ندوات

بمزيج من التجربة الشخصية والنقاش العلمي .. مركز آتون يحتفي باليوم العالمي للعصا البيضاء

بطريقة مبتكرة احتفى مركز آتون للدراسات باليوم العالمي للعصا البيضاء الذي يأتي في 15 أكتوبر من كل عام، عبر عقد ندوة تحت عنوان العلاقات الإقليمية من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة، كان المتحدثان بها باحثين كبيرين من ذوي البصيرة وكذلك مقدم الندوة، ليتحدث كل منهم عن تجربته الشخصية لا سيما تخصصاتهم الدراسية وتحديداً في علم التاريخ.

شملت المنصة كل من الدكتور علي أحمد السيد أستاذ التاريخ الوسيط، والدكتور محمد محمود الدوداني أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، ومن تقديم الأستاذ بليغ عبدالغني باحث الدكتوراة بكلية الآداب بجامعة دمنهور والثلاثة من ذوي البصيرة، وبحضور عدد واسع من المثقفين والأكاديميين والكتاب على رأسهم الكاتب الصحفي فتحي محمود مدير مركز آتون للدراسات والأستاذ الدكتور محمد رفعت الإمام أستاذ التاريخ الحديث والأستاذ علي ثابت صبري الأكاديمي والباحث في التاريخ والدكتورة فرناز عطية أستاذة العلوم السياسية والكاتب الصحفي السوري الكردي أحمد شيخو والدكتورة سحر حسن أحمد أستاذة التاريخ والباحث أحمد محمد إنبيوة، وغيرهم.

العصاء البيضاء.. إشارة للأمل

ويتم الاحتفاء باليوم العالمي للعصا البيضاء في إطار تعزيز الوعي بحقوق ذوي البصيرة “المكفوفين” وتسليط الضوء على تلك الأداة التي تكون بيدهم وهي “العصا البيضاء” التي تتجاوز بالنسبة لهم مجرد أنها عصاة لتصبح وسيلة للشعور بالأمل والحرية والاستقلالية، ومن ثم يكون هذا اليوم فرصة مناسبة للتذكير باحتياجاتاتهم والتأكيد على تمتعهم بكامل الحقوق والحريات والعيش الكريم.

قدم الندوة الأستاذ بليغ عبدالغني وقد اتسم بأسلوب شيق مثير للإعجاب في تقديمه للضيوف لا سيما استعراضه الإذاعي لسيرتهم الذاتية وتركيزه الدقيق في نقل الكلمة بينهم واستقبال الأسئلة وتنظيم النقاش، وقد استهل تقديمه بالفعل للندوة بإشارة موجزة إلى اليوم العالمي للعصا البيضاء والتي وصف مكانتها بالنسبة لذوي البصيرة بالنجم البعيد الذي يشير إلى الطريق وينشر الأمل في قلوب المكفوفين، كما أعرب عن سعادته بفكرة الندوة وأن يكون الاحتفاء باليوم العالمي لها بهذه الطريقة، مقدماً الشكر للكاتب الصحفي فتحي محمود مدير مركز آتون للدراسات.

تجربة الدكتور علي أحمد السيد

بدأت الكلمة من الأستاذ الدكتور علي أحمد السيد أستاذ التاريخ الوسيط بكلية الآداب في جامعة دمنهور، الذي أعرب عن خالص شكره لمركز آتون لإقامة هذه الندوة الاحتفالية باليوم العالمي للعصا البيضاء، وألمح إلى أنه لأول مرة يشارك في احتفال بهذا اليوم يمتزج بالنقاش العلمي “ولأول مرة في مصر”، بما يحمل يوم العصا البيضاء من رمزية لدى ذوي البصيرة.

وقد أعرب الدكتور علي أحمد السيد عن فخره بأنه كان عميداً لكلية الآداب بجامعة دمنهور ليكون بذلك ثاني شخصية من ذوي البصيرة يتولى عمادة إحدى كليات الآداب بجمهورية مصر العربية بعد عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، موضحاً أن مجال تخصصه وأبحاثه يرتكز على العصور الوسطى التي تنصب فيها الأحداث عادة على العلاقات بين الشرق والغرب، مشيراً إلى أن لديه عدداً من الكتب التي ترصد العلاقات الدولية في تلك الفترة وخاصة الحروب الصليبية.

ولفت إلى أن لديه 13 كتاباً منشوراً ولديه كذلك عدد كبير من الأبحاث المنشورة باللغتين العربية والإنجليزية، وقد ركز في بعض منها على الكرد ودورهم، كما أشار إلى أحدث ما كتب وهو بحث عن وقف تميم الداري أقدم أوقاف المسلمين الواقع بمنطقة الخليل المحتلة بالأراضي الفلسطينية، كما ركز بصفة رئيسية في حديثه عن كتابه دور الأكراد في الحركة الصليبية الذي يغطي الفترة من 1170 وحتى 1193 أي خلال عهد صلاح الدين الأيوبي.

وقد تحدث الدكتور علي أحمد السيد في استعراضه لكتابه عن شخصية صلاح الدين الأيوبي وعبقريته التي مزجت بين تكوينه وخلفيته كإبن للقومية الكردية وفي نفس الوقت أنه منتم للأمة الإسلامية، مشيراً إلى أن الكرد على مر التاريخ منذ أن دخلوا الإسلام حافظوا على هويتهم كأمة داخل الأمة، أي كأمة كردية داخل الأمة الإسلامية الكبيرة دون تعارض.

ويشير في هذا السياق إلى الضغط العسكري الصليبي الذي كان يشكل عبءً كبيراً على صلاح الدين الأيوبي، حيث كان الأوروبيون وقتها أكثر عدداً من المسلمين، وبالتالي هنا كان لا بد عليه أخذ قرارات ذكية لتجنب الحروب قدر المستطاع من ذلك إفساح المجال أمام الأوروبيين للحج إلى المناطق المقدسة في الأراضي الفلسطينية دون ضرائب، لامتصاص النزعة المتعصبة من الأوروبيين، وفي نفس الوقت قطع الطريق أمام رغبتهم في الحرب التي كان مبررها أنهم يريدون الوصول إلى هذه الأماكن لأداء شعائرهم المقدسة، مشيراً إلى أن اتفاق صلح الرملة الذي وقعه مع ريتشارد قلب الأسد عام 1192 تضمن ذلك.

ويشير إلى أن كتابه تطرق كذلك إلى الحديث عن أصل الكرد، موضحاً أنهم يعيشون الآن في نفس الحدود الجغرافية التي عاشوا بها تاريخياً، مؤكداً أنهم كانوا من القبائل المنفتحة على من حولها، واحتكوا بغيرهم حتى أصبحوا جزء من الأمة الإسلامية، لافتاً إلى أنه حتى لو كان هناك غموض حول أصلهم لكنهم ظلوا محافظين على هويتهم كأمة أو كعنصر معين داخل الأمة الإسلامية، مشيراً إلى أن أغلبهم سنة وهم أصحاب تدين حقيقي وعميق ويفهمون دينهم جيداً ويتمسكون بها بشكل راسخ، كما اتصفوا دائماً بانتمائهم لبعضهم البعض وتمسكهم ببني جلدتهم.

ويلفت الدكتور على أحمد السيد إلى أن الكرد اتسموا بالبراعة في النواحي السياسية والعسكرية كذلك، فقد كان منهم قادة عسكريين عظام، وفي نفس الوقت عرفوا بالتسامح مع غيرهم خاصة مع خصومهم من المسلمين، حتى أن صلاح الدين الأيوبي حين كان يعلو سيفه علي خصومه كان يوقف القتال، لأنه كان حريصاً على دماء المسلمين، فلم يكن رجلاً دموياً كما يظن البعض بدليل أنه حين ضم دمشق إليه كان عن طريق الزواج ولم يلجأ إلى الخيار العسكري.

وواصل أستاذ التاريخ الوسيط حديثه عن الطبيعة الكردية، فيقول إن الكردي بطبيعته يؤمن بالقضية التي يعتنقها ولهذا يوصف بأنه “مضحي”، لافتاً إلى أنه قد قتل منهم عدداً كبيراً، ولهذا وصفت الدولة الأيوبية بأنها دولة مجاهدة، كما اتسموا في الوقت ذاته بالحكمة السياسية التي يمكن التعرف عليها في كثير من قرارات صلاح الدين الأيوبي كذلك مثل تحويل الإقطاع الزراعي إلى إقطاع عسكري وبراعته في زرع الجواسيس بين الصليبيين وكذلك القضاء على جواسيس العدو بعديد من الطرق، ليكون صاحب الدور الرئيسي في اقتلاع معظم الكيانات الصليبية والتصدي للحروب الصليبية اللاحقة.

تجربة الدكتور محمد الدوداني

انتقلت الكلمة إلى الأستاذ الدكتور محمد محمود الدوداني أستاذ التاريخ والحديث المعاصر بكلية الآداب بجامعة دمياط، الذي لديه اهتمام كبير بالعلاقات التركية – الإسرائيلية التي كانت موضوع رسالته في الدكتوراة خلال الفترة من 1946 وحتى 1960، ولديه عديد من الدراسات ركز في بعضها على العلاقات العربية – العربية، كما شارك في عدد من المؤتمرات خارج جمهورية مصر العربية مثل السعودية وتركيا.

وقد أعرب الدكتور الدوداني عن سعادته بفكرة الندوة والاحتفاء بيوم العصا البيضاء، مشيراً إلى أنه قد حصل على الماجستير عام 2002، واستكمل دراساته العليا وصولاً إلى حصوله على الدكتوره، فضلاً عن أن لديه عديد من الأبحاث والدراسات وكذلك عدد من الكتب ناقشت عديداً من القضايا والموضوعات مثل العلاقات السعودية الهندية والاستراتيجية البريطانية في المشرق العربي وغيرها.

ومن بين كتاباته المتعددة، اختار الدكتور محمد الدوداني الحديث عن العلاقات التركية – الإسرائيلية ليقدم استعراضاً تاريخياً دقيقاً لها ممزوجاً بقراءة منه لسيرورتها وتحليلها، خاصة عندما استشهد في بداية حديثه بتصريحات رجل الأعمال التركي اليهودي جاك قمحي الذي قال إن الدولة الإسرائيلية قد جرى إقامتها في تركيا الحديثة قبل أن تقام فعلياً في موقعها الجغرافي الحالي على الأراضي الفلسطينية المحتلة، معتبراً أن هذا ما يفسر لماذا كانت أنقرة أول المسارعين في العالم الإسلامي إلى الاعتراف بقيام هذه الدولة في مارس 1949 وعينت سيف الله أمين كأول سفير لها لدى تل أبيب.

ويواصل الدوداني تحليل الأسباب الأخرى لهذه المسارعة التركية للاعتراف بدولة إسرائيل، والتي كان على رأسها أولاً مخاوف أنقرة من تهديدات الاتحاد السوفيتي وبالتالي كانت بحاجة إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة هذه التهديدات، وكذلك إلى جانب احتياجاتها لبيوت المال الغربية في ظل معاناتها من بعض الأزمات الاقتصادية، مشيراً إلى أن يهود الدونمة كانوا المسيطرين على القرار في السياسة الخارجية التركية، وبالتالي جاء الاعتراف بإسرائيل والذي حقق كثيراً من المكاسب الجيوسياسية لتل أبيب.

واستعرض الدوداني تطور العلاقات التركية – العربية كذلك من منظور العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، مشيراً إلى أنها ساندت كثيراً من المواقف الإسرائيلية والغربية ضد العرب، من ذلك اعتراضها على قرار الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بشأن وقف مرور السفن الإسرائيلية في قناة السويس عام 1951، ودعت إلى ضرورة إلغاء القرار، كما أنها هاجمت قرار عبدالناصر بتأميم قناة السويس ودعمت فكرة إبعاده عن الحكم، ليقع لاحقاً العدوان الثلاثي على مصر، ومعه اضطرت الحكومة التركية لتغيير لهجتها مع اندلاع احتجاجات شعبية واسعة داخل تركيا تضامناً مع القاهرة وضد العلاقات مع تل أبيب.

ويقول الدوداني إن تركيا ظلت بهذه التوجهات حتى بدأت قضية قبرص تشتعل عام 1963 وأمام غياب الدعم الغربي لها والأمريكي، بدأت أنقرة ترى أنها بحاجة إلى التقارب مع العرب وخصوصاً مصر للحصول على دعم الأصوات العربية وأصوات التكتل الأفرو – آسيوي الذي كان يقوده عبدالناصر، وهو التقارب الذي كانت ترفضه إسرائيل، في المقابل وقف العرب مع اليونان في القضية القبرصية، خاصة وأنه كانت هناك قناعة بأن أنقرة هي من رسخت للوجود الإسرائيلي كونها كانت أول دولة ذات غالبية مسلمة تعترف بالدولة الإسرائيلية.

لكن الدوداني يقول كذلك إن تركيا لاحقاً وفي ضوء الأزمة القبرصية تصرفت وكأنها تحاول التخلص من “سبة الاعتراف بإسرائيل” فاعترفت على سبيل المثال بمنظمة التحرير الفلسطينية، وصولاً إلى انتهاء الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفيتي، وهنا تخلصت أنقرة من كثير من القيود وبدأت تعود لمسألة بسط نفوذها في آسيا الوسطى، وتظهر أطماعها في سوريا والعراق، وكذلك مياه نهري دجلة والفرات، ثم دخلت العلاقات مرحلة أخرى مع قدوم حكومة حزب العدالة والتنمية، مشيراً إلى إدلاء تركيا بكثير من التصريحات ضد إسرائيل التي كانت سبباً في توترات متبادلة، لكنه يرى في الوقت ذاته أنها كانت تصريحات للاستهلاك المحلي بدليل أن التجارة بين تركيا وإسرائيل دائماً عند أعلى مستوياتها.

ويؤكد أستاذ التاريخ الحديث أن العلاقات بين تركيا والعرب في هذا السياق قامت على فكرة المصالح والبرجماتية، فمع اتباع الولايات المتحدة سياسية تخفيف بصمة القدم في الشرق الأوسط، رأينا التقارب التركي مع مصر والخليح، كما تحسنت علاقات أنقرة بتل أبيب وعادت العلاقات الدبلوماسية بعد قطعها إثر حادث السفينة مرمرة، مشيراً إلى أن مستقبل العلاقات التركية – الإسرائيلية سيبقى هكذا عودة ثم قطيعة ثم عودة ثم قطيعة ثم عودة وهكذا في ضوء تقاطع المصالح بينهما.

ختام

وقد اختتمت الندوة باستقبال مشاركات من عدد كبير من الحضور الذين أبدوا بدورهم إعجابهم بفكرة الندوة وإحياء اليوم العالمي للعصا البيضاء باستضافة قامتين من ذوي البصيرة وهما الدكتور علي أحمد السيد والدكتور محمد محمود الدوداني وكذلك الأستاذ بليغ عبدالغني خصوصاً.

وقد قدم المتحدثون إجابات وافية على كل الأسئلة التي وجهت لهم وكذلك المشاركات التي تركزت بصفة رئيسية حول شخصية صلاح الدين الأيوبي وتكوينه، وكذلك السياسات التركية في منطقة الشرق الأوسط وكذلك تجاه الدول العربية، وأيضاً دور الكرد ومكانتهم، والتأكيد كذلك على الحاجة إلى وجود مشروع يعبر عن منطقة الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى