دراسات

استراتيجيات تنفيذ خطة “الحسم” الإسرائيلية

تحليل: د. فرناز عطية

يبدو أنه خلال المد والجزر الذي تتعرض له المفاوضات لوقف الحرب في غزة وما تشهده من تسويف، وعدم وصول الطرفين لحل مرض، تتوفر فرصة مواتية لتل أبيب لتطبيق ما يعرف بـ”خطة الحسم” التي استحدثها “بتسلئيل سومتريتش” وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف وزعيم حزب الصهيونية الدينية تحت اسم “أمل واحد” ، والتي نادى بها سابقًا رئيس الوزراء الأسبق “آرييل شارون”، وترمي لإنشاء دولة عبرية من نهر الأردن إلى البحر المتوسط والقضاء على الوطنية الفلسطينية من خلال عمليات التغيير الديموجرافي وطرد الفلسطينيين من أراضيهم وتسهيل هجرتهم للخارج، وعلى الرغم من أن “سومتريتش” قدمها للنخبة الحاكمة في تل أبيب عام ،2017 وكان الكثير منهم يرون أنها تعد ضربًا من الخيال، إلا أنها بدأت تطبق فعليًا على أرض الواقع، وقد اعتمدت إسرائيل على عدة استراتيجيات لتنفيذ هذه الخطة أهمها:

  • إطالة أمد حرب غزة:

استغلت إسرائيل أحداث 7 أكتوبر2023 التي عرفت بـ”طوفان الأقصى”، واتخذتها ذريعة لاحتلال غزة، والقيام بحرب إبادة والتهجير القسري للشعب الفلسطيني، واللجوء لسياسة الباب الدوار القائمة على فتح أكثر من جبهة لخلط الأوراق بالمنطقة، والمماطلة والتسويف في المفاوضات لإقرار الأمر الواقع والاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة لصالح إسرائيل قبل الوصول لحل، والإصرار على القضاء على “حماس”، وهو الهدف المستحيل الذي تدعي تل أبيب أنها تسعى لتحقيقه منذ 11 شهر من اندلاع الحرب، بالرغم من اعتراف حكومة إسرائيل بالتواجد المحدود للجيش، والذي بدوره لا يسمح بالسيطرة بشكل حقيقي على القطاع طبقًا لـ”يديعوت أحرنوت”، والسجال ما بين الحكومة والجيش الإسرائيلي في هذا الشأن، وكذا استثمار غياب ضغوط فعلية خارجية على الجانب الإسرائيلي لإنهاء الحرب في غزة ، لاسيما من الجانب الأمريكي والاتحاد الأوروبي، وعلى الجانب الآخر نجد اتهامات أهالي الأسرى لنتنياهو وحكومته بمسؤوليتهم عن مقتل من قضى من ذويهم وعدم عودة الآخرين؛ بسبب استمرار الحرب وعدم التوصل إلى حل بعينه، وكذا حملة الاستقالات التي يشهدها الجيش الإسرائيلي، حيث أكدت صحيفة “يديعوت إحرانوت” 12/9/2024 استقالة 4 مسئولين كبار بالجيش الإسرائيلي خلال 30 يومًا بعد بدء التحقيقات الأولية بخصوص “طوفان الأقصى” مؤكدين أنهم فشلوا في التصدي لـ”حماس” في 7 أكتوبر 2023، من بينهم الجنرال “يوسي شرائيل” قائد وحدة 8200 بالاستخبارات والمسئولة عن جمع وتحليل المعلومات في مناطق القتال، إضافة إلى عدم وجود تصور واضح ومقبول لدى حكومة نتنياهو لليوم التالي للحرب في غزة، إلى جانب الرفض القاطع له بالانسحاب من محور “صلاح الدين/ فلادليفيا” الممتد من داخل قطاع غزة من البحر المتوسط شمالا حتى معبر كرم أبو سالم جنوبًا بطول الحدود المصرية، التي تبلغ نحو 14 كم، مما يشكل حجر عثر في طريق الهدنة والمباحثات الخاصة بإنهاء الحرب في غزة، مع الرفض المطلق من الجانب المصري للسيطرة الإسرائيلية على المحور، وتشير كل هذه الدلائل والمعطيات إلى رغبة تل أبيب في عدم الوصول إلى حل فيما يخص حرب غزة، والسعي إلى إطالة أمد الحرب بكل شكل ممكن لتنفيذ مخططاتها التوسعية في المنطقة.

  • الفزاعة الإيرانية

سعت إسرائيل بجهد جهيد إلى التضخيم من القدرات الإيرانية وأذرعها في المنطقة،  لاسيما بعد 7 أكتوبر وكشف النقاب عن نقاط ضعف منظومتها الأمنية وهشاشة معلوماتها الاستخباراتية، واتهاماتها بممارسة عمليات الإبادة الجماعية، وطلب المدعي العام بالمحكمة الجائية الدولية في لاهاي التعجيل باستصدار “مذكرة اعتقال دولية” بحق “نتنياهو”، و”جالانت” وزير الدفاع الإسرائيلي، حتى أنها ترجع أسباب الأحداث التي تتعرض لها إسرائيل، وإن كانت من نوع فردي “lonely wolf” إلى وجود طهران وراءها، كما حدث في حادث معبر “اللنبي” الذي نفذه “ماهر الجازي”، حيث شكك عدد من المسئولين الإسرائيليين بشكل مسبق قبل إجراء التحقيقات في أن الحادث تقف إيران وراءه بشكل أو بآخر، وبالتالي فإن التذرع بالتهديدات الإيرانية المستمرة والمؤرقة للأمن الإسرائيلي يعطي تبريرًا للدعم الأمريكي والأوروبي للجانب الإسرائيلي في حربها في غزة، ويساعد على استمرار الحرب، وتوسع إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، هذا بالرغم من عدم وفاء طهران بوعودها التي قطعتها بالرد على اغتيال عدد من القيادات في “حماس” و”حزب الله” كان أبرزهم “إسماعيل هنية” الرئيس السابق للمكتب السياسي لـ”حركة حماس”.

  • الضم غير القانوني للضفة الغربية

لاتزال منطقة الضفة الغربية تواجه الإصرار الإسرائيلي على ابتلاعها، والضم غير القانوني لها، وذلك من خلال عدد من الخطوات التي تعطي مؤشرات خطيرة، أبرزها:

  • عمليات هدم المنازل الخاصة بالفلسطينيين بالضفة وحرقها، وتشريع البؤر الاستيطانية “غير القانونية” التي دشنها المستوطنون بدون الحصول على إذن من حكومة وجيش الاحتلال، إلى جانب تقييد بناء منازل جديدة ووقف رخص البناء للفلسطينيين، لاسيما مع الاستيلاء على المنطقة “ج” وتهجير أهلها، واستهداف المنطقة “ب” التي تشكل بـ18.4% والتي يعيش فيها أكثر من 90% من الفلسطينيين، و تخضع إداريا للفلسطينيين وأمنيًا لإسرائيل طبقًا لاتفاق “أوسلو”1993.
  • استمرار الحكومة الإسرائيلية في احتجاز أموال المقاصة الخاصة بالسلطة الفلسطينية، ورفض الإفراج عنها.
  • سياسات العقاب الجماعي من خلال فرض الجيش الإسرائيلي حظر تجوّال على 11 حيًّا في منطقة H-2 في الخليل، حيث أغلِقت المصالح التجاريّة والحوانيت وحددت إقامة نحو 750 أسرة، تضم آلاف الأفراد في منازلها، إلى جانب ما يتعرض له سكان الضفة من عقاب جماعي إثر أي حادث أمني ضد إسرائيل حتى وإن كان مصدره من الخارج كحادث معبر “اللنبي”.
  • تقطيع أوصال مناطق الضفة الغربية، والاستيلاء على المناطق التي تتوسط مدن الضفة الغربية حتى تصبح مناطق الضفة مشرذمة، إلى جانب انتشار حواجز التفتيش.
  • منع دخول العمال الفلسطينيين للعمل داخل الخط الأخضر، وفرض الحصار على الشركات والعمال في القطاعات الاقتصادية المختلفة كأحد أشكال إحكام السيطرة على الضفة في محافظاتها.
  • المداهمات المستمرة لأحياء الضفة، واعتداءات المستوطنين المتكررة على المسجد الأقصى والمتوقع تزايده بالتزامن مع الأعياد التوراتية، ومنها “عيد العرش”.
  • استخدام سلاح الجو الإسرائيلي بشكل مكثف منذ 7/10/2023 يفوق استخدامه في عام 1967 ضد المواطنين الفلسطينيين في الضفة، في إصرار على قتلهم وتهجير من يتبقى منهم.
  • عمليات القتل والاعتقال التي تمارسها السلطات الإسرائيلية في الضفة، فقد أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية 13/9/2024 أن عدد الشهداء الذين سقطوا جراء العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر الماضي قد تخطوا حاجز الـ700 شهيد، بالإضافة لعمليات الاعتقال المستمرة لفلسطيني الضفة الغربية، والاعتداءات المتكررة من قبل المستوطنين عليهم بحماية السلطات الإسرائيلية.
  • استثمار إسرائيل انشغال العالم بأحداث غزة والتوغل في مزيد من أراضي الضفة الغربية، وتشتيت انتباه العالم بالأعمال العدائية التي تقوم بها إسرائيل كضرب اليمن، ومحاولات التوسع في الشمال على حساب الجانب اللبناني.
  •  محاولة “نتنياهو” ابتزاز كل من الديموقراطيين والجمهوريين واستثمار السابق الانتخابي بينهم للحصول على أكبر دعم ممكن من الجانبين والتغاضي عن التوسعات غير القانونية التي يقوم بها الجانب الإسرائيلي بالضفة، لا سيما بعد توجه الولايات المتحدة إلى إنزال عقوبات بفرقة “نتسياح يهودا” ومنظمة “ليهافا” الإسرائيلية، بسبب انتهاكاتهما لحقوق الإنسان في الضفة الغربية المحتلة.
  • استغلال حادثة معبر “اللنبي” لإحكام السيطرة على منطقة الأغوار والمعبر بالكامل، ومطالبة نتنياهو ببناء جدار أمني عند الحدود مع الأردن “معبر الكرامة” جزء كبير منه ضمن الضفة الغربية، مما يعني اعترافًا صريحًا باحتلال الجانب الإسرائيلي للضفة وليس مجرد السيطرة الأمنية عليها، ويذكر أن هذا المشروع قد طرح عدة مرات سابقًا منذ بناء الجدار على الحدود المصرية الإسرائيلية، ولكنه لم ينفذ.
  • سعي إسرائيل الحثيث للاستيلاء على الضفة الغربية، تمهيدًا للوصول لإسرائيل الكبرى، وتطبيقًا لما يعرف بـ( قانون القومية ) : “الدولة القومية للشعب اليهودي”، الذي أقره الكنيست الإسرائيلي في 19 يوليو 2018.
  • ومن خلال ما سبق من الاستراتيجيات والخطوات التي تم توضيحها لـ”خطة الحسم” تعمل إسرائيل على فرض سياسة الأمر الواقع الذي يقر خريطة جيوسياسية جديدة تخدم الطموح التوسعي اللامحدود لتل أبيب، وتستمر في مخططاتها التوسعية في ظل صمت عالمي يسود المجتمع الدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى