دراسات

مبادرة “بايدن” ما بين الدوافع والتناقضات وردود الأفعال

تحليل: د. فرناز عطية

مع تدهور الأوضاع في غزة ورفح أضحى العالم كله يطالب بنهاية واضحة ووشيكة لهذه الحرب، لاسيما مع عدم وجود غاية واضحة لاستمرار الوضع، وفشل إسرائيل على مدار 9 أشهر في إحراز أي نتيجة أو هدف من وراء عمليات التدمير والإبادة التي تقوم بها في غزة ورفح ، وفي 11 يونيو 2024 قدم مقترح لمجلس الأمن  لوقف إطلاق النار في غزة، وتمت الموافقة عليه بأغلبية 14 صوتًا مقابل صفر وامتناع روسيا عن التصويت، وهذا المقترح يتمحور حول ما خرج به علينا الرئيس الأمريكي “بايدن”31 مايو 2024 بمبادرة لوقف إطلاق النار في غزة لإنهاء الحرب، كما أيد قادة مجموعة السبع هذا المقترح في اجتماعهم 13/6/2024 في بوليا جنوبي إيطاليا.

محتوى مبادرة “بايدن” لوقف إطلاق النار:

تتكون المبادرة من ثلاث مراحل، حيث تمتد المرحلة الأولى لستة أسابيع، وتتضمن:

– المرحلة الأولى: وقف إطلاق نار كامل وشامل، وانسحاب لكافة القوات الإسرائيلية من كافة المناطق المأهولة في غزة، وكذا إطلاق سراح عدد من الرهائن، بمن فيهم النساء والشيوخ والجرحى، مقابل الإفراج عن المئات من السجناء الفلسطينيين، ويتم الإفراج عن رهائن إسرائيليين حاملين للجنسية الأمريكية خلال هذه المرحلة، كما يتم إعادة رفات بعض الرهائن الذين قتلوا إلى عائلاتهم، وكذا عودة المدنيين الفلسطينيين إلى منازلهم في كافة مناطق غزة، بما في ذلك الشمال، وارتفاع كمية المساعدات الإنسانية إلى 660 شاحنة محملة بالمساعدات تدخل إلى غزة كل يوم، ويقوم المجتمع الدولي بتسليم مئات الآلاف من الملاجئ المؤقتة، بما في ذلك الوحدات السكنية، وهو ما سيبدأ بشكل فوري في حال الموافقة على الاقتراح.

وفي هذه المرحلة تتفاوض إسرائيل وحماس خلال الأسابيع الستة على الترتيبات اللازمة للوصول إلى المرحلة الثانية، والتي تشمل وقف نهائي لإطلاق النار أو للأعمال العدائية، وفي حال استغرقت المفاوضات فترة أطول من ستة أسابيع، سيتواصل وقف إطلاق النار ما دامت المفاوضات مستمرة، وتعد الولايات المتحدة ومصر وقطر ضامن لاستمرار المفاوضات لحين التوصل إلى كافة الترتيبات والتمكن من الانتقال للمرحلة الثانية.

المرحلة الثانية: تتضمن الإفراج عن كافة الرهائن الأحياء المتبقين، بمن فيهم الجنود، وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، ويتحول وقف إطلاق النار المؤقت لـ “وقف دائم للأعمال العدائية” في حال أوفت حركة حماس بالتزاماتها.

المرحلة الثالثة: تشمل خطة إعادة إعمار كبرى لغزة، وستتم أيضًا خلالها إعادة رفات الرهائن الذين قتلوا إلى عائلاتهم.

دوافع “بايدن” لطرح المبادرة

بالرغم من رفض الولايات المتحدة السابق لوقف إطلاق النار في غزة عندما طرح للتصويت في مجلس الأمن منذ عدة أشهر، واستخدام الفيتو ضده ، على النقيض اليوم يقدم بايدن مبادرته التي أقرها مجلس الأمن، وهذا من منطلق كونه مرشحًا للرئاسة الأمريكية يحاول إنقاذ ما تبقى من صورته لدى الناخب الأمريكي قبل خوض الانتخابات يوم الثلاثاء الأول من نوفمبر القادم، لاسيما مع تأكيد معظم استطلاعات الرأي على تراجع نسب تأييده بين الجماهير الأمريكية، وما يصاحبه من الانقسام داخل حزبه الديمقراطي بشأن موقفه من دعم إسرائيل في حربها على غزة.

أدوات ضغط لضمان قبول الأطراف للمبادرة:

ولضمان الاستجابة لمبادرة “بايدن”، سعى للتأكيد على ضيق الوقت وضرورة قبول المبادرة لأنها قد تكون الأخيرة، كما مارست الإدارة الأمريكية ضغوطاً على كلّ من مصر، وقطر، وتركيا، لإجبار حماس على قبول المبادرة إلى حدّ المطالبة بإغلاق المكتب السياسي لحماس بالدوحة، ومطالبة مصر بتجميد الحسابات البنكية لقوى المقاومة، في حال تم رفض المبادرة، على الجانب الآخر وصف “بايدن” المبادرة بأنها (مقترح إسرائيلي) بالأساس، كما أنه لم يتم إخبار إسرائيل مسبقًا بتلك الخطة قبل الإعلان عنها، وهذا كمحاولة لمحاصرة نتنياهو لقبول الخطة التي تنص تتضمنها المبادرة.

علامات استفهام بشأن المبادرة:

  • اشتراط الـ6 أسابيع هو أمر يثير القلق ويؤكد على تأقيت عملية وقف إطلاق النار، لأن عملية وقف إطلاق النار تحدد في وقت معين ولا تتطلب هذه الفترة لإقراره على الأرض، ويذكر أن هذا الأمر يجعل “حماس” تستشعر الريبة من إسرائيل، لإمكانية استئنافها للحرب بمجرد إعادة رهائنها الأكثر ضعفاً (النساء وكبار السن والجرحى)، وحتى لو لم يحدث ذلك، يمكن أن تتقدم بمطالب في تلك المرحلة لم تكن جزءاً من الصفقة الأولية وغير مقبولة بالنسبة لـ”حماس”، ثم تستأنف الحرب عندما ترفضها الأخيرة، وفي الوقت ذاته تضمن الـ6 أسابيع “لبايدن” أن يعقد مؤتمره الانتخابي، ومن بعده حملة إعادة انتخابه، من دون ضغوط من الجناح المتعاطف مع “حماس” داخل حزبه.
  • التأكيد على انسحاب القوات الإسرائيلية من “المناطق المأهولة” في غزة، مما يثير تساؤل هل بقيت هناك مناطق مأهولة في غزة؟، وبالتالي فإن هذا الشرط يتسم بالغموض وعدم الوضوح، وكذا لم يحدد “بايدن” في مبادرته من ستقع على عاتقه مسئولية الاشراف على توزيع المساعدات التي سيزود بها غزة، كذلك بالرغم من أن مبادرة “بايدن” تؤكد على وجود دور جوهري لـ”حماس” في المرحلتين الأولى والثانية إلا أنها لم تتحدث عن أي دور لها في المرحلة الثالثة أو بعد انتهاء الحرب، وذلك بالرغم من وجود مسار تركي للوساطة والتفاوض يحاول إقناع “حماس” بإنهاء نشاطها العسكري، وإعادة تقديم نفسها كفصيل سياسي.

ردود أفعال متباينة

تباينت ردود الأفعال والمواقف تجاه المبادرة بالنسبة للطرفين الرئيسين ذوي الصلة:

  • موقف حماس :  أعلنت عن قبول الخطوط العريضة للاقتراح ولكنها لم تتبناه بشكل كامل، وأبدت عليه عدد من التعديلات، حيث طالبت بخطة انسحاب على ثلاث مراحل متصلة ومترابطة مع وقف إطلاق النار، والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة، والتحفظ على استثناء الورقة الإسرائيلية 100 أسير فلسطيني من ذوي الأحكام العالية، وكذا المطالبة بإعادة إعمار غزة كمرحلة أولى ورفع الحصار وفتح المعابر والسماح بحركة السكان ونقل البضائع دون قيود، وتقديم موعد إلغاء الممر الإنساني من نهاية المرحلة الأولى إلى بداية المرحلة الأولى، كما أكدت الحركة أنها لا تعرف من هو ميت ومن هو على قيد الحياة من الأسرى الذين تحتجزهم منذ هجومها على مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر 2023، وأن هناك أسرى لدى مجموعات مسلحة أخرى وفي أماكن متعددة، وبالتالي فإن الحركة رفضت أن تتمتع إسرائيل بحق النقض على الأسرى الذين تطالب بالإفراج عنهم، وطالبت بإشراك روسيا والصين وتركيا كضامنين للاتفاق، وهو ما ترفضه تل أبيب.
  • الموقف الإسرائيلي: بالرغم من إعلان الإدارة الأمريكية عن دعم إسرائيل للمبادرة، واتهامها لحماس باختيار قرار استمرار الحرب حال لم تقبل المبادرة كما هي، نجد أنه على أرض الواقع لم تقدم حكومة نتنياهو ما يؤكد أنها داعمة لهذه المبادرة، خاصة مع تصريحات “نتنياهو” بأن إسرائيل لا تزال مُصرّةً على تدمير القدرات العسكرية لـ”حماس”، للتأكد من عدم قدرتها على تنفيذ هجوم على غرار ما حدث في 7 أكتوبر 2023، كما أن الشركاء اليمينيين المتطرفين في ائتلافه رفضوا المبادرة، وهددوا بإسقاط حكومته إذا أنهى الحرب دون تدمير “حماس”، حيث يسعون إلى إعادة احتلال غزة، وتشجيع الهجرة الطوعية للفلسطينيين من القطاع، وإعادة بناء المستوطنات هناك، متجاهلين تظاهرات آلاف المواطنين وعائلات الرهائن في الأشهر الأخيرة التي تطالب الحكومة بإعادة ذويهم من الأسرى بغض النظر عن الوصول لصفقة متوازنة مع “حماس”، وأيضًا متجاهلين للضغط الذي شكلته استقالة كل من الوزيرين في مجلس الحرب “بيني جانتس” و”جادي آيزنكوت” من حكومة الطوارئ.

الفرص التي توفرها المبادرة

وبرغم العيوب والتناقضات التي تشوب هذه المبادرة التي تم قبولها دوليًا والتصويت عليها، إلا أنها تمثل منح وفرص لبعض الأطراف، كما يلي:

  • اليسار الإسرائيلي الذي تقدم له فرصة لاستثمار حالة الخلاف والتخبط والفوضى التي أنشأها الائتلاف اليميني الحالي.
  • توفير مناخ ملائم للرئيس “بايدن” لعقد مؤتمره الانتخابي وتهدئة الأصوات المعارضة له بسبب موقفه من الحرب في غزة.
  • الاعتراف بدور مهم لـ”حماس” في تنفيذ المبادرة والقرار الأممي.
  • وقوف نتنياهو المرتقب أمام الكونجرس في 24 يوليو، في خطاب من المقرر أن يوفر له الفرصة لمشاركة رؤية الحكومة الإسرائيلية للدفاع عن ديمقراطيتها، لاسيما بعد اتهام “تشاك شومر” زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ له بأنه عقبة في طريق السلام ويجب إجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل من أجل استبداله.
  • كما توفر المبادرة فرصة لـ”بايدن” في الإطاحة بـ”نتنياهو” بمساعدة غير مباشرة من إيران التي صرح وزير خارجيتها “علي باقري كني” بأن طهران على اتصال منتظم مع واشنطن، للمساعدة في وضع نهاية للحرب في غزة، ناهيك عن دور إيران في إشعال الجبهة اللبنانية.

وبإمعان النظر في مواقف الطرفين الرئيسين للمبادرة، وكذلك في موقف الولايات المتحدة الأمريكية الطارحة لها، والذي يبدو للعيان تحيزها الواضح ضد الجانب الفلسطيني لصالح الجانب الإسرائيلي الذي مازال يستأنف عمليات الإبادة والقتل، ويؤكد على مواصلة عملياته العسكرية في المناطق الفلسطينية كما هو الحال بالنسبة لشمال غزة ورفح، ولم يقدم أي خطوة عملية تثبت قبوله المبادرة أو القرار الأممي، وهو ما يؤكد احتمالات صفرية الصفقة وعدم فاعلية ما جاءت به المبادرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى