تأثيرات فوز ترامب على الأوضاع الإقليمية والدولية.. حلقة نقاشية جديدة بمركز آتون
تتجه الأنظار على مدار الأيام الماضية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مع فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري بالانتخابات الرئاسية، وبفارق كبير عن منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، في اقتراع أتى ومنطقة الشرق الأوسط تعج بالأزمات المتفجرة لا سيما في فلسطين ولبنان، فضلًا عن أزمات دولية مثل أوكرانيا وكذلك العلاقات مع الصين.
في هذا السياق، عقد مركز آتون للدراسات جلقة نقاشية جديدة لمناقشة تلك القضايا والملفات ولقراءة متعمقة في فوز ترامب، وقد استضاف الكاتب والباحث السياسي الكبير والخبير في الشؤون الأمريكية إيميل أمين كمتحدث رئيسي، بحضور الكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون العربية العزب الطيب الطاهر، والكاتب الصحفي أحمد أبوبكر، والكاتب الصحفي محمد عامر، فيما قدم الندوة الكاتب الصحفي فتحي محمود مدير مركز آتون للدراسات.
فوز صادم
وفي بداية حديثه، قال الكاتب والباحث إيميل أمين إن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية بهذا الفارق غير المتوقع تثير الكثير من التساؤلات، فقد كانت الأمور ضبابية حتى الخامس من نوفمبر، لدرجة أن ترامب نفسه كان لديه شكوكاً وهواجس حول احتمالية فوزه، أو أن فوزه على الأقل لو حدث سيكون بفارق نصف بالمئة.
وأضاف أنه بالتالي فنحن أمام نتيجة مختلفة لم نشهدها منذ انتخابات عام 1996 عندما فاز بيل كلينتون، حيث تجاوز ترامب 300 صوت في المجمع الانتخابي بشكل لم يتوقعه أحد، وكأننا في مرحلة صدمة، لكن الواقع يقول إن هذا الرجل أثبت، بلا شك، أنه استثنائي؛ فقد جاء من خارج المؤسسة السياسية الحزبية المعروفة ومن عالم العقارات وقرر الترشح عام 2016، ورغم أن التوقعات كانت لصالح منافسته هيلاري كلينتون آنذاك، تمكن من الفوز.
ويلفت إلى أنه على مدار أربع سنوات من ولايته الأولى أثار ترامب الجدل، لكن كانت علاقته بالشرق الأوسط جيدة إلى حد ما، خاصة مع دول الخليج العربي ومصر، كما حرّك ملف السلام وفقًا لرؤيته الخاصة (السلام الإبراهيمي)، حتى لو اختلفنا معه إلا أنه حركه بشكل كبير، مشيراً إلى أن التيار اليساري الديمقراطي لعب دورًا لمنع هذا الفوز، ولا يزال هذا التيار يهدد رئاسة ترامب حتى الآن.
هزيمة الديمقراطيين.. لماذا؟
وعن أسباب سقوط منافسته، يقول الكاتب إيميل أمين إنه كان واضحًا أن كامالا هاريس تحمل إخفاقات أربع سنوات من ولاية جو بايدن، الذي كان يصفه ترامب بـ”جو النعسان”، وقد تمكن المرشح الجمهوري من الفوز بسبع ولايات متأرجحة، ما يؤكد أن الجمهوريين عرفوا كيف يحشدون جهدهم، ما أدى إلى فوز ساحق يصعب التلاعب فيه.
ويلفت إيميل أمين كذلك إلى بعد يتعلق بالتركيبة الديمغرافية للشعب الأمريكي، فالمخاوف باتت تسود أمام الرجل الأبيض الذي تتوقع دراسات أن يتحول إلى أقلية بين مجموعة أقليات في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2040، وبالتالي مثل ترامب فرصة للحفاظ على مكانة الرجل الأبيض، لا سيما وأنه يطلق العديد من الوعود بشأن التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين.
ثم يلفت إيميل أمين إلى سبب آخر لهزيمة الديمقراطيين وهي العوامل الاقتصادية، فالمواطن الأمريكي أكثر ما يعنيه هو أجره الذي سيحصل عليه نهاية الأسبوع، وقد كان لإدارة جو بايدن بعض الإخفاقات الاقتصادية ربما ارتبطت بموجة انتشار فيروس كورونا وغيرها، لكنها أثرت بشكل كبير على قرارات دافع الضرائب الأمريكي في الاستحقاق الانتخابي الأخير.
ومن بين ما أشار له الكاتب إيميل أمين، خلال حديثه، دور رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك، الذي يجب الانتباه إلى الدور الذي يقوم به هذا الشخص في الإدارة الأمريكية، منوهاً إلى أنه قد يتم ترشيحه للرئاسة الأمريكية حتى لو تم تعديل الدستور لأجله، كونه من مواليد جنوب أفريقيا، داعياً الدول العربية إلى ضرورة أن ينظروا بعناية إلى تأثير ماسك وأن يكون لهم شكلاً من أشكال التواصل معه أو قناة اتصال به.
ملفات دولية
بعد ذلك، تطرق الكاتب إيميل أمين إلى بعض الملفات الدولية التي ستكون على طاولة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، من ذلك الملف الأوكراني والذي قال إنه سيتم تسويته بطريقة أو بأخرى، لا سيما في ظل وجود علاقة ود بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا سيما وأن ساكن البيت الأبيض الجديد صاحب عقلية تجارية قادرة على إبرام الصفقات.
أما عن الملف الصيني، فيرى أن التعامل الأمريكي مع هذه القضية إشكالية سواء للجمهوريين أو الديمقراطيين، فالحزبين يريان أن الصين تمثل تهديدًا كقطب منافس للولايات المتحدة، فضلًا عن أن العلاقات بين البلدين مليئة بالفخاخ منها ما يتعلق ببحر الصين الجنوبي، أو جزيرة تايوان، أو مبادرة الحزام والطريق، وملف التعريفات الجمركية، بالإضافة إلى قضايا الصراع السيبراني والذكاء الاصطناعي.
الشرق الأوسط
انتقل بعد ذلك الكاتب إيميل أمين إلى الحديث عن الشرق الأوسط، وأعرب عن توقعاته أن يُحدث ترامب تغييرات، وإن لم تكن بمعجزات، في ظل التوافق الكبير بينه وبين صانعي القرار في منطقة الشرق الأوسط، مرجحًا أن يكون لديه قدرًا من الحرية والقوة في قراراته، لأنه في ولايته الثانية والأخيرة، وبالتالي يكون الرئيس الأمريكي أكثر تحرراً من الضغوط.
وينوه أمين إلى أنه من الجدير بالذكر النظر إلى أصوات العرب والمسلمين، التي ذهبت إلى دونالد ترامب في الانتخابات، مشيراً كذلك إلى أن إسرائيل تخسر يوميًا في الولايات المتحدة، بسبب أنها أصبحت أمام أجيال أمريكية جديدة ليست محملة بالولاءات التوراتية تجاه إسرائيل، والتي تدعم الدولة الإسرائيلية من منطلق ديني، ومن ثم فإن هذا الإرث الأمريكي لإسرائيل يتراجع.
أما عن الملف الإيراني، فيقول إيميل أمين إن موقف ترامب في ولايته الأولى كان واضحًا تجاه طهران، حيث ألغى الاتفاق النووي سيء السمعة الذي وقعه الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2015، وقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني عام 2020، وأثّر اقتصاديًا على النظام الإيراني، إلى جانب حظره جماعة الحوثيين اليمنية الموالية لطهران.
وذكر كذلك أن ترامب يؤمن أن المشروع النووي الإيراني لا يجب أن يكتمل، لكن هنا يجب الأخذ في الاعتبار أن البرنامج النووي الإيراني يمكن أن يكون قد اكتمل، كذلك يجب النظر إلى مدى أهمية الأسلحة النووية التي ربما تتراجع لصالح الأسلحة التي تقوم على الذكاء الاصطناعي وحروب الجيلين الخامس والسادس، التي يمكن أن تدمر دولة بها دون أن تطلق رصاصة واحدة.
استراتيجية عربية
انتقلت الكلمة إلى الكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون العربية العزب الطيب الطاهر والذي ركز بشكل كبير على مواقف الدول العربية من الانتخابات الرئاسية الأمريكية والحاجة إلى امتلاك استراتيجية موحدة للتعامل نتائجها، منتقدًا افتقار التعامل العربي إلى المحددات، لا سيما وأن ترامب يتبنى شعار أمريكا أولاً ويتصرف بعقلية رجل العقارات وما يعنيه مصالح دولته أولًا – وهذا ليس عيبًا – ولكن أن يكون لدى الدول العربية خطة أمرًا ضروريًا.
ويرى الطاهر أن ترامب في ولايته الثانية ربما يفكر في إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، ولن يطرح صفقة القرن بالشكل الذي طرح خلال ولايته الأولى من خلال صهره جاريد كوشنر في السابق، ولكن ذلك سيتطلب الضغط على نتنياهو ونخبته العسكرية والاستيطانية وتيار اليمين الذي يشاركه الحكم والذين يرفضون مسألة إقامة دولة فلسطينية، مؤكداً أن ترامب قادر على الدفع باتجاه تحقيق أهدافه رغم كل هذه الضغوط.
ويرى الكاتب الصحفي أن إشكالية ترامب في أنه لا يتحرك وفق استراتيجية أو خطة واضحة، فهو يتحدث عن وقف الحرب بصفة عامة دون أن يوضح كيف، في الوقت الذي يعتزم فيه تعيين سفير جديد في القدس المحتلة معروف أنه يدعم الحرب على غزة، ومن هنا على العرب أن يحددوا ما الذي يجب على الرئيس الأمريكي الجديد القيام به لمواصلة مسار التطبيع الذي كان يتبناه في ولايته الأولى.
رائحة مخطط جديد
أما الكاتب الصحفي أحمد أبوبكر فقد أعرب عن شعوره العميق بالأسى والحزن والتشاؤم الذي يصل إلى حد الهلع والفزع، وأنه يشتم رائحة مخطط قائم ومحدد بشأن الشرق الأوسط، وبالتالي فإن السؤال الأهم يكون حول الآليات العربية للتعامل مع هذا المخطط، مذكراً أن ترامب في الولاية الأولى اعترف بالسيادة الإسرائيلية على القدس المحتلة وعلى هضبة الجولان.
وأضاف أن الواقع الحالي يقول إن إسرائيل تتوسع وتسيطر على مناطق جديدة في فلسطين ولبنان، وبالتالي ربما يوافق ترامب على السيطرة الإسرائيلية في تلك المناطق ويعتبرها تابعة لتل أبيب، حتى لو لم يعلن ذلك رسيمًا وصراحة، لافتاً إلى أن الرئيس الجديد دعا بعض قادة المستوطنين الإسرائيليين إلى حضور حفل تنصيبه.