متابعات

ما الذي يعنيه فوز بزشكيان بالانتخابات الرئاسية الإيرانية؟

تحليل:شروق صابر

فاز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، يوم 6 يوليو 2024، في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية أمام المرشح المحافظ سعيد جليلي، وتعد تلك هي المرة الثانية التي تشهد فيها إيران جولة إعادة ثانية في الانتخابات الرئاسية بعد انتخابات عام 2005. ويعود فوز بزشكيان في تلك الانتخابات إلى عدة أسباب لعل من أهمها: 1- عدم اتفاق المحافظين على مرشح واحد فقط منذ البداية مما أدى إلى تفتيت الأصوات المؤيدة للتيار بين مرشحيه، وهو ما كشف أيضًا عن انقسام داخل التيار المتشدد. 2- تفضيل طبقة الشباب الأقل من 30 عامًا والذين يشكلون 60% من السكان البالغ عددهم 85 مليون نسمة للتيار الإصلاحي أكثر من المحافظ، هذا بجانب إعلان قادة التيار الإصلاحي والمعتدل، بما في ذلك الرئيسان الأسبقان الإصلاحي محمد خاتمي وحسن روحاني تأييدهم لبزشكيان.

حول الانتخابات

لم يحصد أي من المرشحين الأربعة للانتخابات الرئاسية الإيرانية لانتخاب الرئيس التاسع للدولة الأغلبية المطلقة (50%+1)، التي تمكنه من حسم الفوز بمنصب الرئاسة من الجولة الأولى، لذا جرت الجولة الثانية للانتخابات يوم 5 يوليو 2024 من بين المرشحين اللذين حصلا على أعلى نسبة تصويت وهما، سعيد جليلي ومسعود بزشكيان. وقد فاز فيها المرشح الإصلاحي بزشكيان بحصوله على 16.3 مليون صوت مقابل 13.5 مليون صوت لجليلي. وقالت وزارة الداخلية الإيرانية إن 30 مليون شخص شاركوا في الانتخابات، وبلغت نسبة المشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية 49.6 بالمائة، وفقا للصحف الإيرانية.

أما في الجولة الأولى، بلغت نسبة الإقبال على التصويت 39.92 في المائة، حيث شهدت أدنى نسبة مشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، منذ ثورة 1979. ذلك استمرارًا للانخفاض الذي شهدته الاستحقاقات الانتخابية، منذ انتخابات الرئاسة لعام 2021، والتي فاز بها الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي دون منافس حقيقي، في مشاركة بلغت أكثر بقليل من 48 في المائة. وكانت الجولة الاولى لانتخابات الرئاسة قد جرت يوم 28 يونيو بين المرشحين الأربعة، سعيد جليلي ومسعود بزشكيان ومحمد باقر قاليباف ومصطفى بورمحمدي، بعدما انسحب مرشحان من التيار المحافظ، وهما عمدة طهران علي رضا زاكاني، وأمير حسين قاضي زاده هاشمي مساعد الرئيس الراحل رئيسي. وقد حصل بزشكيان في الجولة الأولى على 42.4 في المائة من الأصوات مقابل 38.6 في المائة لجليلي، وحل المحافظ محمد باقر قاليباف في المرتبة الثالثة.

وتعد تلك هي المرة الثانية التي تشهد فيها إيران جولة إعادة ثانية في الانتخابات الرئاسية بعد انتخابات عام 2005، والتي تقدم فيها هاشمي رفسنجاني في الدور الأول، وجاء حينها محمود أحمدي نجاد ثانيًا، وذهبا إلى جولة ثانية، فاز فيها في الأخير أحمدي نجاد. ويمكن القول أن الفارق الضئيل بين الأصوات التي حصل عليها المرشحين الأعلى تصويتًا في الجولة الأولى، قد أشار إلى حجم الاستقطاب السياسي داخل البلاد، حيث كشف عن الانقسام داخل الشعب حول من سيفوز بمنصب الرئيس. فسبق وأن وجهت فصائل من داخل التيار الإصلاحي الاتهامات نحو النظام بأنه يحاول “هندسة الانتخابات” ليفوز مرشح محافظ، وذلك بعدما وافق مجلس صيانة الدستور على مرشح واحد فقط من التيار الإصلاحي مقابل 5 مرشحين من التيار المحافظ. وفي المقابل وجه الاعلام المحافظ عقب نتائج الجولة الأولى الاتهامات نحو النظام بأنه لم يساعد في استقرار التيار الأصولي على مرشح واحد في مواجهة المرشح الإصلاحي، ما جعل المنافسة بين ثلاث محافظين ولم يضغط على أي مرشح للتنازل للآخر. هذا بجانب ما كشف عنه عدم استقرار التيار الأصولي على مرشح واحد بأن يوجد صراعات داخل التيار.

ماذا ينتظر الرئيس الجديد؟

على الرغم من أن المرشد الأعلى يسيطر على القرار النهائي في جميع شؤون الدولة، كما أن الرئيس لا يستطيع إجراء تغييرات جذرية على الحكم الثيوقراطي في إيران، إلا أن من يفوز بالرئاسة يمكنه اتباع سياسة أكثر مرونة أو تشددًا في الداخل، كما يمكنه توجيه البلاد في السياسة الخارجية نحو المواجهة أو التعاون مع الغرب. فعلى سبيل المثال شهدت إيران في عهد الرئيس الأسبق خاتمي، انفتاحًا على دول المنطقة، كما شهدت في عهد روحاني توقيع الاتفاق النووي مع الغرب، وفي المقابل شهدت إيران في عهد الرئيس السابق رئيسي أكبر احتجاجات ضد قانون “الحجاب الإلزامي” الذي يفرضه النظام على المرأة.

 وقد جاء فوز بزشكيان في وقت تشهد فيه إيران توترات داخلية وخارجية عديدة، لعل أهمها التوتر بين الميليشيات الإيرانية في المنطقة وبين إسرائيل والولايات المتحدة، وما يخص البرنامج النووي الإيراني، وما ستؤول إليه الانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة والتي قد تعرض أي فرصة للتقارب بين طهران وواشنطن للخطر. وفيما يلي مسارات توجه الرئيس الجديد في أغلب القضايا خلال الفترة القادمة، وفقًا لتصريحاته خلال حملته الانتخابية:

1- الأوضاع الاقتصادية: تمكن بزشكيان من الفوز بثقة قاعدة انتخابية أغلبها من أبناء الطبقة الوسطى الحضرية والشباب المحبط من تدني الأوضاع الاجتماعية في إيران، حيث تعهد العمل، إذا تم انتخابه رئيسًا، لتحسين الظروف المعيشية للفئات الأكثر حرمانًا. حيث أشار إلى عدم زيادة الأجور والرواتب في حكومتي روحاني ورئيسي، بما يتناسب مع معدل التضخم، ووعد ضمنيًا بزيادة الأجور والرواتب بما يتناسب مع معدل التضخم. وانتقد بزشكيان أيضًا، في حملاته الانتخابية، مرارًا وتكرارًا، التوظيف وفقًا للاتجاهات السياسية، وأشار ضمنًا إلى أن التوظيف في إدارته سيكون “على أساس الجدارة” و”ليس القرب السياسي” منه. كما وعد بزشكيان في خطاب له بسوق شوش في طهران، بعدم تحصيل الضرائب من الأشخاص الذين يتعرضون للضغوط الاقتصادية.

2- قانون الحجاب الإلزامي: كان لبزشكيان مواقف سابقة داعمة للحريات، ففي عام 2022 طالب السلطات بتوضيح أسباب وفاة الفتاة الكردية مهسا أميني، وبعد الإدلاء بصوته في الجولة الأولى قال بزشكيان: “سنحترم قانون الحجاب، لكن يجب ألا يكون هناك أي سلوك تطفلي أو غير إنساني تجاه النساء”. كما اقتبس شعار حملته الانتخابية “من أجل إيران”، من أغنية “براي (من أجل)” للفنان شروين حاجي بور، التي أصبحت تنشد في الاحتجاجات. ويشير ذلك إلى أنه سيتبنى سياسة اجتماعية أكثر تسامحًا من الرئيس السابق رئيسي.

3- المساواة بين الرجل والمرأة وحل مشكلة الانترنت: وعد بزشكيان بمتابعة مشروع قانون أمن المرأة، وقال إنه سيزيل النظرة الثانية للمرأة في تخصيص المناصب الحكومية. كما وعد بزشكيان بتطوير البنية التحتية للإنترنت في البلاد، وقال إنه سيقف ضد حجب المواقع الإلكترونية، وبرامج رفع مراقبة الإنترنت. وانتقد بزشكيان بيع برامج رفع الحجب في إيران، وقال إنه مع انتشار هذه البرامج، سيتم فقدان إمكانية مراقبة وتحديد مستخدمي الإنترنت، ومِن ثمّ سيصعب السيطرة عليهم. وأشار إلى أنه في جميع دول العالم، يتم إغلاق الإنترنت أو السيطرة عليها في أوقات معينة، لكن في رأيه، يجب تقليل الحجب، خلال الظروف الطبيعية.

4- إزالة العقوبات ومجموعة العمل المالي (FATF): من المتوقع أن يتبع بزشكيان سياسة أكثر انفتاحًا على الغرب، حيث صرح: “لم ولن تتمكن أي حكومة عبر التاريخ من النمو والازدهار داخل القفص. علينا أن نتفاعل ونتبادل مع دول المنطقة من أجل النمو والازدهار، ومن ثم مع الدول الأخرى”. وخلال حملاته الانتخابية أكد بزشكيان عدة مرات أهمية رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران. كما رأى إن العقدة الرئيسة في العلاقة المالية الطبيعية لإيران مع العالم هي إدراج اسمها على القائمة السوداء للمجموعة الخاصة بالإجراءات المالية لمكافحة غسيل الأموال، المعروفة باسم مجموعة العمل المالي (FATF).

5- الاتفاق النووي: تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات قريبة من الاستخدام العسكري، وتحافظ على مخزون كبير بما يكفي لبناء عدة أسلحة نووية، إذا اختارت ذلك. وخلال حملته الانتخابية دعا بزشكيان إلى “علاقات بناءة” مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية من أجل “إخراج إيران عزلتها”. فقد وعد بمناقشة الاتفاق النووي مع اللجنة الأمنية التابعة للبرلمان الإيراني للتوصل إلى اتفاق مشترك.

في النهاية، يمكن القول أن بزشكان وإن كان قد وعد الشعب خلال حملاته الانتخابية، بالتواصل مع الغرب، وتخفيف تطبيق قانون الحجاب في البلاد، بعد سنوات من العقوبات والاحتجاجات التي أثرت على الجمهورية الإسلامية. إلا أنه كان يؤكد باستمرارية على أن خامنئي يعد صاحب الكلمة العليا في جميع شؤون الدولة في البلاد، أي أنه يدرك أن ليس بإمكانه الفصل في أمر شيء يخص البلاد دون اللجوء إلى المرشد الأعلى، لذا حرص على إقراره بالولاء للنظام السياسي، وقام ذات مرة بارتداء الزي الأخضر للحرس الثوري الإسلامي، القوة العسكرية المكلفة بالدفاع عن النظام، وأشاد بالقائد قاسم سليماني، الذي قُتل في غارة أمريكية عام 2020. هذا بجانب ان فوز بزشكيان على جليلي لا يعد فوزًا كاسحًا، مما يعني أنه سيتبنى الحذر في اتخاذه قراراته، وأثناء تعامله مع دوائر صنع القرار الإيراني الخاضعة لسيطرة المحافظين المتشددين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى