيار :الجنسوية الاجتماعية هي الإيديولوجية الرسمية للسلطة، مجلة صوت كردستان، https://dengekurdistan.net
  9. الهام أحمد: الحياة الندية المشتركة ، مجلة صوت كردستان، https://dengekurdistan.net
  10. ليلاف ديواني :الحياة الكومينالية تعيد تماسك المكونات بعدما فرقتها الأنظمة القمعية ،https://hawarnews.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى