تصفية “السنوار” ومسار حرب غزة.. هل يتصدر ملف الهدنة وعودة الرهائن المشهد؟
تحليل: د. فرناز عطية
أعلن الجيش الإسرائيلي 17أكتوبر 2024 اغتيال ” يحيى السنوار” رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وقائدها العسكري والسياسي، الذي ظلت إسرائيل تتعقبه منذ أكثر من عام، وذلك إثر قصف منزل تواجد به هو واثنان من مقاتلي الحركة في حي ( تل السلطان) في رفح بقطاع غزة، ويذكر أن “السنوار” كان أسير لدى إسرائيل وقد أطلق سراحه عام 2011 ، في صفقة “تبادل جلعاد شليط”، وقد انتزعت منه إسرائيل عينة DNA ، ومن رافقه من الأسرى الفلسطينيين وقتئذ لدى إسرائيل ، وقد كان لمقتل “السنوار” الكثير من الأصداء وردود الأفعال المتباينة، سواءً على مستوى الشارع الفلسطيني الذي اعتبره بمثابة صدمة، أو السلطة الفلسطينية والفصائل، حيث أعلن “خليل الحية” 18 /10/2024 عضو الحركة استشهاد “يحيى السنوار”، وبذلك أكدت الحركة رسمياً مقتل زعيمها في غزة، مع تأكيد “الحية” أن مقتل الأول لن يغير من موقف الحركة وشروطها المتعلقة بإنهاء الحرب، أما الجانب الأوروبي يرى أن هناك مرحلة جديدة وفرصة لابد من اغتنامها لإنهاء الحرب، ودفعًا لمقترح الهدنة للأمام، بينما تعد إسرائيل مقتله نصرًا لها، حيث تحمله مسئولية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر2023، فقد أكد “نتنياهو” أن الحرب لن تنتهي بعد بمقتل “السنوار”، وسيواصل الحرب حتى عودة الرهائن، وينبغي أن لا تعود “حماس” إلى غزة مرة أخرى وأن اليوم التالي بدأ دون “حماس”، إيران من جانبها لم تكذب الخبر ولم تبدي بتصريح رسمي، ولكن هل تؤدي تصفية “يحيى السنوار” إلى وقف الحرب في غزة والوصول إلى هدنة؟
هناك عدة عناصر والعوامل لابد أن تؤخذ في الاعتبار عند الإجابة على هذا السؤال:
- “يحيى السنوار” هو قيادي وعضو في تنظيم حركة “حماس”، وقتله قد يوجه ضربة قوية للحركة، وخصوصًا كونه من القادة المؤثرين، وذوي الموقف المتشددة تجاه الهدنة مع إسرائيل، ولكن هذا لا يعني بالضرورة إنهاء وجود التنظيم، أو حدوث تحول جذري في مواقفه، فقد سبق أن اغتيل عدد من قادة التنظيم في الفترات المختلفة كالشيخ “أحمد ياسين”، و”عبد العزيز الرنتيسي”، و”صلاح شحادة”، و”المبحوح” وغيرهم، ومع ذلك لم يتم القضاء على “حركة حماس”، وهي الذريعة التي تزعم إسرائيل اشعال الحرب من أجلها.
- استراتيجية “الخلية العنقودية لحماس” فاللواء ينقسم لمجموعة من السرايا وسرية تنقسم لمجموعة من الخلايا، وبالتالي فإن هناك تعدد للقيادات الفرعية للقيام بحرب عصابات في مناطق متفرقة، يضمن تجدد الدماء في التنظيم حتى مع اغتيال قائد الهرم التنظيمي، إضافة إلى وجود شكل للحاضنة الشعبية لدى التنظيم وإن كانت ليست بالقوة الكافية بسبب الاستهداف الدائم للمدنيين بالقتل والتهجير.
- تنظيم “حماس” تنظيم له جناحين الأول يتبع تنظيم “خمنائي” والآخر يتبع تنظيم “الإخوان المسلمين”، وهو ما يؤكد أنه لا يمكن اختصار التنظيم في مقتل “السنوار”.
- وجود عدد من العناصر البارزة في “حماس” مرشحة لخلافة “السنوار”، أهمها: “محمد السنوار” شقيق “يحيى السنوار” المشرف على شبكة الأنفاق التي بنيت في غزة، ووصوله لقيادة التنظيم يعني تعقيد مسار الوصول لهدنة وصفقة للرهائن، و”خليل الحية” الذي أعلن أن موقف الحركة ثابت فيما يتعلق بالتمسك بشروطها في التفاوض مع إسرائيل، وكذا “خالد مشعل” الذي يتسم بعلاقات غير جيدة مع إيران مما قد يؤدي لاستبعاده.
- حذرت عدد من دول المنطقة من مغبة سياسة الاغتيالات التي قد تؤثر سلبًا على أمن المنطقة، وسير المفاوضات الخاصة بالهدنة، وحياة الرهائن الإسرائيليين.
- تصريح “بايدن” 18/10/2024 أن هناك إمكانية للعمل على التوصل لوقف لإطلاق النار في لبنان لكن الأمر سيكون أصعب في غزة.
- إسرائيل بالرغم من أنها أعلنت أن سبب حربها على غزة هو القضاء على “حماس”، إلا أن هذا السبب مجرد ذريعة، والحقيقة هي سعي إسرائيل للتوسع على حساب الدول العربية، لإقامة إسرائيل الكبرى، وإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وتحقيق أطماعها السياسية والاقتصادية بالمنطقة، ودليل ذلك أنه بالرغم من قدرة إسرائيل على تحديد أهدافها بدقة، لاسيما في اغتيال القيادات سواءً في فلسطين أو لبنان، إلا أنها قامت بالضرب العشوائي للمدنيين وتدمير مدن وقرى بأكملها بحجة القضاء على “حماس”، ناهيك عن عمليات التهجير والإبادة العرقية للمدنيين في غزة ورفح، إلى جانب تواجدها في محور فيلادليفيا ورفضها الخروج منه، كما طلب الجيش الإسرائيلي إخلاء 23 قرية بجنوب لبنان، وأكد “جالانت” وزير الدفاع الإسرائيلي على ضرورة تدمير الخط الأول من قرى الجنوب، والتي لن يسمح لها بالعودة حتى بعد رحيل الجيش الإسرائيلي، هذا إلى جانب ممارسات إسرائيل لابتلاع الضفة الغربية في ظل انشغال العالم بحرب غزة.
- صعوبة تخلي إسرائيل عن الترتيبات الأمنية التي قامت بها لترسيخ احتلالها وسيطرتها على غزة، كترسيم ما يسمى بالمنطقة العازلة التي تلتهم مساحة واسعة من القطاع، وتواجدها في محور نتساريم، ومحور فيلادليفيا، وتقطيع أوصال القطاع من خلال شق طرق عرضية وطولية وتحويله إلى مناطق معزولة بعضها عن بعضه كما هو الحال في فصل شمال قطاع غزة عن وسطه وجنوبه، وتطويق رفح، والفصل التام للقطاع عن الضفة الغربية.
- افتقار الجانب الإسرائيلي إلى الجدية وتقديم ضمانات حقيقية للجانب الفلسطيني للوصول لهدنة وتسليم الرهائن، والدخول في المفاوضات تفضي إلى وقف الحرب.
- رفض “نتنياهو” وائتلافه اليميني المتشدد الوصول إلى هدنة لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في غزة، ففتح إسرائيل جبهات جديدة وسيطرتها على عدد من المناطق، واغتيالها للكثير من قيادات “حماس”، و”حزب الله” يرفع رصيد “نتنياهو” ويضمن استمراره في السلطة ولو كان بشكل مؤقت، وإفلاته من قضايا الفساد التي تلاحقه حال تركه المنصب، إلى جانب استمرار مغازلته لليمين المتشدد لدعم حكومته الائتلافية وبقائه في السلطة.
- غياب الإرادة السياسية للولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، في وقف الحرب على غزة والوقوف في وجه التوسع الإسرائيلي على حساب الدول العربية، وعدم اللجوء للضغط عليها والاستمرار في تزويدها بالأسلحة والدعم اللوجستي.
- السعي قدمًا لتنفيذ مشروع أمريكي إسرائيلي في المنطقة يعزز من هيمنة القطب الأوحد، من خلال تكريس التواجد الإسرائيلي ومحور الأذرع الإيرانية في المنطقة، لإيجاد مبرر للتدخل الأمريكي الدائم في المنطقة بحجة حماية أمن إسرائيل.
وإجمالاً لما سبق لا يمكن التعويل على أن مقتل “السنوار” ككادر وقيادي بارز في حركة “حماس” سيؤدي إلى أن يحتل ملف الهدنة وعودة الرهائن الصدارة للمشهد، خاصة أنه وكما أوضحنا أن “حماس” يستحيل اختزالها في “السنوار”، وأن الأمر لا يتوقف على “حماس” بمفردها، بل يرتبط بعوامل أخرى تتمثل في موقف الفواعل الدولية والإقليمية من الحرب على غزة، وكذا التوسع الإسرائيلي بشكل عام في المنطقة، والأهم هي الإرادة السياسية للجانب الإسرائيلي المتعطش للسيطرة على مزيد من الأراضي لإشباع متطلباته السياسية، والأمنية والاقتصادية والديموغرافية، وسعيه لرسم خريطة جيوسياسية جديدة للمنطقة تحقق أطماعه التوسعية.