ثقافة

دور الكرد في دولة المماليك البحرية “مصر نموذجًا”

تحليل: الباحثة شيماء يعقوب

المقدمة:

 كانت كردستان الموطِن الأصلي للكرد تُسَمى بالقلاع الأمامية وذلك لاعتبارها الحصن المنيع للخلافة الإسلامية أمام تيار الروم، ومن أشهر حصونها حصن كيفا، وكانت هناك عَلاقات قديمة بين الكرد ومصر منذ العصر الفرعوني حتى دخول الإسلام مصر، وبدأ ظهور الكرد بشكل بسيط في عهد الخليفة الفاطمي الظافر بأمر الله، الذي ولَّى العادل بن السلار الكردي الأصل وزيرًا له والذي جاهد كثيرًا ضد الصليبيين؛ حتى إنه كان يرسل حملة عسكرية كل ستة أشهر لعسقلان ضد الصليبيين للدفاع   عن  الأراضي الإسلامية الشريفة  المُقَدَّسة،  وبموته ظلَّ توقُّف الجهاد ضد الصليبيين حتى مجيء صلاح الدين الأيوبي وإحياؤه من جديد(1) وقد جاء الكرد لمصر عن طريق هجرات من كردستان بسبب الغزاه، وطلب العلم، وبهدف التجارة .

وقد كان الكرد عنصرًا أساسيًّا في مصر منذ الدولة الأيوبية التي كانت تُعَد من الحقب التاريخية المُزدَهِرة، وتركت لنا آثارًا واضحة. وقطعت دراسة التاريخ الكردي أشواطًا بعيدة في السنوات الأخيرة استطاعت تلك الدراسات إبراز إسهامات الكرد في جميع النواحي الحضارية، ورغم إحاطة الكثير من تاريخ الكرد بالغموض، فإن العالم الإسلامي لا ينسى لهم المجد السياسي والعسكري في الدولة الأيوبية، ويكفي الكرد فخرًا أن يخرج منهم أبطال لا ينساهم التاريخ؛ منهم صلاح الدين الأيوبي. ولا يعني سقوط الدولة الأيوبية إلا السقوط السياسي للكرد فقط، فكان بقاء الكرد في الدولة المملوكية يُمَثِّل العمود الفِقري، ويعود ذلك لقلة الخبرة السياسية والإدارية للمماليك.

أما عن أهمية الموضوع فتكمن أهمية الموضوع في إلقائه الضوء على دور الكرد وما قدموه في تطوير الحضارة الإسلامية وخدمتها، وإظهار الدور السياسي والحضاري للكرد في عهد دولة المماليك البحرية (648- 784ه /250- 1382م) وإظهار قدرة تلك الفئة (الكرد) وما قدموه حتى يعتمد السلاطين المماليك اعتمادًا كليًّا عليهم(2).

    وعندما جاء المماليك البحرية وتولوا السلطة فى مصر ونتيجة إتساع رقعة دولتهم أدي ذلك لإحتياجهما إلي آلية سياسية فعالة لأدارتها وخاصة لعدم توافر الخبرة السياسية والأدارية الكافيه لدي المماليك لإدارة الدولة، فأدي ذلك لأعتمادهم علي من سبقوهم وساروا علي نهج الدولة الأيوبية (3) . فأستعانوا بالكرد فأظهروا نشاطهم وكفاءتهم السياسية والحضارية(4)


اولأ: دور الكرد السياسي والإداري في مصر عصر المماليك البحرية (648-784ه/1250-1382م):

      تولي الكرد الكثير من المناصب السياسية في الدولة المملوكية وعلي رأسهم منصب نيابة السلطان أمثال الأمير شرف الدين موسي بن لازكشي(774ه/1372م) نيابة الأسكندرية وتم عزلة وتعينه علي نيابة غزة في نفس العام(5).

    ثم يأتي منصب الوزارة وتولي هذا المنصب الكثير من الكرد أشهرهم هو القاضي برهان الدين الخضر بن الحسن الزرزاري (677ه/1278م)(6). وأيضا الوزير فخر الدين الأسعردي(632-693ه/1215-1293م)(7). ويعد القاضي كمال الدين بن أحمد الأخنائي من أوائل الشخصيات الكردية الذين تقلدوا منصب ناظر الخزانة (8).

     وكان للكرد دور كبير وفعال في جيش المماليك البحرية وبالرغم من دورهم القوي في الجيش الإ اننا نجد هناك تغافل من المؤرخين عن أظهار قدر تلك المساهمه؛ ومن إبرز من تولوا مناصب عسكرية من الكرد الأمير بهاء الدين بهادر بن بيجار ت (680ه/1281م)(9).كما يعد الأمير  مجد الدين الهذباني آخر أمراء الكرد الكبار في جيش المماليك البحرية والذي تردد أسمه مراراً وتكراراً في الأحداث العسكرية (10). وكان لهؤلاء الأمراء مكانة كبيرة عند السلاطين وذلك لإخلاصهم في واجباتهم فأصبحوا محل ثقه للسلاطين ولذلك قلدوهم مناصب كبيرة كتعين الأمير مجد الدين الهذباني شاداً الدواوين علي القاهرة(11).

    وكان للكرد دور كبير ومؤثر وفعال علي الصعيد السياسي من خلال مشاركتهم في الصراعات الداخليه كنقلاب كرد الشهرزوريون علي سلاطين المماليك لإحياء أمجاد الدولة الأيوبية مستغلين في ذلك الظروف والأوضاع الغير مستقره التي مرت بها دولة المماليك البحرية (12). وأدي ذلك لوجود الكثير من الأعتقالات السياسية أشهرهم أعتقال القاضي الخضر بن أبي بكر بن أحمد أبو العباس كمال الدين الكردي(13).والأمير بهاء الدين يعقوبا الشهرزوري ولم يخرج من السجن الإ بعد موت الظاهر بيبرس(14).

      كلف السلاطين المماليك عدداً من أمراء الكرد لسفارات فكان من بين رسل الأمير بركة خان الأمير سيف الدين الرزراري حاملاً رسالة للمماليك تخص موضوع تسليم الكرك(15). وأرسل السلطان الظاهر بيبرس الأمير بدر الدين عزيز الكردي مع رسل منكوتمر وكان محملاً بالهدايا الثمينة (16) .

    وتولي الكرد الكثير من المناصب الإدارية لدولة المماليك البحرية منها الولاية؛ وأشتهرت أسرة بني الكوراني لتوليهم منصب ولاية القاهرة وكان أولهم الأمير علاء الدين علي الكوراني(749ه/1348م) ، وكان للكرد نصيب في تولي منصب الحجابة فتولي شرف الدين موسي الأزكشي منصب الحجابة في القاهرة ثم منصب شاد الدواوين (17).

    وتولي عدد من الشخصيات الكردية منصب الأستادارية منهم الأمير نجم الدين أيوب بدلاً  من  الأمير علاء الدين عام (740ه/1340م) (18)؛ كما تولي موسي بن الأزكشي أستاداريا في القاهرة (763ه/1361م)(19) .

   كما تولي أيضا عدد من الكرد منصب أمير طبر وهو منصب إداري عسكري؛ منهم الأمير ناصر الدين محمد بن علي بن يوسف بن إدريس أبو عبد الله الكوردي ، وأيضا الأمير بهاء الدين باد الكردي قبل تولية منصب ولاية القاهرة عام (781ه/1379م)(20)؛ كما تولي الأمير شهاب الدين صبح الكردي كاشفاً علي الوجه البحري(21)، وتولي علاء الدين علي بن الكوراني كاشفاً علي الوجه القبلي(22). ونستنتج من هذا هو إعتماد المماليك البحرية علي الكفاءات والخبرات الدولة الأيوبية كردية الأصل.


ثانياً: دور الكرد في الوظائف الدينية في مصر عصر المماليك البحرية (648-784ه/1250-1382م):

      أتاحة النشأة العسكرية للمماليك الفرصة للمسلمين من غير المماليك بصه عامة وللكرد بصفه خاصة لتولي هذه المناصب ويعود ذلك لكفاءتهم وخبرتهم، ويعد القضاة من أهم المناصب الدينية ومن أوائل الكرد الذين تولوا هذا المنصب في مصر هو القاضي بدر الدين السنجاري الكردي الزرزاري(23). كما تولي أيضا منصب القضاة شمس الدين بن خلكان الأربلي في بلاد الشام والذي جدد في أيامه قاضي القضاة لتصبح من كل الماهب وغير مقتصرة علي المذهب الشافعي فقط  بهدف عدم سيطرة مذهب واحد علي هذا المنصب (24) .

      كما تولي القاضي بدر الدين الأخنائي المالكي (720-789ه/1320-1377م) منصف الإفتاء وهو مفتي المالكية بدار العدل (25). ومن أشهر الفتاوي السياسية فتوى الشيخ صالح البلقيني بخلع الخليفة العباسي القائم بأمر الله فهو بذلك أعطي للسلطان الحق في خلع الخليفة العباسي(26) .

     ذاع صيت عدد من خطباء الكرد في مصر وتركوا لنا مؤلفات تدل علي كفاءتهم وتعمقهم في هذا المجال أمثال الخطيب أصيل الدين الأسعردي تولي خطابة جامع دمشق ثم خطابة جامع الصالح ثم عاد مره أخري إلي خطابة مصر وترجك لنا مؤلفات منها ديوان خطيب وتوفي عام (668ه/1269م) (27).

     تولي عدد من علماء الكرد وظيفة بيت المال أمثال  القاضي  بهاء الدين أبو البقاء محمد بن عبد البر  بن يحيي بن علي وكان فقيه شافعي من علماء التفسير والأدب ولي قضاء دمشق ثم طرابلس ثم عاد إلي القاهرة وللي فيها قضاء العسكر ووكالة بيت المال والقضاء الكبير وأشتهر بالذكاء والدقة وحسن البحث وترك لنا مؤلفات منها مختصر المطلب في شرح الوسيط لفروع الشافعية وتوفي عام (777ه/1357م)(28) .

     تعد مشيخة الخوانق ودور الحديث والزوايا من الوظائف الدينية العظيمة والمهمة خلال عصر المماليك البحرية وتولها عدد من الكرد أشهرهم الشيخ صالح بن أبي بكر السنجاري الاسكندراني (666-749ه/1264-1349م) تولي مشيخة المدرسة الطبرسية(29).كما تولي الشيخ أحمد بن أحمد بن الحسين بن موسي الهكاريمشيخة الحديث المنصورية بالقاهرة ومن مؤلفاتة كتب الحواشي والفوائد  لطلبة (30) .

    أحتوت المدارس المملوكية علي الكثير من علماء الكرد الذين تولي وظيفة التدريس والإعادة وتعد أسرة الماراني الكردية من الأسر العلمية في العصر الأيوبي وأحتفظت بمكانتها العلمية في الدولة المملوكية الأولي منهم القاضي كمال الدين بن عبد الملك الماراني الشافعي توفي عام (659ه/1261م) الذي درس في المدرسة السيفية (31). كما درس بدر الدين السنجاري في المدرسة النجمية (32).


ثالثاً: دور الكرد في الحياة الأقتصادية في مصر عصر المماليك البحرية (648-784ه/1250-1382م):

      وكان للكرد دوراقتصادي كبير في عصر دولة المماليك البحرية بالرغم من قلة المصادر والمراجع عن هذا الجزء من تاريخ الكرد وذلك يعود لأهتمام الكرد بالجانب العلمي والسياسي بقدر يفوق الجانب الاقتصادي الإ إن هذا لا يلغي وجود دور فعال ومؤثر للكرد في الزراعة، والصناعة والتجارة.

     فأسند السلطان الناصر محمد بن قلاوون الحسبة علي الخبز إلي والي القاهرة علاء الدين بن حسن المرواني أثناء الإزمة الاقتصادية بسبب الجفاف وأرتفاع أسعار القمح وعان الناس كثيراً في تلك الأزمة  عام (736ه/1335م) والذي عاقب عدد من الطحانين والخبازين بالضرب، وتم حل تلك الأزمة عندما أرسل السلطان الناصر محمد بن قلاوون إلي نائب مدينة الكرك والتي كان يحكمها أحد الكرد فأرسل إليهم الغلال من الكرك والشوبك (33).

   وقد برع الكرد في بعض الصناعات فأشتهر الشريف الحسيني بن عبد الله برهان الدين الخلاطي المتوفي عام (799ه/1396م) بصناعة الكمياء وصناعة اللازورد(34). ويعد علي بن أحمد بن يوسف بن الخضر الآمدي المعروف بزين الدين العابد الحنبلي المتوفي(713ه/1313م) هو أول من صنع الحروف البارزة وبهذا الصناعة يمكن القول بأن زين الدين الآمدي سبق برايل بنحو ستمائة سنه بأختراع الحروف البارزة (35).

    وكان هناك بعض الشخصيات الكردية التي أهتمت بالتجارة وأمتهنتها ؛ فأمتهن محمد بن علي بن أبي غالب الجزري توفي عام (689ه/1290م) بالتجارة ، كما كان تقي الدين أبو بكر الآمدي تاجرأ في تجارة العبيد يشتري المماليك ويعلمهم القراءة والكتابة والحساب وفنون القتال ثم يبيعهم لسلاطين دولة المماليك البحرية ، كما كان زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية تاجراً بالأسكندرية ووأشتهر بالأمانة وحُسن السيرة (36).


رأبعاً: الدور العلمي والعمراني للكرد في مصر عصر المماليك البحرية (648-784هـ/1250-1382م):

     أزدهرت الحياة العلمية في مصر في عصر المماليك البحرية حيث برزت التخصصات العلمية، وزخرت مجالس العلم والأدب بالعلماء والأدباء في شتي المجالات، وأصبحت مصر تجذب علماء المشرق والمغرب للنهضة الفكرية مما أدي إلي حدوث تبادل وإحتكاك فكري وثقافي متبادل(37) . ومع أستمرار توافد الكرد إلي مصر والذي زاد في العصر الأيوبي وإستطاع الكرد إثبات قدرتهم الفائقة في شتي مجالات العلم من علوم نقلية وعقلية وخاصة بعد قيام دولة المماليك البحرية وتقلص دورهم السياسي والعسكري فأتجه الكرد إلي الجانب الحضاري؛ فنتج عن ذلك ظهور علماء إجلاء كان لهم أثرهم الكبير في إغناء المكتبة الإسلامية من المصنفات في مختلف مجالات المعرفة (38).

أ-دور الكرد في العلوم الدينية واللغوية عصر المماليك البحرية:

     ومن مشاهير علماء الكرد في قراءة القرآن الكريم في مصر المقرئ الشيخ فخر الدين عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الكردي البلبيسي الشافعي إمام الجامع الأزهر وقرأ علوم القراءات علي عدد من العلماء وتوفي عام (806هـ/1404م)(39). كما نبغ الشيخ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي الكردي المعروف بالحافظ العراقي كان محدثاً ومقرئاً (40). ونتج عن أهتمام الكرد بعلم القراءات ما قدموه لنا من القراءات السبع والكثير من المؤلفات الخاصة بعلم القراءات .

    كما نبغ الكرد في علم التفسير أمثال الشيخ محمد بن أحمد بن اللبان الأسعردي وله مؤلفات مثل (متشابه القرآن والحديث) وتطرق إلي المحكم والمتشابه، وكان متأثراً بطريقة الصوفية (41). والحافظ شهاب الدين أحمد بن أحمد الحسين بن موسي بن موسك الكردي الهكاري توفي عام(763هـ/1362م)أهتم بعلم التفسير وكان محدثاً  وأشتهر بالتدين والتواضع وله مؤلفات في تفسير القرآن الكريم، وكانت للمرأة الكردية دور فعال في الجانب العلمي فنجد المحدثة  فاطمة بنت أبي منصور يونس بن محمد الفارقي(42) .

       كما كانت فاطمة بنت أحمد بن السلطان صلاح الدين الأيوبي عالمة فاضله أهتمت بعلم الحديث وروت الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي سمعتها من كبار علماء الحديث، وكتب في فضائلها كتاب بعنوان (فضائل فاطمة بنت أحمد بن يوسف بن أيوب)(43). ويعد آخر مشاهير البيت الأيوبي أهتماماً بعلم الحديث المحدث ناصر الدين محمد بن إسماعيل الذي لُقب بالشيخ المسند المعمر ومسند القاهرة توفي عام (756هـ/1355م) كانت له مكانه كبيرة في علم الحديث (44). كما حدث فخر الدين الآمدي بدمشق ومصر وتوفي عام (778هـ/1376م)(45) .

      ومن علماء الكرد الذين نبغوا وأهتموا بعلم الفقه أمثال القاضي صدر الدين موهوب بن عمرالجزري الذي توفي عام (665هـ/1267م) وكان شافعي المذهب وله عدة مؤلفات منها الدر المنظوم في حقائق العلوم (46). كما يعد الفقيه علم الدين علي بن محمد الخلاطي من أبرز فقهاء الحنفية في مصر توفي عام (708هـ/1308م) وكانت له الكثير من المؤلفات منها الحدود مختصر في أصول الفقه جمع فيه الحدود المتدولة علي السنه الفقهاء في أصول الفقه ، وقواعد الشرع وضوابط الأصل والفرع علي الوجيز(47).

       أشتهر بمصر في عصر المماليك البحرية عدد من الشخصيات الكردية الذين برزوا في التصوف والتزموا بالشريعة الإسلامية منهم الشيخ يوسف الكردي الذي لقب بأبونا كان علي الطريقة العدوية وكان رجل مجتهد زاهد خدم الفقراء والمساكين وتوفي عام (676هـ/1277م) ودفن في مقابر القرافة (48).

    كما برع ضياء الدين صالح بن إبراهيم الأسعردي الفارقي توفي عام (665ه/1267م)ووصُف بالإمام النحوي الكبير وأتقن اللغة العربية (49). كما شرح الفقيه شمس الدين بن اللبان الأسعردي كتاب الألفية في النحو للإمام بن مالك النحوي وكان مهتما باللغة العربية والنحو وتوفي عام (672ه/1273م)(50).

ب-دور الكرد في العلوم التطبيقية عصر المماليك البحرية:

      ومن أوائل علماء الكرد الذين نبغوا وأهتموا بعلم التاريخ في عصر المماليك البحرية ابن خلكان الأربلي والذي برع في تدوين السير والتراجم وكان منفرداً بعلم الأدب والتاريخ ومن إبرز مؤلفاته في التاريخ كتابه وفيات الأعيان(51). كما برع أبو الفداء بعلمي التاريخ والجغرافيا وكان من الأسرة الأيوبية الحاكمه في حماة ومن أشهر كتابه في التاريخ المختصر في أخبار البشر وأستخدم المنهج الحولي (52) .

     وكان معظم علماء الكرد الذين نبغوا في علم الكلام والفلسفة كانوا من الضالعين في العلوم الدينية وهي صفه لدي علماء الكرد للرد علي المدعين والمنحرفين عن الإسلام أمثال أبو عبد الله شمس الدين محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري السنجاريالمعروف بن  الأكفاني ومن مؤلفاته نخب الذخائر في أحوال الجواهر – إرشاد القاصد إلي أسمي المقاصد(53).

      كما برع الكرد في علم الحساب ومن أمثال القاضي ولي الدين أبو أحمد بن عبد الرحيم الكردي ومن مؤلفاته في علم الجبر المعين علي فهم أرجوزة بن الياسمين (54). ومن أشهر الأطباء الكرد في عصر المماليك البحرية الطبيب داود بن ناصر الدين الموصلي الحصكفي المعروف بطبيب الدولتين المماليك البحرية والجراكسة ومن ضمن مؤلفاته في الطب روضة الألباء في تاريخ الأطباء وتوفي عام (820هـ/1417م)(55). وأشتهر أحمد بن إدريس بن يحيي المارديني الحنفي المتوفي عام (728ه/1328م) بعلم الفلك وكانت له مؤلفات منها الدرر في منازل الشمس والقمر (56) .

ج- دور الكرد في العمارة والفنون عصر المماليك البحرية :

    وقد برع الكرد في الجانب العمراني وتنوعت العمارة في عصر المماليك البحرية فشهدنا الكثير من المساجد في مصر وبلاد الشام أمثال المسجد الذي بناءه القاضي بدر الدين السنجاري المتوفي عام (633ه/1265م) بين الطواحين بظاهر مصر خارج باب القنطرة (57). وجامع ميدان قراقوش الذي بناءه الشيخ خضر الكردي المهراني المتوفي عام (676ه/1277م) بالحسنية في القاهرة (58). مستغلاً في ذلك علاقة القوية الطيبة مع سلطات الدولة المملوكية وأنشاء الكثير من الزوايا لجماعته الصوفية في مصر وبلاد الشام منها الزواية الحسينية (59).

     وكان للكرد دور ملحوظ في الأهتمام بدراسة العلوم وإنشاء مؤسسات تعليمية خاصة كالمدارسة التي إنشاءتها الأميرة الأيوبية مؤنسة خاتون بنت الملك العادل الأيوبي المتوفيه عام  (693ه/1293م) بنيت في القاهرة في أول حارة زويلة وخصصت لها أوقاف(60).

     كما يعد البيمارستان القمري من أشهر البيمارستانات التي إنشائها الكرد وسمي بذلك نسبة للأمير الكردي الكبير سيف الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن أبي الفوارس بن موسك القميري (654ه/1256م) (61).

    ساهم الكرد بدور كبير ومهم في الأدب والشعر والموسيقي في دولة المماليك البحرية فنجد أشهر الشعراء الكرد الشاعر أمين الدين علي بن عثمان الأربلي جاء من أربيل إلي الشام ومنها إلي مصر وأصبح من أعيان شعراء الملك الناصر صلاح الدين صاحب دمشقوكان يختص شعره بالغزل ووصف الحياة اليومية (62). كما برع أبو المعالي بدر الدين محمد بن أحمد الأربلي (ق8ه/ 14م)بعلم الموسيقي ومن أهم مؤلفاته الموسيقية أرجوزة الأنغام(63).


الخاتمة:

  وفي نهاية هذا البحث نعرض بعض النتائج التي تم أستنتأجها من هذا الموضوع:

– رغم سقوط الدولة الأيوبية – كردية الأصل – وضياع حلم إقامة دولة لهم، فإنهم أسهموا في قيام الحضارات ليس فقط في دولة المماليك البحرية الخاصة بحقبة البحث، ولكن نجد أن لهم إسهامات حضارية في دولة المماليك الجراكسة، ثم الدولة العثمانية في عهد محمد علي صاحب نهضة مصر الحديثة.

– غلب علي الكرد في دولة المماليك البحرية الطابع الحضاري وذلك عكس ما غلب عليهم في الدولة الأيوبية من طابع عسكري ؛ وذا لا يمنع من الدور كبير الذي لعبه الكرد في النظام العسكري لدولة المماليك البحرية، وكانوا جنودًا نظاميين قدموا الكثير من التضحيات في سبيل الحفاظ على العالم الإسلامي من الغزو المغولي مشاركين يدًا بيد مع المماليك لصد الغزو المغولي والصليبي، وظهر ذلك في استبسال الجنود الكرد في معارك عين جالوت وحمص الأولى والثانية، ورغم ذلك، نسب المؤرخون كل الفضل للمماليك الأتراك، وتناسوا ذكر الكرد، فكانوا لا يذكروهم إلا إذا استشهدوا أو كلفهم السلطان بشيء.

– حاول الكرد الانقلاب على السلطة المملوكية وذلك بهدف إعادة أمجاد الدولة الأيوبية الكردية لقيادة الدولة الإسلامية، ولكن كل المحاولات باءت بالفشل، وذلك يعود لرفض الكرد التحالف مع غير المسلمين ضد السلاطين المماليك، وهذا يدل على حرص الكرد للحفاظ على حرمة الإسلام وحماية الديار الإسلامية.

– وكانت للمرأة الكردية دور مميز في الحركة العلمية التي شهدتها مصر في عصر المماليك البحرية حيث ظهر عالمات كرديات في علم القراءات والحديث.

– وكانت مدينة أربيل كان لها فضل كبير في إخراج شخصيات كردية أسهموا في إحداث نهضة في مصر في مُختَلِف النواحي الحضارية، ومنهم من استقر بمصر ومنهم من عاد لبلاده وبذلك عمل على تبادل الثقافات.


قائمة المصادر والمراجع:

(1) عادل عبد الحافظ حمزة: العلاقات السياسية بين الدولة الأيوبية والإمبراطورية الرومانية المقدسة، الهئية المصرية العامة للكتاب، القاهرة ، 2001م، ص66.

(2) شيماء يعقوب رجب: دور الكرد في مصر خلال عصر المماليك البحرية (648-784ه/1250-1382م)، رسالة ماجستير كلية الآداب جامعة دمنهور، 2022م، ص2.

(3) القلقشندي (أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد القلقشندي الفزاري) ت821ه: صبح الأعشى في صناعة الإنشا، علق عليه وقابل نصوصه محمد حسين شمس الدين، ج4، دار الكتب العلمية، القاهرة، 1987م،ص6.

(4) قادر محمد حسن: إسهامات الكرد في الحضارة الإسلامية في مصر والشام خلال عصر المماليك البحرية، مطبعة الحاج هاشم، أربيل، 2009م،ص 91.

(5)ابن تغري بردي(جمال الدين ابي المحاسن يوسف الأتابكي) ت 874ه:النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، تحقيق فهيم محمد شلتوت، ج4،دار الكتب المصرية، القاهرة،1956م، ص204-205

 (6) قادر محمد حسن: إسهامات الكرد في الحضارة الإسلامية في مصر والشام خلال عصر المماليك البحرية، ص115.

(7) السيوطي (جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر) ت911ه: حُسْن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، ، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، ج5،دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1967م، ص233.

 (8) ابن العماد (أبو الفلاح عبد الحي الحنبلي) ت1089ه: شذرات الذهب في أخبار من ذهب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1982م، ص120.

(9) اليونيني(أبو الفتح موسى بن محمد) ت726ه: ذيل مرآة الزمان، ج4،مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر أباد، 1954م، ص107.

(10) المقريزي(تقي الدين أحمد بن علي) ت845ه: السلوك لمعرفة الدول والملوك، تحقيق محمد عبد القادر عطا، منشورات محمد علي بيضون،ج2، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997م،ص120-121.

(11) المقريزي(تقي الدين أحمد بن علي) ت845ه: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار،ج3، مكتبة المدبولي، القاهرة، 1998م، ص376.

(12)اليونيني: ذيل مرآة الزمان،ج2، ص107.

(13) الذهبي(الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان) ت748ه: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام حوادث (659-660هـ)، تحقيق: عمر عبد السلام التدمري، دار إحياء التراث، بيروت، 2003م، ص 413-414

(14) المقريزي: السلوك، ح2، ص119.

(15) اليونيني: ذيل مراة الزمان ج2، ص472.

(16) ابن عبد الظاهر(محيي الدين أبو الفضل عبد الله بن رشيد الدين) ت692ه: الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر، تحقيق ونشر عبد العزيز الخويطر، للشركة العربية للطباعة والنشر، القاهرة، 1976م، ص170.

(17) قادر محمد حسن: إسهامات الكرد الحضارية ، ص98-106.

(18) القلقشندي : صبح الأعشي ، ج4،ص20.

(19) بن تغري بردي :النجوم الزاهرة ،ج11،ص 66  ؛ المقريزي ،السلوك ،ج4،ص261.

(20) المقريزي: السلوك ،ج5،ص78-75.

(21) ابن حجر(شهاب الدين أحمد بن علي العسقلاني) ت852ه: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، تحقيق محمد سيد جاد الحق، المدني، القاهرة، 1966م، ص120.

(22) المقريزي: السلوك ،ج3،ص 278-295.

(23) إلياس أحمد كريم: القاضي بدر الدين السنجاري وسيرته ودورة في الدولتين الأيوبية والمملوكية الأولي، مجلة آداب الفراهيدي، العدد30، حزيران،2017م، ص200.

(24) ابن كثير(أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي) ت 774ه: البداية والنهاية، تحقيق أحمد عبد الوهاب،ج13، دار الحديث، القاهرة، 1994م، ص227.

(25) الذهبي: تاريخ الإسلام، ص104.

(26) طلعت عكاشة: الفتاوي الدينية وأثرها في المجتمع مصر والشام عصر سلاطين المماليك، عين الدراسات والبحوث، القاهرة، 2018م، ص23.

(27) المقريزي: السلوك ، ص417.

(28) الصفدي(صلاح الدين بن خليل بن أيبك)ت764ه: الوافي بالوفيات، اعتنى به إحسان عباس،ج3، ط2، دار فرانز شتايز، فيسبادن،1982م، ص173.

(29) صالح شيخو رسول الهسنياني: علماء الكورد وكوردستان( من القرن الأول الهجري للأسلام إلي وفيات سنه1400هـ/1980م)، مطبعة هاوار، دهوك، كردستان، 2012م، ص208.

(30) صالح شيخو رسول الهسنياني: علماء الكورد وكوردستان،ص60.

(31) المقريزي : الخطط،ج4،ص.204.

(32) الذهبي:تاريخ الإسلام، ص163.

(33) المقريزي: إغاثة الأمة بكشف الغمة، دراسة وتحقيق كرم حلمي فرحات،عين للدراسات والبحوث الإنسانية والأجتماعية، القاهرة ،  1437هـ/2007م،ص 39-40.

(34) ابن العماد: شذرات الذهب، ج6، ص356.

(35) صالح شيخو رسول الهسنياني:علماء الكورد وكردستان، ص306.

(36) بن تغري بردي: النجوم الزاهرة، ج7، ص385.

(37) قادر محمد حسن: إسهامات الكرد الحضارية في مصر والشام خلال عصر المماليك البحرية،  ص214.

(38) كامل أسود قادر: دور الكرد الحضاري في مصر والشام عهد المماليك الشراكسة، مطبعة الحاج هاشم، أربيل، 2012م، ص112-116.

(39) السيوطي: حسن المحاضرة، ص394.

(40) ابن الجزري(شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد) ت833ه: غاية النهاية في طبقات القراء، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت، 2006م، ص345.

(41) ابن العماد: شذرات الذهب، ج6،ص163-164.

(42) الذهبي: تاريخ الإسلام، ج14،ص154.

(43) صالح شيخو رسول الهسنياني: علماء الكورد وكردوستان ، ص347.

(44) بن حجر: الدرر الكامنة، ج4، ص330-301.

(45) ابن العماد الحنبلي : شذرات الذهب ، ج6، ص255.

(46) صالح شيخو رسول الهسنياني: علماء الكورد وكوردستان ، ص497.

(47) عبد الكريم محمد المدروس: علماؤنا في خدمة العلم والدين،عني بنشره محمد علي القره داغي، منتدي اقرأ الثقافي، 1983م، ص469م

(48) الذهبي: تاريخ الإسلام، ج4، ص455.

(49) ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب، ج5، ص320.

(50) حاجي خليفة(مصطفي بن عبد لله) ت1067ه: كشف الظنون عن أسماء الكتب والفنون، تحقيق وترتيب محمد شرف الدين يالتقايا، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1941م، ص153.

(51) اليونيني: ذيل مرآة الزمان ، ج4، ص150.

(52) الصفدي:أعيان العصر وأعوان النصر، تحقيق فالح أحمد البكور، دار الفكر، بيروت، 1998م.، ص304.

(53) خير الدين الزركلي: الأعلام، دار الملايين، بيروت، 1926م، ص229.

(54) كامل أسود قادر: دور الكرد الحضاري خلال عهد الجراكسة،ص194.

(55) زين خلف نواف وآخرون: الطب في مصر وبلاد الشام في العصر المملوكي(648-923ه/1250-1517م)، مجلة الدراسات التاريخية والحضارية، مجلد 10، عدد34، 2018م، ص34.

(56) محمد علي الصويركي: معجم أعلام الكرد في التاريخ الإسلامي والعصر الحديثفي كردستان وخارجها، مؤسسة حمدي لطباعة والنشر، السلمانية، 2006م، ص46 .

(57) قادر محمد حسن: إسهامات الكرد الحضارية ، ص124.

(58) المقريزي : الخطط،، ص204-430.

(59) علي مبارك: الخطط التوفيقية الجديدة لمصر والقاهرة ومدنها وبلادها القديمة والشهيرة،ج6، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 198م، ص72-108.

(60) المقريزي: الخطط، ج2، ص368.

(61) الذهبي: تاريخ الإسلام (651-660)، ص148-149.

(62) ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة، ص7، ص236.

(63) صالح شيخو رسول: علماء الكورد وكوردستان، ص398.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى