متابعات

ضغوط عديدة: إرجاء انتخابات البلديات في شمال وشرق سوريا

تحليل: الباحث محمد صابر

كان من المقرر أن تُعقد انتخابات للمجالس البلدية في الحادي عشر من يونيو الجاري، وأن تشمل هذه الانتخابات المقاطعات السبع الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، على أن تضم ثلاثة ملايين ناخبًا سيختارون رؤساء 121 بلدية في شمال وشرق سوريا، إلا أن المفوضية العليا للانتخابات في شمال وشرق سوريا أعلنت عن إرجائها مجددًا إلى أغسطس 2024، بناءً على مطالب الأحزاب والتحالفات السياسية المشاركة بها، ونظرًا لضيق الوقت المخصص للفترة الدعائية للمشاركين بالانتخابات. 

وقد تعرضت عملية الانتخابات إلى هجوم حاد وتهديدات تركيا بعملية عسكرية وعدوان جديد على مناطق سيطرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في حال إجرائها، وعلى الرغم من إرجاء الانتخابات إلا أن تركيا مازالت ساعية وراء استغلال الظروف الدولية لشن عملية عسكرية تلوح بها باستمرار، وتحاول “أنقرة” شرعنة الهجوم على مناطق شمال وشرق سوريا، وتوسيع احتلالها للمناطق الحدودية في الجانب السوري.

بناءً على ما سبق، يسعى هذا التحليل إلى دراسة أهمية تحقيق خطوة الانتخابات في شمال وشرق سوريا، والمواقف الدولية تجاهها، في ظل محاولات تركيا على وجه الخصوص لعرقلة أي خطوة تقدم وزعزعة المسار الديمقراطي الذي يسير في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية بسوريا، والتهديدات التركية المستمرة لها.

أهمية الانتخابات وانعكاساتها:

يميز هذه الانتخابات أنها تعد الأوسع نطاقًا خارج سيطرة الحكومة السورية هذه المرة، في ظل شمولها لمدن كبرى مثل الرقة والحسكة والقامشلي، ومن المقرر أن تتم المنافسة بين مجموعة من الأحزاب المشكلة حديثًا إلى جانب الأحزاب التقليدية، كما تضم العديد من التيارات المستقلة، ويتنافس تحالفان رئيسيان إلى جانب أربعة أحزاب مستقلة، وتم دعوة المراقبين الدوليين إلى مراقبة الانتخابات، لضمان شفافية العملية الانتخابية.

ويعد العنصر الأول والركيزة الأساسية لأهمية الانتخابات البلدية أنها تؤثر على الواقع الخدمي والمعيشي للمدنيين بشكل مباشر، لكن في ظل سوء الأوضاع الخدمية واستمرار الهجمات التركية وجرائم استهداف البنية التحتية والمحطات الخدمية، تتعرقل عمليات التنمية المرجوة بمناطق سيطرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، لكن في كل الأحوال يبقى نجاح الانتخابات في السير بشكل ديمقراطي حقيقي خطوة هامة لجعل البلديات قادرة على أخذ دورها وأن تكون قادرة على تلبية احتياجات الأهالي.

وإن كانت الانتخابات لن تؤدي إلى تغييرات جذرية في الخدمات، لكنها على الأقل يمكن أن تحقق تحسينات خدمية بسيطة ملموسة، كما أنها تسمح بظهور قوى جديدة مختارة من الناخبين لإدارة البلديات، واستمرار آمال المواطنين في تحسين الحال للأفضل، خاصًة في ظل الفرص التي يوفرها قانون البلديات الجديد لبلديات المنطقة في تحسين معيشة المواطنين، ولكن يتطلب ذلك أيضًا توفير رؤى إستراتيجية وخطط محكمة قادرة على تحقيق التكافؤ والإنجاز، على الرغم من قلى الموارد ونقص الميزانيات.

كما يعتبر العنصر الثاني إلى جانب تحقيق التنمية وتوفير والعمل على توفير الخدمات للمواطنين، هو إرساء روح الديمقراطية وتعزيز المشاركة الشعبية في الاختيار والتعبير عن الرأي، في مناطق سلب منها أبسط حقوقها لسنوات وعانت من مخاطر تنظيم “داعش” في ظل تدهور أوضاعها، كما لا تزال تعاني أيضًا من اعتداءات الاحتلال التركي والميليشيات الموالية له، واستهداف المحطات الخدمية والبنية التحتية لها.

المواقف من الانتخابات:

على الرغم من أن إجراء الانتخابات البلدية حق أساسي من حقوق سكان مناطق الإدارة الذاتية لاختيار ممثليهم في العمل على تحسين الخدمات وإرساء مبادئ الديمقراطية وتحقيقالاستقرار والأمن، فقد لعبت العوامل الخارجية أيضًا دور كبير في محاولة عرقلة العملية الانتخابية في شمال وشرق سوريا، ويمكن توضيح المواقف الدولية على النحو التالي:-

– الموقف التركي: قام الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” بالإدعاء بأن إجراء الانتخابات في شمال وشرق سوريا يشكل تهديدًا للأمن القومي التركي، وهدد بهجوم عسكري جديد شمال سوريا إذا مضت الإدارة الذاتية قدمًا في إجراء الانتخابات البلدية، كما شنت “أنقرة” في نهاية مايو المنقضي غارات بطائرات مسيرة على سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر الكردي.

– موقف قوى المعارضة السورية الموالية لتركيا: اعربت القوى المعارضة وخاصة الموالية لتركيا كالأئتلاف السوري المعارض الذي يتحكم به حركة الإخوان، وضمنها المجلس الوطني الكردي، عن رفضها للانتخابات واعتبرتها خطوة تقسيمية وغير شرعية، رغم أنهم ساعدوا ويساعدون تركيا في احتلالها وقيامها بالتتريك وتغير الملامح السورية للمناطق التي تحتلها تركيا تمهيداً لتقسيمها وضمها لتركيا.

– الموقف الأمريكي: لم تشجع “واشنطن” الإدارة الذاتية على المضي قدمًا في العملية الانتخابية، فقد علقت الخارجية الأمريكية بأن الظروف الحالية غير مواتية لإجراء مثل هذه الانتخابات في شمال وشرق سوريا، كما صرح نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “فيدانت باتيل” أن على الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا عدم المضي قدمًا في الانتخابات، ويبدو أن هذه التصريحات هي خطوات هدفها إرضاء حليف شمال الأطلسي الحليف التركي. ولكن لم يكن هناك موقف رافض لفكرة الانتخابات وإنما لمسألة التوقيت والظروف حسبما نفهمه من البيان والموقف الصادر.

– موقف حكومة دمشق: لم يصدر موقف رسمي من الحكومة السورية حول الانتخابات ولكن الإعلام المولي لحكومة دمشق وكذلك ماجاء على لسان ممثلها في جلسة مجلس الأمن، عبرت عن عدم قبولها بالانتخاباتونتائجها، ومعلوم أن حكومة دمشق لديها رغبة في استعادة السيطرة على كامل الجغرافية السورية بما فيها مناطق الاحتلال التركي وإقليم شمال وشرق سوريا، ولكنها تعلم أن هناك قرار دولي من مجلس الأمن رقم 2254 خاص بحل الأزمة السورية، ولايمكن في ظل الظروف الحالية أن تسيطر حكومة دمشق على كامل الجغرافية السورية.

مصالح أطراف الصراع أمام مصلحة الشعب السوري:

ختامًا، لا يبدو أن تهديدات الرئيس التركي المستمرة بتنفيذ عملية عسكرية جديدة في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية ستتوقف، وعلى الرغم من أن الأخيرة ساهمت بشكل اساسي في تحقيق الاستقرار في المناطق التي حررتها قوات سوريا الديمقراطية ولم تعلن أبدًا عن الرغبة في الانفصال كما تدعي الحكومة التركية، ولكن لن تتوقف تركيا عن عرقلة أي نجاح للإدارة الذاتية أو تعزيز وترسيخ أقدامها، وتبقى الانتخابات حق مشروع للمواطنين وفق عقد اجتماعي توافقي، بغض النظر عن دستوريته، خاصًة في ظل الأوضاع الحالية في سوريا، وعدم توافر دستور متفق عليه بين جميع السوريين، واستمرار الأزمة وعدم وجود حلول في الأفق.

وفي النهاية، يطرح الموقف المختلفة أمام هذه الانتخابات العديد من التساؤلات حول المساعي الحقيقية من رفض الانتخابات في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية بين المعلن حول الحفاظ على مصلحة الشعب السوري ووحدة الأراضي، أم أن الهدف الحقيقي هو الحفاظ على مصالح أطراف الصراع في سوريا من قوى إقليمية ودولية وإن كان ذلك على حساس الحاجات الأساسية المواطنين والمجتمع السوري، ولا شك أن القيام بأي خطوة تعمل على تحسين الخدمات المقدمة للسورين وخاصة المناطق المحررة من داعش فهي خطوة صحيحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى