دراسات

أزمات شرق أوسطية بلا حل .. تكشف عجز منظمة الأمم المتحدة

تحليل: د. فرناز عطية

شهد العالم انعقاد الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر شهر سبتمبر 2024 بمدينة نيويورك، وقد تناولت الفعاليات والمحادثات عدة أمور طرحت للمناقشة كان أبرزها قضية دعم الأونروا ، وإلقاء 6 دول عربية لكلماتها، في إطار المناقشة العامة رفيعة المستوى وهي: فلسطين، اليمن ، السودان ، الكويت، العراق، ولبنان، وقد تصدرت النقاشات مطالبات معظم الدول بوقف إطلاق النار في غزة، واتهام إسرائيل بممارسة عمليات الإبادة الجماعية، والتخوف من قيام حرب إقليمية واسعة النطاق في منطقة الشرق الأوسط، كما تعرضت المباحثات للوضع المتردي في السودان حيث تنذر الحرب الأهلية التي تدور رحاها هناك منذ 15 أبريل 2023، التي فشلت الأمم المتحدة في إيقافها إلى حدوث مجاعة وتداعيات كارثية، ولكن يتضح جليًا أن كل هذه النقاشات لا ترق إلا لكونها مجرد خطب مفوهة من قبل ممثلي الدول والمنظمة، فبالرغم من دعوة “ستيفان دوجاريك ” المتحدث باسم الأمم المتحدة في 26 سبتمبر 2024 إلى التهدئة الفورية، وعودة الأطراف إلى وقف الأعمال العدائية بشكل فوري وعاجل، وتنفيذ قـرار مجلس الأمن رقم 1701 بالكامل، إلا أن إسرائيل همت بتوجيه الضربات الجوية مباشرة لجنوب لبنان بعد هذا التاريخ، ضاربة بدعوات المنظمة وقراراتها عرض الحائط، مما يثبت هامشية دور المنظمة وعجزها، هذا إلى جانب الإخفاقات المتكررة في أزمات لاتزال دون حل كالأزمة السورية التي أثبتت عجز الأمم المتحدة عن تهدئة الأوضاع بين الأطراف المتنازعة، وإلزام الجانب التركي باحترام القوانين الدولية، وعدم التعدي على الأراضي السورية لاسيما بعد احتلال عفرين، وضرب الكرد بشكل متكرر في شمال وشرق سوريا في تهديد سافر للأمن والسلم الدوليين، ناهيك عن الأزمة اليمنية التي تدخلت فيها الأمم المتحدة منذ 5 أبريل 2011، واعتمد مجلس الأمن بشأنها القرار 2216 والذي أحدث انسدادًا سياسيًا لا يساعد على التوصل إلى حلّ توافقي بين أطراف الصراع، ولم يترك لهم المساحة الكافية للمناورة التي تحتاجها أي عملية سياسية، ما أدى بدوره إلى تدهور الوضع في اليمن، وعزز من نشاط الحوثيون، وبشكل عام يمكن إرجاع هذا العجز الأممي للمنظمة للأسباب التالية:

  • سيطرة الولايات المتحدة والدول الكبرى على قرارات المنظمة الدولية، من خلال النصيب الكبير من الاشتراكات والمساهمات المالية في المنظمة ووكالاتها المختلفة، فعلى سبيل المثال، تساهم الولايات المتحدة في تمويل عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام بأعلى نصيب بين دول العالم والذي يقدر بـ (27.89%)، ويرجع فشل الأمم المتحدة في بعض أزمات الشرق الأوسط إلى الممولين، حيث ازدواجية المعايير فهناك أنشطة تقوم الدول الغنية والكبرى بتمويلها، وأنشطة أخرى رغم أهميتها لا توليها دعمًا ولا تمويلاً، ومن ذلك نقص تمويل عمليات الأمم المتحدة في السودان، مما يعيق قدرتها على تنفيذ برامجها وتحقيق أهدافها، إذ تعتمد الأمم المتحدة بشكل كبير على الدول المانحة، وكذا فشل بعثة تقصي الحقائق التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أكتوبر 2023 عن القيام بدورها في كشف الانتهاكات المرتكبة أثناء النزاع لعدم وجود موظفين وتمويل كاف.
  • إعاقة قرارات المنظمة وتعجيزها عن أداء مهامها من خلال اسـتخدام الولايات المتحدة وروسيا في الجانب الآخر لحـق النقـض “الفيتـو” ضد ما يصـدره مجلـس الأمن من قرارات تتعارض مع مصالحهما أو مصلحة أي من حلفائهما، كما استخدمته الولايات المتحدة في وقف القــرارات التي تطالب بمحاسبة إسرائيل على ما ترتكبه من انتهاكات في حق الشعب الفلسطيني، وامتناع الدول ذات المصلحة كالدول الأوروبية وبعض دول العالم عن التصويت؛ مما يجعل المنظمة غير ذات جدوى، ويجردها من دورها الذي من المفترض أن تضطلع به، حيث استخدمت واشنطن “الفيتو” ضد مشروع قرار روسي لوقف إطلاق النار في غزة، مما أعطى ضوءً أخضرًا لإسرائيل للاستمرار في جرائمها العنصرية في غزة واستمرار عملياتها التوسعية، فالولايات المتحدة جاهزة دائماً للدفاع عن تل أبيب وحمايتها وتبرير أعمالها الإجرامية في مجلس الأمن؛ بما أنه الجهة الوحيدة المخول لها فرض عقوبات على الدول التي تنتهك القوانين والأعراف الدولية، أما في السودان فقد استغرق مجلس الأمن ما يقرب من عام لتبني قرار بشأن السودان يدعو إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية، ووصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، ولم يتم تنفيذه بالشكل الكامل حتى الآن من قبل الأطراف المتنازعة، كذلك في اليمن الدور الذي أدّاه المجلس في الملف اليمني، من خلال مبعوثي الأمين العام، أسهم في عودة البلاد إلى الخلف، فالأعضاء الدائمون في المجلس لم يلتزموا برغبة اليمنيين في إدارتهم لحظة ثورية استثنائية، وفضّلوا تغليب مصالح دولهم على مصلحة اليمن وشعبه، حيث استعملت روسيا حق النقض “الفيتو” في مطلع عام 2018 ضد مشروع قرار يؤكد اختراق إيران لحظر الأسلحة على اليمن، وظل المجلس يستبعدها من ملف اليمن، رغم تأكيد تقارير خبراء الأمم المتحدة أن طهران تمدّ الحوثيين منذ عام 2009، بشتى أنواع الأسلحة وتقف وراء حربهم ضد الحكومة اليمنية ودول الجوار.
  • الدعاية المضللة والتي تدعمها بعض الدول وتعمل على التأثير على المنظمة من خلالها، فعلى سبيل المثال لا الحصر تدعم الولايات المتحدة الادعاء الإسرائيلي بأن إسرائيل في حالة دفاع عن النفس ضد “حماس” التي تصنف كمنظمة إرهابية، ولكن واقع الأمر أن الشعب الفلسطيني بفصائله المختلفة محتل من قبل إسرائيل وله الحق في الدفاع المشروع عن نفسه ضد المحتل، طبقًا لقواعد القانون الدولي.
  • الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لا تتعاون فيما بينها لتحقيق الهدف الذي أنشأت من أجله المنظمة، وهو تحقيق الأمن والسلم الدوليين والحفاظ عليهما، ولكن كل دولة تسعى من خلال المنظمة للحفاظ على مصالحها وتوظيف المنظمة لتحقيق أهدافها، فالأمم المتحدة عبارة عن كتلة من الأجزاء وعندما تعمل هذه الأجزاء ضد بعضها البعض فإن النتيجة الحتمية ستكون الجمود والعجز.
  • الأمم المتحدة ترسيخ وانعكاس لموازين القوة في العالم، حيث تتيح من خلال تركيبتها وأجهزتها، والإجراءات التي تتبعها أن تقر القرارات التي تحقق مصالح الدول العظمى على حساب مصالح الدول الأقل ثقلاً والضعيفة في النظام الدولي، ففي السودان تواجه الأمم المتحدة صعوبة في التوفيق بين مختلف الفصائل السودانية، وذلك نظرًا لتدخل قوى خارجية ذات ثقل دولي وإقليمي ودعمها لفصيل داخلي على حساب آخر، ولم تستطع حتى الآن الأمم المتحدة وقف هذه القوى وتدخلاتها في الشأن السوداني سواءً على المستوى السياسي أو العسكري أو اللوجستي، وكذلك في سوريا حيث تتواجد مناطق نفوذ لواشنطن وموسكو وكل منهما يسعى لتحقيق مصالحه دون إيجاد حل أممي من قبل المنظمة، إضافة إلى التدخلات التركية في الشأن السوري واحتلال الأراضي السورية، والغارات الجوية لإسرائيل بين الحين والآخر بحجة ضرب المعاقل الإيرانية هناك، وبالمثل تبرز معضلة وساطة الأمم المتحدة في اليمن حيث مصالح الأعضاء الدائمين في المجلس ذاته تتعارض مع أجندة السّلم في البلاد.
  • التناقض الفج بين أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها، ففي الوقت الذي تقدم فيه وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” المساعدة والإغاثة للاجئين الفلسطينيين، وما تبذله وتساهم به لدعم عملية السلام، يعرقل ويبدد مجلس الأمن عملها بالقرارات التي يصدرها حينًا، أو يتقاعس عن إصدارها حينًا آخرًا، ويدعم الجانب الإسرائيلي بكل ممارساته الهمجية تجاه الشعب الفلسطيني، وتجاه وكالة “الأونروا” وموظفيها إلى حد رغبة إسرائيل في إنهاء تواجد هذه الوكالة لإنهاء القضية الفلسطينية من الأساس بعد 7/10/2023 وحرب غزة واتهام موظفي الوكالة بالتورط في أحداث “طوفان الأقصى”.

وقد تمخض عن إخفاق منظمة الأمم المتحدة في أزمات الشرق الأوسط إلى بروز عدد من التداعيات والنتائج، والتي تمثلت في:

  • تحول الأمم المتحدة إلى مجرد منتدى لمناقشات المشكلات والأزمات دون الوصول لحلول أو قرارات حازمة، مما أضعف ثقة دول وشعوب العالم في المنظمة الدولية.
  • اتساع دائرة الصراع خاصة في إقليم الشرق الأوسط والتهديد بالدخول في حرب إقليمية واسعة النطاق.
  • التهديد الصارخ للأمن والسلم الدوليين في الإقليم والعالم، وهما اللبنتين الأساسيتين التي نشأة لتحافظ عليهما الأمم المتحدة.
  • ترسيخ مبدأ القوة في العلاقات بين الدول على حساب العدالة، وتوسيع صلاحيات الدول القوية وحلفائها على حساب الدول الأخرى، واستمرار إخفاق المنظمة في مسؤولياتها تجاه حماية الدول النامية من أطماع الدول التي ما زالت تعتقد أنها ستتحكم في مقدرات الشعوب بما تملكه من قوة أو مال.
  • تراكم وازدياد الأزمات التي تخلفها النزاعات والصراعات الدولية كتفاقم عمليات اللجوء، والنزوح، والضغط على الموارد وانتشار الفقر والعوز والكوارث البيئية والصحية والمناخية، والأزمات الاقتصادية ومديونيات الدول النامية.

 وبذلك استطاعت أزمات الشرق الأوسط التي لم تجد لها حلاً، والجبهات الجديدة التي تفتح للقتال في المنطقة بين الحين والآخر بشكل متلاحق، أن تكشف الوجه القبيح للدول الكبرى كالولايات المتحدة والدول الأوروبية، وعجز وخنوع منظمات المجتمع الدولي وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى