ندوات

قضايا المرأة في الشرق الأوسط.. حلقة نقاشية جديدة بمركز “آتون”

تشهد منطقة الشرق الأوسط أوضاعًا معقدة للغاية مع توسع دائرة الصراع والحروب والاضطرابات، التي تدفع المرأة لها ثمنًا باهظًا، وبينما العالم منشغل بتلك الأوضاع فإنه لا ينظر عادة إلى أوضاع المرأة ما يجعل المعاناة مزدوجة بين الواقع المرير والتجاهل المخز.

في هذا السياق، عقد مركز آتون للدراسات ندوة تحت عنوان قضايا المرأة في الشرق الأوسط أدارتها وقدمت لها الدكتورة فرناز عطية أستاذة العلوم السياسية، بحضور عدد من الأصوات النسائية مثل الكاتبة الصحفية المتخصصة في الشأن النسوي شيماء الشواربي والكاتبة الصحفية فاتن صبحي، ونجلاء رجب محمد رئيس إحدى المؤسسات المعنية بتمكين المرأة، ومنى عبداللطيف الناشطة في مجال المرأة ونوجين يوسف عضو أكاديمية جينولوجيا (علم المرأة)، والأستاذة نوران ضياء وهي مخرجة أفلام وثائقية، ودكتورة عزة محمود حسن الباحثة في التاريخ والتراث، والدكتورة سحر حسن أحمد الباحثة في التاريخ الحديث والمعاصر.

واستهلت الدكتورة فرناز عطية تقديمها للندوة بإشارة إلى محاور النقاش والتي كانت خمسة أولها وضع المرأة في مناطق النزاعات والحروب بالشرق الأوسط، والثاني تحديات تمكين المرأة في الشرق الأوسط، والثالث غياب العدالة الاجتماعية لدى النساء، والرابع تجربة المرأة الكردية، والخامس يتعلق بمستقبل النساء.

ولفتت فرناز عطية إلى أنه بالحديث عن الوضع الراهن فلا يخفى على أحد ما يواجه النساء في الشرق الأوسط، مؤكدة أن هذه المشاكل ليست مستجدة وإنما تفاقمت في الآونة الأخيرة، فدائمًا ما تعاني المرأة من التمييز والتهميش من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وغيرها من الجوانب التي ستكون محور النقاش، بالإضافة لغيرها من العوامل التي تكون صورة ذهنية سلبية عن المرأة “للأسف”، مشيرة إلى أن النزاعات والحروب أثرت على المرأة بشكل كبير في المنطقة.

النساء في مناطق الصراعات

البداية في المحور الأول كانت من عند الكاتبة الصحفية شيماء الشواربي التي أكدت من خلال تعاملها مع بعض النساء اللواتي عشن في مناطق صراع أنهن تعرضن لكل أنواع “الفجور”، حسب تعبيرها، من ضغوط نفسية وانتهاكات جسدية وتدمير للأسر، مشيرة إلى أنها حين تحدثت مع إحدى السودانيات أكدت أنها لا تريد العودة إلى بلدها بسبب ما لاقت هناك.

وتؤكد أن هؤلاء تعرضن لظروف أقل ما توصف به أنها مأساوية، فمنهن من فقدن أسرهن أو جزء منهن، أو من خرجت بمفردها، مشيرة إلى أن الشهادات كانت صعبة على نحو تطلب الحاجة إلى تقديم الدعم النفسي لهن، وهو ما تم القيام به بالفعل عبر مبادرة مؤنث سالم.

من جهتها، تقول منى عبداللطيف الناشطة في مجال المرأة، إن النساء في الشرق الأوسط يواجهن إشكاليات كبيرة، كالمرأة الفلسطينية التي تشكل نموذجًا كبيرًا لمعاناة المرأة، وكذلك المرأة اللبنانية حاليًا، مؤكدة أن المرأة في كل بلد بالشرق الأوسط تواجه المعاناة بمختلف أشكالها.

أما الأستاذة نوجين يوسف فأكدت أن الحروب التي تدور في الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية والنزاعات جعلت المرأة والأطفال من أكثر الضحايا لها، خاصة أن هذه الحروب تخلق فوضى واسعة تزيد فيها معاناة المرأة عبر مختلف الانتهاكات، ما يجعل الحل الرئيسي هو حل هذه النزاعات والحروب التي لن تأتي إلا بالخطر على النساء في كافة المجالات سواء اقتصاديًا أو نفسيًا.

وأكدت السيدة نوجين يوسف أنه لا بد من تبادل التجارب بين نساء الشرق الأوسط لمعرفة كيفية مواجهة هذه الظروف، مشيرة إلى تجربة المرأة الكردية في هذا السياق، ودعت إلى تشكيل عقد اجتماعي جامع لنساء الشرق الأوسط للمساهمة في حل هذه النزاعات والمساهمة في حماية الذات بشتى الوسائل المطلقة.

من جهتها، قالت الدكتور عزة محمود حسن إن أزمة المرأة هي أزمة وطن، وإذا حلت الثانية حلت الأولى، في فترات الحروب والأزمات التي تمر بها الأوطان فإن المرأة هنا تكون صورة مصغرة للمشكلة الكبرى، خاصة أن المرأة هي التي تتحمل المسؤولية في هذه الحالة، مؤكدة أنه إذا كانت المرأة تقوم بهذا الدور خلال فترة الحروب فإنه يجب على الرجل أن يساندها في قضاياها، وأن يكون لها مكانها ويأخذ برأيها.

أما الدكتورة سحر حسن أحمد فقد أكدت أن آثار الحروب والنزاعات على المرأة متعددة ومتنوعة، فنرى المرأة التي تفقد أسرتها وذويها، ونرى تلك التي تفقد عملها وتلك التي تقيم في المخيمات مفتقدة للأمان نتيجة ويلات الحروب، مشيرة إلى أن هذا أصبح شائعًا في الشرق الأوسط، وسط انتهاكات كبيرة من قتل واغتصاب واعتداءات على المرأة، لافتة إلى أن الحروب جعلت كثيرًا من النساء في الشرق الأوسط هن العائل للأسرة ومصدر الإنفاق، وبالتالي فإن الأثر الأول للحروب يكون وقعه الأول على المرأة.

تحديات تمكين المرأة

انتقل الحديث إلى المحور الثاني الذي يدور حول تحديات تمكين المرأة في الشرق الأوسط، وقد استشهدت الدكتورة فرناز عطية هنا بتقرير المرأة والسلام والأمن لمعهد جورج تاون في نسخته الرابعة، والذي ذكر أن المرأة حققت أسوأ نتائج من حيث مواجهة السلطة المستبدة كإيران وأفغانستان، ودول أخرى تواجه فيها المرأة التمييز، وأخرى تواجه فيها تبعات الحروب الأهلية، ما أدى إلى تراجع مشاركة المرأة في التنمية وكذلك تعرضها للعنف وتراجع الوضع المعيشي لها وغياب الحماية القانونية لها كذلك.

وجاءت وجهات نظر المشاركات في هذا المحور تشير إلى أن مسألة تمكين المرأة تتعرض لتحديات كبيرة على رأسها مسألة سلطة الدولة والسلطة الذكورية في المجتمع بداية من الأسرة وفكرة الفرض كأكبر عائق أمام تمكينها، فضلًا عن بيئة العمل التي تفرض ضغوطًا عليها، وحتى الدول المستقرة أصبح لديها ما يسمى بـ”السقف الزجاجي” أي أن المرأة تصل إلى حد معين وتتوقف مهما كانت قدراتها ولا تستطيع الوصول إلى مناصب معنية سواء اقتصاديًا أو سياسيًا، بدليل أننا لم نرى امرأة في الشرق الأوسط تصل إلى منصب الرئيس.

وأشار المتحدثون إلى أن هناك إشكالية هي أن القوانين التي تمكن للمرأة موجودة، لكن الذهنية الذكورية لها انعاكسها السلبي على مستوى التطبيق، كما أن المرأة نفسها قد تكون عائقًا نتجية ذهنيتها المتأثرة بفكرة الذكورية، وسط تأكيدات على ضرورة تطوير المرأة وخاصة مع استسلام كثيرات منهن للواقع

في إطار الحديث كذلك عن البعد القانوني في تمكين المرأة، لفتت الكاتب الصحفية فاتن صبحي إلى إشكالية تتعلق بأن النساء لا تشاركن في وضع القوانين ولا النقاشات حولها ولا في تطبيقها، ومن ثم فإننا أمام سلطة تشريعة وتنفيذية متأثرة بفكرة سيطرة الرجل، مؤكدة أن هذا كان دافعًا للحاجة إلى وجود نساء قاضيات ومحاميات للتعامل مع ما يتعرضن له النساء.

العدالة الاجتماعية

انتقل الحديث بعد ذلك إلى محور العدالة الاجتماعية، وهنا اعتبرت الدكتورة سحر حسن أن غياب العدالة الاجتماعية بالنسبة للمرأة مرتبط بإشكالية تمكينها، فلن تتوافر العدالة في ظل السلطات الذكورية، فالعدالة تأتي في ظل التساوي بين الطرفين والمساواة في حرية الرأي والتعبير وحتى المساواة في التربية بين الولد والبنت.

بدورها، تؤكد الدكتورة فرناز عطية أن هناك حاجة إلى العدالة التي تراعي احتياجات المرأة وليست فكرة المساواة المطلقة، مؤكدة كذلك أن كل دول الشرق الأوسط أيضًا لديها إشكاليات في هذا المحور حتى في دول تدعي الحضارة والاهتمام بحقوق المرأة مثل تركيا، فإن النساء يواجهن هناك إشكاليات كبيرة من عنف وعنصرية، وكذلك الحال في إيران بما تتعرض له من انتهاكات أبرزها تعذيب المرأة التي لا ترتدي الحجاب.

المرأة الكردية

ثم انتقل الحديث في الحلقة النقاشية إلى تجربة المرأة الكردية في مناطق الإدارة الذاتية بشمال وشرق سوريا المستوحاة من فلسفة المفكر عبدالله أوجلان، باعتبارها – حسب آراء المشاركين – بارقة أمل ونموذجًا يحتذى به وموضع تقدير ويمكن الاقتداء به ولديه قابلية للتطبيق في أي مكان، بما يتمتع به هذا النموذج من مرونة مقارنة بأحاديث عن حقوق المرأة في مناطق أخرى من العالم ما هي إلى حبر على ورق بلا عائد على المرأة.

ولفتت الدكتورة فرناز عطية أن هذه التجربة أعطت بعدًا مختلفًا لأفكار المفكر عبدالله أوجلان بأنه ليس مجرد فكر فلسفي ميتافيزيقي لا يهبط إلى الأرض الواقع، بل إنه بالفعل يطبق في إطار الوصول إلى الفرد الديمقراطي ذكرًا كان أو أنثى، والوصول إلى المجتمع الديمقراطي، ثم الوصول إلى الأمة الديمقراطية وهو المشروع الذي نادى به، داعية إلى ضرورة تطبيق هذا النموذج في مختلف دول وربوع الشرق الأوسط لما له من قدرة على حل كثير من المشكلات سواء للنساء أو الشعوب الأخرى.

بدورها، استعرضت الدكتورة نوجين يوسف كثيرًا من الجوانب لتجربة المرأة الكردية في إطار النموذج المعمول به في مناطق الإدارة الديمقراطية بشمال وشرق سوريا، خصوصًا مفهوم التشاركية بين الرجل والمرأة في مختلف المؤسسات وفق اعتبارات الكفاءة، وكذلك العمل وفق إطار ديمقراطي حقيقي لم يفرض من الخارج بل وسط قناعات للعاملين على تطبيق هذا النموذج.

مستقبل المرأة

أما عن المحور الأخير بشأن متسقبل المرأة، فقد أجمع المشاركون على أن هناك حاجة ماسة لتغيير واقع المرأة الحالي، وأن هذا التغيير يجب أن يأتي من الأسفل وبداية من المستوى الفردي وأن تبدأ المرأة من نفسها تغيير نفسها وتعمل على تحسين وضعها في كل مجال توجد فيه، فضلًا عن ضرورة العمل على تغيير ثقافة ونظرة المجتمع نفسه.

وقد أكدت الدكتورة سحر حسن أحمد هنا الحاجة إلى النظر إلى التجارب الأخرى الناجحة مثل تجربة المرأة الكردية في مناطق الإدارة الذاتية بسوريا، وأن يتم الاحتذاء بها ونشرها للتأكيد أن هناك تجارب ناجحة للمرأة أتت بنتائج حقيقية على أرض الواقع.

في هذا المحور أيضًا، أكدت الكاتب الصحفية فاتن صبحي الحاجة إلى تغيير بعض النظرات الخاطئة والأفكار غير الصحيحة حول دور المرأة كحصرها في المسؤولية عن الأسرة فقط، مشددة على أنه لو حدث تغيير في هذه النظرة والبيئة التي تعيش بها بشأن دورها فإن ذلك سيكون له تأثيرًا كبيرًا.

وفي ختام الحلقة النقاشية، جرى التأكيد على أن التحديات التي تواجه المرأة في الشرق الأوسط خلال الفترة القادمة صعبة وكثيرة في ظل الصراعات والحروب والنزوح واللجوء، لكن ربما من المحنة تولد المنحة، بدليل أن لدينا تجربة المرأة في مناطق الإدارة الذاتية كبصيص أمل نحو تمكين المرأة في مختلف المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى