الحدود السياسية بين الدولتين الصفوية والعثمانية
تحليل: د. عبد العظيم أحمد عبد العظيم - أستاذ الجغرافيا السياسية ووكيل كلية الآداب جامعة دمنهور

مقــــدمـــة
تتناول هذه الدراسة المشكلة الكبرى فى تاريخ الشعب الكردى, ألا وهي التقسيم الجغرافى السياسى لكردستان الكبرى والذي بدأ مع الصراع الصفوي العثماني.
وتتمثل أهمية الدراسة فى أنها تتحدث عن موضوع له تأثير كبير بعيد المدى على مصير الشعب الكردى وجغرافية المنطقة السياسية ، حيث خلق مشكلة كبيرة للدول التي تشكلت في الإقليم, وحصلت على أجزاء منه.
أما الهدف من الدراسة فهو قراءة تحليلية لاتفاقيات التقسيم، والتى أصبحت أساسا لمشكلة كردستان، حيث تم اعتباره منطقة عازلة بين الإمبراطوريتين الصفوية والعثمانية.
الدراسات السابقة:
سُطرت عدة دراسات تتناول الجغرافيا السياسية لإقليم كردستان، ومنها:
بَحَثَ سلام ناوخوش[1] تاريخ احتلال وتقسيم كردستان, سواء بين الدولتين العثمانية والفارسية أو الاحتلال الحديث على يد إنجلترا وفرنسا وغيرهما، وأثر ذلك على العلاقات الإقليمية، وسياسات الدفاع والتحالفات الإقليمية.
وألّف جزا توفيق طالب[2] عن المقومات الجيوبولتيكية للدول الخمس التى تقتسم إقليم كردستان, وأجاب عن السؤال الاستراتيجي: هل أمن تلك الدول فى تأمين واستقلال الإقليم أم في تجزأته كما هو كائن الآن، وذلك من وجهة نظر الجغرافيا السياسية.
أما الأمير شرف الدين البدليسي[3] فكتابه “شرفنامه” يعد عمدة في بابه، إذ يفصّل الحديث عن تاريخ الدول والإمارات الكردية, عبر التاريخ، ومجال نفوذها وأسباب ظهورها وعوامل اندراسها.
وتناول عمـــــر هـمــــزه صـــالح[4] قضية التقسيم الجغرافــي لكوردسـتان الكـــبرى وانعكاساته على إقليم كوردستان العراق من منظور الجغرافيا السياسية، متتبعا أطوار التقسيم، ودور الدول الغربية العظمى في الحرص على ذلك التقسيم في التاريخ الحديث والمعاصر، وكيف عملت الحكومات العراقية على تغيير الهوية الكردية.
منهجية الدراسة وأساليبها:
تتحدد محاور الدراسة من خلال عدة مناهج ومداخل رئيسة، هي:
– منهج التحليل المكاني: من أجل تفسير التنظيم المكاني للظاهرة علي مستوي منطقة الدراسة.
– المنهج التاريخي:Historical Approach من خلال التركيز علي تتبع الظاهرة موضوع البحث من بداية الصراع الصفوي العثماني.
– كما تم استخدام الأسلوب الكارتوجرافي في رسم الخرائط.
محتويات الدراسة:
تشتمل الدراسة على ثلاثة مطالب رئيسة يتناول أولها الخصائص الجغرافية للإقليم حيث بيان الموقع الفلكي والجغرافي لإقليم كردستان، ومساحته والملامح الطبيعية كالجبال والهضاب والأنهار والسهول والغابات والمناخ، ثم بيان أثر الجغرافيا الطبيعية علي الأكراد، أما المطلب الثاني فيعرض لمفهوم الدولة الحاجزة وضوابط اختيارها. وأما المطلب الثالث فيفصّل مراحل ترسيم وتقسيم كردستان بين الصفويين والعثمانيين من خلال معاهدتي أماسيا وقصر شيرين.
المطلب الأول – الخصائص الجغرافية
أولا- كردســـتان اصطلاحا:
تتألف كلمة كردستان , من مقطعين:(كرد– ستان) الجزء الأول بمعنى (الشعب الكردى), والجزء الثانى بمعنى (وطن الكرد), كردستان بصورة عامة يعنى البلاد التى يسكنها الكرد[5]. وهو اسم ذو دلالة تاريخية وجغرافية قديمة, وقد عرف كموطن قومي للكرد منذ بدء التاريخ. مثلما تعنى أفغانستان موطن الأفغان, وهندستان موطن الهنود, وطاجيكستان موطن الطاجيك….الخ[6].
وكردستان الكبرى, مصطلح سياسى يستعمله الكرد لمنطقة جغرافية كبيرة، تقع فى الشرق الأوسط من آسيا الغربية, ممتدة فى عدة دول. وتضم كردستان خمسة أجزاء رئيسية نطلق عليها كردستان تركيا, وكردستان إيران, وكردستان العراق وكردستان سوريا, بالإضافة إلى أطراف صغيرة على الحدود الجنوبية لأرمينيا. وكردستان لا يعترف بها قانونياً أو دولياً[7], ولا تستعمل فى الخرائط وكتب الأطلس الجغرافية, بل تعترف إيران, والعراق, وأرمينيا بمنطقة كردية على أراضيها. أما سوريا وتركيا فالأمر غير معترف به.
وأول مؤرخ ذكر اسم (كردستان) هو حمدالله ابن المستوفى القزويني صاحب كتاب “نزهة القلوب” المؤلف بين أعوام (1335- 1340) فيقول بأن كردستان يجاوه شرقا العراق العجمي, وشمالاً أذربيجان, وغربا العراق العربي, وجنوبا خوزستان, و تتألف من 16قضاء إدارياً وهي: (1- آلانى 2- البشتر 3- بهار 4- خفيتان 5- دربند تاج خاتون 6- دربند زينكى 7- دزبيل 8- دينور 9- سلطان آباد 10- شهرزور 11- كرماشاه 12- كرند وخوشان 13- كنكاور 14- ما هيدشت 15- هرسين 16- وستام)[8].
فالأتراك العثمانيون كانوا يطلقون اسم كردستان على محافظة ديار بكر وحدها والإيرانيون يطلقون فقط على إقليم (سنه) من كردستان الإيرانية. وفى العراق يطلقون على المنطقة الكردية اسم (إقليم كردستان) وكان ذلك بعد إتفاقية 11آذار عام 1970 التاريخية والتى جاءت بفضل النضالات المتواصلة والمقاومة الباسلة للشعب الكردى, وفى سورية هناك حى الأكراد بدمشق, وجبل الأكراد فى عفرين[9].
ثانيا – الموقع الفلكي والجغرافي لإقليم كردستان:
تقع كردستان في قارة آسيا بين خطي عرض 30ْ ش-41ْ ش وبين خطي طول 37ْ ق -52ْ ق، فهي جزء من منطقة الشرق الأوسط[10].
ومن الصعب تحديد الحدود الجغرافية لكردستان الكبرى بشكل دقيق، لأنها لم تكن دولة مستقلة، وقد دأبت السلطات المتعاقبة منذ القدم على جلب أعداد غفيرة من عوائل التركمان والفرس والعرب إلى أراضي كردستان وإسكانها ومخالطتها مع الكرد، وقد استقرت تلك العوائل على أرضهم وفرضت طبائعها ولغتها على السكان الأصليين عنوة, مما اضطر الكثير من العوائل الكردية إلى الهجرة والعيش مع الأغراب والأقوام المجاورة لكردستان, والتي أدت إلى اختلاط جنسهم بأجناس تلك الأقوام، وهذا أيضا أدى إلى خلق مشكلة الحدود، إلا أننا مع ذلك نستطيع الإشارة إلى حدود كردستان القومية حسب المناطق التي غالبية سكانها من الكرد، ورغم أن هناك آراء مختلفة, إلا أن الرأي الأقرب إلى الصواب، هو أنَ كردستان تمتد بشكل قوسي من جانبين نحو البحر: (الخليج العربي) و(ميناء الاسكندرونة) حيث نستطيع تحديد ذلك على نحو ما قام به شرفخان البدليسي[11], وبتكليف من الشاه عباس الصفوي , بتحديد حدود كردستان وذلك في كتابه المشهور “شرفنامة”[12] في عام 1586 م وقد حددها على الشكل التالي (شكل1):
- من الشمال: تصل إلى جبال آرارات, التي هي حاجز جغرافي وسياسي بين إيران وروسيا وتركيا، وهي حدود وطنية وقومية للكرد والفرس والأرمن.
- من الجنوب: تصل الى جبل حمرين الذي يقع بين عراق العرب (بغداد والبصرة) وعراق الكرد، أو كردستان العراق (ولاية الموصل- سابقاً).
- من الشرق: تبدأ من أقصى منطقة لرستان في إيران.
- من الغرب: تصل إلى ولاية ملاطية في تركيا، وبذلك يكون جميع سكان ولاية شرق تركيا الأسيوية من الكرد وحدودها واقعة في الأراضي الكردية، عدا ولاية ترابزون, وجزءا من ولاية ارضروم.

(شكل1) موقع إقليم كردستان الكبرى
وتحد الأقسام الشمالية من كردستان هضبة أرمينية حيث تعد الأقسام الشمالية الشرقية جزءاً من هذه الهضبة. أما أقسامها الشمالية الغربية فهي جزء من الهضبة الكبرى التي تعرف بالهضبة الأناضولية، والممتدة في آسيا الصغرى وحتى إيران (الهضبة الإيرانية) شرقاً حيث تتصل بأقسامها الشرقية. ويقع الإقليم ضمن حزام جغرافي يتشكل من خمس دول: هي العراق، وإيران، وتركيا، وسوريا، وأرمينيا. فهو بمثابة جزيرة برية لا تطل علي بحر[13].
والملاحظ علي هذا الإقليم التنوع الجغرافي؛ فهو يحمل بين طياته السلاسل الجبلية؛ والهضاب؛ والأنهار؛ والبحيرات؛ وبعض المناطق الصالحة للزراعة. مما يجعل الحياة به ممكنة والصعوبة تكمن في تطويع العوامل الجغرافية والتغلب علي المعوقات الجغرافية.
وقد أسست القبائل الكردية حضارتها علي أرضها الممتدة من جبال آرارات إلي جبال حمرية (الفاصلة بين بغداد والبصرة)[14] وكانت تلك القبائل شعباً واحداً يتكلم لغة واحدة[15].
وتتمثل أهمية موقع كردستان في عدد من النقاط، أهمها[16]:
- تقع كردستان من الناحية الاستراتيجية بين ثلاث حضارات، قامت في الأناضول ووادي الرافدين وإيران، بمعنى آخر فإن وقوعها من الناحية الجغرافية بمثابة قلب الشرق الأوسط، ومن الناحية الجيوبولوتيكية تتوسط ثلاثة أقاليم مهمة (الفرس- الترك- العرب).
- تخلق كردستان أهمية كبيرة بالنسبة للدول، وتشكل جسراً للربط بين أوروبا والمحيط الهندي، لأن جزءاً من هذا الإقليم هو جزء جيوبولوتيكي لشرق البحر المتوسط، لهذا فإن لها أهمية جيوستراتيجية أيضا.
وموقعها الجغرافي الخطير جعل من جغرافيتها التاريخية مسرحا جيوبولتيكيا لتقرير نتائج ومصير العديد من المعارك الإمبراطورية, للعديد من الأمم الغازية (لوقوعها عند حافات تلك الإمبراطوريات وفى ملتقى طرق الحضارات), مُشَكّلة بذلك جسرا يربط هضبة الأناضول بهضبة إيران والذى انتقلت عبره حضارات الشرق والغرب. وكما يقول البروفسور سولكى (إذا كان الشرق الأوسط هو ملتقى تلك الطرق العالمية فإن كردستان هى قلب ذلك الشرق الأوسط)[17]. من هنا تنبع مطامع الحكومات والدول المجاورة واهتماماتها بأرض كردستان وجبالها وثرواتها, فهى حلقة الوصل الجغرافية الرابطة ما بين أواسط آسيا, وجنوب غربها من ناحية, وما بين قارات العالم القديم من ناحية ثانية. كما أنها تشكل الفسحة القارية التي تملأ معظم الامتدادات الجغرافية الواصلة مابين أربعة مسطحات مائية وهي: بحر قزوين, والأسود, والمتوسط, والخليج العربى, لذا فإن هذا الامتداد الجيوستراتيجى لهذه البلاد هو الذى يفسر اهتمام الإمبراطوريات القديمة, وقد تعرضت خلال تاريخها الطويل لكثير من الغزوات وخاصة فى العصور الوسطى, مثل روسيا القيصرية, ثم الاتحاد السوفيتى, ومن بعدها كل من الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية.
ومنذ سقوط مملكة ميديا سنة (550 ق.م), وإلى يومنا هذا, ظلت كردستان مأهولة بالسكان, وفى كردستان دار الصراع بين الغزاة, بدءاً من صراع بين الأخميين واليونان ومروراً بالصراع بين البارثيين والسلوقيين, وبين البارثيين والرومان, ثم بين الرومان والأرمن, ثم بين الساسانيين والبيزنطيين, ثم بين الساسانيين والعرب المسلمين[18].
أما في العصور الحديثة, منطقة كردستان مرت بالمراحل تقسيم, وخاصة أرض كردستان والشعب الكردى تجزأة ضمن صراعات بين الإمبراطوريتين (الصفوية والعثمانية) وصراع بين القوى الدولية الاستعمارية بين الدول الثلاث: بريطانيا, وروسيا, وفرنسا, فى الاتفاقيات بينهم, وتم تقسيم كردستان عدة مرات.
ثالثا- مساحة إقليم كردستان:
تقدر المساحة الكلية لكردستان الكبرى بنحو 543,228 كيلومترا مربعا[19]. وأرض كردستان يقع منها 215,892 كم2 فى تركيا, و219,492 كم2 فى إيران , و 87,117 كم2 فى العراق , و15,264 كم2 فى سوريا , وأخرى 5,463 كم2 فى أرمينيا.
ويبلغ طول أرض كردستان إذا قيست من الشمال إلى الجنوب, بنحو 1300كم ويبلغ عرضها من الشرق إلى الغرب حوالي 550كم، إلا أن عرضها ليس متساويا من كل الجهات، فمن الشمال يبلغ عرضها 578كم، ويقل من الوسط إلى أن يصل إلى 232كم، وكلما انحدرنا نحو الجنوب يقل هذا العرض أكثر فأكثر، حتى يصل في نهاية القسم الجنوبي إلى 112كم.
فمساحة كردستان الواسعة, بسبب موقعها, جعلتها مختلفة الشكل من الجبال والمنحدرات والسهول واختلاف الأنواء الجوية, وخصوبة الأرض, وغزارة الأمطار. كل هذه عوامل مساعدة للتأمين الغذائي, وتؤثر مباشرة على القوة العسكرية والإستراتيجية والإمكانات الإدارية للدولة.
وقد طرأت علي مساحة هذا الإقليم كثير من التغيرات ولم تظل ثابتة منذ أقدم العصور وحتى وقتنا الحالي، ومرد ذلك إلي[20]:
- تأخر ظهور الإقليم إلي عهد السلاجقة، والملك سنجر السلجوقي.
- تعرض الإقليم للزيادة والنقصان في مساحته بسبب سياسة الحكام المجاورين التوسعية، ومقدرة الأكراد علي عمليات الصد والرد.
- رغبة الخلافة الإسلامية المستمرة في فرض سيطرتها علي الإقليم بشكل فعال وجعل الأكراد تابعين لها تبعية كاملة.
- عدم قيام دولة كردية تحكم الإقليم بأكمله حتى تصبح هناك هيكلة لهذا الإقليم حتى الدويلات التي قامت كانت في بعض أجزائه.
رابعا- الملامح الطبيعية:
نلخص ملامح الجغرافيا الطبيعية لإقليم كردستان فيما يلي:
1- الجبال والهضاب:
كان للجغرافيا الطبيعة دور رئيسي ومهم في حياة الأكراد، فقد أبت الطبيعة أن تترك الأكراد دون أن تؤثر عليهم، وكانت لهم بمثابة الدرع الواقي من الهجمات الخارجية، وكانت تقسو لتنشئ رجالاً أقوياء محاربين أشداء. والغالب علي إقليم كردستان: وجود الجبال الشاهقة العالية الوعرة إلا في بعض المناطق التي منها علي سبيل المثال: ما بين همذان إلي الري، فإن الغالب عليها السهل والجبال بها قليلة([21]). وهناك علاقة وثيقة بين الجبال والأكراد فالأكراد والجبال لا يفترقان([22])، فالجبال مكملة لحياة الكردي وكيانه.
وبلاد كردستان بلاد جبلية، وهي تشبه الهلال الذي يقع أحد طرفيه في مدينة (خانقين) وطرفه الآخر في معبر علي دجلة قرب خابور([23])، وبرغم كثرة الجبال إلا أن الإقليم كثير الخيرات وحصين وكان مستقراً لبعض العلماء كما كانت الحياة بداخله ليست سهلة ولكنها كانت ممكنة([24]). وأهم الجبال وأشهرها جبال أرارات، وهي سلاسل جبلية شبه مستقيمة تمتد من الشمال إلي الجنوب، ثم تكون عدة سلاسل تنحي نحو الجنوب الشرقي إلي الخليج الفارسي (العربي) وهناك جبال زاجروس، وجبال طوروس التي تقع في خليج الإسكندرونة. وتحيط السلاسل الجبلية الشاهقة بإقليم كردستان من جميع الجهات ما عدا الجنوب الغربي الذي يشتمل علي عدة هضاب تنفجر فيها العيون وسهول ترويها الأنهار([25]). ومتوسط الارتفاع عن سطح البحر بمقدار 800/900 م
وهناك مدن قائمة في أحضان هذه الجبال وعليها أحياناً، وهي مدن مشهورة وأعظمها همذان ودينور وأصبهان وقم، وهناك مدن صغيرة من أهمها قاشان، ونهاوند، واللور، والكرج، وغيرها([26]).
والهضاب الموجودة في الجنوب الغربي من كردستان تتفجر منها العيون، وبها مناطق تزرع اعتماداً علي مياه الأمطار ومياه بعض الأنهار حيث إن هذه المنطقة ضمن حوض نهري دجلة والفرات([27]) وبها مناطق تنتشر فيها المراعي وتساعد علي قيام هذه الحرفة الرئيسية بالنسبة للأكراد.
2- الأنهار:
تكمن أهمية الأنهار في كونها تجمع الشعوب حولها وتساعد في قيام حياة مستقرة نتيجة العمل بحرفة الزراعة والاتصال بالجيران ورواج عمليات التجارة. وقد وجدت الأنهار والبحيرات بداخل إقليم كردستانوحول تلك الأنهار كثرت الخيرات وظهرت الأرض الخصبة، والبساتين، والأشجار. وعلي الجانب الآخر فالأمطار غزيرة علي المناطق الجبلية تسقط علي شكل ثلوج وجليد. وعلي الرغم من الوجود النهري وهطول الأمطار فإن الزراعة لم تنتشر بداخل الإقليم بشكل كبير. والسبب في ذلك هو قلة المنخفضات والسهول الصالحة لقيام هذه العملية.
وينبع في الإقليم نهرا دجلة والفرات، ويليهما في الأهمية نهرا الزاب الأعلى والزاب الأسفل، وهناك نهر الديالي الذي ينبع من كردستان الشرقية ويجري القسم الأكبر منه في أراضي كردستان الجنوبية (العراق). بالإضافة إلي نهر (زرينة) في شمال إيران الذي يصب في بحر قزوين، وينبع، من شمال زاجروس وهو من روافد نهر (آرزن).
وهناك أربع بحيرات مهمة موجودة بداخل الإقليم هي: (أورمية – وان – زريباكول – كب)، وفي آذربيجان الكردية بحيرات مالحة مثل : بحيرة أرجيش الغنية بالأسماك، وبحيرة طبرستان، وبحيرة أرمية.
وعلي الرغم من وجود الأنهار، والبحيرات علي اختلاف أشكالها (العذبة أو المالحة) فإن المرتفعات والصخور هي المهيمنة علي الإقليم ومرتفعاته أشبه بالخناجر المتجهة إلي السماء. وكل ذلك أثر بالطبع علي الشخصية الكردية حتى أصبح الكردي مثل قطعة من هذه الجبال في عناده وإصراره وأصبح مقاتلاً بالفطرة([28]).
3- السهول:
أحد مظاهر السطح الموجودة بالإقليم وهي تمتاز بكونها تسمح بقيام حياة زراعية؛ لأنها ذات تربة خصبة، يضاف إلي ذلك استواء السطح في معظم جهاتها وإن كان يرتفع في بعض المناطق مكوناً تلالا قليلة الارتفاع كتلال سنجار التي تقع في غرب الموصل ويوجد بها بعض المجاري المائية([29]). ووجود التربة الخصبة والمياه العذبة أدي إلي انتشار الزراعة، ونمو أشجار الفاكهة.
وأصلح المناطق للزراعة هي: التي تقع في الجنوب والجنوب الشرقي للإقليم وتعتمد علي مياه، الأنهار حيث تقع تلك المنطقة ضمن حوض دجلة والفرات وروافدهما، الزاب الكبير والزاب الصغير والخابور. ومساحة المناطق الزراعية بداخل الإقليم ليست بالشاسعة. وقد اعتمد الأكراد علي حرفة الرعي بشكل أساسي في حياتهم الاقتصادية، وتلا هذه الحرفة من حيث الأهمية الزراعية وأسباب سبق الرعي تتمثل فيما يلي:
- توفر المراعي بسبب كثرة الأمطار.
- الطبيعة الجبلية.
- قلة المناطق الصالحة للزراعة.
- طبيعة الأكراد القبلية تتناسب مع هذه الحرفة.
4- الغابات:
تغطي الغابات مساحات شاسعة، حيث انتشرت في كردستان إيران، وكردستان العراق، وكردستان تركيا. وظهرت الأحراش بجانب الغابات وبكميات كبيرة. وعلي حسب الدراسات الحديثة فإن الغابات تغطي:
أ- 22% من أراضي كردستان الإيرانية.
ب- 8% من أراضي كردستان العراقية.
ج- 6% من أراضي كردستان التركية.
والمساحة الكلية للغابات بالنسبة للإقليم تعادل 14% من مساحته([30]).
5- المناخ:
الظواهر الطبيعية بداخل إقليم كردستان كثيرة ومتنوعة فهي تحمل الجبال والأنهار والعيون والشلالات ووديان وصخور ومناخ ذو طبيعة خاصة حتى قيل: إن الفصول الأربعة تلتقي في كردستان في وقت واحد؛ فالثلج لا يذوب في قمم جبال كردستان العالية حتى في أشهر الصيف، ولا يمكن إيجاد جغرافيا تتدرج فيها الفصول من شتاء قارس البرودة في أعلي الجبل إلي صيف حار عند السفح وبينهما خريف وربيع([31]).
ومناخ كردستان يمتاز بالحرارة الشديدة، لأنها تقع في المنطقة المعتدلة الشمالية، وتتبع المناخ الصحراوي وجميع معدلاته من البرودة، والحرارة، وكمية الأمطار.
وخصائص المناخ في الإقليم علي النحو التالي:
أ- الحرارة: يمتاز الإقليم بارتفاع شديد في درجات الحرارة خاصة في فصل الصيف حتى قيل “إن الخيل والحمير تربي في أرض الأكراد، وهي سلالات ممتازة وبعد فترة من الزمن يحملها التجار إلي بلاد الهند؛ بسبب شدة الحرارة في البلاد الكردية”([32]). وهذا الطقس لا يلائم تربية، ومعيشة هذه الحيوانات التي نعلم عنها أنها من قاطنات المناخ المعتدل.
ونظراً لطبيعة الإقليم فإن السمة الغالبة علي معظم أنحائه هي الارتفاع في درجات الحرارة حتى قيل إن ابن أحد ملوكها الأولين قال في بلاد أبيه “فيها من يذيبه الحر وفيها من يجمده البرد”([33]).
ب- الرياح: تهب الرياح علي معظم أجزاء كردستان وهي متنوعة وتكون غالباً محملة بالأتربة، والرمال. ولذلك تكثر في الإقليم أمراض العيون. وبداخل الإقليم توجد بعض المناطق ذات الهواء الطيب، والتربة الخصبة، وأحياناً يتعرض الإقليم إلي هبوب عواصف ثلجية علي معظم أجزائه وهي لا تكون إلا في فصل الشتاء([34]).
ج- الأمطار: يسقط المطر في فصل الشتاء، ويجري المطر والجليد عبر جوانب الجبال الوعرة وصولاً إلي نهري دجلة والفرات ويمثل أحد مصادر المياه بالنسبة لهذين النهرين. ويتراوح معدل الأمطار بين 200 إلي 400مم وفي الأراضي المحصورة بين سلاسل الجبال يتراوح المعدل السنوي للأمطار بين 700 إلي 2000م([35]).
واستطاع الأكراد التغلب علي هذا المناخ القاسي عن طريق بيوت تحت الأرض، وفي أحضان الجبال لحمايتهم، وكانوا يخزنون طعامهم، وطعام أغنامهم وما يحتاجون إليه من الوقود. وبعد انتهاء موسم الأمطار يخرجون ليجدوا المراعي قد ازدهرت.
خامساً- أثر الجغرافيا الطبيعية علي الأكراد:
لعبت الظاهرات الجغرافية دوراً مهماً في سير أغلب المعارك الحربية وفي نتائجها؛ فهي تعد سلاحاً ذا حدين. واستطاع الأكراد أن يستفيدوا منها عن طريق استخدام حرب العصابات ضد المعتدين، كما وقفت الجبال والهضاب حاجزاً ضد المغيرين أو الراغبين في السيطرة عليهم، وصعبت من مهمة المهاجمين، وسهلت من مهمة الأكراد المدافعين، واستغلوا الأمطار في قيام عمليات الرعي، والزراعة بعد انتهاء موسم المطر ونمو المراعي.
ومن عيوب الظاهرات الجغرافية التي أثرت بالسلب علي الأكراد وعورة المنطقة التي أدت إلي عدم توفر الاتصال بينهم بسهولة، وهذا ما جعل المجتمع الكردي ينقسم قبلياً ومحلياً.
وكما أثرت هذه العوامل في الأحوال الاجتماعية أثرت أيضاً في الأحوال الاقتصادية حيث صعبت من قيام تجارة بشكل واسع وكبير، وجعلت الرعي هو الحرفة الرئيسية نتيجة المرتفعات والأمطار وأتت الزراعة في المرتبة الثانية نظراً لقلة السهول([36]). وحتى الآن تقف الطبيعة ضد الأكراد، حيث وقفت عقبة أمام الوحدة الوطنية؛ بسبب العزلة الجغرافية للأقاليم الكردية، والوعورة في المناطق الجبلية([37]).
ونستنتج مما سبق أن الكردي استطاع أن يحول قوة الطبيعة إلي مزايا، ويجعل من الجبل الصديق والحامي، ويخلق من الثلوج والأمطار قوة التحمل، وأن يستخدم الجبال والهضاب والمناطق الوعرة حاجزاً بينه وبين الآخرين، وتحنو الطبيعة عليه وتعطيه صفة المحارب المتمرس، والعناد والفروسية حيث يقضي الكردي معظم يومه علي ظهر الخيل إما محارباً، وإما متنقل من مكان لآخر، وفي الوقت ذاته أفقدته الطبيعة إمكانية التوحد في وطن واحد يجمع كل القبائل والإمارات الكردية بذلك تكون الطبيعة أخذت علي قدر ما أعطت[38].
المطلب الثاني – مفهوم الدولة الحاجزة
لما كانت الخصائص الطبيعية لإقليم كردستان تؤهله لأن يكون منطقة عازلة بين إمبراطوريتين كبيرتين، لزم أن نوضح مفهوم “المنطقة العازلة في الجغرافيا السياسية.
أولا- الدولة الحاجزة اصطلاحا:
يشيع في الجغرافيا السياسية استخدام مصطلح “منطقة أو دولة حاجزة Buffer State-Zone” ويشير إلى دولة أو مجموعة دول تفصل بين منطقتين متناقضتين أيديولوجياً أو سياسياً.
وعادة ما تكون الدولة الحاجزة محايدة لوقوعها بين جيران أقوياء مشاكسين ومتنافسين، وعادة ما يكون وضعها المحايد أيضاً ناجم عن غزوها من جيرانها، ومثال ذلك وضع بولندا كدولة حاجزة فى الماضى بين ألمانيا وروسيا، لذا عانت فى الحروب العالمية الأمرين من جراء موقعها الجغرافى.
وهنا يمكن التفرقة بين نوعين من التخوم السياسية: “وصل وفصل”. فتخوم الوصل توصف بأنها سهلة التضاريس غنية بمواردها، ويسهل عبورها، ومن ثم فهي تصل بين الدول أو الوحدات السياسية ويشمل هذا الاتصال هجرة السكان والتجارة والتزاوج المختلط، بينما تخوم الفصل ذات خصائص طبيعية صعبة علي الاستيطان والاستغلال والعبور، وبالتالي فهي تفصل وتعزل، مثل إقليم كردستان.
كما أن هناك شروطاً لظهور الدول الحاجزة أو ما يمكن تسميته بالمناطق الحاجزة منها: الاعتراف الرسمي بها كما في سيناء فهي تعتبر إقليماً حاجزاً وبها قوات دولية، كذلك مزارع شبعا في جنوب لبنان على الحدود الإسرائيلية.
وكانت أفغانستان في بدايات القرن العشرين تمثل حاجزا بين روسيا والهند أي تحجز بين أيدلوجيتين الشيوعية أو الاشتراكية شمالاً والرأسمالية جنوباً. وهناك مثال للدول الحاجزة أو المناطق الحاجزة كما حدث مؤخراً في بداية التسعينيات عندما استقلت دولة اريتريا عن أثيوبيا وقامت حرب بينهما عصفت بما يزيد عن 100,000 شخص حتى وقعت معاهدة سلام بينهما سنة 2000 وكانت تنص علي وجود منطقة حاجزة بين الدولتين. وهناك منطقة حاجزة بين الصين وروسيا (شريط فاصل طوله 2000 كم).
وهناك أيضاً الخطوط الفاصلة أشهرها خط أتيلا ويفصل بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين بطول 180 كم، حيث تدخلت الأمم المتحدة بينهما
ومناطق التخوم لم تكن تدعيها أي دولة لنفسها، كما أنها لم تكن مستقلة. وقد اختفت مناطق التخوم من الخريطة السياسية عندما توسعت الدول فيها، واستولت عليها، وقامت باستغلال مواردها وتعميرها وتحولت الفواصل بين الدول نتيجة لذلك من التخوم إلي خطوط الحدود السياسية المعروفة في الوقت الحاضر، وهذا ما حدث لإقليم كردستان فبعد أن كان حاجزا بين إمبراطوريتين، أعيد تقسيمه بين خمس دول بعد الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية، فتحولت المساحة من “تخم” فاصل إلى “خطوط” واضحة تجتزئ الإقليم بين الدول الخمس: العراق، وإيران، وتركيا، وسوريا، وأرمينيا (شكل2).

(شكل2) التوزيع الجغرافى للكرد فى كردستان الكبرى (حسب محافظات الدول)
وتوجد مجموعة من الدول الحاجزة في الوقت الحاضر. وتمكنت هذه الدول الحاجزة من البقاء نتيجة لقيامها بوظيفتها الحاجزة بين عدة دول متنافسة. وترجع نشأة هذه الدول الحاجزة إلي الرغبة في تقليل الاحتكاك بين قوتين متصارعتين أو أكثر أي أن القوي العظمي هي التي خلقت هذه الدول. وضمنت لها الاستمرار في الحياة وليست كل الدول الحاجزة التي نشأت أيام التنافس الاستعماري.
ومن أمثلة هذه الدول الحاجزة:
- سويسرة التي تفصل بين ألمانيا وإيطاليا وفرنسا.
- بلجيكا التي تفصل بين ألمانيا وفرنسا.
- الجيانات الأمريكية الثلاث التي تفصل بين النفوذ الأسباني في فنزويلا، والنفوذ البرتغالي في البرازيل.
- أفغانستان التي تفصل حالياً بين الاتحاد السوفييتي وباكستان، وكانت تفصل في الماضي بين انجلترا والهند وانتهت الصفة الحاجزية التي تتمتع بها أفغانستان بعد أن غزاها الاتحاد السوفييتي وأقام فيها نظاماً شيوعياً تابعاً له.
- منغوليا الشعبية التي تفصل بين الصين الشعبية والاتحاد السوفييتي.
- نيبال وسيكم وبوتان التي تفصل بين الصين والهند؛ ولو أن العقبات الطبيعية الممثلة في سلاسل جبال الهملايا وأوديتها بين الصين الشعبية والهند أقوي في الفصل بينهما من أي حاجز سياسي.
وكانت العلاقة بين أمثال هذه الدول الحاجزة والدول العظمي المجاورة تختلف من دولة لأخرى ومن وقت لآخر بالنسبة للدولة الواحدة. فهذه المناطق الحاجزة دائماً تتنازع عليها الدول المتجاورة، ولذلك فإن استمرار بقائها أمر مشكوك فيه، وقد تضطر إحدى الدول القوية إلي السيطرة علي الوحدة السياسية الحاجزة، وتتخذها كنقطة وثوب علي عدوها المجاور. وقد تنتقل السيطرة علي هذه الوحدة الحاجزة من دولة لأخرى. أو قد تتركها الدول الكبرى لكي تستمر في البقاء؛ وهذه السيناريوهات جميعها قد حدثت في إقليم كردستان.
ثانيا- ضوابط اختيار الدول الحاجزة:
ولابد من توافر شروط طبيعية واقتصادية وسياسية معينة في الدول الحاجزة طبيعياً. فمن الناحية الطبيعية يستلزم الأمر وجود صعوبة طبيعية كأن تكون الدولة معقدة التضاريس أو شبه صحراوية، أو تنتشر المستنقعات علي حدودها لنقل حركات الانتقال عبر أراضيها ما أمكن.
من الناحية الاقتصادية يكون من الأفضل للدولة الحاجزة طبيعياً أن لا تخرقها مجاري مائية صالحة للملاحة، ولا تنتشر بها شبكات جيدة من السكك الحديدية، وأن لا تحتوى علي موارد ثروة كبيرة تغري جيرانها بالعدوان عليها.
أما من الناحية السياسية فجيب ألا يكون لها مطامع إقليمية، أو اهتمام كبير بشئون الجهات المجاورة، كما أنها يجب ألا تعتمد على إحدى الدول العظمي المجاورة، وتنطبق الخصائص السابقة تمام الانطباق علي أفغانستان، وسويسرا، وإلي حد ما علي منغوليا الشعبية.
وما كانت دولة الغساسنة عند هوامش الشام الصحراوية الجنوبية إلا صورة من صورها، فهي كدولة حاجزة في ظل السيادة الرومانية بين قبائل شبه الجزيرة العربية والشام الروماني آنذاك، كما دعمت الإمبراطورية الفارسية دولة “الحيرة” عند هوامش الرافدين الصحراوية لذات الهدف. وكذلك ظهر هذا الأسلوب علي طول الحدود العربية البيزنطية، وقد عرفت عند العرب بالعواصم والثغور، هذه التي قامت بدور المراكز الدفاعية الأمامية وبدور المناطق الحاجزة وقت السلم، وكذلك علي طول حدود القيصرية الروسية مع القبائل في سهوب وسط آسيا.
وعادة ما يترابط توزيع هذه المراكز الدفاعية والمناطق الحاجزة مع أجزاء شديدة الوعورة من سطح الأرض، تلبية لشروط وظيفتها الدفاعية الأساسية، وفي نفس الوقت فإن مثل هذه الشروط قد تؤدي إلي عزلة المنطقة الحاجزة ونموها الخاص، خارج نفوذ الدول المتصارعة علي جوانبها، ومن النماذج التقليدية في هذا المجال النموذج الأرميني، فأرمينيا تقع حيث تتقابل مجموعة كبيرة من السلاسل الجبلية في عقدة جبلية تعرف بعقدة أرمينيا، فأراضيها شديدة الوعورة، متنوعة التضاريس بين جبال وأحواض ووديان، ويفصلها حوض القوقاز المنخفض من الجبال الشمالية، وقد أدي ذلك إلي قلة السكان وتعثرهم، وهيأت لها الظروف لكي تصبح منطقة حاجزة نموذجية، باعتبارها منطقة وعورة وعزلة، وفصلت طوال تاريخها بين الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية، وبين الدولتين البيزنطية والعربية الإسلامية، وبقيت ميداناً للصراع بين روسيا والدولة العثمانية، وتطوره كمنطقة شبه مستقلة حتى احتواها الاتحاد السوفييتي إبان فترة توسعه في اتجاه الجنوب نحو أرمينيا وأذربيجان وسهول وسط آسيا.
المطلب الثالث – مراحل ترسيم وتقسيم كردستان بين الصفويين والعثمانيين
مرت منطقة كردستان الكبرى بعدة مراحل للتقسيم, سواء الأرض أو الشعب ضمن صراعات بين الإمبراطوريتين (الصفوية, والعثمانية) وصراع بين القوى الدولية الاستعمارية بين الدول الثلاث (بريطانيا- روسيا – فرنسا) ويمكن تقسيم كردستان بالمراحل كما يلى:
أولا – بين فكي رحى الصفويين والعثمانيين:
يعود أول تقسيم لكردستان إلى عهد سقوط الإمبراطورية الساسانية عام 651م حتى أواخر القرن الخامس عشر، حيث كانت بلاد فارس متقطعة تحت براثن الإقطاعيين والاقتتال الداخلي يحول دون الاتحاد السياسي للبلاد، حتى جاء عهد الشاه إسماعيل الصفوي (1485-1524) وأسس العائلة الصفوية وبنيان الدولة الصفوية، ووحد الفرس تحت قيادة موحدة، وتمكن الشاه إسماعيل الصفوى من احتلال أجزاء واسعة من كردستان حتى وصلت قواته إلي مدينة آماد سنة 1508[39], والسبب الرئيس في هذا التوحيد هو المذهب الشيعي الذي جمع البلاد خلف راية واحدة وسلطة واحدة، في تلك الأوقات كانت كردستان تتألف من عدة إمارات، وكل أمير له سلطته الخاصة على منطقته دون مراعاة الإمارات الأخرى، فخلق ذلك عداوات عميقة بينها جعلت كل منها تسعى للسيطرة على الإمارات التي حولها، وفي بعض الأحيان توترت أوضاع كردستان, فكان الاقتتال بين الأمراء حافزا آخر لاحتلال كردستان خاصة, وأن الأمراء الكرد كانوا غالباً يطلبون الدعم والمساعدة من العثمانيين والفرس في قتالهم ضد بعضهم البعض. ومن جانب آخر وقوع إقليم كردستان بين الإمبراطوريتين الصفوية والعثمانية كان له أهميته الخاصة، حيث أنهما كانتا كتلتين تسعيان ضد بعضهما البعض (شكل3).

(شكل3) الدولة العثمانية في أقصى اتساعها (1299-1923م) (لاحظ السيطرة التامة على إقليم كردستان)
وتعود دوافع هجماتهما على كردستان إلى الأسباب التالية:
- كان إمبراطورا الدولتين يسعيان من خلال حروبهما ضد بعضهما إلى السيطرة على كردستان لأهميتها من الناحية الزراعية, والثروات الطبيعية.
- أهمية كردستان من الناحية التجارية, إذ تقع على الطريق التجاري الإيراني والبحر المتوسط والبحر الأسود.
- الاستفادة من موقعها وقلاعها العسكرية, ومواردها البشرية.
- رغبة الدولة الصفوية في نشر المذهب الشيعي, لهذا كان الشاه إسماعيل الصفوي يقود بنفسه تلك الهجمات على كردستان عام 1507م, واستطاع احتلال أذربيجان وديار بكر, وبعد ذلك, الموصل وبغداد، وفي عام 1508م عاد عن طريق لرستان إلى تبريز. في ذلك الحين رضخ بعض أمراء الكرد للشاه إسماعيل الصفوي، والبعض الآخر وقف ضده, وقاوم بشراسة قواته العسكرية.
وبعد احتلال كردستان؛ كان الشاه إسماعيل يتعامل مع الكرد بعنف وخشونة, لأنه لم يكن يثق بهم ولا يحبهم نهائياً، لهذا السبب قاد سياسته العامة على ثلاثة أسس:
- عزل سلطة الأمراء الكرد, ووضع القزلباشيين في أماكنهم, خاصة وأن هؤلاء كانوا من المذهب الشيعي.
- إرغام سكان المناطق المحتلة على ترك مذهبهم السني, والدخول في المذهب الشيعي.
- استخدام القوة لترهيب وقمع أي انتفاضة أو متظاهرين أو الذين لا يرضخون للسلطة، وجدير بالذكر أنه أثناء الهجوم على كردستان, أباد أي منطقة قاومت حملة الهجوم.
من جانب آخر كان السلطان العثماني منشغلاً بحروب أوروبا، إلا أنه كان يتابع بدقة التطورات السياسية في المنطقة، وكان في أوج قوته. لهذا لم يستطع السكوت على اعتداءات وتوسع الصفويين في المنطقة. في البداية ظهرت صراعات بينهما خاصة بعد قدوم القوات الصفوية إلى كردستان وأذربيجان والعراق وأرمينيا, واقترابها من الحدود العثمانية، هذا من جانب, ومن جانب آخر لأسباب دينية، لأن الصفويين كانوا على المذهب الشيعي, وكانوا يرغمون سكان المناطق المحتلة على ترك مذهبهم السني والدخول في المذهب الشيعي، وكان العثمانيون على المذهب السني، فكان الصفويون يحرضون الناس ضد السلطنة العثمانية. في الوقت ذاته وإثر قيام الصفويين بمذابح جماعية في الناس وخاصة في بغداد لعلماء السنة عام1510 م، مما أثار ذلك سخط كبار علماء السنة من الكرد والعرب, وجعلهم يطلبون من العثمانيين مساعدتهم ضد الصفويين، ولهذا السبب قام العثمانيون بوضع خطط لإفشال مخططات الصفويين، في البداية حاولوا استمالة الكرد إلى جانبهم؛ رغم أن الكرد كانوا يرون أنفسهم من الناحية التراثية واللغة والعادات أقرب إلى الفرس الصفويين، إلا أن الأسباب الدينية آنذاك كان لها دور أكبر، فكان أمراء الكرد السنيين يدعمون العثمانيين. في تلك الأثناء قام السلطان سليم الأول بقيادته لجيش يقارب على مائتي ألف جندي بالهجوم داخل أراضي كردستان، فقام أمراء الكرد بمعية قواتهم المسلحة بدعمهم، فوقعت معارك دامية من أجل فرض السلطات والتوسع وبسط النفوذ؛ حيث كانت كردستان من الأقاليم التي منيت بأكبر ضرر جراء تلك الحروب بسبب موقعها الجغرافي ووقوع أراضيها في ميدان زحف الجيوش (الفارسية – العثمانية) خاصة وأن الكرد لم يكونوا في حينه أصحاب قوة موحدة, أو دولة واحدة لكي يدافعوا بيد واحدة عن وطنهم، فاضطروا إلى اللجوء إلى أحد الجانبين (شكل4).

(شكل4) الدولة الصفوية في أقصى اتساعها (1501-1736م) (لاحظ السيطرة التامة على إقليم كردستان)
واستطاع العثمانيون إرضاء العالم الكردي الكبير “ادريس البدليسي” لكي يقوم بتأثير مكانته الدينية الكبيرة بتشجيع أمراء الكرد ورؤساء القبائل لدعم العثمانيين, حيث أبرمت معاهدة تحالف وصداقة عام 1514 بين الدولة العثمانية و23 إمارة كردية[40].
ونتيجة للحروب والاشتباكات الكثيرة, وخاصة في معركة “جالديران” في(28 أغسطس 1514م) انتصرت القوات العثمانية (شكل5), بقيادة السلطان سليم, التابع للمذهب السني على قوات الشاه إسماعيل الصفوي، وهرب الشاه إسماعيل، وسقطت مدينة تبريز (عاصمة الصفويين) الفارسية، فنهبت المدينة, وأخذ كل شىء ثمين فيها إلى إسطنبول، بهذه الطريقة انتصر السلطان سليم العثماني بمساعدة الكرد، وبعد هذا الانتصار فرض العثمانيون سلطتهم على مناطق ديار بكر وماردين إلى كل حدود كردستان الجنوبية، وبقاء جزء صغير منها تحت سيطرة الصفويين.

(شكل5) معركة جالديران سنة 1514م بين الدولتين الصفوية والعثمانية
وهناك بعض الآراء بصدد موقف الدولتين بعد الحرب، إذ لا يعتبرون أيّاً منهما مهزوماً ولا يرون أية علامات على الاندحار، ويقولون إنه رغم دخول الجيش العثماني إلى مدينة تبريز عاصمة الصفويين وعمق الأراضي الإيرانية إلا أنهم لم يستطيعوا الإقامة فيها, ولم يستطيعوا إنهاء السلطة الصفوية. ويقول المؤرخون إن معركة جالديران كانت عام شؤم بالنسبة للكرد، خاصة وأنها كانت سببا لأول تقسيم لكردستان بين الإمبراطوريتين (العثمانية, الفارسية) وانتصار العثمانيين في معركة جالديران كان سببا لإنقاذ الكرد من براثن السلطة الصفوية التعسفية[41].
وبعد الانتهاء من المعركة وعد السلطان سليم الكرد بما يلي[42]:
- يحافظ على استقلال الإمارات الكردية.
- يساعد العثمانيون الكرد في أي اعتداء عليهم, وبالمقابل أيضاً يساعد الكرد العثمانيين.
- يرضخ الأمراء ورؤساء العشائر الكرد إلى سلطة الإمبراطورية العثمانية ويعطون زكاتهم وضرائبهم السنوية لخزينة الدولة العثمانية.
- تستمر وراثة الإمارة من الأب إلى الابن أو يتم تنظيم ذلك استناداً إلى قوانين البلاد, ويقوم السلطان بالاعتراف بالوريث الشرعى بفرمان سلطانى.
كما قام العثمانيون, عن طريق الملا إدريس البدليسي في عام 1515م بإرسال الهدايا إلى أمراء ورؤساء العشائر الكرد وأطلق يده في تنفيذ أي شىء يراه مناسباً وضرورياً؛ وبهذا تنفس الكرد الصعداء لفترة من الزمن, وتحرروا من السياسة التعسفية المبيدة للصفويين.
وبالرغم من أن الصفويين ظلوا باقين فى إيران, فإن معركة جالديران تسببت فيما يلي:
- لأول مرة اقتسمت كردستان الكبرى بين الإمبراطوريتين العثمانية والصفوية، ووقع القسم الأكبر منها تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية.
- وبسبب هذا التقسيم فيما بينهما, انقسمت العشائر الكردية أيضاً بين الإمبراطوريتين، فعشيرة الجاف انقسمت إلى نصفين كل نصف أصبح تابعاً لجهة.
ثانيا- معاهدة أماسيا[43]:
لم تدم عهود العثمانيين طويلاً، فبعد 15سنة نسوا كل تلك المساعدات الكردية لهم، وخالفوا اتفاقياتهم التي تعاهدوا بها مع الكرد, وبدؤوا بمعاداة الأمراء الكرد ومحوهم واحداً تلو الآخر، ومن جانب آخر استمرت المصادمات والمعارك بين الجانبين إلى أن تم بتاريخ (29 مايو 1555م) في(أماسيا) توقيع أول معاهدة دولية على تقسيم كردستان واحتلالها من قبل الإمبراطوريتين الفارسية, والعثمانية.
هذه الحدود الصفوية – العثمانية يقدر طولها ب (1180ميل) من الخليج العربى إلي جبال آرارات، وما يقدر بحوالي (700ميل) من تلك الحدود تمر بكردستان. وتلك الحدود التى قسمت كردستان تركت أثارا عميقة على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية عندما أجبرت المعاهدة الشعب الكردى على العيش على جانبى تلك الحدود الدولية بين العثمانيين والصفويين.
إن تقسيم كردستان بين العثمانيين والصفويين لم يكن يعنى أن أيا من الإمبراطوريتين قد حققت السيادة التامة على القبائل المحلية. بل ظلت السلطة الحقيقة فى أيدى رؤساء أكبر العوائل وأقواها, وفى أيدى قادة القبائل. وبالنسبة للكرد كان الانتماء للدولة اسميا فقط فى تلك الفترة, وخلال مدة طويلة[44].
ومن ثم فحسب تلك الاتفاقية تم تعيين الحدود بين الدولتين، وتقسيم كردستان في مناطق «شهر زور»[45] في العراق و«قارص» و«بايزيد» (في تركيا). كما حددت المعاهدة حدود مقاطعات بغداد وتبريز[46] وأذربيجان.
ثالثا- معاهدة قصر شيرين:
وبعد أقل من قرن على توقيع معاهدة أماسيا تم توقيع معاهدة قصر شيرين في (17مايو 1639م), والتي تؤكد مبدأ ترسيخ تقسيم كردستان واعتبارها إقليما حاجزا بين الدولتين. ووُقّعت هذه الاتفاقية بين السلطان العثماني مراد الرابع والشاه الصفوي الإيراني في مدينة زهاو بالقرب من قصر شيرين في شرق إقليم كردستان، وحسب هذه الاتفاقية فإن الحرب طويلة الأمد بين العثمانيين والصفويين قد انتهت.
وتعرف هذه المعاهدة بمعاهدة قصر شيرين[47] Treaty of Qasr-e-Shirin
أو (زهاب) أو (زهاو).
وتتمثل أهم بنود الاتفاقية فيما يلي[48] (شكل6):
- المناطق التي تقع في حدود الدولة العثمانية هي (بدره – جصان- مندلي – درنه- سربيل، والقرى الواقعة بين قلعة زنجير, وقلعة زلم في شاره زور وكل الجبال الواقعة حولها, وتشمل هذه القلعة مساحة كبيرة تصل إلى البوابة التي تؤدي إلى شهر زور, وهي نقطة حدودية بين الدولتين, رغما عن قلعة قزلة وأنحائها.
- يجب على الحكومة الإيرانية عدم التدخل في شئون تلك القلاع والأراضي الواقعة في حدود قارس ووان و شهر زور وكل القلاع الأخرى التي تحمي حدود الدولة العثمانية.
- الكف عن شتم وقذفها الحكومة الإيرانية للخلفاء الراشدين والصحابة المبجلين.
- القلاع الواقعة بين مندلي و درتنك و مناطق: بيره – يه كه- زومرودهاوا- كونده والقلاع الواقعة في شرق قلعة زنجير ومريوان وانحائها, هي ملك لإيران ولا يجوز للدولة العثمانية التدخل في شئونها.
- تبقى فخذا (بيره) و (زه رده) من عشيرة الجاف تابعتين لإيران.
- هدم قلعة زنجير, والقلعتين قوتور وماكو, الواقعتين أعلى وان وقلعة موغازبرد الواقعة في منطقة قارس.
- لا تتدخل إحدى الدولتين في شئون الأخرى.

(شكل6) تقسيم كردستان بين الدولتين الصفوية والعثمانية وفق معاهدة قصر شيرين عام 1639م
وتمخضت نتائج هذه الاتفاقية عما يلي:
- تمثل ثاني تجزئة رسمية لكردستان.
- كانت سببا لوقف القتال لمدة 80 عاما بين العثمانيين والإيرانيين.
- منذ اليوم الأول للاتفاقية, أصبحت كل من الدولتين تساعد بعضها البعض ضد أي حركة تحررية كردية في كردستان.
- بعد هذه الاتفاقية, لم يعد للعثمانيين تخوف من الصفويين، ولم يعد الكرد يفيدونهم بشيء، لهذا بدءوا باتباع السياسة المركزية في كردستان؛ خلافاً للعهود التي قطعوها على أنفسهم للأمراء الكرد، وشيئا فشيئاً بدءوا في تصفيتهم واحتلال كردستان وإنهاء سلطة الأمراء الكرد.
- عينت الحدود تفصيلا بين الجانبين
- أعطت يريفان (عاصمة أرمينيا الآن) في جنوب القوقاز للصفويين، وأعطت العراق للعثمانيين.
- تقاسم المنفعة في خليج البصرة على جانبيه.
- ظلت حدود معاهدة قصر شيرين معتبرة حتى الوقت الحاضر
والسبب في توقيع تلك الاتفاقية أن الحرب كانت سجالا بين الدولتين، وفي سنة 1636 استرد العثمانيون مدينة اريوان وفازوا بالغلبة في واقعة منتظمة في وادي مهربان، وسار السلطان مراد الرابع[49] بجيش عظيم كامل العدة والعدد إلى مدينة دار السلام وابتدأ حصارها في 15 نوفمبر سنة 1638 وكان يشتغل بنفسه في أعمال الحصار الشاقة تنشيطا للجند وسلط على أسوارها المدافع الضخمة التي نقلها إليها، ولما فتحت المدافع فيها فتحة كافية للهجوم أصدر السلطان أوامره بذلك فهجمت الجيوش كالليوث الكواسر في صبيحة 25 ديسمبر سنة 1638، ولم يثنها قتل الصدر الأعظم طيار محمد باشا الذي تولى بعد موت بيرام محمد باشا المتوفي في 6 ربيع الآخر سنة 1048 الموافق 17 أغسطس سنة 1638، بل استمرت الحرب 48 ساعة متوالية ختمت بانتصار الجنود العثمانية نصرا مبينا ودخولهم المدينة وإرجاعها إلى المملكة العثمانية[50]. وبعد ذلك رغب شاه العجم عدم استمرار القتال وعرض الصلح على الدولة العلية بأن يترك لها مدينة بغداد بشرط أن تترك هي إليه مدينة اريوان ودارت المخابرات بين الدولتين نحو عشرة أشهر كاملة وفي 21 جمادى الاولى سنة 1049 الموافق 19 سبتمبر سنة 1639 تم الصلح على ذلك وانقطعت أسباب العدوان من بينهما.
الخاتمة
نخلص في تتمة تلك الدراسة إلى الحقائق التالية:
- عرف إقليم كردستان كموطن قومي للكرد منذ بدء التاريخ. ويقع الإقليم ضمن حزام جغرافي يتشكل من خمس دول: هي العراق، وإيران، وتركيا، وسوريا، وأرمينيا.
- من الصعب تحديد الحدود الجغرافية لكردستان الكبرى بشكل دقيق، لأنها لم تكن دولة مستقلة.
- موقعها الجغرافي جعل من جغرافيتها التاريخية مسرحا جيوبولتيكيا لتقرير نتائج ومصير العديد من المعارك الإمبراطورية, للعديد من الأمم الغازية.
- كان للجغرافيا الطبيعة دور رئيسي ومهم في حياة الأكراد، فقد أبت الطبيعة أن تترك الأكراد دون أن تؤثر عليهم، وكانت لهم بمثابة الدرع الواقي من الهجمات الخارجية، وكانت تقسو لتنشئ رجالاً أقوياء محاربين أشداء.
- من عيوب الظاهرات الجغرافية التي أثرت بالسلب علي الأكراد وعورة المنطقة التي أدت إلي عدم توفر الاتصال بينهم بسهولة، وهذا ما جعل المجتمع الكردي ينقسم قبلياً ومحلياً.
- المناطق الحاجزة دائماً تتنازع عليها الدول المتجاورة، ولذلك فإن استمرار بقائها أمر مشكوك فيه، وقد تضطر إحدى الدول القوية إلي السيطرة علي الوحدة السياسية الحاجزة، وتتخذها كنقطة وثوب علي عدوها المجاور. وقد تنتقل السيطرة علي هذه الوحدة الحاجزة من دولة لأخرى. أو قد تتركها الدول الكبرى لكي تستمر في البقاء؛ وهذه السيناريوهات جميعها قد حدثت في إقليم كردستان.
- بعد احتلال كردستان؛ كان الشاه إسماعيل يتعامل مع الكرد بعنف وخشونة, وإلغاء سلطة الأمراء الكرد, مع إرغام السكان على ترك مذهبهم السني, والدخول في المذهب الشيعي.
- استطاع العثمانيون إرضاء العالم الكردي الكبير “ادريس البدليسي” بتشجيع أمراء الكرد ورؤساء القبائل لدعم العثمانيين, حيث أبرمت معاهدة تحالف وصداقة عام 1514 بين الدولة العثمانية و23 إمارة كردية.
- انتصر السلطان سليم العثماني بمساعدة الكرد في معركة “جالديران” في(28 أغسطس 1514م)
- تم في عام 1555م في توقيع معاهدة أماسيا لتقسيم كردستان واحتلالها من قبل الإمبراطوريتين الفارسية, والعثمانية. فتركت أثارا عميقة على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية عندما أجبرت المعاهدة الشعب الكردى على العيش على جانبى تلك الحدود الدولية بين العثمانيين والصفويين.
- تم توقيع معاهدة قصر شيرين في (17مايو 1639م), والتي تؤكد مبدأ ترسيخ تقسيم كردستان واعتبارها إقليما حاجزا بين الدولتين، وحسب هذه الاتفاقية فإن الحرب طويلة الأمد بين العثمانيين والصفويين قد انتهت. وتمثل ثاني تجزئة رسمية لكردستان.
- منذ اليوم الأول للاتفاقية, أصبحت كل من الدولتين تساعد بعضها البعض ضد أي حركة تحررية كردية في كردستان.
- بعد هذه الاتفاقية, لم يعد للعثمانيين تخوف من الصفويين، ولم يعد الكرد يفيدونهم بشيء، لهذا بدءوا باتباع السياسة المركزية في كردستان؛ خلافاً للعهود التي قطعوها على أنفسهم للأمراء الكرد، وشيئا فشيئاً بدءوا في تصفيتهم واحتلال كردستان وإنهاء سلطة الأمراء الكرد.
- ظلت حدود معاهدة قصر شيرين معتبرة حتى الوقت الحاضر
المصادر والمراجع
إبراهيم على محمد على مرجونة، الدويلات الكردية ودورها السياسي من العصر العباسي الثاني لنهاية العصر العباسي الثالث، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الإسكندرية، كلية الآداب، قسم التاريخ، ٢٠٠٢.
ابن حوقل (أبو القاسم محمد بن علي النصيبي البغدادي، ت 367ه/977م)، صورة الأرض، منشورات مكتبة الحياة، بيروت 1992.
أحمد تاج الدين: الأكراد تاريخ شعب وقضية وطن، الطبعة الأولي، الدار الثقافية للنشر، القاهرة، 1421هـ، 2001م.
أحمد محمود الخليل, الشخصية الكردية- دراسة سوسيولوجية, دار موكريانى للبحوث والنشر, الطبعة الأولى، أربيل، 2013.
أرشاك بولاديان , الكرد من القرن السابع إلى القرن العاشر الميلادى, ترجمه إلى العربية: مجموعة من المترجمين، دار الفارابى، بيروت ودار آراس للطباعة والنشر، أربيل, الطبعة الأولى، 2013.
إسماعيل محمد حصاف, كردستان والمسألة الكردية , مؤسسة موكرياني للبحوث والنشر, مطبعة خانى, أربيل، الطبعة الأولي 2009.
الاصطخري (أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسي الكرخي، (ت340ه/951م)، المسالك والممالك، تحقيق: محمد جابر عبد العال، مراجعة: محمد شفيق غربال، الإدارة العامة للثقافة، الجمهورية العربية المتحدة، 1318هـ/1961م.
الأمير شرف الدين خان البدليسي, شرفنامه فى تاريخ الدول والإمارات الكردية, ترجمه إلى العربية: محمد على عونى, راجعه وقدم له: يحى الخشاب, دار الزمان, الطبعة الثانية، أربيل، 2008.
القزوينى (أبو يحيي عماد الدين زكريا بن محمد بن محمود، ت 682ه/ 1283م)، أثار البلاد وأخبار العباد، دار صادر، بيروت، 1979م.
المقدسى (شمس الدين أبى عبد الله محمد بن أحمد البشارى ت 390 هـ)، أحسن التقاسيم فى معرفة الأقاليم، تحقيق: دى خويه، ليدن، 1906.
بارتولد، تركستان من الفتح العربي إلي الغزو المغولي، نقله عن الروسية: صلاح عثمان هاشم، الطبعة الأولي، المجلس الوطني للثقافة والفنون، الكويت، 1401هـ / 1981م.
باسيل نيكيتين , الكرد – دراسة سوسيولوجية وتاريخية , ترجمه من الفرنسية الدكتور: نورى طالبانى, دار آراس للطباعة والنشر, الطبعة الثالثة، أربيل، 2004.
جزا توفيق طالب, المقومات الجيوبولتيكية للأمن القومي في إقليم كردستان, مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية, السليمانية، العراق، 2005.
جزا توفيق طالب, سياسة التغيير القومى لسكان إقليم كردستان, مجلة مركز الدراسات الاستراتيجية, العدد(52) السليمانية، العراق، 2007.
جودة حسنين جودة، علي أحمد هارون: جغرافية الدول الإسلامية، سلسلة الكتب الجغرافية رقم65، منِشأة المعارف، الإسكندرية، 1984م.
خالفين , الصراع على كردستان- المسألة الكردية فى العلاقات الدولية خلال القرن التاسع عشر, ترجمة: أحمد عثمان أبو بكر, مطبعة الشعب، بغداد, 1969.
خطاب صكَار العانى, جغرافية العراق- أرضاً- وسكاناً- وموارد اقتصادية, دار الحكمة الطباعة والنشر, بغداد، 1988.
خليل علي مراد , الموصل بين السيطرة العثمانية وقيام الحكم الجليلى 922-1139ه (1516-1726م) , موسوعة الموصل, المجلد الرابع, جامعة الموصل، 1992.
درية عونى , الأكراد – التاريخ والجغرافيا, أبوللو للنشر والتوزيع, القاهرة، 1999.
روبرت أولسن , المسألة الكردية فى العلاقات التركية- الإيرانية, ترجمة وتقديم: محمد إحسان رمضان، دار آراس للطباعة والنشر, الطبعة الأولى, مطبعة وزارة التربية, أربيل، 2001.
سفين جلال فتح الله , موقع إقليم كردستان العراق, دراسة فى الجغرافيا السياسية, مطبعة شهاب , أربيل، 2012.
سفين جلال فتح الله, العراق والنظام الشرق الأوسطى الجديد – دراسة جيوبوليتيكية, مركز الدراسات والنشر- كوية, مطبعة شهاب- أربيل، 2012.
سلام ناوخوش, دراسة سياسية حول- احتلال وتقسيم كردستان, مكتب التفسير للطباعة والنشر, أربيل، 2002.
شاكر خصباك , الأكراد – دراسة جغرافية أثنوغرافية, الدار العربية للموسوعات, بيروت- لبنان, الطبعة الأولي، 2005.
شاهين مكاريوس: تاريخ إيران، مطبعة المقطف، مصر، لسنة 1898م.
شيرين عبد المنعم حسنين: “اللغة الكردية والهوية الثقافية” مقال منشور في مجلة السياسة الدولية، القاهرة، عدد يناير، سنة 1991.
عبد الرحمن قاسملو, كردستان والكرد- دراسة سياسية واقتصادية, المؤسسة اللبنانية للنشر, بيروت، 1970.
عبد العظيم أحمد عبد العظيم: الجغرافيا السياسية، مكتبة الإسراء، الإسكندرية، 2010.
عبد الرقيب يوسف, حدود كردستان الجنوبية تاريخياَ وجغرافياَ خلال خمسة آلاف عام , الطبعة الثانية, السليمانية، 2005.
عماد حسين محمد: تطور الهوية القومية للأكراد، مقال منشور في مجلة السياسة الدولية، القاهرة، عدد يناير، سنة 1992.
عمـــــر هـمــــزه صـــالح، التقسيم الجغرافــي السياسي لكوردسـتان الكـــبرى وانعكاساته على إقليم كوردستان العراق: دراسة فى الجغرافيا السياسية.)، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الإسكندرية، كلية الآداب، قسم الجغرافيا، 2014.
غولايف: المدن الأولي (ما بين النهرين مهد الحضارة البشرية)، ترجمة: طارق معصراني، جـ1، دار التقدم، موسكو، 1989م.
فيروز حسن حمه عزيز, الأهمية الجيوستراتيجية لكردستان الجنوبية وتأثرها على السياسة البريطانية (1914-1924), مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية, السليمانية 2008.
كامران عبد الصمد أحمد الدوسكى, كردستان العثمانية فى النصف الاول من القرن التاسع عشر, دار سبيريز للطباعة والنشر, الطبعة الأولى, مطبعة وزارة التربية، أربيل، 2002.
محمد عبد المجيد عامر, دراسات فى أسس الجغرافيا السياسية والأوضاع العالمية الجديدة, دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع, الطبعة الأولى، الإسكندرية، 1994.
محمد على بهجت الفاضلى وعبد العظيم أحمد عبد العظيم: البعد السياسي لبترول العراق، مجلة كلية الآداب بدمنهور، الإنسانيات، جامعة الإسكندرية، العدد 15، مايو 2003. (ص257-274)
محمد فريد بك المحامي، تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق: د. إحسان حقي، الطبعة الثانية، دار النفائس، بيروت، 1403هـ
منذر الموصلي: القضية الكردية في العراق (البعث والأكراد)، الطبعة الأولي، در البيان، بيروت، (1412هـ، 2000م).
مينورسكي: الأكراد ملاحظات وانطباعات، ترجمه وقدم له: معروف خزنه دار، مطبعة النجوم، بغداد، 1968م.
وليد حمدى , الكرد وكردستان فى الوثائق البريطانية – دراسة تاريخية وثائقية, مطابع سجل العرب, لندن، 1992.
يسري الجوهري، الوطن العربي (دراسة في الجغرافيا التاريخية والإقليمية) الهيئة العامة للكتاب، الإسكندرية، 1979م.
[1] سلام ناوخوش, دراسة سياسية حول احتلال وتقسيم كردستان, مكتب التفسير للطباعة والنشر, أربيل، 2002.
[2] جزا توفيق طالب, المقومات الجيوبولتيكية للأمن القومي في إقليم كردستان, مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية, السليمانية، العراق، 2005.
[3] الأمير شرف الدين خان البدليسي, شرفنامه فى تاريخ الدول والإمارات الكردية, ترجمه إلى العربية: محمد على عونى, راجعه وقدم له: يحى الخشاب, دار الزمان, الطبعة الثانية، أربيل، 2008.
[4] عمـــــر هـمــــزه صـــالح، التقسيم الجغرافــي السياسي لكوردسـتان الكـــبرى وانعكاساته على إقليم كوردستان العراق: دراسة فى الجغرافيا السياسية.)، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الإسكندرية، كلية الآداب، قسم الجغرافيا، 2014.
[5] شاكر خصباك , الأكراد، ص 515.
[6] إسماعيل محمد حصاف, كردستان والمسألة الكردية , ص 55.
[7] عبد الرحمن قاسملو, كردستان والكرد- دراسة سياسية واقتصادية, ص 11.
[8] عمـــــر هـمــــزه صـــالح، التقسيم الجغرافــي السياسي لكوردسـتان الكـــبرى وانعكاساته على إقليم كوردستان العراق، ص33
[9] إسماعيل محمد حصاف , كردستان والمسألة الكردية, ص 57.
[10] منذر الموصلي: القضية الكردية في العراق، ص 24.
[11] الأمير شرف الدين خان البدليسي، شرفنامه, ص 74.
[12] كتاب شرفنامه: ينسب لؤلفه شرف الدين البدليسى المولود في عام 1543 فى فارس قرب مدينة قم الإيرانية، وهو أول كتاب شامل عن الشعب الكردى وعاداته ويُعد هذا الكتاب وثيقة هامة تثبت تاريخ الكرد. وسماه شرفنامة أى كتاب شرف. وسطره باللغة الفارسية وترجم لأول إلى الفرنسية عام 1878 فى سان بطرسبورغ (روسيا) وللغة الكردية على يد المؤرخ الكردى محمد أمين زكي عام 1938, ثم ترجمه إلى اللغة العربية من الفارسية العلامة المصري محمد على عونى ونشرته الهيئة العامة للكتاب بمصر عام 1965 بمقدمة قيًمه من الدكتور يحى الخشاب. أستاذ اللغة الفارسية في جامعة القاهرة.
[13] منذر الموصلي: القضية الكردية في العراق، ص 24.
[14] عماد حسين محمد: تطور الهوية القومية للأكراد، ص 94.
[15] شيرين عبد المنعم حسنين: اللغة الكردية والهوية الثقافية، ص 101.
[16] عمـــــر هـمــــزه صـــالح، التقسيم الجغرافــي السياسي لكوردسـتان الكـــبرى، ص55
[17] عبد الرقيب يوسف, حدود كردستان الجنوبية تاريخياَ وجغرافياَ خلال خمسة آلاف عام، ص23
[18] أحمد محمود الخليل, الشخصية الكردية- دراسة سوسيولوجية, ص 42.
[19] عبدالرحمن قاسملو, كردستان والكرد- دراسة سياسية واقتصادية, ص 12.
[20] إبراهيم على محمد على مرجونة، الدويلات الكردية ودورها السياسي، ص17
[21] ابن حوقل: كتاب صورة الأرض، ص 270.
[22] مينورسكي: الأكراد ملاحظات وانطباعات، ص 15.
[23] غولايف: المدن الأولي (ما بين النهرين مهد الحضارة البشرية)، ص 25.
[24] المقدسي: أحسن التقاسيم، ص 390.
[25] جودة حسنين جودة، علي أحمد هارون: جغرافية الدول الإسلامية، ص 630.
[26] الاصطخري: المسالك والممالك، ص 115.
[27] احمد تاج الدين: الأكراد تاريخ شعب وقضية وطن، ص 11.
[28] عماد حسين محمد: تطور الهوية القومية للأكراد، ص 95.
[29] يسري الجوهري: الوطن العربي (دراسة في الجغرافيا التاريخية والإقليمية)، ص 243.
[30] عبد المجيد عامر: المرجع السابق، ص 553.
[31] خطاب صكَار العانى, جغرافية العراق- أرضاً- وسكاناً- وموارد اقتصادية، ص21.
[32] درية عونى , الأكراد – التاريخ والجغرافيا, ص 70.
[33] شاهين مكاريوس: تاريخ إيران، ص 3.
[34] بارتولد: تركستان من الفتح العربي إلي الغزو المغولي، ص 535.
[35] عبد المجيد عامر: الجغرافيا السياسية، ص 252.
[36] نفس المرجع، ص 253.
[37] عبد العظيم أحمد عبد العظيم: الجغرافيا السياسية، ص 188.
[38] إبراهيم على محمد على مرجونة، الدويلات الكردية ودورها السياسي، ص46
[39] كامران عبدالصمد أحمد الدوسكى, كردستان العثمانية فى النصف الأول من القرن التاسع عشر, ص 156.
[40] باسيل نيكيتين , الكرد – دراسة سوسيولوجية وتاريخية , ص 221.
[41] عمـــــر هـمــــزه صـــالح، التقسيم الجغرافــي السياسي لكوردسـتان الكـــبرى، ص77
[42] وليد حمدى , الكرد وكردستان فى الوثائق البريطانية – دراسة تاريخية وثائقية, ص17.
[43] تقع مدينة أماسيا في تركيا شمال أنقرة بحوالي 30 كم
[44] خالفين , الصراع على كردستان- المسألة الكردية فى العلاقات الدولية خلال القرن التاسع عشر, ص13.
[45] تقع «شهر زور» في العراق الآن، ومنها العلامة ابن الصلاح صاحب المقدمة في أصول الحديث
[46] تعد تبريز ثالث مدينة إيرانية بعد طهران ومشهد من حيث كثافة وعدد السكان
[47] قصر شيرين: بين بغداد وهمذان في فضاء من الأرض على طرف نهر جار يحمل ذات الاسم. بناها كسرى أبرويز لشيرين وهي خطيبة كانت له من أجمل خلق الله تعالى، والفرس يقولون: كان لكسرى أبرويز ثلاثة أشياء لم تكن لملك قبله ولا بعده: خطيبته شيرين، ومغنيه بلهبد، وفرسه شبديز، وقصر شيرين باق إلى الآن. معجم البلدان لياقوت (4/ 358) وآثار البلاد وأخبار العباد للقزويني (ص: 180)
[48] روبرت أولسن , المسألة الكردية فى العلاقات التركية- الإيرانية, ص 24.
[49] توفى في 1049 هجرية/ 1640 م، وسنه 31 سنة ومدة حكمه 16 سنة و 11 شهرا (محمد فريد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، ص: 285)
[50] محمد فريد بك المحامي، تاريخ الدولة العلية العثمانية، ص: 284