ندوات

“سيمنار التاريخ الإسلامي وحضارته”.. ندوة جديدة حول دور الكرد وإسهاماتهم| صور وفيديو

تحت عنوان “سيمنار التاريخ الإسلامي وحضارته”، عقد مركز آتون للدراسات ندوة دار الحديث فيها بشكل رئيسي حول الكرد ودورهم وإسهاماتهم في التاريخ الإسلامي، لا سيما أن الكرد لعبوا أدوارًا محورية في تطور هذه المنطقة وكانوا شركاء للعرب في مختلف المحطات التاريخية التي تذخر ببطولاتهم وإنجازاتهم وإسهاماتهم الحضارية.

وقد ضمت منصة المتحدثين الأستاذ الدكتور إبراهيم مرجونة رئيس قسم التاريخ في كلية الآداب بجامعة دمنهور، والذي لديه العديد من المؤلفات التي تناولت تاريخ الكرد في العصور الإسلامية المختلفة بشكل مفصل ومدقق وكذلك دويلات الكرد في العصر العباسي ، كما ضمت المنصة الأستاذة شيماء يعقوب الباحثة في مرحلة الدكتوراه بقسم التاريخ بكلية الآداب في جامعة دمنهور والتي تركزت دراستها في مرحلة الماجستير حول دور الكرد في دولة المماليك البحرية في مصر، وكذلك أتى موضوع أطروحتها لنيل درجة الكتوراه حول المرأة الكردية في العصر العباسي، إلى جانب الباحث الدكتور علي ثابت والذي قدم وأدار الندوة والنقاش بحضور لفيف من الصحفيين والباحثين والمثقفين والكتاب.


مكانة وحضور مبكر في التاريخ الإسلامي

بدأت الندوة من الأستاذ الدكتور إبراهيم مرجونة رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة دمنهور والذي استعرض دور ومكانة وإسهامات الشعب الكردي خلال حقب مختلفة في التاريخ الإسلامي وهو الأمر الذي حفلت به كتاباته مثل كتاب تاريخ الأكراد وهو بالأساس رسالة ماجستير ويركز على تاريخ الكرد وجذورهم وأصولهم والقبائل الكردية والمسرح الجغرافي لهم والعلاقات بينها والدويلات التي قامت لهم، وكتاب الكرد في العصر العباسي والذي يتناول دورهم في هذه الفترة وأبرز شخصياتهم ووجودهم، وكتاب الدولة الدوستكية المروانية الكردية وهو يركز على هذه الدولة وقيامها خصوصًا أنها كانت النموذج الأكثر تطورًا في الدويلات الكردية التي قامت، وغيرها من الكتابات التي تناول فيها الكرد وأبرز شخصياتهم مثل العدد 37 من دورية الإنسانيات سنة 2011 وهي دورية علمية محكمة تصدر عن كلية الآداب بجامعة دمنهور، والذي تناول فيه شخصية صلاح الدين الأيوبي.

وبعد تقديم لتطور نظم الحكم في التاريخ الإسلامي أشار فيه إلى اعتماد نظام الوراثة في نقل السلطة بداية من الخلافة الأموية ثم الخلافة العباسية والتي معها ظهرت فكرة الكيانات الكردية خصوصًا في عصر العباسيين الذين أتاحوا لمختلف الكيانات القيام طالما أن كل ذلك يتم بموافقة وتحت رعاية الخليفة العباسي وفي إطار مبايعته والتسليم بحكمه وإرسال العطايا والتزامات هذه الدويلات تجاه دولة الخلافة، وخصوصًا أن بعض تلك الدويلات كانت تلعب دورًا في مواجهة الثورات الداخلية وكذلك التصدي لمحاولات الغزو الخارجي.

وذكر مرجونة أن الكيانات التي قامت في تلك الفترة أو الدويلات كانت تقوم بعضها على أسس قومية أو دينية أو عرقية، وكانت جميعها لا ترتقي إلى شكل الدولة الحديثة الكاملة، لكن المميز في التجربة الكردية أنها جمعت بين هذه الأسس أو الأسباب جميعًا، مشيرًا في هذا السياق إلى أن هناك الكثير والكثير في التاريخ الكردي يمكن قوله إلا أن الإشكالية كانت في عدم تدوينها بشكل جيد.

وقال أستاذ التاريخ إن الكرد في إطار ظروف الحكم العباسي وجدوا بيئة مواتية لقيام دويلات لهم، خصوصًا وأن الكرد بطبيعتهم لا يقبلون أن يحكمهم الآخرون، وربما هذا اتضح على سبيل المثال عند القائد صلاح الدين الأيوبي الذي كان يضع للكرد في جيشه قائدًا كرديًا، لأنه يعلم أن الكردي لن يقبل أن يقوده إلا كردي، موضحًا أن هذا الأمر ربما يرتبط بالطبيعة الجبلية التي نشأوا فيا الكرد والتي صنعت منهم محاربين أشداء يتصفون بالقوة لدرجة أن ذلك كان سببًا في ظهور كثير من الأساطير حولهم وحول أساس تسميتهم، وبالتالي فقد فرضة الطبيعة علىهم التربية العسكرية القوية.

ينتقل مرجونة إلى جانب آخر متعلق بالوجود الكردي في التاريخ الإسلامي، وفي هذا يشير إلى أنهم اعتنقوا الإسلام في وقت مبكر، ويضرب مثالًا بشخصية جابان ابن ميمون والذي تباينت الروايات حول ما إذا كان من بين الصحابة للنبي محمد (ص) لكنه إذا لم يكن من الصحابة فإنه على الأقل كان من التابعين، لكن الثابت أنه قد روي عدة أحاديث عن النبي محمد.

ويعود الدكتور إبراهيم مرجونة للحديث عن دويلات الكرد، فيقول إنه على مر العصور ظهر القادة الكرد في التاريخ الإسلامي وأقاموا عديدًا من الدول مثل الدولة الروادية التي تأسست في أذربيجان على يد محمد بن حسين الروادي عام 230 هجرية، وجاءت على نحو يشكل بارقة أمل بالنسبة للكرد في هذه المنطقة التي كانت مشتعلة وتوجد بها العديد من الشعوب التي تأتي من هنا وهناك، ثم أتت بعد ذلك الدولة الشدادية سنة 340 هجرية، ثم الدولة الحسنوية نسبة للأمير حسنويه بن حسين سنة 348 هجرية، ثم الدولة العيارية نسبة إلى الأمير محمد عيار عام 380 هجرية، لكن الأخيرة دخلت في صراع مع الدولة الحسنوية لنكون بذلك أمام أول صدام كردي كردي.

يستكمل الدكتور إبراهيم مرجونة حديثه عن دول أو دويلات الكرد، ويشير في هذا السياق إلى النموذج الذي كان أكثر تطورًا ونضجًا وهي الدولة الدوستكية في الفترة من 373 هجرية وحتى 476 هجرية، إذ تميزت بأنه كان لديها نظامًا إدرايًا وقضائيًا، ولعبت دورًا اقتصاديًا، فقد كانت دولة كردية متطورة تقوم بالعديد من الأنشطة.

تطرق مرجونة كذلك إلى النساء الكرديات، وأشاد في هذا السياق إلى الحريات التي تمتعن بها الكرديات، ومكانتها وتقديرها في الثقافة الكردية على نحو أتاح للمرأة القيام بكثير من الأدوار وأن يكون لها كثيرًا من الإسهامات في مختلف المجالات، إلى جانب ذلك فقد عرف عن المرأة الكردية جمالها وخفة ظلها.

ويشير أستاذ التاريخ إلى أنه لا يمكن الحديث عن الكرد وتاريخهم ويتم تجاوز شخصية بقيمة صلاح الدين الأيوبي، وفي هذا السياق تحدث عما يقال بأن صلاح الدين الأيوبي قام بإقصاء الشيعة، ويقول مرجونة إن موقفه له مبرراته، موضحًا أن الإقصاء بشكل عام مرفوض لكن هناك ظروفًا يكون مطلوب فيها إذا كان الأمر يتعلق بحماية الأمن القومي على سبيل المثال والذي هو مقدم على كل شيء، وقد رأينا كيف أعاد صلاح الدين بخطواته هذه الدولة الإسلامية إلى قوتها.


الكرد في مصر

انتقلت الكلمة بعد ذلك إلى الباحثة في الدكتوراه بقسم التاريخ بكلية الأداب بجامعة دمنهور شيماء يعقوب، والتي يمكن القول إنها متخصصة هي الأخرى في التاريخ الكردي، لا سيما أنها نالت درجة الماجستير عن الكرد في مصر خلال فترة المماليك البحرية، كما أن موضوع رسالتها في الدكتوراه حول المرأة الكردية في العصر العباسي، وقد ذكرت أن دراسة تاريخ الكرد في العصور الإسلامية الوسطى قد نالت اهتمامًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، مشيرة إلى أنه لهذا يسعى قسم التاريخ في كلية الآداب بجامعة دمنهور إلى إقامة “مدرسة التاريخ الكردي”.

وأشارت في هذا السياق إلى مساع لإخراج عديد من الدراسات بشأن الكرد، والتي منها رسالتها للدكتوراه عن الدور السياسي والحضاري لنساء الكرد خلال العصر العباسي والتي تهدف إلى دراسة إسهامات ومكانة نساء الكرد في التطور السياسي والحضاري بالعصر العباسي، مشيرة في هذا السياق إلى أن المؤرخين ركزوا بصورة كبيرة على نساء العباسيين ودور نساء القصر، لكنهم أغفلوا المرأة الكردية وإسهاماتها في تلك الفترة، كما أن رسالتها تهدف إلى إيضاح دور نساء الكرد السياسي والعلمي والثقافي في العصر العباسي وكذلك الدويلات الكردية المستقلة عن الخلافة العباسية.

وعادت شيماء يعقوب مرة أخرى للحديث عن موضوع رسالة الماجستير الخاص بها الذي تناول الكرد في مصر خلال فترة المماليك البحرية، والذي تقول إن أهميته تكمن في إلقائه الضوء على دور الكرد وما قدموه في تطوير الحضارة الإسلامية وخدمتها، وإظهار الدور السياسي والحضاري للكرد في عهد دولة المماليك البحرية وإظهار قدرة الكرد وما قدموه حتى يعتمد السلاطين المماليك اعتمادًا شبه كليا عليهم.

وقالت شيماء يعقوب إن كردستان الموطن الأصلي للكرد كانت تسمى القلاع الأمامية، وذلك لاعتبارها الحصن المنيع للخلافة الإسلامية أمام تيار الروم، ومن أشهر حصونها حصن كيفا، مشيرة إلى أنه كانت هناك علاقات قديمة بين الكرد ومصر منذ العصر الفرعوني حتى دخول الإسلام مصر، فيما بدأ ظهور الكرد بشكل بسيط في عهد الخليفة الفاطمي الظافر بأمر الله، الذي ولّى العادل بن السلار الكردي الأصل وزيرًا له والذي جاهد كثيرًا ضد الصليبيين، حتى إنه كان يرسل حملة عسكرية كل 6 أشهر إلى عسقلان ضد الصليبيين للدفاع عن الأراضي الإسلامية الشريفة المقَدّسة، كما أن بموته ظل الجهاد ضد الصليبيين متوقفًا حتى مجيء صلاح الدين الأيوبي وإحياء الجهاد الإسلامي من جديد، لافتة إلى أن الكرد جاءوا إلى مصر عن طريق هجرات من كردستان بسبب الغزو، وطلب العلم، وبهدف التجارة، وقد كان الكرد عنصرًا أساسيًا في مصر منذ الدولة الأيوبية التي كانت تُعد من الحقب التاريخية المُزدَهِرة، وتركت لنا آثارًا واضحة.

وتقول شيماء يعقوب إن دراسة التاريخ الكردي قطعت أشواطًا بعيدة في السنوات الأخيرة على نحو جعلها تنجح في إبراز إسهامات الكرد في جميع النواحي الحضارية، قائلة إنه رغم إحاطة الكثير من تاريخ الكرد بالغموض، فإن العالم الإسلامي لا ينسى لهم المجد السياسي والعسكري في الدولة الأيوبية، ويكفي الكرد فخرًا أن يخرج منهم أبطال لا ينساهم التاريخ، منهم صلاح الدين الأيوبي.

وفي تعقيب ختامي، قال الدكتور علي ثابت مقدم الندوة إن العرض الذي قدم سواء من قبل الأستاذ الدكتور إبراهيم مرجونة أو الباحثة شيماء يعقوب يوضح لماذا كان مفهوم الدولة القومية قاسيًا على الشعب الكردي الذي يؤمن بفكرة الأمة وساهم بشكل مباشر في تاريخ الأمة الإسلامية، مشيرًا في هذا السياق إلى ما قاله المفكر عبدالله أوجلان عن صلاح الدين الأيوبي وقد تحدث عنه بالمناسبة بشكل بليغ جدًا لكنه قال إن علاقته بالعائلة كانت هذيلة وطيدة بالإسلام، مضيفًا أن الشعب الكردي في العصر الإسلامي كله أو العصور السابقة كشعب صاحب حضارة كان يؤمن بفكرة الأمة أكثر من أي شيء آخر، ولهذا كان لظهور مفهوم الدولة القومية تأثيرًا قاسيًا على الكرد.

عقب ذلك استقبل المتحدثون أسئلة بعض الحضور في الندوة، والتي تمحورت بصفة أساسية حول ما إذا كان الكرد قد تعرضوا لظلم خلال عصور الخلافة الإسلامية المختلفة، وما إذا كانت معاناتهم الحقيقة قد بدأت مع قيام الدول القومية منذ عام 1916 أو ما إذا كان الأمر يعود إلى ما قبل ذلك، حيث جرى التأكيد في الردود على أن الكرد صحيح قاوموا بقوة الدخول إلى الإسلام لكنهم ما إن اقتنعوا أخلصوا إخلاصًا شديدًا للأمة الإسلامية، حيث يعرف الكرد بإخلاصهم الشديد ووفائهم بالتزاماتهم للدولة التي يعيشون فيها، كما تمت الإشارة إلى أن معاناتهم الحقيقية بدأت مع قيام الدولة القومية وليس قبل ذلك، وهنا ختمت أعمال الندوة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى