متابعات

الشرق الأوسط والانتخابات الأمريكية.. موقف مرشحي الرئاسة من قضايا المنطقة

تحليل: د. فرناز عطية

في الانتخابات الأمريكية أيًا كان المرشحين، من المستحيل أن تغيب قضايا الشرق الأوسط عن المشهد بل إنها تكون حاضرة وبشدة، وتؤثر بشكل أو بآخر في تحديد بوصلة اختيار من سيصل لسدة الحكم، لاسيما ما يرتبط بأمن إسرائيل، ولا يخفى تأثير اللوبي اليهودي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية على هذه القضايا وبالتالي اختيار المرشح، بالرغم من أنه من السذاجة توقع أن يعطي المرشحان للرئاسة أولوية لإدارة الصراعات في الشرق الأوسط على قضايا مثل الهجرة أو الاقتصاد أو الحرب في أوكرانيا أو المنافسة مع الصين، ولكن تجاهل الصراعات في الإقليم أظهر العام الماضي خطر هذه التحديات الإقليمية المتزايدة على العالم بأسره، وبالتالي فقد كان لكل من المرشحين: “كامالا هاريس” مرشحة الحزب الديمقراطي، و”دونالد ترامب” مرشح الحزب الجمهوري، وجهة نظر بعينها فيما يتعلق بقضايا الإقليم، وفيما يلي أبرز هذه القضايا:

  1. الحرب في غزة والهجمات على لبنان:

بالرغم من اتفاق مرشحي الرئاسة الأمريكية على إنهاء الحرب في غزة، والصراع في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وبالرغم من نواياهما المحدودة لتغيير المسار في المنطقة، وحرصهما على وضع المصلحة الإسرائيلية على رأس كل الاعتبارات، إلا أن لكل منهما أسلوبهم ومبرراته المعلنة، فهاريس تؤيد وقف الحرب،  وتدافع عن أمن إسرائيل بشدة، كما دعمت اتفاقيات إبراهيم، ولكن موقفها كان أكثر توازنًا من ” بايدن” و “ترامب” حيث دعت لاستئناف المفاوضات بما يؤدي إلى الوصول لحل الدولتين (دولة فلسطينية ودولة إسرائيلية)، والتأكيد على القضايا الإنسانية في غزة والضفة الغربية، وإدانة الإجراءات الأحادية التي تقوض عملية السلام، مثل توسيع المستوطنات، وضرورة اتخاذ موقف أقوى ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو”، ولكن يعاب على “هاريس” أنها ليس لديها خطة واضحة لإنهاء الصراع والوصول إلى حل الدولتين، وأنها تحاول مغازلة الناخبين العرب الأمريكيين من خلال تأكيدها على ضرورة إنهاء الحرب في غزة، ولكن دون أي تعهدات أو ضمانات لهم، فولاية كمتشيجان يشكل فيها الأمريكان من الأصل اللبناني جزءًا من الائتلاف الديمقراطي، ومع ذلك اكتفت “هاريس” بالإعراب عن قلقها إزاء سقوط ضحايا من المدنيين ونزوحهم إبان الهجمات الإسرائيلية على لبنان، ولا يمكن أن نتغافل عن علاقتها باللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، حيث تتمتع بعلاقات قوية مع الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، و” دوغ إيمهوف” زوجها يهودي كان له دور بارز كحلقة وصل مع هذه الجالية، وتحدث عن جهود إدارة بايدن في مكافحة معاداة السامية.

