حزب الله واسرائيل .. من الاختراق الأمنى والتكنولوجى للحرب الموسعة

فتحت “انفجارات البيجر” في لبنان الباب بقوة للحديث على مدار الأيام الماضية حول استخدامات التكنولوجيا في الحروب، لا سيما مع اتساع مساحات الذكاء الاصطناعي بما يحمل ذلك من تقليل كبير للوقت والجهد وكذلك الحفاظ على العنصر البشري في الصراعات، وفي هذا الإطار عقد مركز آتون للدراسات حلقة نقاشية حول ما وارء تلك التفجيرات لا سيما الاعتماد على تلك التقنيات، فضلًا عن التطرق إلى تطورات ما يجري على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
أدار الحلقة النقاشية وقدم لها الدكتور أحمد فتحي الأستاذ في كلية الإعلام بجامعة الأهرام الكندية، وبحضور الكاتب الصحفي أسامة الدليل مسؤول ملف الشؤون العربية والدولية بجريدة الأهرام، والكاتب الصحفي أحمد أبوبكر، والباحث السياسي بمركز آتون للدراسات محمد صابر، والكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون الخارجية محمد عامر، إلى جانب الكاتب الصحفي فتحي محمود مدير مركز آتون للدراسات.

التكنولوجيا في الحروب
بدأت الحلقة النقاشية بكلمة الدكتور أحمد فتحي الذي استهل حديثه بالتأكيد على التطورات الكبيرة للحروب في عصر الرقمنة، مستشهدًا في هذا السياق بعملية الموساد الإسرائيلي بتفجير نحو 3 آلاف من أجهزة اتصال البيجر والتي أوقعت مئات المصابين فضلًا عن نحو 20 قتيلًا، مؤكدًا أنها عملية تمثل تطورًا جديدًا في الحروب الإلكترونية وتصنف ضمن حروب الجيل الخامس.
وأوضح الدكتور أحمد فتحي أن هذا النوع من الحروب ينقسم إلى أنواع عديدة منها الحروب الإلكترونية التقليدية التي بدأت منذ الحرب العالمية الثانية كاستخدام موجات الراديو والموجات الكهرومغناطيسية في التشويس والتعقب وإرسال واستقبال الأوامر، ثم نوع جديد وهو الحروب السيبرانية التي تستهدف البنى التحتية والعسكرية وأنظمة البنوك والمطارات، والنوع الثالث وهي حروب الذكاء الاسطناعي التي استخدمت بأكثر من شكل من قبل الجانب الإسرائيلي وعلى رأسها عمليات الاغتيال عبر الذكاء الاصطناعي الذي يساهم في تحديد المستهدف بدقة مثل عملية اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة وكذلك إسماعنيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وكذلك القيادي العسكري بحزب الله اللبناني فؤاد شكر وغيرهم.
ولفت الدكتور أحمد فتحي إلى أن الجانب الإسرائيلي استخدم الذكاء الاصطناعي ليس في الاستهداف أو الاغتيال بهذه الطريقة فقط، بل في عملية اتخاذ القرار بالاستهداف، حيث استخدم 3 أنظمة ذكاء مختلفة أولها نظام لافندر وهو نظام إسرائيلي متطور يستخدم الذكاء الاصطناعي في تتبع القيادات سواء لحماس أو لحزب الله عبر الهوية البصرية، فيمكنه اختراق الأجهزة المستخدمة من قبلهم أو أي أجهزة بها كاميرا ويتعرف على الشخص المستهدف من خلال الصور التي يحصل عليها ويحللها ليعطي بعد ذلك التأكيد على أن هذا هو العنصر المطلوب.
أما النوع الثاني من الذكاء الاصطناعي الذي يستخدمه الاحتفال الإسرائيلي، فهو نظام “حبسور” وهي كلمة تعني الإنجيل باللغة العبرية، ويستخدم هذا النظام لاستهداف المباني من خلال وضعها تحت المراقبة، بحيث لو تواجد عنصر معين مستهدف لا ينتظر هذا النظام الأمر البشري ويصدر الأوامر على سبيل المثال للمسيرات على الفور باستهداف المبنى وتدميره بالكامل.
أما النوع الثالث من الذكاء الاصطناعي الذي يعتمد عليه الاحتلال الإسرائيلي في حروبه فهو نظام “أبي”، ويقول الدكتور أحمد فتحي إن هذا النظام استخدم بشدة في قطاع غزة، وتقوم فكرته على تتبع القيادات خلال توجهها إلى منازل ذويها، حيث يتم تفجير المنزل الذي يصل إليه القيادي، باعتبار أن هذا أمر يرفع نسبة التأكد من أن القيادي المراد قتله هو المطلوب وبنسبة دقة تصل إلى 95%.
وفي ختام حديثه، يؤكد الدكتور أحمد فتحي أن هذا النوع من الحروب التي تعتمد التكنولوجيا وتحديدًا الذكاء الاصطناعي مجرد نماذج تشير بقوة إلى ما سيكون عليه المستقبل، وهي نماذج بدأ تجريبها خلال الحرب الروسية – الأوكرانية ثم تطورت مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ثم مع التصعيد الجاري مع حزب الله، ومن ثم فإن المستقبل سيشهد طفرة كبيرة في مجال الحروب التكنولوجية.

مصلطلحات رئيسية
انتقلت الكلمة بعد ذلك إلى الكاتب الصحفي أسامة الدليل مسؤول الشؤون العربية والدولية بجريدة الأهرام، والذي استهل حديثه بالتأكيد على ضرورة التفرقة بين 3 مصطلحات عند الحديث عن استخدام التكنولوجيا في الحروب وهي حرب التكنولوجيا والحرب التكنولوجية وتكنولوجيا الحرب، موضحًا أن الأولى المقصود بها المتنافسين في هذا المجال مثل صراع التكنولوجيا بين الصين والولايات المتحدة، أما الثاني فيعني استخدام التكنولوجيا في القتال، أما الثالث فالمقصود به التقنيات التي يتم استخدامها لتنفيذ أهداف الحروب، مشيرًا في ضوء المصطلح الأخير إلى أنه من رحم الاحتياج العسكري خرجت لنا كثير من التكنولوجيات كالراديو والتليفزيون والإنترنت وغيرها.
ويقول الدليل إن هذه التقنيات الحديثة التي ولدت من رحم الاحتياج العسكري توفر الوقت والجهد إلى جانب الحفاظ على العنصر البشري وتقليص عدد القتلى في الحروب، ومن ذلك المخابرات الإشارية والمخابرات القائمة على الأقمار الصناعية والاستطلاع وكذلك عديد من تطبيقات التكنولوجيا التي تستخدم في المخابرات.
ثم ينتقل الكاتب الصحفي أسامة الدليل إلى نقطة مهمة يجب أخذها في الاعتبار من خلال تأكيده أنه مهما كانت قوة التقدم التكنولوجي فإنه يمكن السيطرة عليه والتفوق عليه من خلال البشر، وفي هذا السياق استعرض درسين، أولهما حالة أفغانستان فقد قضت أمريكا في هذا البلد 20 عامًا، ورغم كل ما تملك من تقنيات لم تتمكن من اختراق اتصالات تنظيم القاعدة أو أسامة بن لادن أو طالبان إلى أن تم تفجير برجي التجارة العالميين “بإشارة من رجل في مغارة”، وهذا لأن هذه التنظيمات أخذت قرارًا بأن التواصل يكون من “فم لأذن” والتنقل يكون عبر البغال والحمير، وبالتالي فالتكنولوجيا مهما كان تقدمها تثبت حالة أفغانستان أنه مهما كان تقدمها يمكن تعطيلها عبر العودة إلى البدائيات البشرية، على نحو يؤكد أن المخابرات البشرية تبقى هي العنصر الأفضل.
أما الدرس الثاني، فيقول إنه مصري خالص وأقرب لحزب الله إلا أن الأخير لم يستفد منه وقد وقع في خطأ عمره، فعندما أتت فكرة تدمير خط بارليف بالمياه التي لم تكن ترد برأس أحد كانت هناك الحاجة إلى مضخات عملاقة وتحديدًا 8 يتم استيرادها من ألمانيا، ويشير إلى أن هذه المضخات الضخمة كتكنولوجيا لفتت نظر الإسرائيليين وكان السؤال حول أسباب استيراد المصريين لها، لكن فكرهم لم يصل إلى توقع استخدامها في تدمير خط بارليف وكانوا يعتقدون أن هذا تحسبًا من المصريين للتعامل مع أي حرائق نتيجة قصف إسرائيلي أو مخاوف من السلاح النووي الإسرائيلي، وقد نجحت مصر في تدمير الساتر الترابي فحدث تفوق علمي بتكنولوجيا المياه، لكن حزب الله عندما استورد أجهزة البيجر وعددها 3 آلاف لم يأخذ في اعتباره فيما يبدو أن هذا الأمر سيلفت نظر الإسرائيليين وأنه يعني بالنسبة لهم أن الحزب يدبر لأمر ما خطير يجب منعه، خاصة أن هذا الجهاز لا يكون إلا مع شخص يمكن وصفه بـ”المهم”، إذ أن الجهاز لا يستقبل إلا رسائل فقط، ما يعني أن الشخص الذي يحمله مهم لمن يستدعيه عبر الرسائل.
نقلة في الصراع؟
وقد تطرق الدليل في حديثه إلى الكيفية التي يمكن بها اخترق أجهزة مثل البيجر وتفجيرها عن بعد، متناولًا في هذا السياق ما أحدثته التكنولوجيا من نقلة في الصراع الحالي لإسرائيل سواء مع حركة حماس أو مع حزب الله، ويؤكد هنا أن ما قبل 7 أكتوبر شيء وما بعده شيء آخر، فقد بدأت عملية طوفان الأقصى بهزيمة تكنولوجية لإسرائيل بأجهزة أمنها وبما لديها من تكنولوجيا وذكاء اصطناعي.
ويقول الدليل إن حماس أيضًا اخترعت أصنافًا من المتفجرات والذخائر وآلاف الكاميرات المزروعة في أماكن لا ترى بالعين، وبالتالي كسبوا بالأخيرة حرب الصورة، فنرى العنصر من حماس وهو يقترب من الهدف ويضع قنبلته ثم يعود ويدخل مكان اختبائه، أما حزب الله فكانت أحدث تجلياته الطائرة المسيرة “الهدهد، فضلًا عن قيام الحزب بضرب البنية التجسسية الإسرائيلية من أبراج مراقبة واستماع وتجسس، ومن ثم فإن التكنولوجيا تلعب دورًا مؤثرًا في هذا الصراع، مؤكدًا أننا أمام تطور نوعي وصولًا إلى عملية البيجر.
ودعا أسامة الدليل إلى ضرورة الاستفادة من ذلك في مصر عبر ضبط معيار التكنولجيا في الحياة العادية، مشيرًا إلى أن التكنوجليا تشوش أفكار وتدمر وتؤثر على اتجاهات الرأي العام وعلى الوضع السياسي والإشاعات وغيرها من الوسائل، التي سيكون من المفيد أن تكون هذه توصية لهذه الحلقة النقاشية.
وفي ختام كلمته، تحدث الكاتب الصحفي أسامة الدليل عن توقعاته بشأن الوضع على الحدود الإسرائيلية – اللبنانية، وهنا يؤكد أن إسرائيل في المدى القريب تريد التدخل البري لنحو 10 كيلومترات لإقامة منطقة عازلة، والأخيرة إما أن تتواجد بها إسرائيل بشكل مباشر أو وكيل لها، محذرًا من أن تل أبيب ربما تتمادى في توسعها الجغرافي لتصبح حدودها عند نهر الليطاني خاصة في ظل الضغوط الداخلية على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من أجل إعادة السكان الذين هجروا من شمال إسرائيل بفعل الضربات القادمة عبر الأراضي اللبنانية، كما أكد أن نتنياهو يريد إطالة أمد الحرب حتى بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أملًا في فوز دونالد ترامب.


شرق أوسط محاط بالمناطق العازلة
توسع النقاش أكثر خلال الحلقة حول الوضع في المنطقة في ضوء ما يجري على الحدود الإسرائيلية اللبنانية وتفجيرات البيجر، وهنا انتقلت الكلمة إلى محمد عامر الكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون الخارجية، والذي أعرب عن قناعته أن عملية البيجر قد تبدو خطيرة لأنها جديدة على أسماع كثيرين لكن ما تعد له إسرائيل فيما يتعلق باستخدام التكنولوجيا ربما يكون مستقبلًا أكبر وأخطر مما نتصور حسب تطورات الأحداث، معتبرًا أنها أظهرت فقط قليلًا مما تملك في هذا الأمر.
ويرى عامر أن أكثر ما يشغل إسرائيل في الوقت الحالي إقامة منطقة عازلة على الحدود مع لبنان، متفقًا في ذلك مع الكاتب الصحفي أسامة الدليل، سواء كان ذلك عبر وجود مباشر لها أو عبر وجود طرف لبناني آخر، مشيرًا هنا إلى أن فكرة المناطق العازلة أصبحت ملمحًا رئيسيًا للشرق الأوسط لا سيما مع مضي تركيا في إقامة منطقتين عازلتين واحدة في شمال وشرق سوريا وأخرى في شمال العراق.
ملاحظات رئيسية
ثم انتقلت الكلمة إلى الكاتب الصحفي أحمد أبوبكر الذي استعرض عددًا من الملاحظات التي استوقفته منها طبيعة الخطاب الذي يستخدمه الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في حديث مؤخرًا قدم خلاله إسرائيل باعتبارها دولة تحارب الإرهاب نيابة عن العالم، حين قال إن تل أبيب لم تبدأ الحرب وإنما بدأتها حماس، كما يؤكد أن حزب الله من بدأ، ويصف الأخير بأنه منظمة إرهابية عالمية قدمت الإمبراطورية الإيرانية دعمًا كبيرًا لها، مشيرًا إلى أن هذا الخطاب الذي يتم تصديره ينطلي على كثير من دول العالم، ولهذا نجح الإسرائيليون في الترويج للصورة التي يريدوها بينما أظهرت الفلسطينيين وكأنهم “داواعش”.
ثم يؤكد أبوبكر أن تفجيرات البيجر ما هي إلا مجرد دقات لعمليات أكثر ستأتي مستقبلًا اعتمادًا على التكنولوجيا، ثم يتحدث كذلك عن أن إسرائيل دائمًا ما تبحث عن فكرة الحدود الآمنة وذلك منذ الخمسينيات، ما يعني أننا أمام مخطط مستمر بدعم أمريكي وصل إلى درجة اعتبار إسرائيل أمل الإنسانية والبشرية، ويؤكد أنه في ضوء ذلك فإن حرب الإبادة ستستمر وأن ما حدث بعد 7 أكتوبر يقول إن حل الدولتين قد انتهى.

أهداف نتنياهو
انتقلت الكلمة إلى الكاتب الصحفي فتحي محمود مدير مركز آتون للدراسات الذي أبدى بدوره عددًا من الملاحظات، الأولى التأكيد أن نتنياهو يريد إطالة أمد الحرب لأسباب عديدة، فهو متهم في 3 قضايا فساد منها واحدة قد تضعه في السجن، وغالبا سيدخل السجن إذا خرج من الحكومة، مشددًا على أنه لو لم تقع أحداث 7 أكتوبر لكان قد سقط خصوصًا وأنه كان يواجه ضغوطًا داخلية كبيرة وانقسامات كادت تضع إسرائيل فيما يشبه الحرب الأهلية.
ويقول الكاتب الصحفي فتحي محمود إن إسرائيل لديها 3 أهداف رئيسية في هذه الحرب أولها القضاء على كل مقومات المقاومة الفلسطينية، وهنا يؤكد أنه ليست حماس المقصودة وحدها وإنما القضاء على المقاومة في الضفة الغربية كذلك، أما ثاني الأهداف فهو القضاء على قوة حزب الله اللبناني، وثالثا القضاء على البرنامج النووي الإيراني، ومن ثم فإن نتنياهو يقاتل وسيقاتل تحت تحت أي ظرف من الظروف مستغلًا في ذلك فترة الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تحولت فيها الإدارة الحالية إلى بطة عرجاء لا تقدم أو تؤخر، مشيرًا إلى أنه يراهن على فوز ترامب.
ويؤكد فتحي محمود أنه بالتالي لا وقف لإطلاق النار قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حتى يحقق نتنياهو مزيدًا من الأهداف ويضيع وقتًا أكثر، وسيستخدم كل الأساليب سواء تكنولوجيا أو استخبارات أو اختراق أمني، مؤكدًا أن هذا ما يجعل حزب الله لا يدخل بكل قوته في هذا الصراع لأن الحزب يعلم أن هذا هو هدف نتيناهو توسيع الصراع وإطالة أمده، كما أن إيران هي الأخرى تعلم الأمر ذاته وتنتظر بدورها ما بعد الانتخابات الأمريكية لتحدد بوصلتها.