متابعات

الحوار (العربي – الصيني) الإستراتيجي

تحليل: السفير شريف شاهين

‎عقدت في بكين في الأسبوع الأخير من مايو ٢٠٢٤ الجولة العاشرة من الحوار الوزاري (العربي – الصيني) بحضور الأمين العام لجامعة الدول العربية ووزراء الخارجية العرب وبعض القادة، وأبرزهم الرؤساء : المصري والإماراتي والتونسي، وكان هذا اللقاء لافتاً في توقيته ودلالاته، إذ عقد ومازالت حرب غزة مستمرة ودخلت شهرها التاسع وتستقطب بؤرة الاهتمام الشعبي والدولي، بسبب إصرار إسرائيل على تجاهل كافة قرارات ونداءات العالم و الأمم المتحدة  ومحكمة العدل الدولية والجنائية الدولية، فضلاً عن الدعم الأمريكي العسكري والسياسي، واستخدام الولايات المتحدة حق النقض فى مجلس الأمن والذي أفشل جهود المجتمع الدولي لانتزاع الاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة .

وقد حرصت القيادة الصينية، خلال هذه الاجتماعات سواء على مستوى القادة أو المستوى الوزاري، على إبراز أهمية التنسيق الإستراتيجي الذى بدأت ملامحه تتضح أكثر من خلال الاتفاق (السعودي – الصيني) الأبرز لتنظيم إمداد السعودية الصين بواردات النفط على مدى عقود قادمة لضمان استمرار صعود الصين اقتصادياً، كما دعت الجامعة العربية إلى أن يفرز الحوار شكلا من التحالف (العربي – الصيني) خاصة أن الصين اتخذت مواقف حاسمة في أزمة غزة، شكلت تحدياً للغرب و الولايات المتحدة، وما يدعو إلى لفت انتباه كافه المراقبين هو دعوة الصين إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط وسعيها لتنظيم لقاءات للوساطة بين الفصائل الفلسطينية لتوحيد القرار الفلسطيني، وذلك ما أدى إلى قلق بالغ فى واشنطن إذ أخذت السياسات الصينية بعداً جديداً فى التواجد على الساحة الدولية، بما يجعلها نداً للولايات المتحدة لتكريس مصلحة سياسية خبيرة تتشكل ملامحها بهدوء لكسر انفراد واشنطن بالقرار الدولى، والتمهيد لثنائية قطبية جديدة تكون كل من واشنطن وبكين فى محور هذه الثنائية، وما يعزز من اعتقاد المراقبين بأن هذه الخطوة الحتمية باتت أمره إلى التصور عدة عوامل هامة أبرزها:

  • استمرار الصين في دعم روسيا خلال الحرب الأوكرانية و تشكيل تحالف يضم كلا من روسيا وإيران وكوريا الشمالية لإمداد روسيا بالسلاح والوقود فى حرب طويلة لاستنزاف أوروبا فى أوكرانيا، ما أطال أمد هذه الحرب بأكثرمما اعتقده المراقبون .
  • انتهاج الصين سياسة عسكرية أكثر حرارة فى بحر الصين الجنوبي وإعلانها المتكرر رفض أي محاولات من جانب تايوان لإعلان انفصالها والإصرار على أن تايوان  جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية.
  • الاستمرار في اتخاذ سياسات اقتصادية منفتحة على كافة التجمعات الاقتصادية الدولية والإقليمية، وتوسعها في تقديم المساعدات الاقتصادية للدول الأقل نمواً في إفريقيا و آسيا، وطرح أساليب جديدة للتعاون الاقتصادي تتجاوز التنظيمات الدولية التى أفرزتها الحرب العالمية الثانية، و محاولة القفز عليها، ولعل مشروعها الطموح “طريق الحرير” لربط شرق العالم / بغربه عبر بحر الصين هو من أهم المشروعات الاقتصادية التي تلقى تحدياً من جانب واشنطن، وبرغم استمرار هذا المشروع فإن واشنطن تصر على أن تكون أفغانستان حجرعثرة أمام إكماله، بسبب بث عوامل عدم الاستقرار فى أفغانستان وبرغم انسحابها، وهو ما يعكس قلق واشنطن من النمو الاقتصادى الصيني الذي بات شبحا يؤرق كلا من واشنطن والغرب .

ولعل إقدام بكين على تطوير علاقاتها بدول الشرق الأوسط، وبشكل ممنهج ومؤثر، من أكثر العوامل التى تقلق واشنطن حالياً ، خاصة التواجد الصيني البحرى العسكرى فى باب المندب و بحر العرب والبحر الأحمر، وإنشاء قواعد عسكرية في جيبوتي و مؤخراً فى السودان لتأمين طرق التجارة البحرية الصينية عبر العالم.

في القلب من ذلك يأتى التعاون (المصري – الصيني) الذي دشنه الرئيسان المصرى والصيني بعقد جولة مباحثات لتطوير التعاون الاقتصادي والعسكري بعد أن قدمت الصين دعماً واضحاً لمصر في إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، والمضي في إنشاء مناطق اقتصادية خدمية وصناعية فى منطقة قناة السويس.

‎ومما تقدم يعتبر جلياً لأي مراقب أن السياسات الصينية تسعى لتقديم نفسها بهدوء كند للولايات المتحدة في عالم جديد، مازالت ملامحه تتشكل مع استمرار الأزمات العالمية في أوكرانيا والشرق الأوسط وكوريا الشمالية، ولو أن هذه السياسة مازالت فى مراحل مبكرة، بالنظر إلى أن واشنطن مازالت لديها أوراق ضغط عديدة حول العالم، ومنها على  المثال إسرائيل ، وأنها تمتلك مخزوناً من التراث الثقافي والسياسي لدى دول العالم العربي يجعل  تطور العلاقات الصينية – العربية أمرا بالغ الصعوبة،  إلا أن الصين ومن خلال سعيها المستمر وبشكل يمتاز بالهدوء واستخدام أدواتها الاقتصادية تعمل على سحب البساط من تحت أقدام واشنطن التى باتت قيادتها للعالم والمؤسسات الدولية محل شك مع كل خطوة تضع خلالها بكين يدها فى المناطق التقليدية للنفوذ الأمريكي في المنطقة، وفي العالم بوجه عام.

والخلاصة أن الصين وهى تقوم بسياسات أكثر جرأة مؤخراً، تعلم أنها قد دخلت فى حقول ألغام لمناطق ساخنة، شكلت على مدار عقود وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية مناطق نفوذ تقليدية لواشنطن ، خاصة فى الخليج والبحر الأحمر، وأن أمامها الكثير لتفعله سواء كان علي الصعيد الاقتصادي أو العسكري، لكسر النفوذ الأمريكي والغربي، ويعد الاقتصاد الصيني هو أداة تحركها الأبرز على المسرح الدولي، وهو ما تعيه واشنطن تماماً وأهمية هذا العامل بالنسبة للصين، ولذلك تسعى واشنطن إلى خنقه بكافة السبل، ولعل أي مراقب أو محلل لسياسات القوى العظمى يدرك أن استمرار الولايات المتحدة دولة أحادية القطب بات مسألة وقت، والعالم الجديد الذي تتشكل ملامحه يمضى قدماً في تقديم أعضاء جدد على المسرح الدولي، وأبرز هذه الدول هي الصين التي أضحت عملاقا اقتصادياً وسیاسياً يحسب حسابه على المسرح الدولى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى