متابعات

سيناريوهات الرد الإسرائيلي المحتمل على إيران

تحليل: الباحثة شروق صابر

في تصعيد كبير للصراع بين إيران وإسرائيل أطلقت الأولى عشرات الصواريخ على الثانية يوم 1 أكتوبر  2024 ناهية بذلك استراتيجة “ضبط النفس” التي كانت ملتزمة بها منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وذلك في عملية أطلقت عليها اسم “الوعد الصادق2″، ردًا على عمليات الاغتيال التي تقوم بها تل أبيب والتي استهدفت بها “قطع رؤوس القيادات” لما يسمى بـ “محور المقاومة”، أبرزها عمليات اغتيال رئيس المكتب السياسي لـحركة حماس إسماعيل هنية، وأمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله.

أبعاد الهجوم الإيراني

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تتحرك إيران بخطوات محسوبة محاولة إظهار قوتها دون إثارة ردود فعل غربية، متجنبة بذلك محاولات جرها نحو حرب إقليمية واسعة لم تكن مستعدة لها في الوقت الحالي، إلا أنه ومع توسيع إسرائيل لعمليات الاغتيال التي تستهدف بها قادة الصف الأول والثاني لمحور المقاومة، أصبحت إيران أمام خيارين إما التكيف مع خسارة حلفائها في الشرق الأوسط، أو إبداء مساندتها لهم وتوسيع نطاق دعمها تجاههم، وفي حين أنها لم ترغب في الدخول في حرب إقليمية، إلا أنها رأت ضرورة “ردع إسرائيل”، حيث أدركت أن ضبط النفس الفردي الذي التزمت به منذ حرب غزة “لا يؤمن متطلبات أمنها القومي”.

لذا قامت إيران بتنفيذ عملية “الوعد الصادق2” ردًا منها على اغتيال إسرائيل لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في 31 يوليو في قصف لمقر إقامته خلال زيارة لطهران، حيث كان يحضر حفل تنصيب الرئيس مسعود بزشكيان. وكذلك ردًا على اغتيال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني، في غارة جوية على الضاحية الجنوبية لبيروت، في 27 سبتمبر الماضي.

كان لافتًا اختلاف عملية “الوعد الصادق2″، عن عملية “الوعد الصادق” التي نفذتها إيران على إسرائيل في أبريل 2024، ردًا على الغارة التي شنتها الأخيرة على مبنى قنصلية إيران في دمشق، ففي هجوم أبريل اعترضت الدفاعات الإسرائيلية والقوات المتحالفة معها معظم الصواريخ والمسيرات، وقالت إيران حينها أنها أبلغت الولايات المتحدة وأعطت الدول المجاورة تحذيرًا قبل 72 ساعة مما وصفته بهجومها “المحدود” على إسرائيل. أما في هجوم أكتوبر الجاري لا تزال إيران تؤكد على أنها لم تُخبر الولايات المتحدة به، كما أعلنت أنها حققت من خلاله نتائج فعلية، وأكد وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده أن العملية العسكرية حققت نجاحًا تجاوز 90%، وأضر بثلاث قواعد عسكرية إسرائيلية، بما فيها قاعدة جوية استُخدمت في اغتيال حسن نصر الله، وتمت الإشارة إلى قاعدة لـ “الموساد”، وقاعدة “نيفاتيم” الجوية، وقاعدة “حتسريم” الجوية.

حيث أطلقت إيران حوالي 200 صاروخ باليستي على قواعد عسكرية واستخباراتية إسرائيلية مستخدمة خلال الهجوم صاروخ “عماد” الباليستي، وصاروخ “شهاب3”. ويتراوح مدى الصواريخ الثلاثة بين 1400 كيلومتر ونحو ألفي كيلومتر، وفق وزن الرأس الحربي. وكان لافتاً أن الهجوم الإيراني، الذي حمل اسم “الوعد الصادق2” اقتصر على صواريخ باليسيتية، على خلاف هجوم “الوعد الصادق” الذي استخدمت فيه إيران طائرات مسيرة، وبضعة صواريخ باليستسة. وقالت إسرائيل حينها إن الهجوم فشل بنسبة 99 في المائة.

فقد أرادت إيران تجنب إخفاقات أبريل من خلال الاعتماد على الصواريخ الباليستية بشكل أساس، والتي تتمكن من التغلب بسرعة على نظام الدفاع الجوي، رغم إعلان الجيش الإسرائيلي أن الأضرار لحقت ببعض القواعد الجوية في الهجمات الصاروخية لكنه ادعى أن الطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار والبنية التحتية الحيوية لم تتأثر، وأن مباني المكاتب ومناطق الصيانة فقط هي التي أصيبت.

سيناريوهات الرد الإسرائيلي المحتمل

وفقًا لتصريحات للرئيس الأميركي جو بايدن، يوم 4 أكتوبر الجاري، فإن “إسرائيل لم تحسم أمرها بعد بشأن الرد على الضربة الإيرانية التي استهدفتها”. وقال بايدن إن على إسرائيل أن تبحث عن “بدائل” أخرى بدلًا من استهداف المنشآت النفطية الإيرانية، وهو ما انتقضه المرشح الرئاسي دونالد ترامب في تصريح له يوم 5 أكتوبر، “لقد طرحوا عليه هذا السؤال، وكان ينبغي أن تكون الإجابة، اضربوا النووي أولًا واهتموا بالباقي لاحقًا”. وهو ما يعكس اختلاف التقديرات الأمريكية لطبيعة ومستوى الرد الإسرائيلي المحتمل. وفي هذا الإطار وجهت طهران رسالة لواشنطن أكدت فيها أن “أي هجوم إسرائيلي سيقابل برد غير تقليدي يشمل البنى التحتية”. وفيما يلي عرض لسيناريوهات الرد الإسرائيلي المحتمل:

1- ضرب المنشآت النووية الإيرانية: كان الرد الإسرائيلي على هجوم “الوعد الصادق” في أبريل الماضي خافتًا، فبينما أطلقت تل أبيب صواريخها على قاعدة جوية في أصفهان، وهي مدينة محاطة ببعض المنشآت النووية الإيرانية المهمة، تجنبت ضرب المنشآت نفسها. لكن الرسالة حينها كانت واضحة، حيث أرادت إسرائيل ردع إيران وإبلاغها أنه في المرة القادمة، يمكنها استهداف الأصول التي تغنيها إيران. خاصة مع تخوفات إسرائيل من اقتراب حصول إيران على “قنبلة نووية”.

لكن هذا السيناريو قد لا يلقي تأييدًا واسعًا من جانب الولايات المتحدة والدول الأوروبية، خاصة مع اقتراب “يوم النهاية” للاتفاق النووي في 18 أكتوبر 2024، وهو تاريخ انتهاء الاتفاق النووى الموقع في ٢٠١٥ والقرار الأممى ۲۲۳۱، الذي يمثل المظلة الأممية له، ويعنى يوم النهاية بالنسبة للاتفاق خروج إيران من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وإلغاء العقوبات الأممية التي كانت مفروضة عليها قبل توقيع الاتفاق المشار إليه بشكل كلي. ويدرك الأوروبيون أنه بعد ١٨ أكتوبر ٢٠٢٥ ، لا يجوز إعادة العقوبات الأممية مرة أخرى على إيران، وقد يكون الملف النووي الإيراني نقطة خلاف جديدة داخل مجلس الأمن. كما أن العديد من المنشآت النووية الإيرانية مدفونة في أعماق الأرض ومتفرقة على نطاق واسع، وبدون المساعدة الأميركية، لا تستطيع إسرائيل أن تدمر كل المنشآت الإيرانية، وفضلًا عن ذلك فإن الهجوم على منشآتها النووية من شأنه أن يمكن إيران من تسريع وتبرير برنامجها للأسلحة النووية.

أيضًا أظهرت إسرائيل في ردها على هجوم أبريل الماضي أنها قادرة على اختراق الدفاعات الجوية الإيرانية، كما قد توجه ضربة إلى المنشآت النفطية هناك، مما قد يشكل ضربة مدمرة للاقتصاد الإيراني، الذي من المتوقع أن ينمو بنسبة 2.7 في المئة هذا العام بفضل مبيعاته من الوقود الأحفوري. وهو ما قد يعمق الأزمة الاقتصادية في الداخل الإيراني، مما يثير غضب الشعب الثائر خلال الفترات الأخيرة على النظام. يدعم ذلك تقديرات إسرائيلة ترى أن الحل الحقيقي طويل الأمد للنظام الإيراني وما يشكله من تهديدات لإسرائيل، يتجسد في “توظيف العداء الذي يحمله جزء كبير من الشعب الإيراني تجاهه”، ولا بد من إيجاد سبل لتعزيزه وتوجيهه إلى قنوات عمل، تؤدي إلى تعميق الصدع بين الشعب والنظام، وتسريع التحركات الرامية إلى إنهاء المشروع النووي وانهيار النظام.

2- تكثيف التصعيد ضد محور المقاومة: مع تصاعد المواجهات العسكرية المباشرة بين إسرائيل وإيران، تحول لبنان مرة أخرى إلى ساحة صراع بين القوى الإقليمية، ورغم أن هجوم “الوعد الصادق2″، كان مصممًا جزئيًا لطمأنة حزب الله بأن إيران تدعمه. لكن الضرر الذي تكبده “محور المقاومة” الإيراني قد حدث بالفعل وتراجعت الثقة بين طهران وحزب الله، الذي تعتبره حليفها و”خط الدفاع الأول” لها، ويبدو أن الانتقادات الغير حادة التي يطلقها الرئيس جو بايدن وغيره من المسؤولين الأميركيين للممارسات الإسرائيلية تفهم في تل أبيب على أنها موافقة صامتة غير مباشرة وتفاهمات وانسجام مع واشنطن. عنوانها هو: “تخفيض حدة الهجوم الانتقامي الإسرائيلي على إيران، مقابل رفع سقف الضربات على لبنان”. هذا بجانب التخطيط للنيل من باقي الميليشيات سواء الحوثي في اليمن أو حزب الله في العراق، ولكن قد لا تقف إسرائيل إلى حد مواجهة “محور المقاومة” فقط وقد تسعى نحو توجيه ضربة مباشرة لإيران، من أجل رد الاعتبار للجمهور الإسرائيلي الذي لم يواجه قط هجومًا مماثلًا على الجبهة الداخلية، وخاصة في وسط البلاد.

3- توسيع عمليات الاغتيال: قد يشمل الرد الإسرائيلي على هجوم “الوعد الصادق2″، غارات جوية من طائرات مقاتلة بالإضافة إلى عمليات سرية مماثلة لتلك التي قتلت زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران قبل شهرين. والتي قد تشمل وفقًا لتقديرات إسرائيلية عديدة “رموز النظام”، مثل مقر المرشد، علي خامنئي، ومسؤولين آخرين، ورغم كونها محفوفة بالمخاطر، فإنها ليست مستبعدة، خاصة في ظل عودة الحديث عن الاختراق الأمني والاستخباراتي للفصائل المتحالفة مع طهران وحتى داخل طهران إلى الواجهة، وقد رفعت التطورات المتسارعة في لبنان بدءًا من تفجيرات البيجر والاتصالات اللاسلكية وصولًا لاغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله من منسوب القلق لدى الأوساط الإيرانية من مخاطر هذا الاختراق. وحتى ولو كان هذا السيناريو مستبعدًا فإنه يشكل عامل ضغط على النظام الإيراني، ويعد جزء من الحرب النفسية التي تستهدف معنويات جمهور المقاومة.

ختامًا، شكل الهجوم الإيراني الأخير تصعيدًا كبيرًا في الصراع بين إيران وإسرائيل، وقد وعدت حكومة نتنياهو بالرد بشكل حاسم عليه، وتشير التقديرات إلى أن جميع الخيارات ستكون على الطاولة، بما في ذلك توجيه ضربات إلى المنشآت النووية الإيرانية، وسيشكل الدعم الذي ستقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل عاملاً في قرارها بشأن كيفية الرد على إيران، والذي سيكون له الدور في تحديد مسار الصراع القادم بينهما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى