مقالات

الاستراتيجيات الكردية في الحروب الحاسمة .. ملاذكرد، جالديران، ومرج دابق

تحليل: د. سحر حسن أحمد

لا شك أن التاريخ مليء بالمحطات التشاركية المهمة وبالمعارك الحاسمة التي غيرت مجريات الأحداث وأعادت تشكيل الخريطة الجغرافية والسياسية للعالم من جديد. من قبيل: المعارك الثلاث، ملاذكرد 1071م ، جالديران 1514م، ومرج دابق 1516م ، والتي وقعت في المناطق ذات الغالبية الكردية، والتي برزت كأحداث فاصلة في تاريخ المنطقة والعالم الإسلامي والعالم أجمع. ولم تكن هذه المعارك مجرد مواجهات عسكرية، بل كانت جلها نقاط تحول استراتيجي مهم أثرت على مصائر دول وشعوب العالم لعدة عقود وقرون.

وقد شارك الكرد بتلك المعارك، وتأثروا بشكل كبير بهم. ويشهد التاريخ الكردي المليء بالمحطات الحاسمة على ذلك. فقد أسهموا بدوراً مهم ومؤثر بالمعارك الثلاث المذكورة قيادة وقوةً وشعباً. فى البداية كانت معركة ملاذكرد التي وقعت بين الإمبراطورية البيزنطية بقيادة الإمبراطور رومانوس الرابع من جهة والكرد والسلاجقة من الجهة الأخرى، وقد انتصر فيها الكرد والسلاجقة بتشارك وتعاون بين ألب أرسلان والسلطة المروانية الكردية والتي كانت تتخذ من ميافارقين (سيلوان) مركزاً لها. ولم تكن هذه المعركة فقط لحظة حاسمة في تاريخ الأناضول وميزوبوتاميا، بل أيضًا في تاريخ الكرد ومعظم شعوب المنطقة؛ إذ أسهمت في تعزيز وجودهم السياسي والعسكري في المنطقة.  

أما معركة جالديران 1514م، فقد كانت بين الدولة الصفوية بقيادة الشاه إسماعيل الأول الصفوى والدولة العثمانية بقيادة السلطان سليم ياوز الأول. وقد شارك القسم الأكبر من الكرد الدولة العثمانية – الذين كانوا يتمتعون بحكم شبه ذاتي ضمن حدودها آنذاك- ولعبوا دوراً مهماً في دعم العثمانيين ضد الصفويين، مما عزز علاقاتهم مع السلطان العثماني وأعطى زخمًا لدورهم الإقليمي.

لا شك أن جالديران تُعد إحدى المعارك الحاسمة في تاريخ الشرق الأوسط التى أسفرت عن انتصار كبير للعثمانيين، مما ساعدهم في فرض سيطرتهم على أجزاء كبيرة من الأناضول وبلاد ما بين النهرين وميزوبوتاميا. وفي هذا السياق، لعب الكرد دوراً بارزاً وحيوياً في تحقيق هذا الانتصار. وقد شملت مشاركاتهم عدة جوانب منها السياسية والعسكرية واللوجستية؛ حيث كانت المناطق الكردية تُعتبر مناطق استراتيجية تقع على حدود الإمبراطوريتين المتصارعتين. فانطلاقًا من تحالفاتهم وتعاونهم مع العثمانيين، فقد أسهم الكرد في تقديم دعم كبير من حيث توفير الجنود والإمدادات، فضلًا عن معرفتهم الدقيقة بطبيعة تضاريس المنطقة، مما كان له تأثير حاسم على مسار المعركة.

وفى العام التالى لجالديران حدثت معركة مرج دابق في 1516م التي شهدت مواجهة بين المماليك بقيادة السلطان قانصوه الغوري والعثمانيين بقيادة السلطان سليم الأول ، وكانت من أهم المعارك التي أسست لسيطرة العثمانيين على الشرق الأوسط. وكان الكرد حلفاء للدولة العثمانية فيها؛ إذ كانوا جزءاً من هذه التحولات الكبرى في المنطقة، مما أتاح لهم دوراً محورياً في التطورات السياسية والعسكرية التي تلت ذلك. لم تؤد هذه المعركة فقط إلى تغيير موازين القوى في المنطقة، بل مهدت الطريق لسيطرة العثمانيين على بلاد مصر والشام، مما شكَّل نقطة تحول في التاريخ العثماني والإسلامي. في هذا السياق التاريخي، لعب الكرد دورًا بارزًا ومؤثرًا في نتائج هذه المعركة، وتمتعوا باستقلالية كبيرة في إدارة شؤونهم وأمورهم ومناطقهم، التي تم قبولها باسم كردستان في الإمبراطورية العثمانية.

ومن ثم، سوف نستعرض دور الكرد في هذه المعارك الثلاث وأثر مشاركتهم على مسار التاريخ في المنطقة. وسنُركز على الظروف التي أدت إلى اشتراكهم، وتحليل استراتيجياتهم، وتأثير نتائج هذه المعارك على مكانتهم السياسية والعسكرية في العصور المختلفة، وهنا نطرح عدة تسأولات من قبيل: ما هى الظروف التاريخية التي أدت إلى معركة ملاذكرد؟ ما هو الدور الذى قدمه الكرد في تلك المواجهة الحاسمة؟ ما هى الاستراتيجيات التي اتبعها الكرد فى معاركهم ؟ ماذا نتج عن مشاركتهم فى تلك المعارك؟ كيف أثرت الانتصارات على تعزيز مكانتهم السياسية والعسكرية في المنطقة؟ ومن ثم سوف نُلقي الضوء أيضًا على كيفية تغير العلاقات بين الكرد والقوى الإقليمية الكبرى نتيجة لهذه الأحداث التاريخية المهمة.Bottom of Form

بيد أن العلاقات التاريخية بين الكرد والعرب والترك في ظل ثقافة الإسلام في العصور الوسطى كانت تلعب دوراً محورياً في تشكيل هوية وتطور المجتمع الكردي. فقد تأثرت هذه العلاقات بتكوين كيانات الدولة والسلطة، والطوائف الصوفية، وتأثيرات الثقافة الإسلامية العربية، مما أسهم في تطور الكرد كشعب وقومية وأمة منذ القرن السابع الميلادى وحتى نهاية القرن والحادي عشر الميلادى. وفي هذه الفترة، شهدت المناطق الكردية ظهور العديد من الإمارات الكردية المستقلة التي تشكَّلت تحت تأثير الثقافة الإسلامية. مما أسهم بدور مهم في تعزيز الهوية الكردية وبناء مجتمع كردي متميز، وخاصة في دولة الخلافة العباسية وماتلاها. هذه الكيانات لم تكن مجرد هياكل سياسية وإدارية، بل تضمنت أيضاً بنى اجتماعية ودينية قوية وثقافية، تمثلت في الطرائق الصوفية التي انتشرت بين الكرد وأسهمت في توحيدهم دينياً وثقافياً.

        قبل تطور العلاقات الكردية-التركية، كانت العلاقات الكردية-الفارسية تشهد تطورات مشابهة. وقد تأثرت هذه العلاقات بالصراعات والنزاعات الدائمة بين الإمبراطورية الفارسية والقبائل الكردية، مما شكل هوية كردية مقاومة ومستقلة. مع حلول القرن العاشر، بدأت الأنساب التركية بالهجرة من آسيا الوسطى إلى الشرق الأوسط بحثاً عن مواطن جديدة أكثر استقراراً. وواجهت القبائل التركية في البداية صعوبات في الحفاظ على استقرارها داخل الأراضي الإيرانية بسبب الصراعات الدائمة. هذا دفعهم للتوجه نحو الأراضي العربية والبيزنطية، حيث واجهوا الأقوام العربية والكردية والأرمنية.

وقد اتسمت العلاقات بين الكرد والأتراك بالتعاون والتنافس في آن واحد. ولعب الأتراك دوراً مهماً في الجيوش العباسية، حيث أصبح العديد منهم جنوداً انكشاريين بارزين. تمكن الأتراك من الاندماج في المجتمعات العربية والإسلامية بسرعة، مما ساعدهم في تأسيس إماراتهم الخاصة في المناطق الممتدة من العراق إلى مصر. وأثناء بحث الأتراك عن مواطن استقرار دائمة، نشأت علاقات تحالفية مع الكرد. كانت هذه التحالفات تستند إلى المصالح المشتركة والتحديات المشتركة التي واجهتها القبائل التركية والكردية في تلك الفترة. وقد ساعدت هذه التحالفات في تعزيز الاستقرار وتوفير الحماية المتبادلة، مما أدى إلى تطورات إيجابية في العلاقات الكردية-التركية.

شهد تاريخ الكرد تطورات كثيرة. حيث وجدو أنفسهم في موقع حساس بين علاقات متوترة وصدامات مستمرة مع السلاطين والغزاة العرب من جهة، والتوسع التقليدي للإمبراطورية البيزنطية من جهة أخرى. إن تتبع القضايا الأساسية للكرد في هذه الفترة يوضح تعقيدات التفاعلات الإقليمية والديناميكيات السياسية والاجتماعية التي أثرت على تطور المجتمع الكردي. وكانت الإمبراطورية البيزنطية آنذاك في مرحلة من التوسع واستعادة الأراضي المفقودة. هذا التوسع البيزنطي شكل تهديداً مباشراً للمناطق الكردية، مما أدى إلى مواجهات عسكرية وتأثيرات سياسية على الكرد. كما سعى البيزنطيون إلى فرض سيطرتهم على المناطق الحدودية التي كانت تسكنها القبائل الكردية.

بيد أن؛ تلك الفترة كانت حافلة بالتحديات والتطورات بالنسبة للكرد. والتفاعلات مع السلاطين والغزاة العرب من جهة، والتوسع البيزنطي من جهة أخرى، فضلاً عن الديناميكيات الاجتماعية الداخلية، كلها عوامل ساهمت في تشكيل مسار التاريخ الكردي في الفترات الحرجة.


العلاقات البيزنطية السلجوقية قبل ملاذكرد

عندما تولى الإمبراطور رومانوس الرابع السلطة في عام 1068 م، ووضع بعض الإصلاحات العسكرية السريعة، وأرسل حملة ضد السلاجقة، استولت على أجزاء من سوريا، ثم أحبط هجوماً تركياً على مدينة قونية بهجوم مضاد، ولكن بعد ذلك هُزِم وأَسَرَهُ السلاجقة تحت حكم السلطان محمد ألب أرسلان. وعلى الرغم من انتصار أرسلان في المعركة، فإنه سعى إلى معاهدة سلام مع البيزنطيين، وتم التوقيع عليها عام 1069م .

ومع قدوم عام 1071م، أرسل الإمبراطور البيزنطى رومانوس مبعوثين إلى السلطان ألب أرسلان لتجديد معاهدة السلام التى وُقعت عام 1069م، فوافق ألب أرسلان على التجديد. لكن الإمبرطور بعد ذلك  اعتبر معاهدة السلام التى طلب تجديدها نوعاً من الإلهاءً المتعمد ليقود جيشاً كبيراً إلى أرمينيا لاستعادة القلاع المفقودة قبل أن يتمكن السلاجقة من الرد عليه.

معركة ملاذ كرد 1071م.

على مر العصور، كانت مناطق سكنى الكرد عرضة للغزوات والحروب المستمرة التي شنتها القوى الكبرى من الشمال والغرب والشرق. بدأت هذه الغزوات مع الإسكندر الأكبر واستمرت مع الإمبراطورية الرومانية ووريثتها الإمبراطورية البيزنطية، ثم تلاها الهجمات من الإمارات والإمبراطوريات التركية. هذا التاريخ المشحون بالحروب والصراعات أثر بشكل كبير على تطور المجتمع الكردي وهويته.

وكان للكرد دوراً بارزاً ومهماً في معركة ملاذكرد التي وقعت في 26 أغسطس 1071م في منطقة ملاذكرد (مانزكيرت) – ملازغرد حاليا في محافظة موش، تركيا في تركيا الحالية – بين الإمبراطورية البيزنطية تحت قيادة الإمبراطور رومانوس الرابع ديوجينيس، وجيش السلاجقة تحت قيادة السلطان ألب أرسلان. ونتج عنها هزيمة ساحقة للبيزنطيين ونصر كبير للسلاجقة. وقد كانت لهذه المعركة تأثير كبير على التاريخ الإسلامي والمسيحي، حيث فتحت الطريق أمام السلاجقة للتوسع في الأناضول. في ذلك الوقت، كانت هناك صراعات مستمرة بين الإمبراطورية البيزنطية والسلاجقة حول السيطرة على أراضي الأناضول. وآنذاك قرر الإمبراطور رومانوس الرابع شن حملة عسكرية كبيرة للقضاء على التهديد السلجوقي.

أحداث المعركة

كان بداية التحضير للمعركة عندما جمع الإمبراطور رومانوس جيشًا ضخمًا مؤلفاً من قوات بيزنطية بالإضافة إلى قوات مرتزقة من مختلف الجنسيات. في المقابل، كان جيش السلاجقة أصغر حجمًا ولكنه كان سريع الحركة ومرنًا، وقد ذكرت المصادر الأكاديمية أن عدد جيش السلاجقة والكرد وصل إلى ما يقرب من 50 ألف مقاتل مناصفة بين الكرد والترك، مقابل 200 ألف مقاتل في الجيش البيزنطي الذى فاق عدد جيش السلاجقة بأربعة أضعاف.

وبدأت المعركة عندما أعد ألب أرسلان جيشاً كبيراً، أراد منه التوجه إلى مصر لمواجهة الفاطميين، لكنه عاد عندما علم أن الإمبراطور البيزنطي رومانوس الرابع قد خرج على رأس جيش ضخم قاصداً القضاء على دولة السلاجقة واحتلال ميزوبوتاميا وشرق الأناضول وبغداد، التقى الجيشان بالقرب من ملاذكرد. وقد استخدم السلاجقة والكرد تكتيكات الكر والفر لإرهاق الجيش البيزنطي.

كمااعتمد السلطان أرسلان تكتيك يعتمد على عنصر المفاجأة وذلك بالانسحاب المفاجئ _الزائف _ لاستدراج الجيش البيزنطي إلى فخ، حيث تم تطويق البيزنطيين من جميع الجوانب. بيد أن الإمبراطور الروماني أراد تحقيق نصر سريع يُثبت به دعائم حكمه، فيما قاتل السلطان ألب أرسلان لحماية الوجود الإسلامي على تخوم الأناضول وبلاد فارس. وخلال المعركة، تمكن السلاجقة من أسر الإمبراطور البيزنطي رومانوس ، مما أدى إلى انهيار معنويات الجيش البيزنطي وانتهاء المعركة بانتصار حاسم للسلاجقة.


الدور الكردى في المعركة:

لقد أسهم الكرد بمساهمات عدة فى تلك المعركة؛ إذ كانوا حلفاء طبيعيين للسلاجقة في هذه الفترة بسبب التهديدات المشتركة من الإمبراطورية البيزنطية. وقد تمثلت تلك فى :

  1. المشاركة في الجيش السلجوقي: شاركالكرد الجيش السلجوقى وكانوا في الصفوف الأمامية في المعركة. وذلك لشجاعتهم ومهاراتهم القتالية وقد أسهموا بشكل كبير في إرباك القوات البيزنطية خلال المعركة. وشكلوا جزءًا من القبائل التي دعمت السلاجقة في معاركهم، لأنهم كانوا يتمتعون بخبرة كبيرة في القتال في التضاريس الجبلية الصعبة، مما جعلهم شركاء قيمين للسلاجقة . وكما ذكر القلقشندى فى كتابه الموسوم بـ ” صبح الأعشى فى صناعة الإنشا” أنهم رجال حرب وأقيال طعن وضرب … وذوو شجاعة وحمية”.
  2. التكتيكات الحربية: استخدم الجيش السلجوقي تكتيكات حربية تعتمد على المناورات والتحركات السريعة والكر والفر، وهي تكتيكات كان الكرد معتادين عليها ومتفوقين فيها. فشاركوا في الهجمات الخاطفة وعمليات الكر والفر، مما أضعف معنويات الجيش البيزنطي وأربك خططه العسكرية.
  3. التعاون مع السلاجقة:  قبل معركة ملاذكرد، كان للسلاجقة علاقات جيدة مع بعض القبائل الكردية، مما ساعدهم في تحصيل الدعم اللوجستي . وقاموا بتأمين خطوط الإمداد وتوفير المعلومات الاستخباراتية حول تحركات الجيش البيزنطي. كما كانت المناطق التي يسيطر عليها الكرد تُستخدم كقواعد لشن الهجمات وتجمع القوات، مما أعطى السلاجقة ميزة استراتيجية.
  4. الدور الاستراتيجي:  قدم الكرد في بعض الأحيان المشورة والخبرة المحلية التي كانت مفيدة للسلاجقة في تخطيط وتنفيذ الهجمات والمناورات العسكرية. وكانت المنطقة التي جرت فيها المعركة كانت منطقة جبلية صعبة التضاريس، وكان للكرد معرفة جيدة بها.
  5. الدعم المعنوي والعدد: أضاف وجود الكرد في صفوف الجيش السلجوقي قوة عددية ومعنوية للجيش، مما أسهم في رفع الروح القتالية لدى الجنود وتماسكهم في وجه العدو البيزنطي.

تُعد معركة ملاذكرد واحدة من أهم المعارك في التاريخ الإسلامي وتاريخ المنطقة، والدور الذي لعبه الكرد فيها كان جزءاً من النجاح الذي حققه الانتصار ضد الإمبراطورية البيزنطية.

تحليل علاقة الكرد والأتراك في معركة ملاذكرد وأبعادها الاستراتيجية

الدور الاستراتيجي للسلطان ألب أرسلان وتحالفاته مع السلطة المرونية ، كان ألب أرسلان جزءًا من أسرة الأوغوز السلجوقية، وكان يسعى إلى توسيع نفوذه وسلطته عبر تحالفات استراتيجية في المنطقة. وكان يدرك أن الكرد لهم دور استراتيجي في التحكم بمناطق كردستان وتأمين ممرات الوصول إلى الأناضول. ومن ثم عمل على :

  • البحث عن حلفاء قويين

بحث ألب أرسلان عن حلفاء أقوياء في كردستان، وقد وجدهم بالفعل في الإمارات والقبائل الكردية القوية. فقام بتعزيز العلاقات معهم استعداداً لمعركة ملاذكرد.

  • التحالف بين الكرد والسلاجقة

تمثَّل هذا التحالف فى معركة ملاذكرد بين الكرد والأتراك السلجوقيين ضد الإمبراطورية البيزنطية. كانت هذه العلاقة التحالفية أساسية في نجاح المعركة.

  • التأثير الاستراتيجي للتحالف الكردي-التركي

مواجهة البيزنطيين:  نجح التحالف الكردي-التركي في تحقيق الانتصار في معركة ملاذكرد، مما أدى إلى فتح أبواب الأناضول أمام الأتراك السلجوقيين وتأسيس الدولة السلجوقية الرومية.

  • تحقيق الأهداف المشتركة

 استفاد الكرد من هذا التحالف بتحرير مناطقهم من تأثيرات البيزنطيين وتأمين وجودهم، بينما استطاع الأتراك توسيع نفوذهم وتأسيس حضور دائم في المنطقة.


نتائج المعركة

  • تحقيق أهداف مشتركة بين الأتراك السلاجقة والكرد

توسع السلاجقة بسبب النصر في معركة ملاذكرد التى فتحت الطريق أمامهم للتوسع في الأناضول؛ إذ فتحت “ملاذكرد” الحدود الشرقية للإمبراطورية البيزنطية على مصراعيها أمام التقدم السلجوقي، واتسعت رقعة الدولة السلجوقية في آسيا الصغرى، مما أدى إلى تأسيس إمارات ودول سلجوقية في المنطقة. وتعززت الهيمنة التركية في العالم الإسلامي. أما الكرد استفادوا من هذا التحالف بتحرير مناطقهم من تأثيرات البيزنطيين وتأمين وجودهم، بينما استطاع الأتراك توسيع نفوذهم وتأسيس حضور دائم في المنطقة.

  • ضعف الإمبراطورية البيزنطية

مثلت الهزيمة في ملاذكرد ضربة قاسية للإمبراطورية البيزنطية، وأدت إلى اضطرابات داخلية وصراعات على السلطة. وتقلصت الدولة البيزنطية بشكل كبير، فأصبح ميزان القوى في تلك المنطقة الاستراتيجية في يد السلاجقة، مما اضطر الأباطرة البيزنطيين إلى الاستنجاد بزعماء أوروبا، من تلك السيطرة الفعلية على آسيا الوسطى. واعتٌبرت معركة “ملاذكرد” بمثابة كارثة حلت بالإمبراطورية البيزنطية، ولم يُعد البيزنطيون ينعتونها عند حديثهم عنها إلا بـ”اليوم الرهيب”، فقد تقلصت أملاكها في أرمينية وآسيا الصغرى، ولم يعد لها إلا بعض المدن المعزولة على الساحل الجنوبي لآسيا الصغرى، ولم تعد الإمبراطورية قادرة على إعادة أملاكها أو بسط نفوذها على ما فقدته.

  • تغيير موازين القوى فى المنطقة:

 أسفرت المعركة عن تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط، حيث أصبح السلاجقة القوة المسيطرة في الأناضول. فقد ذكر مؤرخ العصور الوسطى الدكتور مصطفى علي جان ” أن معركة ملاذكرد كانت من أهم الأحداث التي غيّرت تاريخ العالم،  كما أوضح أن العالم بعد معركة ملاذكرد تحرك نحو مسار تاريخي مختلف تماماً، وحدث تغيّر كبير في التاريخ الإسلامي”. أما فيما يتعلق بموازين القوى العالمية، فالعلاقات بين الدولة البيزنطية والفاطميين كانت متصلة على طول الخط منذ أن نشأت في المغرب حتى وجودها في مصر، بالرغم من أنها مرت بأزمات وتقلبات مختلفة إلا أنها كانت مستمرة، وقد انقطعت بسبب انتصار السلاجقة فى المعركة، فتغيرت خريطة العالم وتحالفاته. فلم يُعد بوسع تلك الثنائية أن تكتمل، وأصبح السلاجقة منذ تلك اللحظة هم ممثلو الإسلام وعليه قامت العلاقات لضمان المصالح المتبادلة، حتى أن الخطبة داخل القسطنطينية في المسجد الذي أقيم للتجار المسلمين داخل المدينة كان للفاطميين، أما بعد “ملاذكرد” فاتجهت ليذكر اسم الخليفة العباسي مقترنًا بذكر السلطان السلجوقي، لم يكن هذا فحسب، فلم يُعد داخل أرمينية للإدارة البيزنطية أية سلطة فيها، بعد أن هجرها سكانها وخضعت بشكل كامل إلى السلاجقة.

الأهمية التاريخية

  • فتح الأناضول:  كانت معركة ملاذكرد نقطة تحول في تاريخ الأناضول وميزوبوتاميا، حيث بدأت فترة من التوسع الإسلامي في المنطقة. فقد تم تأسيس أول دولة تركية في آسيا الصغرى، وهي ما سُميت بدولة سلاجقة الروم.
  • تحفيز الحملات الصليبية: كانت الهزيمة البيزنطية من العوامل التي أسهمت في تحفيز الغرب الأوروبي على إطلاق الحملات الصليبية لاستعادة الأراضي المقدسة والمناطق التي فقدها البيزنطيون؛ إذ كانت الدولة البيزنطية هي حائط السد والحاجز القوي الذي كانت تعتمد عليه أوروبا المسيحية في الغرب لحجب العالم الشرقي عنها. فبعد تلك المعركة لم يعد هذا الحائط يقوم بمهمته التي بُني عليها؛ إذ فُتح المجال أمام القوى الأوروبية المسيحية القادمة من الغرب بناءً على طلب من القسطنطينية ذاتها التي استنجدت بالكنيسة الغربية متمثلة في بابا الفاتيكان لرد اعتبار الإمبراطورية البيزنطية. ومن ثم، ترتب على تلك التحركات أن دخلت القوى المسيحية الغربية منطقة آسيا الصغرى وبلاد الشام ومصر، فيما عُرف بالحروب الصليبية التي استمرت قرنين من الزمن، تلك الحروب كان لها وقع كبير وتأثير شديد على مجرى التاريخ

خلاصة القول، لم تكن معركة ملاذكرد مجرد صراع بين سلطتي أو جيشي السلاجقة والبيزنطيين، بل كانت تُمثل نقطة تحول في التاريخ الإقليمي والديني، حيث شكل التحالف بين الكرد والأتراك السلجوقيين قاعدة لتأسيس دولة سلجوقية قوية في الأناضول وتحرير مناطق الشرق الأوسط من الهيمنة البيزنطية وخلاص الكرد وكردستان من التهديد البيزنطي. هذا التحالف يُظهر الدور الحيوي للتوازنات القبلية والعشائرية في صياغة مسارات التاريخ، ويُبرز الأبعاد الدينية التي جمعت الأمة الإسلامية في وجه التحديات الكبيرة وكذلك بينت أهمية الاحتياجات الأمنية التي توحد الشعوب.


معركة جالديران1514م

وقعت معركة جالديران (Battle of Chaldiran) في 23 أغسطس 1514 م بين الدولة العثمانية تحت قيادة السلطان سليم ياوز الأول والدولة الصفوية تحت قيادة الشاه إسماعيل الأول الصفوى على الاراضي الكردية. تُعد هذه المعركة من أبرز الأحداث في التاريخ الإسلامي؛ إذ أسفرت عن هزيمة ساحقة للصفويين وأدت إلى تغييرات كبيرة في موازين القوى في المنطقة. ولكن قبل إلقاء الضوء على المعركة وعلى أهم تفاصيلها لابد من طرح سؤال جد مهم ، ألا وهو ، كيف كانت العلاقات بين العثمانيين والصفويين قبل حدوث جالديران ؟ وبالنظر إلى الوضع بينهم نجد أنه كان يشوبه التوتر.

        وترجع البدايةإلىأوائل القرن السادس عشر الميلادى، حيث كانت هناك توترات متزايدة ومتنامية بين الدولة العثمانية السنية والدولة الصفوية الشيعية. وكانوا الصفويين يسعون لتوسيع نفوذهم في الأراضي العثمانية؛ إذ بدأ الطريق إلى جالديران حينما فرض الشاه إسماعيل المذهب الشيعي على شعبه، وأعلنه مذهبًا رسميًّا للدولة في إيران؛ فكانت ردود الفعل عنيفة خاصة وأن كثيراً من سكان المدن الرئيسة في إيران مثل تبريز كانوا من أصحاب المذهب السنى. واستطاع الشاه استمالة قبائل القزلباش التركية ذات المذهب العلوى إلى جانبه؛ إذ كانت تلك القبائل متذمرة من التدابير المالية والإدارية العثمانية بل وهيأت السبيل لحدوث اضطرابات كبيرة في الأناضول، وهذا جعله يعتمد عليهم للقضاء على مـعـارضيه جـميـعاً وفـرض المذهب الشيعي بالقوة، كما جعلهم عماد جيشه، فقضى على دولة آق قويونلو التى كانت تُشكل حاجزاً بينه وبين العثمانيين. وأصبحت الدويلات الكردية والقبائل التركية في جبال طوروس الصغرى، والأقليات المسيحية في أرمينية كلها من ممتلكات الشاه حسب ادعائهم. واحتل بغداد عام 1508م، فهدم ما كان فيها من قبور أئمة سنة وذبح جماعة من علمائهم، فانتشرت شائعة في البلاد التركية بأن مذبحة عظيمة أصابت السنة ببغداد على يد الصفويين، مما دفع السلطان سليم الأول إلى مواجهة هذا التهديد.

في هذه الفترة اتسمت العلاقات بين الصفويين والعثمانيين بالفتور، فمنذ بداية تسلم السلطان سليم الحكم وصله سفراء البندقية والمجر ومصر وروسيا لتقديم التهاني له، وأبرم معهم جميعا هدنة لمدة طويلة، ولم يصله سفير من إيران، وكان سليم الأول ينظر بعين الارتياب إلى تحركات الصفويين، لا سيما بعد إرسال الشاه إسماعيل وفداً كبيراً إلى قانصوه الغوري سلطان مصر ضم 200 شخص لإبلاغه عن تلك الحرب المتوقعة وقاموا بدعوته للتحالف معه ضد السلطان سليم، كمابين له إنه إن لم يتفقا فسوف تُحارب الدولة العثمانية كلاً منهما على حده وتقهره وتسلب أملاكه، وقد نتيج عن تحركات الشاة أن عزم السلطان على مهاجمته وتسديد ضربة قوية له قبل أن يستعد للنزال. لذلك أرسل هو الآخر وفداً إلى المماليك دعاهم إلى التحالف، لكن بعد مباحثات طويلة آثر المماليك التزام الحياد.

التـحضـيرات الـعسـكرية : أمر السلطان سليم بعمل حصر لعدد الشيعة المنتشرين فى الولايات المتاخمة لبلاد العجم بشرق الأناضول أو ميزوبوتاميا وأمر بقتلهم جميعاً، ويُقال إن عددهم كان حوالي 40 ألفاً من القزلباشردًا على مجازر الصفويين للسنة بالعراق وتبريز وأذربيجان، وذلك كى يقضي على أى تمرد قد يحدث مستقبلاً. ثم جمع السلطان رجال الحرب والعلماء والوزراء في مدينة أدرنة في 16 مارس 1514م، وأوضح لهم خطورة إسماعيل الصفوي في إيران، كما أوضح كيف اعتدى على حدود الدولة العثمانية، وكيف عامل بعنصرية أهل السنة والجماعة في دولته في وسط آسيا والهند وأفغانستان، وأشار إلى أنه يجب الذنب عن إخوانهم في تركيا والعراق ومصر. ولهذا يرى ضرورة الجهاد ضد الدولة الصفوية. ولم يجد السلطان العثماني صعوبة في إقناع الحاضرين بضرورة محاربة الصفويين، وخرج بعد ثلاثة أيام من هذا الاجتماع على رأس جيش كبير بعد أن أوكل أبنه سليمان لإدارة الحكم فى إستانبول .

وقد أرسل السلطان وهو في طريقه إلى الحرب إلى عبيد الله خان الأوزبك ليُذكره بقتل عمه شيباني، ويحثه على الانتقام من إسماعيل الصفوي، ويُعلمه عن النوايا بالتحرك ضد إيران، ويُوصيه بمهاجمة خراسان بمجرد وصول الجيش العثماني إلى إيران، بيد أن سليم قد هدف من ذلك جعل إيران بين شقي الرحى من الغرب بهجومه، ومن الشرق بهجوم عبيد الله خان على خراسان. فجاء رد عبيد الله خان على سفراء السلطان بعد عدة أشهر، ليعلمه بالموافقة وأنه انتصر على القوات الصفوية في سمرقند.

الأحداث الرئيسية للمعركة

  • التحرك نحو جالديران:  قاد السلطان سليم الأول جيشه نحو الحدود الصفوية الذى بلغ حوالى مائة وأربعين ألف مقاتل من مدينة أدرنة فى مارس 1514م ، ووصل قونية فى أول يونية عامذاك واستراح بها لمدة ثلاثة أيام ، ثم واصل سيره حتى وصل أرزنجان فى 24 يولية من ذات العام ، ثم واصل إلى أرضروم، وحين وصل مشارف قيصرية بعث برسوله إلى علاء الدولة ذى القادر حاكم مرعش(كركم) وألبستان طالباً منه المشاركة فى الحرب ، لكن علاء الدولة اعتذر متعللاً بأنه تحت الحماية المملوكية، ولم يقف الأمر عند الرفض فقط بل هاجم علاء الدولة مؤخرة جيش السلطان ، مما جعل سليم يترك 40 ألفاً من جنده ما بين سيواس وقيصرية للحفاظ على الأمن فى الأناضول من أى اختراق قد يحدث من أى جهة من الجهات التى تُنافسه، وكذلك لحماية مؤخرة جيشه من أنصار الشاة وقوات ذى القادر، وقبل وصوله لجالديران أرسل سليم إلى قانصوة الغورى رسالة – تهديد – يُخبره أن الدولة الصفوية أصبحت أقرب إلى الزوال ، والتقى الجيشان في سهل جالديران بالقرب من مدينة تبريز في إيران الحالية.
  • التكتيكات العسكرية فى المعركة: استخدم العثمانيون المدافع والبنادق بفعالية كبيرة، حيث قاموا بإنشاء تحصينات ميدانية لحماية قواتهم من الهجمات الصفوية. بينما اعتمد الصفويون بشكل رئيسي على الهجمات السريعة للفرسان. أسرع السلطان سليم بالمسير إلى جالديران بعدما علم أن الشاه على وشك الوصول إليها، وقد وصلها في أغسطس 1514م، واحتل أهم المواقع بها واعتلى الهضاب، مما مكنه من السيطرة على مجرى المعركة بعد ذلك. وفي صبيحة يوم الأربعاء الموافق23 أغسطس 1514 م، كان الطرفان قد أعدا العدة للحرب واصطفا استعداداً لبدء المعركة. وما إن أُعلنت ساعة البدء حتى هدرت المدافع العثمانية وتعالت أصوات الجند من كلا الفريقين. ودارت معركة حامية الوطيس، انتصر فيها العثمانيين بمساعدة الطوبجية (رُماة البنادق)، وانكسر جيش القزلباش وسقط أقوى قادته محمد خان استاجلو صريعاً في أرض المعركة ووقع الكثير من قادته بالأسر، وأسرت أيضا إحدى زوجات الشاه والتى تُسمى تاجلو خانم، أما الشاه فقد جُرح في ذراعه وفر من المعركة متجهاً صوب تبريز بعد أن أنقذه أحد ضباطه ويُدعى ميرزا سلطان علي من الأسر، مماجعل سليم يُرسل قائده أحمد باشا دوقاقين أوغلو لتعقب الشاه، الذي ترك تبريز واحتمى بخوي.  وقد أمر السلطان بإعدام كل من وقع بالأسر من قوات الشاه إسماعيل، وأن يصنع من رؤوس القتلى هرم لينصب في ساحة المعركة.
  • نتيجة المعركة: تمكن الجيش العثماني وبمساعدة العشائر الكردية من هزيمة الصفويين بشكل حاسم بفضل التفوق التكنولوجي والتنظيم الجيد ومساعدة الكرد. ونجا الشاه إسماعيل الأول بصعوبة من المعركة، وتكبدت قواته خسائر فادحة.

النتائج والتبعات

  • السيطرة العثمانية على المناطق الصفوية: تمكن العثمانيون بعد المعركة من السيطرة على أجزاء كبيرة من الأراضي الصفوية، بما في ذلك مدينة تبريز.
  • تغيير موازين القوى: أضعفت الهزيمة في جالديران النفوذ الصفوي وأثبتت تفوق العثمانيين في المنطقة، مما أثر على العلاقات الإقليمية وأعاد تشكيل الخريطة السياسية في الشرق الأوسط.
  • التوترات الطائفية:  عززت المعركة الفجوة الطائفية بين السنة والشيعة، حيث أصبحت العلاقات بين العثمانيين والصفويين أكثر توترًا وصراعاً على مدى العقود التالية.
  • تقسيم الكرد: بين الصفويين والعثمانيين، مما شكل ضرية قاسمة لوحدة كردستان والشعب الكردي.

الأهمية التاريخية

  • التفوق التكنولوجي:  أكدت معركة جالديران على أهمية التفوق التكنولوجي في الحروب، حيث أظهرت كيف يُمكن للأسلحة النارية والمدافع أن تغير موازين القوى في المعارك.
  • التوسع العثماني:  فتح النصر في جالديران الطريق أمام العثمانيين لتوسيع نفوذهم في ميزوبوتاميا أوشرق الأناضول وإيران، مما أسهم في تعزيز قوتهم كإحدى القوى العظمى في ذلك الوقت.

تُعد معركة جالديران من الأحداث المحورية في التاريخ العثماني والصفوي، وتُلقى الضوء على أهمية الاستراتيجيات العسكرية والتكنولوجيا في تحقيق الانتصارات الحاسمة في الحروب.

إسهام الكرد فى المعركة

عاش الكرد في المناطق الواقعة بين الإمبراطوريتين العثمانية والصفوية، مما جعلهم في موقع استراتيجي مهم. كانت مناطقهم تشمل جزءاً كبيراً من الأراضي التي شهدت الصراع بين العثمانيين والصفويين. وكانلدىالكرد علاقات معقدة مع كل من العثمانيين والصفويين؛ إذ كانت بعض القبائل الكردية تُدين بالولاء للعثمانيين بينما كانت قبائل أخرى تدعم الصفويين أو تسعى للحفاظ على استقلالها.

وقد ذكر الدكتور حسن كريم الجاف فى الجزء الثالث من كتابه الموسوم بـ ” موسوعة تاريخ إيران السياسى” الجزء الثالث منه الذى تناول بداية الدولة الصفوية إلى نهاية الدوله القاجارية ، بأن المقاتلين الكرد كان لهم دوراً مهماً في المعركة، نظرًا لموقعهم الجغرافي ودورهم السياسي والعسكري في المنطقة. كما ترك جمعاً منهم صفوف الجيش الصفوي وانحازوا إلى العثمانيين بسبب الظلم الذي وقع عليهم على يد قوات القزلباش بسبب انتمائهم للمذهب السني، وقد كافئ السلطان سليم بعد المعركة الكرد بإعطائهم الحكم الذاتي لمناطقهم، واعترف بإماراتهم. وقد تمثل الدور الكردى في :

  1. الدعم العسكري للعثمانيين:  انضمت العديد من القبائل الكردية إلى الجانب العثمانى، خاصة تلك التي كانت تُعاني من اضطهاد الصفويين ومحاولة فرض المذهب الشيعى عليهم بالقوة أو كانت تبحث عن حماية ضدهم. فقد أسهموا بشكل كبير في توفير قوات إضافية وساعدوا في العمليات العسكرية ضد الصفويين.
  2. الدور الاستخباراتي:  كان الكرد على دراية جيدة بالتضاريس المحلية والطرق الجبلية، وقد استخدمتهم القوات العثمانية لجمع المعلومات الاستخبارية عن تحركات القوات الصفوية ولتوجيه الجيوش عبر المناطق الجبلية الصعبة.
  3. التنسيق المحلي: لقد قاموا العثمانيون بعقد تحالفات مع زعماء قبائل الكرد من قبيل القبيلة البدرخانية والقبيلة الهكارية . وهم الذين قدموا الدعم اللوجستي والمأوى للقوات العثمانية ، كما لعبوا دواً كبيراً فى تأمين خطوط الإمداد وتحركات الجيش العثمانى عبر الطبيعة الجبلية الوعرة.، مما ساعد في تسهيل تقدم الجيش العثماني عبر المناطق الكردية. هذا الدعم اللوجستي كان حاسمًا في قدرة الجيش العثماني على التحرك بسرعة وكفاءة.

النتائج والتبعات:

  1. تعزيز العلاقات العثمانية-الكردية:  بعد النصر العثماني في جالديران، قام السلطان سليم الأول بمكافأة العديد من الزعماء الكرد الذين دعموا العثمانيين، مما عزز العلاقات بين العثمانيين والكرد وأسهم في تعزيز ولائهم للدولة العثمانية.
  2. الاستقلال الذاتي:  حصل بعض من زعماء الكرد على درجة من الحكم الذاتي في مناطقهم مقابل ولائهم للدولة العثمانية. هذا الترتيب أسهم في استقرار المناطق الكردية تحت الحكم العثماني.
  3. الحد من النفوذ الصفوي :  تم تقويض نفوذ الدولة الصفوية في المناطق الكردية، نتيجة انتصار العثمانيين بمشاركة الكرد لهم فى جالديران؛ مما أدى إلى تراجع تأثير الصفويين في هذه المناطق.

صفوة القول ، كان للكرد دوراً بارزاً في معركة جالديران، حيث قدموا دعمًا عسكريًا واستخباراتيًا ولوجستيًا للجيش العثماني. هذا الدعم ساهم في تحقيق النصر العثماني الكبير على الصفويين وأدى إلى تعزيز العلاقات بين الكرد والدولة العثمانية.


معركة مرج دابق

تُعد معركة مرج دابق أحدى المعارك التاريخية الحاسمة فى التاريخ الإسلامى التى وقعت في 24 أغسطس 1516 بين الدولة العثمانية بقيادة السلطان سليم الأول والدولة المملوكية بقيادة السلطان قانصوه الغوري. تُعد هذه المعركة نقطة تحول كبيرة فى تاريخ المنطقة ؛ إذ أنهت هيمنة المماليك على الشام وفتحت الطريق أمام العثمانيين للسيطرة على مصر وبقية الأراضى العربية.

        جرت المعركة في مرج دابق، وهو سهل يقع شمال مدينة حلب في سوريا. كانت هذه المعركة نقطة تحول في تاريخ الشرق الأوسط . وكان للمعركة أهمية استراتيجية كبيرة ، إذ كانت بلاد الشام هى الحاجز الأخير بين الدولة العثمانية ومصر، التى كانت حينها تحت حكم المماليك ، وقد تمن العثمانيين من تحقيق نصر مُبين  بفضل التفوق العسكرى والتنظيم الجيد.  

تعود الخلفية التاريخية لمعركة مرج دابق إلى السياق السياسي والجغرافي للعالم الإسلامي في أوائل القرن السادس عشر، وهي تتعلق بالعديد من العوامل والمؤثرات التي أدت إلى وقوع هذه المعركة.

التوتر بين العثمانيين والمماليك:  في أوائل القرن السادس عشر، كانت هناك توترات متزايدة بين الدولة العثمانية والدولة المملوكية. وكانوا المماليك يحكمون مصر والشام والحجاز وكانوا يعترضون على توسع العثمانيين في الأناضول والشرق الأوسط.

ففي بداية الأمر كانت العلاقة بين الدولتين العثمانية والمملوكية علاقة مودة وتحالف ويظهر ذلك في اشتراك الأسطولين العثماني والمملوكي في محاربة البرتغاليين، وبدأت الخلافات تطفو على السطح مع بدء المواجهة بين السلطان سليم الأول والشاه إسماعيل الصفوي، حيث سعى كل منهما للتحالف مع المماليك لمواجهة الطرف الآخر. وأرسل كل منهم السفارة تلو السفارة للسلطان قانصوه الغوري طالبين منه التحالف، فأما الشاه إسماعيل فقد حذر قانصوه من خطورة سليم الأول على ملكه وبين له أن عدم تحالفهم سيُمكن السلطان سليم من الاستفراد بالواحد تلو الآخر والقضاء عليه خصوصاً مع توقيعه للهدنة مع الأوروبيين، بينما حث السلطان سليم السلطان قانصوه على التحالف ضد أعداء الدين من المرتدين الشيعة محذراً إياه من طموح الصفويين نحو حلب والشام، ولما لم يلق استجابة من قانصوه لجأ إلى تحذيره من مستقبل الصفويين كتهديد بشكل خفى له. وعند مسيرة السلطان سليم نحو بلاد فارس راسل علاء الدولة أمير سلالة ذى القادر التركمانية طالباً منه مساعدته في حرب الصفويين فاعتذر منه علاء الدولة متعللاً بكبر سنه ووقوعه تحت سلطة المماليك لكن بعد انصراف الجيش العثماني هاجمت قوات علاء الدولة مؤخرة الجيش العثماني – كما سبق وذكرنا – (اختلف المؤرخون حول وقع ذلك بأمر من قانصوه أم لا) على أن قانصوه أرسل رسالة شكر لعلاء الدولة يطالبه فيها بالاستمرار في مناوشة السلطان سليم. رد السلطان سليم على ذلك بكتاب أرسله للسلطان قانصوه يعلمه فيها بفعلة علاء الدولة فرد عليه السلطان قانصوه بأن علاء الدولة عاص وإذا حصلت عليه فاقتله . من حينها تربص السلطان سليم بالسلطنة المملوكية وأيقن كلاهما أن كل واحد منهما يضمر للآخر شراً.

بيد أن السلطان قانصوه حاول تهدئة الامر بينه وبين السلطان سليم بعد انتصاره الحاسم في معركة جالديران فعرض عليه التوسط في الصلح بينه وبين الشاه إسماعيل إلا أن السلطان سليم أغلظ معاملة الرسُل ووبخهم. جمع السلطان سليم وزرائه وقادة جيشه وذكرهم بفعلة علاء الدولة الخاضع للمماليك ورفض المماليك التعاون معهم في حرب الصفويين، لذلك استقر رأيه على إعلان الحرب على المماليك على أن يُرسل رسالة إلى السلطان قانصوه يعرض عليه الدخول في طوع السلطان سليم، وكان الغرض من الرسالة جر قانصوه الغوري إلى الحرب. لكن السلطان قانصوه ارتكب غلطة سياسية كبيرة بأن أغلظ معاملة الوفد وأهانهم انتقاماً منه لما حدث مع وفده سابقاً بدلاً من أن يُحاول إصلاح العلاقة بينه وبين سليم.

 وخرج السلطان قانصوه بجيش كبير من مصر لتفقد قواته الموجودة في سوريا وليكون على استعداد لأي تحرك عثماني بينما خرج السلطان سليم على رأس جيشه من إسطنبول قاصداً بلاد الشام. بعد أن علم قانصوه بخروج سليم لملاقاته، أرسل رساله إلى جان بردي الغزالي والى حمص يطلب منه أن يجمع قواته ومعه أمراء الشوف ولبنان فاستجاب له وتجمع بقواته عند سهل مرج دابق، كما تجمع لديه جيش من دمشق بقيادة سيباي. أما خاير بك والى حلب كان على اتصال بالعثمانيين الذين أقنعوه بخيانة قانصوه فى مقابل وعد منهم بحكم مصر بعد التخلص من حكم قانصوة، وعلى الرغم من تلقى قانصوه التحذير مرتين من خيانة خاير بك ، إلا أنه قد رفض عقابه حتى لا يشتت قلوب الأمراء قبل المعركة

الاستعدادات للمعركة:  كان السلطان سليم الأول قد بدأ سلسلة من الحملات العسكرية لتوسيع حدود دولته وتأمين الحدود الجنوبية. بعد انتصاره على الصفويين في معركة جالديران، توجهت أنظاره نحو المماليك. العثمانيين: فخرج العثمانيون بجيش ضخم يضم 125 الف مقاتل على وجه التقريب، ومعهم 300 مدفعاً وعدداً كبير من حملة القربينات (بنادق بدائية) وترك سليم ابنَه سليمان نائباً عنه في إسطنبول كما فعل اثناء خروجه فى معركة جالديران. أما المماليك ، فكان عدد قواتهم غير محدد وإن كانت بعض المصادر قد قدرتها بخمسة ألاف مقاتل من مصر بالإضافة لجيوش إمارات الشام (من 10 إلى 20 ألف على أقصى تقدير). وترك قانصوه ابن أخيه طومان باى نائباً له.

الأحداث الرئيسية للمعركة

  • التحرك نحو مرج دابق:  حشد السلطان سليم الأول جيشه وتوجه نحو الشام. في المقابل، حشد السلطان قانصوه الغوري جيشه لمواجهة العثمانيين في سهل مرج دابق. واصطف الجيشان وبدأت المناوشات بينهما وما لبث أن قام فرسان المماليك بهجوم خاطف على الجنود العثمانيين فزلزلوهم واضطربت صفوفهم، حيث هاجم رُماة السهام من فرسان المماليك حملة البيارق من العثمانيين ثم التفوا لمهاجمة حملة البنادق، واستبسل الجنود المماليك واظهروا الشجاعة حتى فكر سليم في تجديد الهدنة بعد الخسائر الفادحة التي نزلت بجيشه.

إلا أن ضربات المدفعية القوية قد أذهبت هجمات المماليك أدراج الرياح. كان قانصوه الغوري يقود الجيش من على فرسه حينما انحاز فجأة خائر بك والي حلب وقائد الميسرة للعثمانيين، ولم يكتف بذلك بل إدعى أن السلطان قانصوه الغوري قد قُتل. فاهتز المماليك بعد انكشاف صفوفهم وقلة عددهم وانهيار معنوياتهم بعد إشاعة مقتل السلطان وانتهاء هجمات المماليك إلى لا شيء. وكثف العثمانيون من قصفهم للمماليك بالمدافع التي لم يهتموا بإدخالها في جيوشهم مثلما اهتم بذلك العثمانيون. فزادت الخسائر في صفوف المماليك وبدأ الجنود في التخاذل والهرب. فانفك الجيش وانتصر العثمانيون وقَتلوا أعداداً كبيرة من الجنود المماليك وقُتل قانصوه الغوري أثناء انسحابه، ولم يُعثر على جثة، وقدقيل أن أحد ضباطه قام بقطع رأسه ودفنها حتى لا يتعرف عليها العثمانيون فيتشفون فيها.

  • التكتيكات العسكرية:  استخدم العثمانيون التفوق التكنولوجي وخاصة المدافع والأسلحة النارية التي كانت أقل شيوعًا في جيش المماليك. وكان الجيش المملوكي يعتمد بشكل أكبر على الفرسان والهجمات التقليدية.
  • نتيجة المعركة: تمكن الجيش العثماني من هزيمة المماليك بشكل حاسم بفضل التفوق في التنظيم والتكنولوجيا. وقُتل السلطان قانصوه الغوري في المعركة، مما أدى إلى انهيار معنويات الجيش المملوكي وانسحابه. فتح هذا الانتصار للعثمانيين الباب لدخول دمشق فدخلها سليم الأول بسهولة. وبدأ بالتجهيز لفتح مصر والقضاء على الدولة المملوكية بعد أن أحكم سيطرته على الشام. وفي مصر قام المماليك بتنصيب طومان باي سلطاناً وبدئوا في التجهيز لصد العثمانيين. إلّا أن تكاسلهم وتقاعسهم وخيانة بعضهم كان كفيلاً بسقوط الدولة وهزيمتهم في معركة الريدانية ومن ثم استيلاء العثمانيين على مصر.

دور الكرد فى المعركة

تمثل الدور الكردي في هذه المعركة في عدة نقاط رئيسية:

  • التحالفات العثمانية: قبل المعركة، كانت الدولة العثمانية قد عقدت تحالفات مع بعض القبائل الكردية في المنطقة، ما ساعدها في تعزيز قوتها وتوسيع نفوذها.
  • التحالفات السياسية والعسكرية:  شكَّل الكرد جزءاً من التحالفات القبلية والإقليمية التي تشكلت في المنطقة. بعض القبائل الكردية دعمت الدولة العثمانية، في حين أن البعض الآخر كان مواليًا للمماليك أو حاول البقاء على الحياد لتجنب الصراع.
  • الموقع الجغرافي:  كان الكرد يقطنون المناطق الجبلية الوعرة شمال بلاد الشام وجنوب الأناضول، وهي مناطق استراتيجية تُسهل الدفاع والهجوم. هذا الموقع كان له دور في تسهيل تحركات الجيوش العثمانية في المنطقة.
  • الدور اللوجستي:  قدم الكرد دعماً لوجستياً من خلال توفير المؤن والمساعدات الأخرى للجيش العثماني، بالإضافة إلى معرفة التضاريس المحلية التي ساعدت في تحركات القوات.

بإيجاز، يُمكن القول إن الدور الكردي في معركة مرج دابق كان مهماً على عدة مستويات، من التحالفات والتجنيد العسكري إلى الدعم اللوجستي والاستراتيجي. هذا الدور ساعد في تمهيد الطريق للانتصار العثمانيين في المعركة، والذي كان له تأثير كبير على تاريخ المنطقة.

النتائج والتبعات

  • نهاية دولة المماليك:  بعد هزيمة مرج دابق، تمكن العثمانيون من دخول دمشق بسهولة ومن ثم التوجه نحو مصر، حيث هزموا المماليك نهائياً في معركة الريدانية عام 1517م. هذا أدى إلى نهاية حكم المماليك بسبب ضعف دولتهم بشكل كبير، وتم ضم أراضيهم إلى الدولة العثمانية.
  • توسيع الإمبراطورية العثمانية:  بانتصارهم في مرج دابق والريدانية، توسعت الإمبراطورية العثمانية لتشمل مصر والشام والحجاز، مما زاد من قوتها وثروتها وأهميتها السياسية في العالم الإسلامي.
  • التأثير على الخلافة الإسلامية: نتيج عن انتصارهم على المماليك أن أصبحوا حراساً للأماكن المقدسة في مكة والمدينة، مما عزز من شرعيتهم الدينية والسياسية كخلفاء للمسلمين.
  • تعزيز القوة الاقتصادية: بسيطرة العثمانيين على الطرق التجارية المهمة في الشرق الأوسط، ازدهرت التجارة العثمانية، مما ساعد في تعزيز اقتصاد الدولة.
  • التحول الثقافي والإداري:  شهدت المناطق التي خضعت للحكم العثماني تغييرات إدارية وثقافية، حيث أدخل العثمانيون نظمهم الإدارية والمالية والثقافية، مما أثر على حياة السكان المحليين.
  • نهاية نفوذ الفرسان المماليك:  كانت الهزيمة في مرج دابق بداية النهاية لنفوذ الفرسان المماليك الذين كانوا يشكلون العمود الفقري للجيش المملوكي.

نتائج معركة مرج دابق بالنسبة للكرد

نتائج معركة مرج دابق كانت لها تأثيرات غير مباشرة على الكرد، على الرغم من أنهم لم يكونوا القوة الرئيسية المشاركة في المعركة. وفيما يلي أهم النتائج التي يمكن أن تكون مرتبطة بالكرد:

  • توسع النفوذ العثماني:  بسط العثمانيون سيطرتهم على مناطق واسعة في الشرق الأوسط، بما في ذلك المناطق التي كانت تسكنها قبائل كردية. هذا أدى إلى دمج الكرد ضمن الإمبراطورية العثمانية وأثر على نمط حياتهم وحكمهم المحلي.
  • تثبيت التحالفات:  قد تحالفت بعض القبائل الكردية مع العثمانيين واستفادت من هذا النصر من خلال تعزيز مكانتها ونفوذها ضمن الدولة العثمانية. أصبحت هذه القبائل جزءاً من النظام العثماني واستفادت من دعم العثمانيين في مواجهة أعدائها المحليين.
  • التجنيد في الجيش العثماني :  بعد معركة مرج دابق، ازداد اعتماد العثمانيين على الكرد كقادة وكمجندين في جيشهم. خدم الكثير من الكرد كجنود وضباط في الجيش العثماني، مما عزز العلاقة بين الكرد والدولة العثمانية.
  • التغيرات الإدارية:  إدماج المناطق الكردية ضمن الإمبراطورية العثمانية أدى إلى تغييرات إدارية وقانونية. فرضت الدولة العثمانية نظمها الإدارية، ما أثر على الحكم المحلي الكردي وأدخل تعديلات على البنية الاجتماعية والسياسية.
  • الاستقرار النسبي:  جلب الحكم العثماني استقرارًا نسبيًا بعد فترات من النزاعات المحلية بالنسبة لبعض القبائل الكردية. هذا الاستقرار ساعد في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لبعض المجتمعات الكردية.
  • الدور السياسي : أصبح  الكرد جزءاً من السياسة العثمانية، حيث عين بعض القادة الكرد في مناصب إدارية وعسكرية هامة داخل الإمبراطورية، مما زاد من نفوذهم ومكانتهم.

على الرغم من أن معركة مرج دابق لم تكن معركة كردية بحد ذاتها، إلا أن اسهام الكرد فيها لعب دور محوري في انتصار العثمانيين، ونتائجها أثرت بشكل كبير على الكرد من خلال إدماجهم في الإمبراطورية العثمانية وما تبع ذلك من تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية.

الأهمية التاريخية

  • تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط:  معركة مرج دابق كانت بداية لتغيير جذري في موازين القوى في الشرق الأوسط. الدولة العثمانية أصبحت القوة المهيمنة في المنطقة.
  • تأثيرات طويلة الأمد:  استمرت سيطرة العثمانيين على مصر والشام والحجاز لأربعة قرون، مما أثر بشكل كبير على التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي للمنطقة.

أسهمت معركة مرج دابق في تشكيل الخريطة السياسية للشرق الأوسط، حيث أصبحت الدولة العثمانية القوة المهيمنة في المنطقة، واستمرت في هذا الدور لعدة قرون.

مقارنة بين دور الكرد فى المعارك الثلاث 

بداية من حيث التفاعل والتحالف:

  • في ملاذكرد، تحالف الكرد مع السلاجقة ضد البيزنطيين، بينما في جالديران ومرج دابق، تحالفوا مع العثمانيين ضد الصفويين والمماليك على التوالي.
  • التحالفات الكردية كانت غالباً قائمة على المصلحة المشتركة والحاجة للدعم في مواجهة الأعداء المشتركين أي المتطلبات الأمنية، بالإضافة إلى الأبعاد الأخلاقية في المجتمع الكردي، فهم ساهموا كثيراً بهدف مساعدة المظلوم وأصحاب الحق، وإن انقلب هؤلاء المظلومين لظاملين بعد أن أصبحوا ذو قوة وشأن.

من حيث التأثير العسكري:

  • في ملاذكرد، كان للكرد تأثير مباشر وكبير في نتيجة المعركة من خلال المشاركة الفعلية في القتال.
  • في جالديران، ساهم الكرد في تعزيز القوة العسكرية العثمانية وتحقيق النصر على الصفويين.
  • في مرج دابق، كان التأثير الكردي غير مباشر، من خلال الدعم اللوجستي والاستراتيجي للقوات العثمانية.

النتائج والتبعات:

  • بعد ملاذكرد، ساعد الكرد السلاجقة في السيطرة على مناطق واسعة في الأناضول.
  • بعد جالديران، عزز العثمانيون سيطرتهم على المناطق الكردية واستخدموا الكرد كحلفاء مهمين في توسيع نفوذهم في المنطقة.
  • بعد مرج دابق، أصبح الكرد جزءاً من الإمبراطورية العثمانية الأكبر، حيث استمروا في لعب دور مهم في السياسة العثمانية.

وقد تميزت مشاركة الكرد في معارك ملاذكرد وجالديران ومرج دابق بأدوار متنوعة ومؤثرة في السياقات العـسـكرية والـسيـاسـية لـتـلك الـفترات.عبر التحالفات المختلفة والمشاركة العسكرية المباشرة أو غير المباشرة أو الدعم الاستراتيجي، كان للكرد تأثير كبير على مسار التاريخ الإقليمي.

وفى الختام ، نجد أن الكرد كان لهم دوراً فاعلاً ومؤثراً فى معارك تاريخية غيرت من مجرى التاريخ على الرغم من اختلاف الأزمنه التاريخية التى جرت فيها كل معركة ، فنجد معركة ملاذكرد 1071م التى انتصر فيها السلاجقة بمشاركة الكرد ، هى التى فتحت أبواب الأناضول أمام الاتراك وبدء التوسع الإسلامى فى تلك المنطقة ، وكان لهذا النصر تأثير طويل الأمد على التوازنات الجيوسياسية، وأسهم في انهيار القوة البيزنطية تدريجياً وتأسيس الإمبراطورية السلجوقية كقوة رئيسية.

أما معركة جالديران (1514)، فقد شهدت مواجهة بين الدولة العثمانية بقيادة السلطان سليم الأول والدولة الصفوية بقيادة الشاه إسماعيل. انتهت المعركة بانتصار العثمانيين، ما أدى إلى فرض سيطرتهم على ميزوبوتاميا والأناضول وأذربيجان وتثبيت نفوذهم في الشرق الأوسط. كانت هذه المعركة بداية لتحجيم النفوذ الصفوي وتأكيد الهيمنة العثمانية على مناطق واسعة، كما أرست الأسس لحدود الدولتين لعقود طويلة. أما جالديران، ومرج دابق كانت نقاط تحول حاسمة في تاريخ الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، حيث تركت بصماتها العميقة على مسار الأحداث والتطورات السياسية والعسكرية في المنطقة، ورغم أن الدولتين الصفوية والعثمانية، تعاونوا فيما بعد لحصر وتحجيم نفوذ العشائر والإمارات الكردية، إلا أن دور الكرد كان بارزاً في محطات عديدة وعاشوا بثقافتهم وأداروا مناطقهم ضمن الدولتين لأوقات كثيرة.

وفي مرج دابق (1516)، تمكّن العثمانيون من تحقيق نصر ساحق على المماليك، مما مهد الطريق لضم مصر والشام إلى الإمبراطورية العثمانية. هذا الانتصار أدى إلى نهاية الدولة المملوكية وتعزيز قوة العثمانيين، الذين أصبحوا القوة المهيمنة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كان لهذا النصر تأثيرات بعيدة المدى على الخريطة السياسية للمنطقة، حيث أصبح العثمانيون حماة الأماكن المقدسة الإسلامية ومركز الخلافة الإسلامية.

كانت هذه المعارك الثلاثة مفصلية في تشكيل التاريخ الإسلامي والشرق أوسطي، حيث أسهمت في تحديد ملامح القوى الإقليمية وتوازنات القوى لقرون طويلة. من ملاذكرد إلى جالديران ومرج دابق، نرى كيف أن الانتصارات والهزائم العسكرية يُمكن أن تُعيد تشكيل مسارات التاريخ وتحدد مصير الأمم والشعوب، والحق عندما يتم دراسة وعرض هذا التاريخ لا بد من تجاوز المنطق الاحتكارية والعقلية الأحادية، ونقول الحقيقة التاريخية وهي أنه لولا الكرد وباقي الشعوب لكانت نتائج هذه المعارك مختلفة، وبالتالي عندما يتم بناء الحاضر ومواجهة التحديات لا بد أن نستفيد من تجارب التاريخ وأن لا ننكر الحقيقية التشاركية التي كانت السبب في انتصارات ومحطات مصيرية غيرت مجرى التاريخ والمنطقة، وبالتالي نحن أمام استراتيجية كردية موفقة في الحروب الحاسمة كانت قاردة على تحقيق الاستقرار والأمن والحكم الذاتي للكرد في مناطقهم والتفاعل بإيجابية مع الشعوب الأخرى التي شاركتها الحياة والجغرافية والدين.


 المصادر:

  • ابن الأثير الجزرى، الكامل في التاريخ ، دار الكتاب العربي .
  • أحمد فؤاد متولي وهويدا محمد فهمي، تاريخ الدولة العثمانية منذ نشأتها حتى نهاية العصر الذهبي، كلية آداب عين شمس، ايتراك للنشر والتوزيع. القاهرة
  •  جمال الدين أبو المحاسن ابن تغري بردي ، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ، دار الكتب المصرية ، 2016م.
  • جين فيليب مارتان، الأصول العثمانية: نشأة وتطور الدولة العثمانية، ترجمة حسن البنا عز الدين ، المركز القومى للترجمة ، 2014م.
  • ستانلي لين بول، تاريخ المماليلك فى مصر والشام ، دار النشر العربية ، 2011م.
  • سعيد عبد الفتاح عاشور ، تاريخ العلاقات بين الشرق والغرب في العصور الوسطى. دار النهضة العربية ، 2016م.
  • سيد محمد السيد، دراسات في التاريخ العثماني، دار الصحوة للنشر ، 1996م.
  •  صدر الدين على بن أبى الفوارس ناصر الحسينى، أخبار الدولة السلجوقية ، تحقيق ، محمد إقبال، دار الوراق للنشر ، 2017م.
  •  عبدالله أوجلان ، مانيفستو الحضارة الديمقراطية، جــ 5، القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطية ” دفاعاً عن الكرد المحصورين بين فكَّي الإبادة الثقافية” ، مطبعة: داتا سكرين، لبنان ، 2018م.
  • عباس إسماعيل صباغ، تاريخ العلاقات العثمانية الإيرانية الحرب والسلام بين العثمانيين والصفويين، دار النفائس ، لبنان ، 1999م.
  • علي بن ناصر طاهر، تاريخ السلاجقة، دار الكتب العلمية ، 2012م.
  • علي محمد الصلابي، الدولة العثمانية عوامل النهوض والسقوط دار التوزيع والنشر ، 2008م.
  • عماد الدين الأصفهاني، تاريخ دولة آل سلجوق، شركة الكتب العربية ، 1900م.
  • فاضل بيات، دراسات في تاريخ العرب في العهد العثماني رؤية جديدة في ضوء الوثائق والمصادر العثمانية، دار المدار الإسلامي، 2003م.
  • محمد فريد المحامي، تاريخ الدولة العلية العثمانية، دار المصرية اللبنانية ، 2023م..
  • محمد فريد المحامى ، الدولة العثمانية: نشأتها وتطورها حتى 1683م ، دار النيل ، 2010م.
  • محمد قجة، معركة ملاذكرد، دار الحوار ، دمشق ، سوريا .
  • محمد سعيد عمران، الإمبراطورية البيزنطية وحضارتها، دار النهضة العربية ، 2008م.
  •  وليم الصورى ، الحروب الصليبية, ترجمة ، حسن حبشى، سلسلة تاريخ المصريين ، عدد 45، الهيئة العامة للكتاب ، 1998م.
  • كمال بن مارس، العلاقات الإقليمية والحروب الصليبية – الموصل وحلب 464/ 583هـ ، 1425هـ.
  • جمال الدين سرور، السياسات الخارجية للدولة الفاطمية, دار الفكر العربى ، 2007م.
  •  أيمن فؤاد سيد، الدولة الفاطمية تفسير جديد، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، 2007م.
  • حسن محمد حسن القانوع، عوامل النصر والتمكين للدولة السلجوقية في عهد السلطان ألب أرسلان 1063/ 1072 م، رسالة ماجستير ، قسم التاريخ ، كلية الآداب، الجامعة الإسلامية بغزة ، إشراف دكتور غسان محمود وشاح ، يونية 2019م.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى