أصبح تنظيم الدولة الإرهابي “داعش” يمتلك نفوذًا خطيرًا خلال السنوات الأخيرة، وبالأخص في منطقة “بونتلاند” شمال شرقي البلاد، فعلى الرغم من عدم تمتعه بدرجة الثقل التي وصلت إليها حركة الشباب، استطاع “داعش” أن يستفيد من الظروف السياسية وحالة الأمن المتدهور في الدولة لتوسيع نشاطاته الإرهابية، مما يشير إلى احتمال تصاعد المخاطر والتداعيات الناتجة عن نشاط التنظيم، ليس فقط محليًا وإنما على المستويين الإقليمي والدولي.
فتواجه الصومال تحديات كبيرة أمنيًا مع استمرار تهديد الاستقرار الداخلي، بعد أن أصبح شمال شرقي البلاد مركزًا للأنشطة الإرهابية للتنظيم، مما يضعف من قدرة الدولة على تحقيق الاستقرار السياسي والأمني داخليًا، ويشكل تعقيدات جديدة للصراع الداخلي.
وبناءً على ما سبق، يسعى التحليل الآتي إلى دراسة الأوضاع السياسي والأمنية في الصومال، مع تصاعد هجمات ونشاط تنظيم الدولة الإرهابي، والبحث في المواقف الدولية وتداعيات توسع نفوذ “داعش” محليًا وإقليميًا ودوليًا، التقليدية المهيمنة ومواقف الأحزاب الناشئة من هذه الانتخابات.
بروز التنظيمات الإرهابية:
منذ انهيار الحكومة الصومالية وتفكك المؤسسات الحكومية، وبروز تنظيم “حركة الشباب المجاهدين” كأحد أبرز التنظيمات المتطرفة، وتمكنه من السيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد في ظل الفوضى والصراع بين مختلف الفصائل المسلحة، باتت الصومال بيئة خصبة لنمو الجماعات المتطرفة، إلى أن ظهر تنظيم الدولة بها كأحد الفاعلين الجدد في الصراع عام 2015، مع تأسيس التنظيم ولاية إفريقيا، حيث شكلت هذه اللحظة نقطة تحول فارقة في خارطة الجماعات الإرهابية في الصومال، مع استمرار حالة عدم الاستقرار، والذي شكل عامل مساعد في استقطاب الشباب للتنظيمات المتطرفة.
واقتصرت إستراتيجية التنظيم في الصومال على بعض الجوانب التي من أهمها:
(*) تنفيذ عمليات إرهابية: فقد قام التنظيم بتنفيذ هجمات تشمل التفجيرات بالمناطق المختلفة وعمليات اغتيال استهدفت مدنيين وقيادات لتنظيمات أخرى مثل “حركة الشباب”، مما يؤكد رغبة التنظيم في استعراض قوته وتحدي مختلف القوى في الصراع.
(*) تجنيد المزيد من الشباب محليًا: اعتمد “داعش” على وسائل التواصل الاجتماعي وقام بتوظيفها في عمليات التجنيد للشباب، مقدمًا رسائل مغرية حول الجهاد، مستخدمًا وسائل الضغط في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة بالبلاد، خاصًة في ظل ضعف اقتصاد البلاد وتدهور الأوضاع الاجتماعية وغيرها.
(*) الصراع على النفوذ: خاض التنظيم معركة مع الحركة المسيطرة بالصومال “تنظيم الشباب” على النفوذ، فمع سعي “داعش” في التوسع وتمديد النفوذ كان تنظيم الشباب يعمل على الحفاظ على نفوذه الكبير، مما أدى إلى تزايد حدة التوتر في الصراع، مع استغلال تنظيم الدولة لقدراته على استقطاب مقاتلين جدد، وقد أدى هذا الصراع إلى تهديد الأمن الداخلي وزيادة عدد الضحايا، كما شكل عقبة امام جهود السلام.
(*) التنسيق مع التنظيمات الإرهابية على المستوى الدولي: يتمتع “داعش” في الصومال بعلاقات وثيقة مع فروع التنظيم الأخرى سواء في إفريقيا أو آسيا، وبالتحديد مع “داعش خراسان” ما يسمح له بالتنسيق والتمويل المشترك، ويعظم من قدراته على التخطيط لعمليات جديدة ومستمرة على المستوى الدولي، وبالأخص فيما يتعلق بالجاليات الصومالية في الدول العربية، واستغلال ذلك لتجنيد العناصر الإرهابية.
تزايد النفوذ:
أشارت العديد من التقارير إلى تنامي نفوذ تنظيمي “القاعدة” و”داعش” في القارة السمراء، وما نتج عن ذلك من انعدام الأمن في مناطق متفرقة من إفريقيا، وتتعدد التداعيات هناك العديد من الملامح والخصائص الرئيسية التي تميز هذه الانتخابات التشريعية في النسخة السادسة منها، والتي تنطلق في ظل ظروف استثنائية، وبسمات مختلفة، لعل من أهمها ما يلي:-
(*) تصعيد حدة العنف في العمليات: يساهم وجود تنظيم “داعش” في الصومال في زيادة وتيرة العنف وكثرة أعداد وحدة الهجمات الإرهابية، نظرًا لاعتماد التنظيم على أساليب العنف في تمكين ذاته وفرض نفوذه وسيطرته داخل المناطق المتواجد بها، كما أن تنافس “داعش” مع “حركة الشباب المجاهدين” المرتبطة بتنظيم “القاعدة” يزيد من وتيرة العنف بدرجة أعلى، مما يضاعف حجم التهديد الأمني على البلاد، فقد شهدت منطقة “بويتلاند”على وجه الخصوص سلسلة من الهجمات الإرهابية التي نفذها “داعش” مستهدفًا بذلك مسؤولين حكوميين، وأحيانَا مدنيين وأفراد الأمن.
(*) تقويض الجهود الحكومية المبذولة لمكافحة الإرهاب: تسعى قوات الأمن الصومالية إلى فرض السيطرة في مواجهة تحديات كبيرة تؤدي إلى التشتت وإضعاف القدرة على ضبط الأمن بشكل فعال، في ظل تزايد القوى الفاعلة والممارسة لنشاطات إرهابية، تستدعي بذل جهود أكبر، ومع عدم التمكن من توحيد العدو وتحديده، مما يعوق عملية استعادة الأمن والاستقرار للصومال.
(*) اختراق الثغرات الأمنية داخل الصومال: يستغل “داعش” الثغرات الجبلية الوعرة بالتحديد في “بويتلاند” والمناطق الشمالية من الصومال، لضعف انتشار الحكومة وسيطرتها على هذه المناطق، إلى جانب ميزة التضاريس المُعَقدة التي يستغلها بشكل متكرر، للتحرك والتمدد بمرونة أكبر، مما يؤدي إلى زعزعة استقرار الصومال، ويُضعف قدرة الحكومة على معالجة هذا التحدي.
(*) ممارسة الضغوط على الحكومة: حيث تؤدي حالة الاضطراب الأمني في الصومال، والتي ينتج عن تنامي انتشار التنظيمات الإرهابية، إضعاف ثقة المواطنين في الحكومة ودعم الشعوب للحكومات، لكونها تبدو عاجزة عن حماية البلاد والحفاظ على أمن الصومال واستقرار الأوضاع بالداخل، في مواجهة كافة التهديدات المتزايدة.
(*) تزايد عمليات التهريب والقرصنة: يعتمد التنظيم في نشاطه على الشبكات الإجرامية إلى جانب العمليات الإرهابية، ولاسيما ممارسة القرصنة وإجراء عمليات التهريب، لكون هذه الأنشطة توفر له موردًا ماليًا، وبالتالي قد يؤدي هذا النشاط إلى التأثير على اقتصاد البلاد المتدهور بالفعل، نتيجة تهديده بدرجة أكبر من العزلة الاقتصادية، وتجنب الدول الاستثمار في البلاد، بالإضافة إلى تعقيد الجهود الدولية لإعادة إعمار الصومال، في ظل سيطرة التنظيمات الإرهابية واستمرار عدم الاستقرار سمة أساسية من سمات الوضع القائم بالدولة.
بناءً على ما سبق، يمكن القول بأن نقوذ التنظيم يشكل عائقًا كبيرًا لجهود السلام وإعادة إعمار الصومال، ويُعتَبر أهم تحدي لدى الحكومة الصومالية، مما يستدعي تقييم ودراسة مخاطر التنظيم وكيفية القضاء على نفوذه المتسع في البلاد، ومواجهة نفوذه بالمنطقة بأكملها، حيث تتخطى مخاطر التنظيم الأبعاد المحلية لتشمل تأثيرات إقليمية ودولية أكثر خطورة، في ظل خلق بيئة مواتية تسمح بتدفق وتزايد عمليات التمويل بين فروع التنظيم عبر إفريقيا وآسيا، مما ستطلب أيضًا بذل جهود أكبر واستيعاب شامل للمخاطر وكافة الأبعاد، على كافة المستويات محليًا وإقليميًا ودوليًا، للحد من تجنيد المتطرفين، وتعزيز استقرار الصومال والمنطقة بأكمها.
وبالتالي، فإن مواجهة مخاطر التنظيم تتطلب أن يتم الاعتماد على التعاون الدولي والإقليمي لتضييق مساحات انتشار التنظيم ومحاربة سبل حصول فروعه على التمويل، من أجل التمكن من إضعافه والقضاء على نفوذه المتسع، مع التركيز على دعم الجهود المحلية للحفاظ على الاستقرار ومحاولات تحقيق التنمية الشاملة، لمعالجة البيئة التي سمحت بتوافر فرص نشأة وتطور التنظيمات المتطرفة سواء داخل الصومال أو الدول المجاورة، وغيرها من الدول التي مازال للتنظيم تواجد بداخلها.