إن متابع مدقق لفضاءات التحولات التي لحقت بعدد من الكيانات السياسية في منطقة الشرق، يلحظ أنه في إطار محاولات السعي للتحول من منظومة الدولة التراثية التليدة، أو ما قبل الحداثة، للوصول لبنية نظرية وعملية للدولة التي يمكن أن توصّف بأنها تنتمي للتشكيل الحداثي الحضاري الغربي. حدث ما يمكن تسميته بالجبر الحداثي؛ إذ في كثير من الأحيان أتت تجربة التحديث على حساب ما يمكن وصفه بالقلب الاجتماعي/الهامش السكاني. فقد أقامت الدولة الحديثة أنساقها التحديثية بالأساس على أجساد المختلفين عن الطيف الاجتماعي الجامع؛ بغية تجميع المتفرق في كلٍ قومي شامل. لقد أحدثت عمليات التحديث ذات التأثير الفوقي، فراغا على مستوى البنى المجتمعية التحتية، بنية ما قبل الحداثة؛ فقد خلخلت الاختراقات الحداثية ثوابت التركيبة المجتمعية والثقافية والهوياتية، وجففت أية إمكانية لتحقيق التوازن داخل الفسيفساء الإثنية الجامعة المكونة للسبيكة الكبرى للنسيج البشري. وعندما يحدث الصراع العرقي بين النواة والهامش، يمكن تسميته بأنه يندرج تحت ما يسمى ب “الاستعمار الداخلي”، كناية عن الفشل السلطوي في دمج الهامش في النواة الوطنية، عندما يتم فرض الاختلافات الثقافية والتفاوتات الاقتصادية، جبرا.. في هذا الإطار تعتبر الحتمية الأداتية للقومية، الهويات العرقية أدوات للنخب المتنافسة، الذين يختارون جوانب من ثقافة المجموعة، ويلحقون بها قيمة ومعنى جديدين، ويستخدمونها كرموز لتعبئة المجموعة ككل، والدفاع عن مصالحها، والتنافس مع المجموعات الأخرى.
لقد كان الجنين الدولتي، الذي ولد من رحم الاحتياج لبديل للشكل الإمبراطوري، يرنو للنمو سريعا ملتهما كل التفاوتات والتصنيفات والاختلافات. ففي وقت مبكر من القرن الثامن عشر، أدرك علماء السياسة أن السكان المنضبطين المنتجين هم الثروة الحقيقية للسيادة. ولهذا، كان الهدف هو زيادة عدد السكان من خلال الزواج أو الغزو، دون اهتمام كبير بخصائص الناس (الثقافية). ومع ذلك، في بداية القرن العشرين حدث شيء مثير. انهارت الإمبراطوريات الأوروبية المهمة – العثمانية والمجرية النمساوية والروسية – وظهرت دول جديدة مع سياساتها السكانية النموذجية المؤسسة على فكرة القومية، وهي مفهوم سياسي يعتبر أن حدود الوحدات السياسية (الدولة) والثقافية (الأمة) يجب أن تتطابق. وبهذا، اعتمدت قوة الدولة على درجة استجابة مواطنيها للنموذج المثالي للهوية الثقافية الخاصة التي يُعتقد أنها تميز الأمة. ونظرًا لأن حدود الدول نادراً ما تتوافق مع حدود “الوحدات الثقافية”، فإن القناعة بأن هذه الحدود يجب أن تتطابق أدت إلى فكرة إعادة التوطين، وهو تبادل للسكان بين الكيانات السياسية الثقافية المستخدمة كطريقة لإضفاء المنطق على الخريطة ([1](. وهذا ما سنقرأ أبعاده الكبرى على سياق دال كما سنرى بعد برهة.
يمكن القول إذن، إن الأمم القومية، هي بدرجة ما منتجات لعصر حديث يتميز بالرأسمالية والصناعة والدولة البيروقراطية والتحضر والعلمانية. ومن ثم فإن دعاة التحديث في هذا الإطار يرفضون النهج الأصلي أو “خط الأساس”، الذي يرى قوة الأمم في قديمها وتراثها. وبالتالي ينتقدون وينفرون من رمزية الإثنية؛ لتشاركها ذات الحجة مع دعاة خط الأساس، من خلال التأكيد على الاستمرارية بين المجتمعات العرقية ما قبل الحديثة والأمم الحديثة. ولهذا، وتبعا لوجهة النظر تلك، ولدت الحاجة للخطاب القومي، فهو الذي بإمكانه إقامة صلة الربط ما بين المجتمعات العرقية ما قبل الحديثة بالأمم الحديثة. ويتم تأسيس هذه العلاقة بمساعدة “التقاليد المخترعة”، التي يحددها هوبسباوم على أنها مجموعة من الممارسات، التي يحكمها عادة قواعد مقبولة صراحة أو ضمنيًا، ذات طبيعة طقوسية أو رمزية، تسعى إلى غرس قيم معينة وقواعد السلوك من خلال التكرار، مما يعني تلقائيًِا الاستمرارية مع الماضي. كما يسلط الضوء على ثلاث اختراعات رئيسية في خدمة “دين علماني جديد”. مثل القومية، على النحو التالي: تطوير التعليم الأساسي، واختراع الاحتفالات العامة والإنتاج الضخم للآثار والفضاءات العامة )[2](.
وإذا أردنا نقل زاوية الرؤية لإطار أكثر تحديدًا في مساحة الحداثة وتجلياتها الدامية، فيمكن القول، ليس ثمة مكان تعرض لتأثيرات الحداثة الكولونيالية، أكثر من الفضاء الكردستاني. فقد تجلت التأثيرات الدامية للحداثة الاستعمارية في أنساق الاستبداد السياسي والثقافي الذي ميز العلاقات العرقية وتوازنات القوى التي تعرض لها الكرد وأراضيهم طوال القرن العشرين. ومن ثم، أمكن توصيف الموديل الحداثي الذي ساد بنية العلاقات الداخلية داخل أنسجة الوجود السياسي للكيانات السياسية الدولتية في منطقة الشرق بأنها “حداثة تابعة”. ومن منطقة تلاقى إنكار وجود الكينونة الكردية، باستلهام حداثي مشوهه )[3](، تغدو تجربة الاقتراب من هذا النموذج الحداثي، تجربة مهمة لقياس تأثيرات الاستلهام القاتل للمعرفة الغربية في سياقات لافظة لها شعبويًا. وكذا محاولة استقراء مردود هذا على السردية الكردية على الإجمال. وهذا هو ما سنحاوله هنا، مع التعرض مفاهيميًا لعدد من الاصطلاحات الدالة كالحداثة والإبادة وغيرها، بغية توضيح المساحة التي شغلها الألم الكردي في خرائط الدم الجيوسياسية القومية الحداثية.
الحداثة الاستعمارية إعادة قراءة
نشأت الحداثة الغربية بوصفها أداة للتحول السياسي المجتمعي، غير أنها حملت من الوهلة جين السيطرة والاستعمار، فلم تتخل بنية الدولة التي أصبحت حديثة عن الإرث القروسطي، ولم تجد غضاضة أو تناقضا بين التنوير والتوسع الاستعماري الكولونيالي، بل على العكس استخدمت الحداثة الغربية المنتج المعرفي والآلة التكنولوجية والمنطق الأخلاقي، كأدوات داعمة لأيدولوجيات التوسع والنمو الإمبراطوري لكن بمنطق حداثي هذه المرة. ولم تستخدم هذه الأدوات على الأخر البعيد، بل استخدمت في بعض الأحيان على الآخر الداخلي، المختلف المتنوع الخارج على التصنيف “القومي الوطني”. لذلك، فالحداثة بإحدى الصيغ التفسيرية هي فن الغزو، وتنظيم الفضاء إمبرياليًا، وضبط الروح العامة، وإعادة إنتاج الحقيقة. كما يمكن وصفها بأنها خطاب مكّن من تنظيم الهوية البشرية على نطاق واسع، وغالبا ما تم تنفيذ هذا الخطاب باسم العلم الغربي والدولة القومية والإمبراطوريات الحديثة والحضارة والتقدم. “خطاب الحداثة وأيديولوجيا التقدم انصهر فيما أسماه غاندي العنف”. فإن “الإطار الأخلاقي المحيط بالحضارة التكنولوجية”، عندما لا يتم مواجهته أو مساءلته بفعالية، يؤدي إلى “تدمير الطبيعة والأشخاص الذين يطلق عليهم المتخلفون”، لاستخدامهم غالبًا لغات غير رسمية أو غير معترف بها وتبني قيم وعقائد عفا عليها الزمن، إنه ببساطة “تدمير روتيني؛ فالحضارة الحديثة مبنية على العنف غير المقيد” ([4]). لقد أدت الحداثة الغربية وسياقاتها الاستعمارية، باعتبارها امتدادًا لسيادة الدولة، إلى صدمة من الهوية والهيمنة الأبوية في ذاكرة “الشعوب المضطهدة”. في هذا الصدد، تشجعنا انتقادات الأراضي المستعمرة – المضطهدة في القرون السابقة – على إعادة قراءة المعارف الاستعمارية للحداثة، سواء كانت موجهة إلى الغرب أم لا([5]).
في البداية، لنحاول تحديد المصطلحات الرئيسية التي سيجري العمل بها وعليها. ولنبدأ بالمصطلح الأكثر إشكالية منذ ظهوره وحتى والآن، ما الحداثة التي حملت بداخلها أنساق الوجود السياسي والاجتماعي في العصر الحديث؟ يمكن وصفها بشكل أفضل، بوصفها مجموعة من العمليات المترابطة، التي تميز ظهور المجتمع الحديث. سياسيًا، تنطوي الحداثة على صعود أشكال الحكم العلماني. اقتصاديًا، تشير إلى التوسع الرأسمالي ومشتقاته. اجتماعيًا، تنطوي على استبدال “الولاءات التقليدية” بـ “الولاءات الحديثة” وثقافيًا، فإنها تشمل الحركة نحو نظرة عالمية علمانية مادية بشكل قاطع، والتي تجسدت بطرق عديدة من خلال الفكر التنويري. ووفقًا لـ “موسوعة العلوم والتكنولوجيا والأخلاقيات”، “يصف علماء الاجتماع الحداثة على أنها شكل معين من الثقافة أو المجتمع يعتمد على العلم والتكنولوجيا. ومع عملية إنشاء مثل هذه يعرف المجتمع باسم التحديث، والتحديث هو مصطلح لمفهوم معروف في القرن التاسع عشر باسم عملية “التمدين”، وخلال النصف الأول من القرن العشرين باسم “التغريب” ([6]).
أما إذا أردنا الاقتراب مفاهيميًا من “الإبادة الجماعية”، بوصفها أهم المصطلحات الحاوية لدموية السلوك السياسي المؤَسس على البنية المعرفية الإشكالية للحداثة بنسقها الغربي. يتم تعريف الإبادة الجماعية هنا وعلى طول الخطوط التي حددتها اتفاقية الأمم المتحدة بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، وكذلك من قبل رفائيل ليمكن عندما صاغ المصطلح في الأصل: “نقصد بالإبادة الجماعية تدمير أمة أو مجموعة عرقية”. وبشكل عام، لا تعني الإبادة الجماعية بالضرورة التدمير الفوري للأمة، إلا عندما يتم ذلك من خلال عمليات القتل الجماعي لجميع أفراد الأمة. بل يهدف إلى الإشارة إلى خطة منسقة من الإجراءات المختلفة التي تهدف إلى تدمير الأسس الأساسية لحياة الجماعات القومية، بهدف إبادة الجماعات نفسها. وللإبادة الجماعية مرحلتان: الأولى، تدمير النمط القومي للمجموعة المضطهدة؛ والثاني، فرض النمط القومي للقمع. حدد ليمكن من الناحية اللغوية الاجتماعية الأفعال التالية على أنها إبادة جماعية عند تقييم السياسات والممارسات النازية: “في المناطق المدمجة، تم تدمير المؤسسات المحلية للحكم الذاتي وفرض نمط ألماني للإدارة. وتم محو كل تذكير بالشخصية الوطنية السابقة. حتى اللافتات التجارية والنقوش على المباني والطرق والشوارع، وكذلك أسماء المجتمعات والمواقع، تم تغييرها إلى شكل ألماني. وكان يُحظر على السكان المحليين استخدام لغتهم الخاصة في المدارس وفي المطبوعات والمنشورات. ووفقًا لمرسوم 6 أغسطس 1940 مثلا، أصبحت لغة التدريس في جميع مدارس لوكسمبورغ ألمانية حصريًا ([7]).
لقد تحولت الحداثة بأنساقها الغربية إلى أداة تبريرية، أو أداة دموية تستخدما الدول خارج التشكيل الحضاري الغربي لفرض الصهر الإجباري لكل التيمات السكانية والثقافية المختلفة داخل الفضاء الوطني المحلي. وتبعًا لهذا، نجد في السنوات الأخيرة، انخراط عدد من العلماء، مستندين إلى مجموعة من دراسات الحالة والتحليلات الهيكلية الأوسع، في عدد من المناقشات وخلصوا إلى أن “الإبادة الجماعية” – بما في ذلك الإبادة الجماعية اللغوية والحداثة متشابكتان ومرتبطتان ارتباطًا وثيقًا. لقد جادلوا بأن الخطابات الحديثة حول التنمية والحداثة والعلم الغربي وكذلك السرديات الميتافيزيقية الرئيسية للحداثة (دفع الأسطورة التطورية للتقدم والحضارة)، وتصنيف وتوحيد اللغات الوطنية (الأمر الحاسم في التكوين البيولوجي للسكان العالميين تحت نظام الدول القومية الحديثة) شرعت وقامت بتنفيذ سياسات وممارسات كانت إبادة جماعية (بما في ذلك إبادة جماعية لغوية) في طبيعتها ونطاقها. تكتسب هذه الدراسات أهمية كبيرة بالنسبة للعلماء اللغويين الذين يشاركون في الدفاع عن حقوق الإنسان اللغوية والذين يسعون لتحليل كيفية ولماذا تم تصور وتنفيذ السياسات والبرامج والممارسات الإبادة الجماعية اللغوية (وغالبًا ما تم تبريرها) من قبل الدول القومية كجزء من خطط أوسع للإبادة الجماعية الثقافية والجسدية لغربنة وتنمية وتحديث وتحضير المجتمعات. تؤكد نتائج هذه الدراسة على الطريقة التي كانت فيها عمليات الإبادة الجماعية (بما في ذلك الإبادة الجماعية اللغوية) في تركيا ضد الآخر الكردي ليست منتجات ثانوية عرضية لمشروع الدولة الحديثة: لقد كانت جوانب أساسية من مسيرة تحويل المجتمع ([8]).
منذ بداية القرن العشرين، استمر الكرد في وجودهم عبر أربع حداثات مهيمنة: من الكمالية في تركيا إلى الحركة البعثية في العراق وسوريا وإلى نظام الشاه والحركة الشيعية الباطنية بعد الثورة في إيران. ودل فشل الفصل الإقليمي للكرد، إلى الاعتراف بطريقة ما بالنقد السياسي للحداثة، داخل الحركات السياسية الكردية من الستينيات إلى اليوم. ويعتمد النهج المناهض للاستعمار الكردي على التفرد التاريخي الثقافي للذاكرة الجماعية الكردية. تقع هذه التأملات في الأداء الاجتماعي السياسي للأراضي المنفصلة حيث يعبر كل جزء من الفضاء الكردي عن رمز الحداثة المهيمن الخاص به، الحداثة التركية والعربية والفارسية. بعد تأسيس الجمهورية التركية (1923)، التي كانت تستند إلى البانتركية والتدخل القومي، أصبحت الأراضي ما بعد العثمانية أراضي تركية. في الدستور التركي، حدد اليعاقبة وما قبل الكماليين في ذلك الوقت الأراضي بأنها “أرض الأتراك”. واستبعد هذا التعريف تمامًا الكرد (مثل الأرمن بعد الإبادة الجماعية 1915)، والأقليات العرقية الأخرى. يمكننا استشعار نفس التدخل الاستعماري في الدولة الإيرانية، وذلك منذ الاستبداد البهلوي إلى الإمام الخميني (من العلمانية الغربية إلى الحداثة الإسلامية للثورة الإيرانية). حدد الدستور الفارسية كلغة رسمية للأمة، وبالتالي أصبحت الفارسية لغة السيادة والسياسة والقوة، ووسيلة الوصول إلى المعرفة، وأداة الحداثة والتقدم. وبالتالي وتبعا لهذا كله، أضحت الكردية في علاقة تناقض مع القوميات المهيمنة للأتراك والفرس والعرب حيث تتخذ الحداثة الكردية موقفًا مناهضًا للاستعمار ([9]). أي إنها بدرجة ما، مسألة تتبع آثار الحداثات المهيمنة على الفضاء الكردي في السياقات الدولتية الأربع.
لقد تداخل مصطلح “الحداثة الاستعارية” بالأدبيات المتعلقة بالسيادة الإقليمية والهوية. ومن ثم خططت النخبة الجمهورية التركية لاستغلال الظلال التطبيقية “للحداثة الاستعمارية”، لإجراء عملية تحضر جبرية للفضاء الكردي التركي؛ من خلال التدخلات الهندسية الاجتماعية. ومن ثم، نشأ هذا الرابط ما بين السيادة والحداثة والاستعمار. وظهرت بصماته الثقيلة على كل إنش من الجسد الكردي )[10](.
الحداثة التركية والإبادة الجماعية للكرد
بعيد الحرب العالمية الأولى، كان على تركيا الكمالية إدراك الكيفية التي تدير بها أوراقها ودفة أمورها وسط بيئة دولية شهدت تناطح القوى الكبرى للفوز بنصيب وافر من الهيمنة والنفوذ على الفضاء ما بعد العثماني. كان على مصطفى كمال إدراك التحول في النفوذ العالمي بعد الحرب العظمى، وكانت وسيلته لبناء أداة تقارب مع النظام العالمي الجديد الذي كان قيد التشكل؛ تتمثل في الاعتناق الفكري لأهم نسق نظري في البنية الغربية وقتذاك؛ ممثلا في الحداثة وتيمتها الأهم، أي الدولة القومية. لقد كان بزوغ نموذج الدولة القومية في حالة صعود تنافسي مع الشكل الإمبراطوري في بدايات العصر الحديث.ومن ثم كان نزوعَ هولندا وبريطانيا إلى تحطيمِ آمال إسبانيا وفرنسا بشأن الإمبراطورية، دفعهما إلى البحث عن مفاهيمِ الدولة الأكثر تأثيراً. وهذا ما جرَّهما نحو نمط الدولة القومية. لقد بَرهَنَ نموذجُ الدولة القومية تَفَوُّقَه مع الزمن، مقارنةً بالبُنى السياسية والعسكرية القديمة. سواءٌ من النواحي المالية والسياسية، أم من حيث إعادةِ هيكلةِ الجيش على وجهِ الخصوص. من هنا، فقد حَقَّقَت هولندا وبريطانيا تفوقَهما البحري أولاً، بحيث انتقلَ زِمامُ النفوذ، وبالتالي الهيمنة على البحر، إليهما مع نهاياتِ القرن السادس عشر. وفي غمارِ الحروب السلالاتيةِ التي خاضتاها فرنسا وإسبانيا في مستهلِّ أعوام 1700م، حسَمَتا تفوقَهما البري أيضاً. لكنّ الأُسَرَ الحاكمةَ في فرنسا والنمسا كانت لا تتخلى بأيِّ شكلٍ من الأشكال عن أطماعها في الإمبراطورية. فدَفَعَت ثمنَ ذلك باهظاً، بحيث خَسِرَت فرصتَها في تكوينِ الدولة القومية. علاوةً على أنّ التكاليفَ الماليةَ لبُنى الدولة لديها كانت باهظةً بنسبةٍ أعلى بكثير. .. .. أما هولندا وإنكلترا، فدعَمَتا تأسيسَ الدول القومية سياسياً تجاه آمالِ الإمبراطورية تلك. نخص بالذكر هنا سياستَهما المؤثرةَ بإبرازهما دولةَ بروسيا كدولةٍ قومية منيعةٍ في وجهِ فرنسا والنمسا. تجسدت السياسةُ الأخرى المؤثرة في مساندتهما الدائمةِ لكلِّ قوى المعارَضة في أوروبا، وبالتالي لكلِّ النازعين إلى الدولة القومية، حتى أَنهَكَتا منافسيهما. ذلك أنّ تَغَلُّبَ أولئك المنافسين على الدولةِ القومية كان يَبدو شِبهَ مستحيل. من هنا جاءت معاهدةُ ويستيفاليا كثمرةٍ لهذه التطورات. فأوروبا ذات الدولةِ القومية كانت تتّسعُ وتُحَقِّقُ تفوقَها تصاعدياً إزاء أوروبا الإمبراطورية. ومَرامُ إنكلترا من الثورة الفرنسية كان خلعَ المَلك الذي يأبى الوفاقَ معها، ودعمَ معارضيه، وجَرَّهم إلى الأجنداتِ التي تريدها هي. بالتالي، ساندت كلَّ مَن كان على تناقضٍ مع المَلك ([11]).
لقد تم الجزمُ بانتصارِ الدولة القومية أوروبيًا مع إعلانِ الوحدةِ القومية الإيطالية في 1861م والألمانية في 1871م. فانتقلت ساحةُ صراعِ الهيمنة هذه المرة لتَكُون بين إنكلترا وألمانيا. ومَرَّت السنواتُ الثلاثُ والأربعون فيما بين 1871–1914م بالبحث عن تحالفٍ بين الطرفين. لكنّ الحربَ العالميةَ الأولى أَلحَقَت ضربةً ساحقةً بآمالِ ألمانيا في الهيمنة. فكانت الحربُ العالميةُ الثانيةُ بمثابةِ انتقامٍ لهذا الأمر. والمحصلةُ كانت الانهيارَ الأليمَ للدولة القومية الألمانية. سَعَت روسيا من خلالِ ثورةِ أكتوبر 1917م إلى ملءِ فراغِ الهيمنة الناجمِ عن هزيمةِ ألمانيا. لذلك تَمّ تحويل السوفيتات بسرعةٍ إلى دولةٍ قومية. لكنّ تحالفَ إنكلترا الخبيرة مع أمريكا، أطاحَ بآمالِ روسيا في الهيمنة، تماماً مثلما حصلَ للفرنسيين والألمان. كان انهيارُ السوفييتات رسمياً في 1989م يعني تَخَلّيها عن طموحاتها في الهيمنة. فمع حلولِ عام 1945م، انتقلت هيمنةُ بريطانيا المعمرة ثلاثةَ قرونٍ إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مقابل أنْ تبقى بريطانيا حليفاً صغيرَ الشأن لها. وما سياسةُ الاتحادِ السوفييتيِّ في دعمِ حركاتِ التحرر الوطنية تجاه الهيمنة الأمريكية سوى حصيلة لمرحلةِ الحربِ الباردة الجارية خلالَ أعوامِ 1949–1989م بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي خلال العصر الذهبي للدول القومية ([12]).
إن دوافعُ الحداثةِ الرأسمالية في تطويرِ الدولة القومية كنموذج. يمكن الإضافة إليه الإشارةَ إلى أنّ هذا النمط لا يسمحُ بسهولةٍ بحصولِ تطوراتٍ من الطراز الإمبراطوري. فلو انتصرت الإمبراطورية، لَكانت فرصةُ الاحتكارات الرأسمالية أقربَ مجدداً إلى حالها في العصور الوسطى. لذلك تشدَّقوا بها، وحاربوا بلا هوادة أطماعَ الإمبراطورياتِ العظمى الأربع. وهكذا أُفرِغَت آمالُ إسبانيا فيما بين أعوام 1500–1600م، وفرنسا فيما بين أعوام 1600–1870م، وألمانيا فيما بين أعوام 1871–1945م، وروسيا فيما بين أعوام 1945–1990م في أنْ تَكُون إمبراطورياتٍ عظمى (ينبغي إضافة الإمبراطوريتَين العثمانية والنمساوية أيضاً)؛ وذلك بواسطةِ سياساتِ الدولة القومية. حتى تركيا، التي تتظاهر بالنزعةِ الوطنية العصبية بإفراط، لم يَكُن لها أنْ تَقِفَ على قدمَيها، دون موافقةِ إنكلترا وتحالفِها مع الولايات المتحدة الأمريكية. أي أنه يستحيلُ التفكير بولادةِ وتنامي دولةٍ قوميةٍ من دون النظام الرأسمالي العالمي ([13]). وعندما نرى التجربة التركية التحديثية، نجدها واقعة في براثن هذا التشكيل الثقافي والمعرفي الغربي، فقد بدت تركيا خلال الربع الأول من القرن العشرين لأي متابع أجنبي؛ بلاد ترى الروح القومية تتنامى حولها لدى مواطني الإرث العثماني، بين اليونانيين والرومانيين والصرب والبلغار، بينما حتى بدايات القرن العشرين لم تكن الروح القومية قد أخذت طريقها للظهور لدى أطياف الإرث العثماني. فالإمبراطورية العثمانية كقوة إمبريالية ذات سيادة، لم تكن تتمحور حول الأتراك المسلمين. بينما كان الطموح القومي والوعي الوطني مخفيا داخل النواة التركية للجيش العثماني ومنظمته “المدنية” لجنة الاتحاد والترقي. وعندما تولى مصطفى كمال زمام الأمور، ورث وسم المنقذ للعرق التركي وربما كان من وجهات نظر كثيرة هو المنقذ الوحيد ([14]).
من المهم أن نقدر أن كمال (أتاتورك)، مؤسس تركيا الحديثة، متشابكا مع النخبة الحاكمة، شرعوا على الفور تقريبًا في تطبيق مشروع الحداثة التركية في ثوبها الجمهوري، مدفوعا باستلهام الحداثة الغربية ومستوحيا من التجارب الاستعمارية الغربية والحضارية الأمريكية والأوروبية. ومن ثم، ادعت الحداثة التركية، تمثيلها قيم التنوير والعقلانية والتقدم العالمية. لذلك، على سبيل المثال، نصت قوانين عام 1931 لحزب الشعب الجمهوري (الحزب الوحيد في البرلمان) في ذلك الوقت على: ” قبول الحزب المبدأ القائل بأن جميع القوانين واللوائح والإجراءات المستخدمة في إدارة الدولة يجب أن يتم إعدادها وتنفيذها، وفقًا لأسس وأشكال العلم والتكنولوجيا في العصر الحديث”. ويرى البعض أن ” الدولة في سعيها لخلق الحضارة، تولت على عاتقها، مهمة تحرير الشعب من التقليد”. وبناء على هذا المنطق، “أصبحت الإبادة القومية، غاية في حد ذاتها، للدولة التركية الحديثة. ولم تنكر الحكومات التركية المتعاقبة فقط الإبادة الجماعية التي ارتكبتها ضد الأرمن والأراميين والآشوريين، ولكنها حاولت تدمير الأمة الكردية بكل الطرق الممكنة. وباستثناء الإبادة الجماعية [الجسدية] الكاملة، تعيش تركيا الجمهورية دائما، على حافة الجنون والإبادة الجماعية”. ولهذا “شرع كمال في مسار إبادة جماعية؛ لتحقيق وحدة تركية أكبر، وتعزيز قاعدته القوية الاستبدادية، وتحقيق طموحاته القومية الاستعمارية الحديثة. وتم تطبيق نفس الأساليب في أماكن أخرى ضد الآخر – كـ “آلية أساسية للإمبراطورية والدولة القومية” ([15]).
منذ عام ١٩٢٤، تصادم النظام الكمالي، مع الهوية الكردية؛ لأنهما يقومان على أسس متعارضة. إن نشوء ثقافة وهوية قومية لكل الأتراك هو في نظر الكماليين الشرط المسبق لتشكل وتصليب المواطنة التركية. فتركيا هي، في الواقع، الدولة الأولى المولودة من الحرب العالمية الأولى التي بنت شرعيتها على أساس أيديولوجيا قومية صرفه، وعلى “تحويل الكرد إلى أقلية”. ولأن الواقع الاجتماعي للبلاد يتعارض مع طموحات نخبها كان لابدّ من تغيير وجهها الإثني لغويًا والتأكيد، بمختلف الوسائل، بأن الترك يؤلفون الإثنية الوحيدة لسكان تركيا. كان الشيء الوحيد الذي تطلبه الدولة من الكرد قبول الاندماج أو على الأقل، تأكيد الإذعان السلبي. إلى ذلك فعلى “الإنسان الجديد” أو المواطن التركي، غير المرتاح من التحول إلى التركية أن يصير وطنيًا، أن يصبح عصريًا، “متحضرًا”. لكن تطبيق الإصلاحات “العمومية” أثار مواجهة عنيفة مع الماضي والهياكل التقليدية. وكان زعماء القبائل والطرق الصوفية أو من ثار لشعورهم بالتهميش. وصار الفارق مع العصر العثماني يتمثل بكون العلاقة بين المركز والأطراف لم تعد قائمة على النظام والاستقرار، بل على أساس برنامج بناء دولتي. لذلك لم يعد قمع الحركة الكردية المعترضة يعتبر فقط مسألة داخلية بل حربًا من أجل مثال أعلي، من أحل بناء أُمة “تركية” و”متحضرة”، الأمر الذي يؤكد رأي عباس فالي بأن هوية الدولة الجديدة تقوم على السلطة العسكرية، كما تقوم على أساس أيدولوجية “رسمية/ قومية”؛ ولم يتم التعامل مع سكان المناطق الكردية كما يتم التعامل مع “المواطنين الأتراك” في المناطق الأخرى من البلاد. ووضعت الحكومة الكمالية المناطق الكردية تحت سلطة إدارة استثنائية يقودها مفتشون عامون لا يخضعون للجمعية الوطنية، بل يخضعون مباشرة لسلطة مصطفى كمال. ولم يحاول الحزب الواحد، في السنوات الأولى للجمهورية أن يرسخ وجوده في كردستان التركية وفضل أن يتمثل بالإدارة العسكرية. واقترح بعض المنظرين (الأيديولوجيين) الكماليين حتى اعتبار المنطقة الكردية مستعمرة ([16]).
فيما يتعلق بطبيعة هذا المشروع، سجل أتاتورك أنه “من أجل الحضارة والحياة والنجاح، على الأتراك أن يتوجهوا بأنظارهم في اتجاه واحد فقط – نحو الغرب؛ فهو الدليل الحقيقي للمعرفة والعلم. أيها السادة، إن الشعوب غير المتحضرة محكوم عليها بالانحناء للشعوب المتحضرة. ولسوف نعيش كأمة متقدمة ومتحضرة في ساحة الحضارة، وسنأخذ العلم والتكنولوجيا من أي مكان ونضعه في رأس كل عضو من أعضاء الأمة. ولا يوجد قيود أو شروط على العلم والتكنولوجيا. إذا لم يتم القضاء على [الجهل]، فسنقف في نفس المكان. إذا كان هناك شيء ما يقف في نفس المكان، فهذا يعني أنه يتراجع”. ولهذا يمكن القول إن أتاتورك “لا يمكن يتصور التنمية، إلا بوصفها عملية غربية بالكامل وبدون رحمة”. بقدر ما يتعلق الأمر بـ “مؤسسي الجمهورية التركية”، كانت “التجربة الأوروبية. للقرن الماضي مركزية في مشروعه. تم التأكيد على تطوير الشعور بالأمة القائمة على اللغة التركية”. في الواقع، كان هدف القادة الترك عموما، هو إنشاء دولة قومية [حديثة] قائمة على الهوية التركية حصريًا. وبالتالي، فإن وجود مجموعات عرقية وطنية أخرى، ومسألة تماسكها واستثمارها في تطوير مجتمعها أصبحا غير محتملين. ولهذا، لم يكن من المستغرب وقوع الإبادات الجماعية الاستعمارية ضد الكرد والأرمن والأشوريين والكلدان والسريان واليونانيين ([17]).
وفي إطار السعي لتمثل العلاقة بالضواحي الكردية، تم تأسيس البنية الخطابية الكمالية وفق “التحضر”؛ فقد تم النظر إلى السكان غير الأتراك في المحافظات الشرقية على أنهم بدائيون دون المستوى، فقط يناسبهم تحكم استعماري من قبل الأمة الرئيسية التركية ذات الهوى المتغرب. كما تم النظر إليهم على أنهم غدارون بطبيعتهم ومعادون للأتراك، وبالتالي يشكلون تهديدا؛ ولهذا، كان لزاما على أمن وجيش الدولة التركية أن يكونا دائما في حالة تأهب. كما إن صياغة أمة موحدة من السكان المتجانسين تعني عدم التسامح الرسمي مع الاختلافات. وعدم التسامح معناه؛ إما الاندماج القسري – أي من خلال الإبادة الجماعية الثقافية واللغوية – أو تصفية المجموعات المختلفة التي قاومت الاندماج. والتصفية، كما أوضح موسى أنتر وغيره، غالبًا ما تعني الإبادة الجماعية البدنية للكرد. لذلك، أضحى الاندماج فالطرد والإبادة لـ “الآخرين”؛ سمات بنيوية للنظام الجمهوري. إذن، كان خطاب التغريب/التحديث، هو ما أدى بالجمهورية إلى إدراك المقاومة الكردية بوصفها ما قبل حداثية. علاوة على ذلك، أمكن رفض وجود الكرد جسديًا ونفيهم معنويا؛ من خلال الخطاب الرسمي التركي، عبر تطبيق نظريات ما بعد الحداثة ([18]).
إن القمع الجسدي للكرد استند إلى شرعية طابع الدولة القمعي لإجبارهم على قبول الاندماج القسري. وقد شجع المراقب العام إبراهيم تالي (Tali)، إنشاء مدارس تركية لهذا الهدف في جميع المدن المتوسطة والكبيرة في كردستان باستثناء منطقة هاكاري (Hakkari) وارتبط تتريك المدارس بتتريك الجيش “المدرسة الممتازة” فالجنود الكرد يرسلون إلى الغرب من الأناضول ليتعلموا كيف يصبحون “تركًا جيدين”. كما ارتبط التتريك بإنشاء المراكز الثقافية، حيث يجرى العمل بإصرار على نشر المدنية بين الكرد. غير أن نجاح الإصلاحات السياسية والاجتماعية التي باشرتها الحكومة التركية يتطلب زمناً طويلاً من الازدهار الاقتصادي والهدوء الداخلي. وأي شرط من هذين الشرطين غير متوافر. فتركيا كانت تعاني من أزمة مالية شديدة الحدة، زاد من وطأتها جفاف صيف عام ١٩٢٩، الذي أدى إلى خراب أرض الكرد. إذن، كانت كل الشروط السياسية والاجتماعية، في نهاية عشرينيات القرن العشرين، متوافرة، إذن، لقيام انتفاضة كبيرة ([19]). والتي سنقترب من بنيتها الدموية بعد قليل.
كانت عواقب هذا الخط الاستعماري نحو التحديث والتحضر بالصيغة الغربية، مدمر للغاية؛ إذ لم يتعرض الكرد فقط للهجمات الإبادية الجماعية المستمرة، ولكن تعرضوا أيضًا لأنظمة القوانين والإدارة والتنمية والتعليم والمحاسبة / الدعاية الحديثة، والقوانين الجنائية (بعضها مصمم على قوانين موسوليني الفاشية) والأساليب والتقنيات العسكرية ومكافحة التمرد. من المهم أيضًا أن نقدر أن أتاتورك، بصفته الرئيس الأول، “رأى توحيد وتحديث التعليم كمفتاح نحو صياغة الثقافة ضمن إطار القومية التركية الحديثة. وتحت هذا الإطار التوجيهي، كان تنوع اللغات في الأناضول عقبة أمام بناء هوية ثقافية متجانسة ستصبح أساسًا لهوية وطنية واحدة. وبالتالي، فإن فرض اللغة التركية، في المدارس والمحاكم والصحافة ووسائل الإعلام وجميع أماكن الترفيه والعمل العامة، أصبح أهم أداة للدولة لخلق هوية وطنية تركية. وتم فرض الرابط الجديد بين الدولة ومواطنيها والهوية الوطنية من خلال الإلزام باللغة التركية كلغة وطنية، استبدل فيها الأبجدية العربية بالحروف اللاتينية في نوفمبر 1928. وتم تقديم الأبجدية اللاتينية ليس فقط لتقويض سلطة القادة الدينيين. ولكن أيضًا لقطع العلاقات مع الماضي العثماني من أجل تسريع الإصلاحات لصالح التغريب. علاوة على ذلك، كان من المفترض أن يخدم الزيادة المتوقعة في محو الأمية بناء ونشر مفهوم [الأمة] الحديثة. ولهذا، تم “تنقية” اللغة التركية من الكلمات العربية والفارسية التي تمثل الماضي الإسلامي و “الرجعي” العثماني. لتسهيل هذه التحولات الحديثة، تم أيضًا تدعيم الدراسات العرقية واللغوية من قبل الدولة. في عام 1931، تأسس مجتمع دراسة التاريخ التركي، وتحول “بعد أربع سنوات” إلى مؤسسة التاريخ التركي. كان هدف المؤسسة “إنشاء تعليم [حديث] وطني يكون في خدمة الأهداف السياسية” ([20]).
كانت كل محاولة من النخبة التركية للقضاء على هيمنة النخبة الكردية على الشعب الكردي، تهدف أيضًا إلى تدمير العناصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الكردي، فضلاً عن الوعي بالكردية بين الناس. كما تم استهداف اللغة الكردية، في سبيل السعي التأسيس “الأمة والدولة الحديثتين”. وتحت مسمى “التعديلات المؤلمة” التي اعتبرت ضرورية للتقدم الحضاري المعاصر، قدرت بعض المصادر الكردية أنه عقب فشل انتفاضة الشيخ سعيد ١٩٢٥، والتي نظر الكثير إليها على أنها ردة فعل قومية ودينية من قبل الفصائل الكردية على الإصلاحات العلمانية التي اعتبرتها تركيا من لوازم الدولة الحديثة، عقب هذا تم ترحيل “أكثر من نصف مليون شخص كردي”، مات منهم ما يقرب في الطريق” بين عامي 1925 و1928 وحده. ولهذا، خلص راندال إلى أن “مئات القرى الكردية تم حرقها، ومات بين 40.000 و250.000 فلاحًا في محاولات التهدئة السلطوية التي تلتها. وتقريبًا على مدار العقد التالي، ربما تم اقتلاع مليون رجل وامرأة وطفل كردي وشحنهم إلى غرب الأناضول”. وتم إرسال أجزاء كبيرة من “السكان الكرد إلى معسكرات الاعتقال في المحافظات الغربية. وذكر رئيس الوزراء التركي في عام 1938: “سنقوم بعملية عسكرية في ديرسيم. سيكون هناك عمل إبادي، وسيبدأ جيشنا مناورات في المنطقة، ويتخلص من سكانها. وبهذه الطريقة، ستتم إزالة المشكلة من جذورها”. كما أوضح أتاتورك، في خطاب ألقاه عند افتتاح البرلمان في عام 1936، أن: “علينا إزالة هذا الخراج [ديرسيم، وأعيد تسميتها تونسيلي بالتركية] من جذوره. وللتعامل مع هذه المشكلة، سنمنح الحكومة صلاحيات أوسع “. أدت هذه “الصلاحيات” إلى المزيد من المجازر والإبادة الجماعية وتدابير الموت البطيء وتغيير الأسماء التركية والاندماج القسري وإعادة التوطين القسري. ومن الناحية اللغوية والثقافية، في مارس 1924 – أي قبل عام واحد من الانتفاضة/ التمرد الكردي الأول – “تم حظر الاستخدام العام وتدريس الكردية”. وتم “إعادة توطين مالكي الأراضي الكرد المؤثرين ورؤساء القبائل بالقوة في غرب البلاد”. ورفضت المحاكم الحديثة قبول الكردية. كما أن المادة 12 من دستور عام 1924 أغلقت البرلمان أمام الكرد الذين سيقاومون نسيان أو تأخير أو إلغاء هويتهم ولغتهم ([21]).
ووفقًا لخطة عام 1925 المعنية بالشرق، والتي أُدرجت فيها المدن والبلدات التي يعيش فيها الكرد؛ تم حظر التحدث بالكردية هناك. بل وجد المتحدثون بالكردية أنفسهم يتم تغريمهم وفقًا لتعريفة لكل كلمة كردية يتم التحدث بها. وبالإضافة لحظر اللغة الكردية، طال الأمر الموسيقى والزي الوطني. ومن خلال التشريع، تم توصيف كل شخص داخل حدود تركيا على أنه تركي. وخلال الثلاثينات كانت سياسة التتريك وإعادة التوطين القسرية للجماعات التي يراد إفناء خصوصيتها كالكرد، هدفا رئيسيًا للنظام الكمالي. ومن ثم، يمكن تشبيه ما حدث في ديرسيم، عقب الهجوم الإبادي ١٩٣٧- ١٩٣٨، بأنه إعادة تمثيل تركية لسياسات استعمارية، لكن الفارق أنها تتم داخل البنية البشرية لتركية بالأساس؛ فتم إعطاء الأولوية لبناء هيكل تعليمي، وتم اقتراح إرسال الأطفال الكرد إلى المدارس الداخلية حتى يتحدثوا حصريًا باللغة التركية. وحتى يومنا هذا، يتم إنشاء المدارس الداخلية في المناطق الكردية من أجل الحصول على المزيد من السيطرة على تعليم الأطفال وفرض تبديل هويتهم. وقد اختطف الجيش التركي العديد من الأطفال الكرد الذين كانوا دون سن السابعة ووضعهم في عائلات تركية في غرب تركيا. كان الهدف هو تدمير الهوية الكردية “في مجملها”، وتفكيك المجتمع الكردي حتى في مستوى الأسرة ([22]).
وبعد القضاء على النخب الكردية وإبعادها القسري باتجاه الشرق، باستخدام مثل هذه التبريرات، رأى كمال السكان الكرد الباقين، على أنهم مادة استعمالية خام للأمة التركية، وبالإمكان التخلص منهم حسب الرغبة. علاوة على ذلك، كُرس الدستور التركي، لتحقيق مخيال كمال، الذي يرى فيه أن تركيا يجب أن تكون تركية بحتة. وذلك لأن بنية الدولة التركية الحديثة، تأسست على نوع متطرف من القومية الفاشية، بل كانوا مثل النازيين في بعض النواحي وموسوليني في إيطاليا. وبالتالي كان هذا أحد الدوافع التي جعلت من الإبادة الجماعية استراتيجية واعية بين النخبة الكمالية. بررت النظريات الاستشراقية وغيرها من النظريات ما بعد العلمية الغربية الاعتداءات الإبادية الجماعية ضد الآخرين. ووفقا لأحد التفسيرات، تبنى الكماليون ما يمكن تسميته “عبء الرجل الأبيض التركي”؛ لإنجاز المهمة الحضارية داخل الفضاء التركي، مع لزومية إلغاء الهوية العرقية الكردية. وبالتالي من خلال هذا التصور أخضعت الهوية العرقية والإثنية الكردية، لاستراتيجيات إنتاج المعرفة بالدولة وفق البنى النظرية الاستشراقية الأوروبية. بالتالي مع التحول نحو الجمهورية، كانت القصة الكبرى للأمة، تنسج برعاية السرديات الكبرى للقومية والاستقلال والعلمانية. ومن ثم، وخلال تمرد تونسيلي [ديرسيم]”، كان من غير المستغرب، سماع مقولة “إن ما يفعله النظام الجمهوري في تونسيلي – أي الهجوم اللغوي / الثقافي والجسدي الإبادي ضد الكرد – ليست عملية عسكرية، بل مسيرة للحضارة”. كان الموقف التركي يرى أن “هؤلاء البدائيين وقطّاع الطرق، يجب أن يفسحوا المجال للحضارة الحديثة، تمامًا كما فعل الهنود الأمريكيون. ويجب أن يتم ذلك من خلال استيعابهم في الثقافة التركية المزعومة العليا والقضاء الجسدي على من اتخذ خيار المقاومة”. بعد قمع تمرد الثوري في ديرسيم، عرفت المناطق الكردية الأخرى التي يتم “عصرنتها” من أعلى أن تقاوم بشكل أفضل. وقد أسمت التقارير العسكرية جميع سكان ديرسيم دون تمييز “قطاع طرق”، حتى أن قانون إعادة التوطين، وفر الإطار القانوني لسياسة الإبادة القومية. وفي الواقع أعرب إينونو، الوريث أتاتورك في الحكم، عن الموقف الرسمي بالقول: نحن بصراحة قوميون، ويجب أن نقوم بترجمة هذا على الأرض، وسنقضي على أولئك الذين يعارضون الأتراك. وباستخدام عمليات وتقنيات الإبادة الجماعية، فإن القيم القومية العلمانية التركية الحديثة التي روج لها الكماليون جعلت عملية بناء الأمة تتحول إلى حملة غسيل دماغ مستمرة تغسل أدمغة الأجيال المتعاقبة بأشد أنواع الأيديولوجيات القومية عنصرية. فقد رسخت الأيديولوجية الكمالية في دستور عام 1982 على سبيل المثال، باعتبارها مقدس لا يمكن تعديله أو المساس به، وحتى اقتراح التعديل عليها قد يشكل جريمة ([23]).
العقود الصامتة
أفضت سياسيات التحديث التركية الدامية المؤسسة على أنساق معرفية استعمارية، إلى اندلاع ثلاث انتفاضات مسلحة كردية كبيرة في عامي 1925 و1930و 1937، بقيادة شخصيات دينية أو رؤساء قبائل. استغرق قمعها من قبل “الجمهورية الشابة” أقل من عام في كل حالة. تلت السنوات الهادئة قمع عام 1938 واستمرت حتى الستينيات. تم تصميم سحق تمرد ديرسيم عام 1938 من قبل السلطات ليكون درسًا لا يُنسى للأجيال القادمة. وصف دليل نُشر من قبل حاكم ديرسيم وقائد الجيش كيفية تدمير قرية في هجوم مدفعي وكيفية حرق المنازل الفردية: المذابح العشوائية، والترحيل الجماعي والقضاء على أي شيء قد يكون مرتبطًا بالكردية. وقد تم استخدام كل هذه الأساليب الوحشية لإخافة السكان وجرهم إلى مربع الصمت والانصياع. ولهذا، استمرت الآثار الدامية لما حدث، لمدة ثلاثة عقود على الأقل. تُفصّل فقرة في تقرير من قبل عثمان ميت، مراسل سون بوستا، الصحيفة التركية في ذلك الوقت، هذه الآثار بعد حوالي عشر سنوات من قمع تمرد ديرسيم:
ذهبت إلى تونش إيلي ، ديرسيم القديمة. كان المكان خاوياً. لا يزال جامعو الضرائب وضباط الشرطة هم المسؤولون الحكوميون الوحيدون الذين رأى الناس على الإطلاق. حاولت مقابلة الناس، للتعرف على أسلوب حياتهم وروحهم. لكن لسوء الحظ، لم يتبق الكثير من الفترة السابقة للثورة. لم يعد هناك حرفيون، ولا ثقافة، ولا تجارة. قابلت أشخاصًا غير مشغولين بدت حياتهم كلها الآن تدور حول قطيع من مائة عنزة. لم أي تخترق أي أثر من آثار الحضارة المنطقة بعد؛ لا توجد مدارس ولا أطباء، لا يعرف الناس حتى معنى كلمة “دواء”. إذا تحدثت إليهم عن الحكومة، فإنهم يترجمونها على الفور إلى جامعو الضرائب وضباط الشرطة ([24]).
(ميت ، في سون بوستا ، أبريل 1948)
ومنذ الثلاثينيات لم تتوقف المساعي الإبادية الجسدية والثقافية بإزاء الكرد، بل زادت وتيرتها باضطراد. على سبيل المثال، تم اعتقال تسعة وأربعون مثقفًا كرديًا في عام 1959 كجزء من مبادرة أوسع كانت تهدف إلى قتل 1000 مثقف كردي عمدًا. وخلال الأربعينيات، أوصى تقرير حكومي بإبعاد المزيد من القادة الكرد من الشرق حتى مع “إنشاء المدارس الداخلية التركية للأطفال الكرد”، حيث يمكن “محو كل آثار اللغة والثقافة الكردية. كما أعطى قانون الإدارة المحلية لعام 1949 “السلطة” لتغيير أسماء الأماكن وتم استخدام هذه السلطة بحرية كبيرة. علاوة على ذلك، حظر البند 16 من قانون السكان لعام 1972 إعطاء الأسماء الكردية للمواليد الجدد. وبعد انقلاب عام 1960 بدأ النظام العسكري بشكل منهجي تغيير الأسماء الكردية إلى التركية وإنشاء مدارس داخلية إقليمية من أجل استيعاب السكان الكرد وذلك. وذلك، كما نص قانون إعادة التوطين 1961، الذي تم تمريره في ذلك الوقت، على أن يتم ذلك من أجل تنفيذ إصلاحات اجتماعية معينة، والتي من شأنها هدم ترتيبات الكيانات المعنوية التي تنتمي لزمن العصور الوسطى.
بين 1984-1997، تشير بعض التقديرات إلى أن أكثر من ثلاثة ملايين كردي تم تهجيرهم قسرًا وتعرضوا للأذى النفسي، وقتل عشرات الآلاف من الناس، ودمرت أكثر من 4000 مستوطنة بشكل كامل أو جزئي وأختفى الآلاف من الأشخاص. وحتى من حيث التنمية أيضًا، تم استخدام مشروع جنوب شرق الأناضول لتسهيل إبادة جماعية عرقية وثقافية ضد الكرد. كما تم الاعتراف بالأفعال الإبادية الجماعية للدولة التركية خلال الفترة 2000-2010 من قبل عدد من علماء الإبادة الجماعية ومحللي السياسات والمحامين والناشطين في مجال حقوق الإنسان والمنظمات السياسية.
بعد حرب الخليج الثانية، طفا على السطح أسئلة جديدة تناوش تيمات الحداثة المستمرة في أوردة الجسد الكردي، منذ بدايات القرن العشرين، والتأسيس الحداثي الدولتي العسفي لبنية الوجود داخل الكيان الكردي. من أهم هذه الأسئلة؛ سؤال الهوية. يمكن القول بداية أن هوية شعب ما تتشكل عبر مئات السنين من خلاله تفاعله مع الطبيعة وبيئته الجغرافية ومع بني جلدته ومع الشعوب الأخرى. ولأن أعضاء هذا الشعب لا يعكسون الواقع كما هو، وإنما يتفاعلون معه (فعقولهم التوليدية تبقي وتستبعد وتضخم وتهمش) وهويتهم تتشكل من خلال إدراكهم لما حولهم، ومن خلال تطلعاتهم ورؤاهم وذكرياتهم، فهي ليست مجرد انعكاس بسيط لبيئتهم. ومن هنا تكتسب الهوية فرادتها وتركيبيتها اللتين لا يمكن ردهما إلى قانون أو نمط مادي ([25]).
إذن أين المجتمع الكردي من التقسيم الثنائي للمجتمعات: حديثة، قديمة؟ وما هي المعايير التي انبنت عليها الحداثة بالسياق الغربي؟ وكيف تحولت ردة الفعل الكردي على الثمار المرة للحداثة لتكون إيقاعا هوياتيا جديدًا، شكل بذاته أداة مقاومة للعسف الحداثي الدولتي؟ صار الكردي أكثر اعتزازاً بهويته يريد اسماً يدل عليه، شفان كاوه، دلشاد، وغير ذلك، أما الذين اضطر آباؤهم إلى اختيار أسماء عربية لهم، فيتسمون بألقاب كردية، كتغليف للاسم الحقيقي المذكور في هوية الأحوال المدنية، وما زال الكثير يرفعون دعاوى تغيير الاسم إلى محاكم الأحوال الشخصية، وكأنهم بتغيير الاسم يرومون تغيير الحياة برمتها، ففي إقليم كردستان ازداد هذا النوع من الدعاوى بعد عام 1991، الكثير غيروا أسماءهم العربية إلى أسماء كردية، وبعد 2003 امتلأت المحاكم العراقية بالكثير من الدعاوى، هذا نَسَقٌ شَخْصِيَّ سلوكي، ذو وظيفة محددة، استناداً إلى منطق ذاتي منفرد مستقل، لكنه يصب في نهاية الأمر لمصلحة نسق اجتماعي مرتبط بالبيئة، باعتباره شرطاً من شروط استمرار المجتمع الكردي، كمجتمع ذي خصوصية متمايزة ([26]).
قراءة في ممكنات المستقبل
رأينا على مدار هذه الدراسة، أن ما شهدته الضحوية الكردية ليست حالة مؤقته، بل تصميم ممتد من قبل بنية دولتية تهدف إلى تحول البناء الاجتماعي الكردي والتشكيل الثقافي وشبكات الحماية السياسية التي يأتي على رأسها حزب العمال، إلى عوامل اتهام وليست أدوات مقاومة لقمع كاسح مارسته سلطة دولة أرادت بناء بنية حداثة جبرية علي الأنساق الغربية، وكان من أهم أهدافها استعمار الوجدان الجمعي، على التراب التركي الذي لم يكن ولن يكون كله تركيا بالمناسبة، بأفكار النقاء العرقي التركي وكون تركيا وطنا للأتراك الذين هم كل من يعيش على أرض تركيا، ولا دلالة على وجود غيرهم. وبالتالي، كانت هذه حداثة منقوصة، لأنها لم تأخد ب”الواقعية السياسية”، فصحيح أن الكرد كانوا خارج التشكيل السيادي للدولة؛ لكنهم كانوا مالكين للتراب وليسوا فقط كائنين. وبالتالي كان نموذج الدولة القومية الذي أُريد له أن يكون النموذج الهادي لكل أطياف الفضاء التركي، نموذجا تحديثيا مشوها بل ودمويا حد التوصيف الإبادي. إن نهج الدولة التركية تجاه المسألة الكردية لم يكن فقط واقعًا في شرك آثار الحداثة القمعية الوحشية. بل كان مرتبطا بكون الحداثة كانت مشروعا غير مكتمل في تركيا. فالانتقال من الدولة العثمانية ما قبل الحديثة إلى الجمهورية التركية تضمن تغييرًا في الشكل وليس في طبيعة السلطة السياسية. على سبيل المثال، لا يمكن تمييز النظامين بصعوبة في نهجهما تجاه المسألة القومية الأرمينية والكردية )[27]).
نشأت السياسة الغربية الحديثة، نظريةً وممارسةً، في سياق الانتقال من سلطة الدولة الاستبدادية إلى الحكومة الديمقراطية. فتم انتزاع السلطة من الملك ووضعت بين أيادي “الشعب” الذي مارس السيادة من خلال مؤسسة الدولة الديمقراطية. هناك، بالتالي، مشكلة بديلة غير قومية للمسألة الكردية تتناسب جيدًا مع المشاريع غير المكتملة للحداثة. إذن بدلاً من البدء والانتهاء بالدولة، تبدأ السياسة الديمقراطية الحديثة بالمجتمع أو الشعب أو الأمة. تستمد الحكومة السلطة من موافقة المحكومين، وليس العكس، ويتمتع الناس بحق ممارسة حق إلغاء الحكومة المسيئة. في هذا السياق، على عكس الأيديولوجية والممارسة الكمالية، لا تعامل التقاليد الديمقراطية الدولة كمؤسسة مقدسة. وبالتالي، فإن حق تقرير المصير ينتمي إلى الشعوب وليس إلى الدول: تقرير المصير هو حق مجموعة ذات هوية مميزة في تحديد مصيرها. في الأساس، تنص المبدأ على أن كل أمة – مجموعة تعرفها تاريخها وتقاليدها ولغتها وأصولها العرقية – لها حق في دولة ذات سيادة خاصة بها وحرية في ما هي أحدث ممارسة للسياسة الحديثة في هذا المجال؟ بتطبيق هذه التقاليد الحديثة على القضية الكردية، اعترفت معاهدة سيفر في عام 1920 بحق الأرمن والكرد، رعايا الإمبراطورية العثمانية، في إنشاء دولتهم الخاصة في الإقليم الذي يشكل الآن الأجزاء الشرقية من تركيا. أيضًا، وفقًا لتفسير المحكمة العليا الكندية للقانون الدولي، يحق للكرد الانفصال من جانب واحد عن تركيا لأنهم يتعرضون لـ “الخضوع أو الهيمنة أو الاستغلال الأجنبي”، ويحرمون من أي ممارسة “ذات معنى” لتقرير المصير. يحرم الشعب الكردي حتى من حقوق أساسية مثل استخدام لغته الخاصة. تكشف حقيقة أن الراحل أوزال قدم مشروع قانون إلى البرلمان للسماح للكرد بالتحدث بلغتهم (فقط في المجالات الخاصة) ولكن ليس الكتابة فيها عن الخضوع غير المقيد لشعب من قبل دولة لم يختاروها، ولم تستمد قوتها من موافقتهم ([28]).
[1] Joost Jongerden: The Settlement Issue in Turkey and the Kurds an analysis of spatial politics modernity and war, Brill Academic Publishers, Social, Economic and Political Studies of the Middle East and Asia 102, 2007, p 3
[2] Nesrin Ucarlar: Between Majority Power and Minority Resistance Kurdish Linguistic Rights in Turkey, Sweden, Lund University, 2009, pp 31 – 33
[3] Engin Sustam: Criticism of “Colonial Modernity” through Kurdish Decolonial Approaches, In: Akil HN, Maddanu S, eds. Global Modernity from Coloniality to Pandemic: A Cross-Disciplinary Perspective. Amsterdam University Press; 2022, p 160
[4] Desmond Fernandes: Modernity and the linguistic genocide of Kurds in Turkey, International Journal of the Sociology of Language, vol. 2012, no. 217, 2012, pp. 80
[5] Engin Sustam: op cit, p 165
[6] Desmond Fernandes: op cit, pp. 78 – 79
[7] Ibid: pp. 78 – 79
[8] Ibid, pp. 75 – 76
[9] Engin Sustam: op cit, p 167
[10] Ibid, p 162
[11] عبد الله أوجلان: مانيفستو الحضارة الديموقراطية المجلد الثاني المدنية الرأسمالية، ترجمة زاخو شيار، ط٣، مطبعة داتا سكرين، لبنان، ٢٠١٨، ص ٢١٠
[12] نفسه: ص ص ٢١٠ – ٢١٢
[13] نفسه: ص ص ٢١٠ – ٢١٢
[14] Ali Kemal Özcan: Turkey’s Kurds a Theoretical Analysis of the PKK and Abdullah Öcalan, London / New York, Routledge, 2006. Pp 55 – 56
[15] Desmond Fernandes: op cit, pp. 84
[16] جوردي غورغاس: الحركة الكردية التركية في المنفى، ترجمة جورج البطل، دار الفارابي، بيروت، ٢٠١٣، ص ٢٠
[17] Desmond Fernandes: op cit, pp. 85
[18] Ibid, pp. 86
[19] جوردي غورغاس: المرجع السابق، ص ٣٥
[20] Desmond Fernandes: op cit, pp. 88
[21] Ibid, pp. 89
[22] Ibid, pp. 90
[23] Ibid, pp. 87
[24] Ali Kemal Özcan: op cit. P 74
[25] عبد الكريم يحيى الزيباري: سؤال الهوية الكردية، دار الفارابي، بيروت، ٢٠١٢، ص ٣٤
[26] نفسه:٢٠١٢، ص ٣٧
[27] Amir Hassanpour: Modernity, popular sovereignty and the Kurdish question: a rejoinder to Argun, Journal of Muslim Minority Affairs, Vol. 19, No. 1, 1999, p 107
[28] Ibid, pp 107-108