أما عن ” ترامب” فكان أكثر تشددًا وعنجهية في التعامل مع ملف الحرب على غزة والهجمات الإسرائيلية على لبنان، ودعا إلى تقليص النزاعات وتعزيز المصالح الأمريكية، حيث اهتم بالدعاية لنفسه على حساب هذا الملف، فقد ذكر بأن هزيمته في الانتخابات ستنهي هذه البلاد خلال يومين، وهو ما عرضه لانتقاد من قبل منظمات المكافحة لمعاداة السامية، فهو سينهي الحرب، بغض النظر عن أوضاع الفلسطينيين أو اللبنانيين، أو حقوقهم، حيث لا يؤمن بحل الدولتين، بل بحق إسرائيل في الأرض، فقد أكد أنه “سيدعم حق إسرائيل في النصر خلال حربها ضد الإرهاب، ولن يسمح بمحرقة أخرى ضد الشعب اليهودي”، ويتفاخر بعلاقته القوية “بنتنياهو”، وتأييده لسياسته ضد العرب، ويذكر أن في عهده تم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل من قبل الولايات المتحدة ، وتم نقل السفارة  الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وبالتالي يتوقع أن يعيش الفلسطينيين والعرب عمومًا وقتًا أكثر صعوبة حال وصول “ترامب” للسلطة، ناهيك إذا ما أضيف لذلك الطموح التوسعي لإسرائيل على حساب دول المنطقة، وتصريحات “ترامب” الاستفزازية، حيث أشار إلى أن غزة أفضل من موناكو، والعرب لم يحسنوا استغلالها، إلى جانب تبنيه لمشروع التطبيع، فمن المتوقع أن تتسع مساحة التطبيع بين دول المنطقة وإسرائيل، في محاولة لإقرار مبدأ السلام مقابل الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها.

  • إيران وتوغلها في المنطقة وملفها النووي:

وبالنسبة لموقف “هاريس” من إيران ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط، فإنها يتوقع عند وصولها لسدة الحكم أن تتبع الدبلوماسية في تعاملها مع الجانب الإيراني بالرغم من خطابها المتشدد مؤخرًا ضد طهران، بسبب تصريحات الأخيرة ضد تل أبيب، كما يتوقع أن تنتهج مسارًا جديدًا مع إيران يتمثل في العمل على احتواء البرنامج النووي الإيراني في إطار استراتيجية تجمع بين القبول والضغط، فبالرغم من أنها دعمت اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 مع إيران لكبح جماح برنامج طهران النووي، أدانت على الجانب الآخر الضربة العسكرية التي استهدفت الجنرال الإيراني “قاسم سليماني” يناير 2020، وشاركت في رعاية تشريع غير ناجح لمنع مزيد من الأعمال العسكرية ضد القادة والأهداف الإيرانية، وبعد الرد الإسرائيلي على إيران في موجته الأولى مع عدم المساس بالمواقع النفطية والنووية، أكدت “هاريس” على أمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها، ورحبت بهذه الضربة، بالرغم من أن هذه الضربة استهدفت العمق الإيراني في المنطقة، من خلال استهداف معبر “المصنع” بين سوريا ولبنان مما يعني توسيع نطاق الخراب في المنطقة.

أما “ترامب” من جانبه يعد بأقصى درجات التشدد ضد طهران، حيث يرفض تمامًا فكرة امتلاكها لسلاح نووي، أو حتى فكرة التفاوض في هذا الشأن، ويدعو لممارسة أقصى الضغوط عليها، كما تعهد حال وصوله للرئاسة أن ينهي الاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع الدول العظمى في يوليو 2015، وبدأ تطبيقه مطلع عام 2016، فهو يراه “أسوأ اتفاق، لأنه يضع إيران -وهي الراعي الأول للإرهاب الإسلامي المتطرف- في طريق الحصول على سلاح نووي”، بحسب تصريحاته.

  • تركيا ودورها في المنطقة وعلاقتها بالجانب الأوروبي:

هناك توقعات بأن فوز “ترامب” سيعزز من الدور التركي في المنطقة، وكذا سيعيد صياغة العلاقات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن مثل هذا السيناريو سيؤدي إلى دعم الموقف التركي لدى أوروبا، لاسيما أنها ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي، ويتوقع الرئيس التركي “أردوغان” أن فوز “ترامب” في انتخابات الرئاسة الأمريكية، سيكون إيجابي على قطاع الدفاع المتنامي في تركيا، وعلى الجانب الآخر نرى “هاريس” تتخذ موقفًا صارمًا من الجانب التركي، حيث دعمت تشريع لإحياء “ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن”، والتي كانت مصدرًا للتوتر بين تركيا وأرمينيا العضوتين في الناتو لمدة قرن من الزمان، مما سيعقد بدوره التفاعلات بين الولايات وحلفائها في الشرق الأوسط، ويحجم نوعًا ما من الدور التركي في المنطقة إذا فازت “هاريس” بالمنصب.

  • الملف السوري :

تتخذ “هاريس” موقفًا معاديًا من نظام الأسد، وتؤيد التواجد الأمريكي في سوريا، ففي 6 إبريل 2017، عندما كانت سيناتورًا أصدرت بيانًا طالبت بعمل عسكري أمريكي في سوريا، وذلك بعد هجوم النظام السوري بالأسلحة الكيماوية على مدينة (خان شيخون) بريف إدلب، وفي 2019، انتقدت قرار “ترامب” الرئيس الأمريكي السابق، بسحب القوات الأمريكية من سوريا، معتبرة أنه “أعطى تركيا الضوء الأخضر لشن هجوم عسكري تركي ضد الكرد السوريين، وذلك حين أطلقت تركيا عملية “نبع السلام” في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، شرق الفرات، وبالتالي يتوقع استمرارها على نفس النهج في حال فوزها بالرئاسة، أما “ترامب” لا يحبذ فكرة التواجد الأمريكي في سوريا بشكل كبير، بل قد يميل للتواجد المحدود الذي يخدم المصالح الأمريكية هناك إن تطلب الأمر، وأبدى عدم اهتمامه بزوال أو بقاء “نظام الأسد”، بل إنه اعتبر في أكثر من مناسبة أن بقاءه أنفع للمصالح الأمريكية، فهو يولي أهمية لداعش، وليس سوريا، وطالما أكد أن التدخل الأمريكي في الصراع السوري له عواقب وخيمة على الولايات المتحدة.

  • العلاقات الاقتصادية بالمنطقة:

تؤمن “هاريس” بالشراكات الإقليمية، وتسعى لإنهاء التوترات في الشرق الأوسط لتنشيط العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والمنطقة، وتنشيط مجالات التعاون الموجود بالفعل وعمل شراكات جديدة، بما يخدم المصالح الأمريكية السياسية والاقتصادية، أما “ترامب” فهو ينظر بفوقيه لمنطقة الشرق الأوسط ولابد من استغلالها لصالح تأمين المصالح الأمريكية خاصة الاقتصادية، وضرورة الضغط على دول المنطقة اقتصاديًا، خاصة النفطية منها للحصول على النفط وعلى أقصى مكاسب اقتصادية ممكنة، مقابل ما تقدمه لها الولايات المتحدة من حماية.

  • التطبيع :

يؤيد كلا المرشحين على مسار تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول المنطقة، في صيانة لأمن إسرائيل ومصالحها الاقتصادية والسياسية هناك، وبالتالي فإن من المتصور أن تقوم “هاريس” باستئناف عملية التطبيع واتفاقياته مع دول المنطقة حال وصولها للحكم، أما في حال فوز “ترامب” فإنه سيفرضه على دول المنطقة التي لاتزال لم تدخل في دائرته، حيث يعد أبرز مهندسي اتفاقيات التطبيع في المنطقة في الفترة الأخيرة وداعم رئيسي للاتفاقيات الإبراهيمية.

وأخيرًا فإنه بالرغم من اختلاف الأسلوب بين “هاريس” و”ترامب”، حيث يتميز الأخير بأنه أكثر تشددًا وصرامة وبرجماتية في التعامل مع قضايا المنطقة خاصة العربية منها، إلا أن النتائج غالبًا ما نتوقع تشابهها، حيث يسعى كل منهما لتنفيذ أجندة بعينها تتمحور حول الدفع في مسار تنفيذ المشروع الأمريكي في المنطقة، ورسم خريطة جيوسياسية جديدة لواقع المنطقة، وتطويعها لخدمة هذا المشروع بما يتضمنه من مصالح سياسية واقتصادية وأمنية للولايات المتحدة وحليفتها التقليدية إسرائيل، بصرف النظر عن تداعيات هذا المشروع على المنطقة، وبالتالي من يستطع أن يجتهد في إبراز أنه الأجدر في تحقيق هذا المشروع، إلى جانب إبراز قدرته على التفوق في إيجاد حلول للقضايا الداخلية، هو من سينحرف اتجاهه مؤشر بوصلة الفوز بمنصب الرئاسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى