مقالات

قضية الحرية: ما بين التباسات المفهوم ومعوقات التطبيق والحل

تحليل: د. على ثابت صبري

مدخل

إن قضية الحرية من القضايا المحورية فى حياة كل إنسان، فلا يستطيع الإنسان أن يعيش دون حرية ولكن أي حرية، هنا يقع الالتباس فى ماهية الحرية المنشودة، إن كثير من الفلاسفة وضع تعريفات وتصنيفات لمفهوم الحرية، ولكن وفق آليات الحضارة الغربية، التى هي بالأساس سبب مشاكلنا الفردية والجماعية فى الشرق الأوسط، لذا، عكف المفكر عبدالله أوجلان على دراسة قضية الحرية وجذورها ومفهومها، كما ركز على النموذج الأمثل للوصول إلى الحرية المنشودة والتى يحتاجها الفرد والمجتمع فى آن. وهو ما ستبين خلال الدراسة.

مفهوم الحرية عند فلاسفة الغرب  

تُعتبر الحرية عند السفسطائيين حرية عقيدة وسياسة وفنون وأخلاق، وقد ركّزوا في المفاهيم التربويّة التي وضعوها على مفهوم الشعور بالحريّة، والاعتزاز بالنفس، وقد جعلوها قائمةً على العقل الإنسانيّ، فهم ينظرون إلى الحياة على أنها مجموعةٌ من الأفعال الحرّة التي يقوم بها الإنسان من أجل تحقيق ذاته، ويُرجع الفلاسفة الفسطسائيون أن طول عُمر الإنسان يعود لتمتعه بالحرية النفسيّة الكاملة، وقد طالبوا بتوفير الحريّة لإرادة النفس الفرديّة، فمع الحريّة تبرز العقلانيّة الناصعة، فهي بذلك خطوة تعكس إيمانها العميق بالحرية الإنسانية.  وعند أرسطو لقد اهتم أرسطو كثيراً بإنصاف الفرد وتحريره من كل أشكال الحتميّة، وقد آمن أرسطو بالحريّة الإنسانيّة إلى حدٍ كبير، ويؤكد أنّ بناء شخصية الإنسان من أهم الأشياء التي يجب على الإنسان الاهتمام بها، ويقول بأن الرذائل والفضائل التي نفعلها هي مسؤوليّة شخصيّة. عند الأبيقوريّة حاول الأبيقوريّون منذ القدم السعيّ الجادّ في محاربة المخاوف، والأوهام التي تُسيطر على عقل الشخص وتقف عثرة أمام حصولِه على حريته ومن ثم شعوره بالسعادة، فهم يؤمنون أنه بالرغم من الظروفِ السياسيّة والاجتماعية المُحبِطة التي يعيش فيها الفرد إلا أنّ عليه تحدّيها ومُحاولة التغلب عليها من أجل العيش بهدوء وحرية، وقد أعلن الأبيقوريون أن سعادة الإنسان كامنة في داخله، بل واعتبروا العمل على تحرير الإنسان من مخاوفه من مهام الفلسفة.  وأضاف إيمانويل كانط يؤمن إيمانويل كانت بأنّه لا يوجد أحدٌ يُلزم الإنسان بالتعامل أو التفكير بالطريقة التي يُريدها، ويرى أن كلَّ شخص يستطيع البحث عن سعادته وفرحه بالطريقة التي يراها مناسبة له. ووضح سارتر يقول سارتر إنّه لا يوجد فرق بين وجود الإنسان منذ ولادته وحصوله على حريته، فهو يربط بين الوجود الإنسانيّ من حيث الحصول على الحرية، فالحرية عنده كائن بشري يُفرز عدمُه الخاصّ غاضاً البصرَ عن أحداث الماضي والمستقبل للإنسان، ويحاول سارتر لفت الانتباه الى مبدأ الثنائية.

أما سبينوزا رائد الفلسفة المعاصرة والذي مثل الأداة الأهم للمنظومة الدولية الحاكمة، يري أن الفرد حراً كلَّ شيء يوجد ويتصرَّف بموجب الضَّرورة النَّابعة من طبيعته وحدها، وأسميه خاضعا أو محدَّدا إن كان وجوده وتصرفه يتحدَّد بغيره.

عند هذه النقطة نري أن فلاسفة الغرب قد حصروا مفهوم الحرية في الفردية، دون النظر للمجتمع ككتلة واحدة ، يحتاج تضافر أبنائه انطلاقاً من تاريخهم وتراثهم وهويته حتى تستقيم الأمور، ويستطيع مواجهة الأخطار التى تحيق به، وهو جل اهتمام المفكر عبدالله أوجلان كشف الوجه الحقيقي للحرية وأهميتها للفرد والمجتمع، حيث بدأ بتشريح المفهوم وطرح إشكاليته وهو على النحو الآتى: 

تساؤلات المفهوم

بالضرورة عند محاولة سبر أغوار مفهوم الحرية عدم سلوك الاختزالية والأنانية، حيث أن الحرية ليست مرتبطة بالإنسان وحده، فهو لا يعيش على البسيطة وحده، هناك مخلوقات أخري كثيرة تحتاج للحرية أيضاً. وهنا بات ضرورياً التفريق بين الحرية الفردية والحرية المجتمعية؛ تُعرف الحرية الفردية بأنها حرية الفرد فى اتخاذ القرارات والدفاع عن نفسه والتفكير، لذا فهي تُعد أساس أي نظام يدعيّ الديمقراطية. فى حين تُعرف الحرية المجتمعية بأنها تمكين الأفراد والجماعات التى تملك آراء سياسية وأخلاقية متباينة من إيجاد قاعدة يتفقون خلالها على يختلفون بشأنه على المستوي المعياري وليس الشخصي. إذاً فإن تعظيم الحرية المجتمعية على الحرية الفردية أساس تماسك وتلاحم المجتمعات. إلا أن المفهوم الأوجلانى للحرية شاملاً ووافياً ” بأنها تعني التكاثرَ والتنوعَ والاختلافَ في الكون، يُسَهِّلُ الأمرَ من حيث توضيحِ الأخلاقِ المجتمعيةِ أيضاً. فعملياتُ التكاثرِ والتنوعِ والاختلاف تَحثُّ دائماً على التفكير بوجودِ كائنٍ ذكيٍّ تَحمِلُه بين طياتها، ولو ضمنياً، بحيث تَكُونُ لديه قابليةُ الاختيارِ والاصطفاء.” بيد أن، المنظومة الدولية الحاكمة عبر تاريخها لها رأي أخر، فإن المفهوم بالأساس وضع من أجل الجماعة العبرية، فإن اليهود نجحوا من خلال ركيزتين أساسيتين السيطرة على البشرية، وهما: مهارتهم فى كسب المال وفن الهيمنة المعنوية

ويُشير أوجلان إلى أن ماركس عندما قال “إنْ كانت البروليتاريا تتطلعُ إلى تحريرِ ذاتها (وبمعنى آخر إلى خلاصِها)، فما عليها إلا أنْ تقومَ بتحرير المجتمعِ برمته”. كان يُفَكِّرُ في اليهود. فإنْ كان اليهودُ يرغبون في التأكدِ من مدى تمتُّعِهم بحرياتِهم، أي مِن مدى ثرائهم وقوتهم في الذكاءِ والمعنى؛ فلا سبيلَ أمامهم سوى إثراء المجتمعِ العالَمي، وتعزيزه معنوياً بمنوالٍ مشابه. وإلا، فقد يَنبَري لهم أمثال جدد من هتلر، ليَتَسَلَّطوا على رؤوسهم في كلِّ لحظة.. فالمعنى الحقيقيُّ للحرية يَكمُنُ في تخطي التمييزِ بين نحن–الآخرين، وفي اتسامِها بطابعٍ يُمكِن مشاطرتُه من قِبَلِ الجميع.

وعلى هذا النحو، ظهرت الالتباسات العديدة لمفهوم الحرية، لقد عزز الفلاسفة الغربيين  الحرية الفردية – حرية اللا مانع- والتى تصيب المجتمع بأمراض شتي من شأنها إسقاطه، وأضعفت من الحرية المجتمعية التى شأنها قوة المجتمعات وتماسكها. فلا شك أن الفرد لا يستطيع العيش دون جماعة، والإنسان أصبح كائناً اجتماعياً وتكونت لديه مشاعر انتماء للجماعة بهويتها وسلوكها من خلال التعايش المشترك بين أفراد المجتمع.


أدرك أوجلان هذه الحقيقة والتى أرادت المنظومة الدولية تشويها، وعزز مفاهيم الحرية السلبية لدي مجتمعاتنا، لتكون الحرية نقمة وليس نعمة يتمتع بها الكون كله، وبالتالي أصبح هناك ضرورة لتطوير السياسة المجتمعية وإزالة الشوائب عنها كما سنوضح.

  1. الحرية والسياسة

ينبغي التفريق بين الحرية والسياسة، ووفق المفكر أوجلان، فالمجالُ السياسيُّ هو الميدانُ الذي تتصادمُ وتتكاثفُ فيه العقولُ ذات النظرةِ التنبؤيةِ الثاقبة، سعياً منها لنيلِ النتيجةِ المأمولة. وبأحدِ المعاني، يمكننا تعريفه أيضاً بالميدانِ الذي تُحَرِّرُ ضمنه الذواتُ الفاعلةُ نفسَها بوساطةِ فنِّ السياسة. وكلُّ مجتمعٍ لَم يُطَوِّر السياسةَ المجتمعية، عليه الإدراك بأنّ ذلك سيَعُودُ عليه بالحرمان مِن الحرية، وأنه سيَدفَعُ ثَمَنَه باهظاً. حتى إنّ تَنَبُّؤَ ماركس و أنجلز في مفهومهما للاشتراكيةِ العلميةِ التي قاما بريادتِها، وقولَهما بأنّ الدولةَ والسلطةَ أداتان أساسيتان للبناءِ الاشتراكيّ؛ باتَ أفظعَ ضربةٍ لَحقَت بالحرية، وبالتالي بالمساواة؛ ولو دون وعيٍ منهما. بينما أدرك الليبراليون على نحوٍ أفضل حقيقةَ العبارةِ التي تقول: “إنّ المزيد من الدولة يعني القليل من الحرية”. وهم يُدينون في نجاحهم إلى نظرتِهم الثاقبةِ هذه. إذا، فإن وضع مفهوم الحرية تحت تصرف الأنظمة القومية قد أصابها بالشلل وأخرجها من مضمونها. فبقدرِ ما يكون ميدان السياسةِ المجتمعيةِ مُولداً للحرية، فإن السلطةَ والدولةَ ساحتان تغيبُ فيهما الحرية بالمثل.

  • الحرية والرأسمالية

تُعد الحداثة الرأسمالية السبب الرئيسي فى تجميد السياسة، فجعل المجتمعات أكثر فقراً واحتياجاً وعبودية – النظرية اليهودية- قد ولدّ شتى أنواع الدمار، بدءاً من الإبادات العرقية إلى الحروب الضارية، فجعل المجتمعات تضع العوامل الاقتصادية ركيزة للعيش على حساب الآخرين. إن أوجلان لم يغفل هذا الأمر، وأضاف إن كنا نطمح إلى الحرية، فإنه يَبدو وكأنه لا خيار أمامنا سوى إعادة إنهاض وتفعيل الأخلاق أولاً كضميرٍ جمعي للمجتمع، ومن ثم تفعيل السياسة بجميعِ نواحيها كعقل مشترك، وبكل ما أُوتِينا من قوة فكرية.

  • الحرية والديمقراطية

تُمثل جدلية العلاقة بين الحرية والديمقراطية نقطة تحول محورية في معرفة أي منهما تنبثق عن الأخرى ، لكن وفق السيد أوجلان، أن كلتيهما تُتَممان بعضهما البعض من حيث كثافة علاقاتهما. فبقدرِ ما نُفَكر بأواصرِ السياسة المجتمعية مع الحرية، فبمستطاعنا عقد الروابط بينها وبين الديمقراطيةِ أيضاً. ذلك أن السياسةَ الديمقراطيةَ هي الحالة الأكثر تجسيداً للسياسةِ المجتمعية. بالتالي، بالإمكان تعريف السياسة الديمقراطية بأنها فن التحررِ الحقيقي. فبدون ممارسة السياسة الديمقراطية، لن يكون باستطاعة المجتمعِ عموماً أو أي شعب أو مجموعة خصوصاً، أن يَتحرر على درب السياسة. فالسياسة الديمقراطية مدرسة حقيقية لتعلمِ الحرية وممارستها. وبقدر ما تخلق الأعمال السياسية ذواتاً ديمقراطية، فإن السياسة الديمقراطية تسيس المجتمع بالمثل، وبالتالي تحرره.

  • الحرية والمساواة

هناك خلط فى العلاقةِ بين مصطلحي المساواةِ والحرية، فالمساواة كــ مصطلح قانوني، تفضل تقاسم الحقوق عينها بين الأفراد والمجموعاتِ دونَ أي تمييز. ويري السيد أوجلان الاختلاف خاصية أساسية للكون بقدر ما هو كذلك بالنسبة للمجتمعِ أيضاً. إن الاختلاف مصطلح منغلق على تقاسمِ الحقوق التي من نفسِ النوع. ولن تكون للمساواة قيمتها إلا إذا اتخذت الاختلاف أساساً. إذ نجد أن المساواةَ التامةَ تتحقق أحياناً مقابل ثمنٍ تدفعه الحرية. وكثيراً ما يتم التشديد على استحالة وجودهما معاً، وعلى ضرورةِ تقديمِ التنازلات من إحداهما. كما يتم التبيان بأن الحريةَ أيضاً تقتضي أحياناً تقديم التنازلات عن المساواة ثمناً لها. من الضروري بمكان إيضاحُ الفرق بين طبيعة كلا المصطلحين، وبالتالي الظاهرتين؛ في سبيلِ صياغة تشخيص سليمٍ للقضية. السبب الأهم في عجزِ منظورِ المساواة الاشتراكية عن الصمود، يكمن في عدمِ إدراجه الاختلافَ في الحسبان. وهو نفسه أحد أهم الدوافعِ التي تسببت في القضاء عليه. لا يمكن للعدالة الحقة أن تتحقق، إلا ضمن المساواة التي تتخذ من الاختلاف أساساً. لدى تبيانناً بأن الحريةَ متعلقة جداً بمصطلحِ الاختلاف، فلا يُمكن عقد صلات قَيمة للمساواة مع الحرية، إلا في حالِ ربطِها بالاختلاف. وتأمين الانسجامِ والتناسق بين الحرية والمساواة، هو من أهداف السياسة المجتمعيةِ الرئيسية.

  • الحرية الفردية والحرية المجتمعية

تمثل الحرية الفردية والحرية المجتمعية قمة اهتمام الحداثة الرأسمالية، ولا نبالغ أن الأخيرة قد عززت الحرية السلبية ومحت الحرية الإيجابية، وهنا يري القائد أوجلان ” أنه لا ريب أن الحداثة الرأسمالية  قد حققت ذلك مقابل إلحاق تخريبات كبرى بالروحِ الجمعية للمجتمع. من الأهميةِ القصوى الإشارة إلى أن الحريةَ الفردية استهلَكَت السياسةَ المجتمعيةَ في راهننا، بقدرِ ما فَعَلَت ظاهرة السلطة بأقل تقدير. والقضية الحيوية في الجدلِ الدائر بشأن الحرية، تكمن في تسليطِ الضوءِ على دور النزعة الفردية في دمارِ المجتمع بصورة عامة، وفي إنكار الأخلاق والسياسة بصورة خاصة. “

إن الحداثة الرأسمالية جعلت قضية الحرية سلاح ذو حدين، حيث اقتصرت على المطالبة بحرية الفرد ضمن فوضي المفاهيم. وتقلصت حدوده أو غابت المفاهيم الراقية المقدسة لحرية المجتمع فسقطت الحرية من مضمونها في مستنقع المصالح الخبيثة، جعل ذلك المجتمعَ المُصَيَّرَ ذراتٍ متناثرة بوساطة النزعة الفردية لا تبقى لديه طاقة للمقاومةِ إزاء أي جهازٍ لرأس المال والسلطة؛ فسنستوعِب على نحوٍ أفضل مخاطر تَسَرطُنِ المعضلة الاجتماعية. أضف أيضاً، أن الحرية الفردية تتوافق مع اللاشعور، والاندفاع الغريزي، و اللا مسئولية القانونية والأخلاقية، وتتوافق أيضاَ مع الهوي والغرائز المتوحشة والجهل والدوافع العرضية أو السطحية، حيث تتسق الحرية الفردية مع أن الطبيعة الإنسانية محكومة بما راق لها. وهذا هو المغزى الرئيسي للمنظومة الدولية الحاكمة أن تكون الحرية الفردية سبب دمار المجتمعات .

أما الحرية المجتمعية، فيوضح القائد أوجلان أهمية أن الحرية الأصلية، وإلى جانبِ اهتمامها بالشخصانية، تمر من تحديد هوية شتى أنواعِ المجموعات (القبيلة، القوم، الأمة، الطبقة، المجموعات المهنية وغيرها)، ومن تأمينِ مصالحها والدفاعِ عن أمنها؛ وأن الحرية لن تجد معناها إلا بموجبِ هذه الأسس. بناءً على ذلك، فلن نستطيع الحديث عن نظامِ مجتمعٍ حر متوازنٍ وناجحٍ بصورة مثلى، إلا عند تحقيق التواؤمِ بين الحرياتِ الفردية والمجتمعية تأسيساً على تلك الثوابت.

النموذج الأمثل لحل قضية الحرية

 بعد عكوف القائد أوجلان على دراسة وتقديم الحلول الممكنة للحالة الراهنة فى الشرق الأوسط وجد أنه من خلالِ تجارب القرن العشرين، ثمة شبهاً وطيداً بين الحرية التي أثارتها الليبرالية بمعنى الفردية، وبين الحرية التي أثارتها الاشتراكية المشيدة باسم الروحِ المجتمعية؛ مهما تم تعريفهما بأنهما قطبان متضادان. فكلتاهما من خيارات الليبرالية. التى جلبت الدمار المريع فى القرن العشرين، وهنا رصد السيد أوجلان الحل فى أن المجتمعَ الديمقراطيَّ هو الأرضيةُ الأكثر ملاءمةً لتأمينِ التناسقِ والتناغمِ بين الحرياتِ الفرديةِ والحرياتِ الجمعية. حيث يري: أن المجتمعَ الديمقراطي هو النسق السياسي الاجتماعي الأنسب للموازنةِ بين الحرياتِ الفرديةِ والمجتمعية، ولتطبيقِ وتوطيدِ مفهومِ المساواةِ التي تَتَّخِذُ من الاختلافِ أساساً.

المجتمع الديمقراطي بين أوجلان وعبدالكريم الخطابي*

توافقت الأفكار والرؤي في قضية الحرية بين الأحرار والمصلحين ، فمثلما رأي السيد أوجلان أن المجتمع الديمقراطي هو الحل الناجز والفوري لقضية الحرية فى مجتمعاتنا، التى تُعاني من السيطرة الفكرية العبرية. فإن الخطابي أحد زعماء شمال أفريقيا، عند سؤاله عن أهدافه من الحرب التحرير التى قادها ضد أسبانيا ، قال ” لا أريدها سلطنة ولا إمارة ولا جمهورية ولا محمية، إنما أريدها عدالة اجتماعية، ونظاماً عادلاً يستمد روحه من تراثنا”.

وهنا اتفق الاثنان على أن، أخلاق الفرد شأن مكتسب وموروث من ضمن الأخلاق والقيم العامة. تكمن الحرية لدي الجماعة باختيار القيم والأخلاق. أما الخروج أو الجنوح عند بعض الأفراد يصيب الجماعة بالأذى. وهو غرض الحداثة الرأسمالية الذي تبغتي منه السيطرة على المجتمعات البشرية. وهنا وضح بجلاء أن المجتمع الديمقراطي هو سبيل كل المجتمعات المقهورة – بفعل فاعل- . وأن المجتمع الديمقراطي هو السبيل الأمثل للحفاظ على حرية الفرد ضمن مجتمعه، بعيداً عن التصرفات الهدامة التى يقوم بها الأفراد دون وعي لدمار مجتمعاتهم.

إن القائد والمفكر عبدالله أوجلان فى بحثه فى قضية الحرية، على أنها ليست مرتبط بالإنسان فقط ولكن بالكون عامة، وبتخصيص البحث عن الإنسان،  فقد أشار إلى ضرورة إزالة الالتباسات الخاصة بمفهوم الحرية لأنها الأساس فى فهم القضية، والتفريق بينها وبين (السياسة- الرأسمالية- الديمقراطية- المساواة)، نظراً لأن هذه الالتباسات من شأنها تمويه مفهوم الحرية ، كما أشار إلى ضرورة تعظيم الحرية المجتمعية المتمثلة فى المجتمع الديمقراطي الذي يُمكنه احتواء الحرية الفردية فى اطار مصلحة المجتمع ككل. لأنه يمثل الأرضية المشتركة لاحتواء للتعايش بين أفراد المجتمع، ومن ثم نهضته.   


أهم المراجع المستخدمة

  1. عبدالله أوجالان : مانيفستو الحضارة الديمقراطية ” سيسيولوجيا الحرية” ترجمة زاخو شيار ، المجلد الرابع، مركز القاهرة للدراسات الكردية، القاهرة ، 2016.
  2. ماهر مسعود: الحرية من سماء الفلسفة إلى أرض السياسة، ترجمة عزيز لزق ومحمد الهلالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 2015.
  3. مأمون ملاعب: قضية الحرية، جريدة البناء ، 31 يولية 2023.
  4. د. حسين مأمون الحاج: الإنسان المعاصر وأوهام الحرية، جريدة الشرق الأوسط، 13 يونية 2023.
  5. عوض عبدالفتاح، القومية وحلم الحرية والعدالة الاجتماعية والحداثة، 5 مايو 2018، التجمع الوطنى الديمقراطي.
  6. https://www.independentarabia.com
  7. https://mawdoo3.com

*ولِد محمد بن عبدالكريم الخطابي عام 1882 في مدينة أجدير، الواقعة في شمال المغرب، وعمل بعد تخرجه في جامع القرويين بمجالات التدريس والصحافة والترجمة إلى أن تم تعيينه من طرف السلطات الإسبانية في عام 1915 قاضي قضاة مدينة مليلة الخاضعة لسيادتها.


وبتعامله الدائم مع السلطات الإسبانية، بدأت تتسع معرفته بنوايا وأهداف الاحتلال، حيث قال في مذكراته “لم أعتبر يوماً الحضارة الغربية غاية السعادة والاستقرار، وكنت كلما ازداد احتكاكي بالإسبان والأوروبيين بصفة عامة، ازداد إيماني بأنهم يعيشون في حلم الاستعمار والاستغلال للغير واستعباده، فأزداد بُعداً عن حضارتهم، وعن كل ما يسمونه تقدماً ورقياً، بينما يسخرونه لمصلحتهم دون بقية الإنسانية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى